إسلام ويب

شرح زاد المستقنع - كتاب الأطعمة [3]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحيوان المقدور عليه يذكى بفري الودجين والحلقوم، وأما ما عجز عنه فيجزرحه في أي مكان من بدنه، ويسمي المذكي عند ذبحه فإن تركها سهواً أبيحت، واختلف في تركها عمداً. وذكاة الجنين ذكاة أمه، والصيد مشروع، ولحل المصيد شروط ذكرها الفقهاء.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثالث: قطع الحلقوم والمريء، فإن أبان الرأس بالذبح لم يحرم المذبوح، وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة والواقعة في بئر ونحوها، بجرحه في أي موضع كان من بدنه، إلا أن يكون رأسه في الماء ونحوه فلا يباح.

    الرابع: أن يقول عند الذبح: باسم الله، لا يجزيه غيرها، فإن تركها سهواً أبيحت لا عمداً، ويكره أن يذبح بآلة كآلة، وأن يحدها والحيوان يبصره، وأن يوجهه إلى غير القبلة، وأن يكسر عنقه أو يسلخه قبل أن يبرد.

    باب الصيد. لا يحل الصيد المقتول في الاصطياد إلا بأربعة شروط:

    أحدها: أن يكون الصائد من أهل الذكاة.

    الثاني: الآلة، وهي نوعان: محدد يشترط فيه ما يشترط في آلة الذبح، وأن يجرح، فإن قتله بثقله لم يبح، وما ليس بمحدد كالبندق والعصا والشبكة والفخ، لا يحل ما قتل به، والنوع الثاني: الجارحة فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة.

    الثالث: إرسال الآلة قاصداً، فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح إلا أن يزجره فيزيد في عدوه بطلبه فيحل.

    الرابع: التسمية عند إرسال السهم أو الجارحة، فإن تركها عمداً أو سهواً لم يبح، ويسن أن يقول معها: الله أكبر كالذكاة].

    تقدم لنا شيء من أحكام الذكاة، وذكرنا من هذه الأحكام شروط صحة الذكاة، وأنه يشترط للذكاة شروط، الشرط الأول: أهلية المذكي، والمراد بالأهلية أمران: الأمر الأول: العقل، وعلى هذا فلا تصح تذكية المجنون ولا السكران ولا المغمى عليه ولا الصبي الذي لم يميز؛ لقول الله عز وجل: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3]، فهذا يدل على اشتراط القصد، ومن لا عقل له لا قصد له.

    والأمر الثاني مما تعتبر له الأهلية: الدين، وذكرنا أن الدين يراد به أمران: الإسلام، فالمسلم ذكاته حلال بالإجماع.

    والأمر الثاني: الكتابي اليهودي أو النصراني، فذكاة اليهودي وذكاة النصراني مباحة؛ لقول الله عز وجل: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5]، وذكرنا أن الكتابي يشترط لتذكيته شروط، وذكرنا أربعة شروط.

    قطع الحلقوم والمريء

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: (الثالث: قطع الحلقوم).

    الشرط الثالث من شروط صحة التذكية: قطع الحلقوم، وهو مجرى النفس، والمريء، وهو مجرى الطعام، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، أنه لابد من قطع هذين: الحلقوم والمريء، وهذا أيضاً مذهب الشافعية، واستدلوا على ذلك بأن قطع هذين تنعدم بهما الحياة، فالحلقوم هو مجرى النفس، والمريء هو مجرى الطعام، فإذا قطع هذان المجريان انعدمت الحياة.

    والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله أنه لابد من قطع ثلاثة من أربعة من غير تعيين، والودجان: عرقان غليظان يحيطان بالعنق، والحلقوم والمريء، هذه أربعة لابد من قطع ثلاثة منها من غير تعيين، وهذا هو المشهور من مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وعند المالكية لابد من قطع ثلاثة لكن على سبيل التعيين، لابد من قطع الودجين، وكذلك أيضاً لابد من قطع الحلقوم وهو مجرى النفس.

    والمتأمل للسنة حديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل)، فالنبي صلى الله عليه وسلم اشترط انهار الدم، ولا يكون انهار الدم إلا بقطع الودجين؛ لأن الحكمة من التذكية هي تطييب الحيوان المذكى بإزالة هذه الرطوبات منه وإخراجها، ولذلك ما لا نفس له سائلة لا يحتاج إلى تذكية، يباح بلا تذكية، فالجراد الذي لا نفس له سائلة، ليس له دم يسيل عند قتله، هذا لا حاجة إلى تذكيته.

    فعلى هذا نقول: الأقرب والله أعلم في هذه المسألة أنه لابد من فري الودجين، فيكون ما ذهب إليه المالكية أنه لابد من قطع الودجين والحلقوم، قريباً من الصواب، أو نقول: قول الحنفية لابد من قطع ثلاثة من أربعة؛ لأنه إذا فريت هذه الأوداج حصلت الحكمة، وأيضاً حصل ما اشترطه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله)، هنا شرطان، أما قول الحنابلة والشافعية: إنه يكتفى بقطع الحلقوم والمريء فهذا ضعيف.

    قال رحمه الله: (المريء).

    وهذا كما تقدم هو مجرى الطعام والشراب.

    كيفية ذكاة ما عجز عنه

    قال رحمه الله: (وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة الواقعة في بئر ونحوها بجرحه في أي موضع كان من بدنه).

    الحيوان المأكول لا يخلو من أمرين:

    الأمر الأول: أن يكون مقدوراً عليه، فهذا لابد من تذكيته في محل الذكاة كما تقدم، بقطع ثلاثة من أربعة.. إلى آخره.

    والأمر الثاني: أن يكون غير مقدور عليه، فهذا تذكيته بجرحه في أي موضع من بدنه، ولهذا سيأتينا ما يتعلق بالصيد، الصيد حيوان غير مقدور عليه، يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه، فإذا جرحته في أي موضع من بدنه كفى.

    فنقول: الحيوان المأكول إن كان مقدوراً عليه لا يحل إلا بالذكاة، وإذا كان غير مقدور عليه، مثل: الصيد، والنعم المتوحشة التي هربت، ومثل ما ذكر المؤلف رحمه الله: (وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة الواقعة في بئر إلى آخره)، هذا إذا كان لا يقدر عليه يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه، ويدل لذلك حديث رافع بن خديج في الصحيح: (أنهم كانوا في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فند بعير -هرب- فحبسه رجل بسهم، أي: ضربه بسهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لهذه الحيوانات أوابد كأوابد الوحش، فما صنع هكذا فاصنعوا به هكذا )، يعني: ما ند منها فاصنعوا به هكذا، يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه.

    وهذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم علي وابن مسعود وابن عمر وعائشة رضي الله تعالى عن الجميع، وعلى هذا نقول: ما عجز عن تذكيته إما لكونه ند أو لكونه صيداً أو لكونه كما ذكر المؤلف رحمه الله وقع في بئر ونحو ذلك، فهذا يكفي أن تجرحه في أي موضع من بدنه.

    قال المؤلف: (إلا أن يكون رأسه في الماء ونحوه) مما يقتله لو انفرد، لو كان رأسه في الماء سقط في البئر ورأسه أصبح في الماء، فهنا اجتمع حاظر ومبيح فلا يحل، ويدل لذلك حديث عدي رضي الله تعالى عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد يجده في الماء فيأكله أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، لا تدري أسهمك قتله أم الماء، وسأله أنه يجد مع كلبه كلباً آخر هل يأكل؟ فقال: لا تأكل، لا تدري أكلبك قتله أو الكلب الآخر).

    فيقول المؤلف رحمه الله: إذا كان هذا الذي وقع في الماء ونحو ذلك اجتمع شيء يقتله وجرحه، أنت جرحته وأيضاً وجد شيئاً يقتله فلا تأكله؛ لأنه اجتمع الآن حاظر ومبيح فيغلب جانب الحظر، لحديث عدي رضي الله تعالى عنه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088561539

    عدد مرات الحفظ

    777341501