إسلام ويب

شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من عقد يميناً ثم بدا له التراجع عما حلف عليه فإنه يعد حانثاً في يمينه، ويلزمه على ذلك الكفارة، وحتى يحكم على الحالف بأنه حنث في يمينه أو لم يحنث لابد من تمييز ما يرجع إليه في الحكم على اليمين، وابتداء ذلك يكون بالرجوع إلى نية الحالف عند احتمال اللفظ، ف
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد فعليه كفارة واحدة، وإن اختلف موجبها كظهار ويمين بالله لزماه ولم يتداخلا.

    باب جامع الأيمان: يرجع في الأيمان إلى نية الحالف إذا احتملها اللفظ ، فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها، فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين، فإذا حلف لا ألبس هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة، ولبسه أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخاً، أو زوجة فلان هذه أو صديقه فلاناً، أو مملوكه سعيداً، فزالت الزوجية والملك والصداقة، ثم كلمهم، أو لا أكلت لحم هذا الحمل، فصار كبشاً، أو هذا الرطب فصار تمراً أو دبساً أو خلاً، أو هذا اللبن فصار جبناً أو كشكاً ونحوه، ثم أكله حنث في الكل إلا أن ينوي ما دام على تلك الصفة.

    فصل: فإن عدم ذلك رجع إلى ما يتناوله الاسم وهو ثلاثة: شرعي وحقيقي وعرفي. فالشرعي ما له موضوع في الشرع وموضوع في اللغة، فالمطلق ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح، فإذا حلف لا يبيع أو لا ينكح فعقد عقداً فاسداً لم يحنث، وإن قيد يمينه بما يمنع الصحة كأن حلف لا يبيع الخمر أو الخنزير حنث بصورة العقد، والحقيقي هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته كاللحم، فإن حلف لا يأكل اللحم فأكل شحماً أو مخاً أو كبداً ونحوه لم يحنث، وإن حلف لا يأكل أدماً حنث بأكل البيض والتمر والزيتون ونحوه، وكل ما يصطبغ به، ولا يلبس شيئاً فلبس ثوباً أو درعاً أو جوشناً أو نعلاً حنث، وإن حلف لا يكلم إنساناً حنث بكلام كل إنسان، ولا يفعل شيئاً فوكل من فعله حنث؛ إلا أن ينوي مباشرته بنفسه.

    والعرفي من اشتهر مجازه فغلب الحقيقة كالرواية والغائط ونحوهما فتتعلق اليمين بالعرف، فإذا حلف على وطء زوجته أو وطء دار تعلقت يمينه. بجماعها وبدخول الدار، وإن حلف لا يأكل شيئاً فأكله مستهلكاً في غيره كمن حلف لا يأكل سمناً فأكل خبيصاً فيه سمن لا يظهر فيه طعمه، أو لا يأكل بيضاً فأكل ناطفاً لم يحنث، وإن ظهر شيء من المحلوف عليه حنث.

    فصل: وإن حلف لا يفعل شيئاً ككلام زيد ودخول دار ونحوه ففعله مكرهاً لم يحنث، وإن حلف على نفسه أو غيره ممن يقصد منعه كالزوجة والولد أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً حنث في الطلاق والعتاق فقط، أو على من لا يمتنع بيمينه من سلطان وغيره ففعله حنث مطلقاً، وإن فعل هو أو غيره ممن قصد منعه بعض ما حلف على كله لم يحنث ما لم تكن له نية].

    من أحكام الأيمان، وذكرنا من ذلك ما يتعلق بأقسام الأيمان، وما هي اليمين التي تدخل الكفارة، واليمين التي لا تدخل الكفارة، وأن اليمين التي يحلفها على أمر مستقبل ممكن، هي اليمين التي تدخل الكفارة، وأما اليمين الغموس فلا كفارة فيها على الصحيح، وذكرنا أن اليمين الغموس تضمن الكفارتين.

    كذلك أيضاً تقدم لنا اليمين اللغو، وخلاف أهل العلم رحمهم الله تعالى في اليمين اللغو، وأن المشهور من مذهب الإمام أحمد أن لغو اليمين تحته صورتان:

    الصورة الأولى: ما يجري على لسان الشخص من قوله: لا والله وبلى والله.

    الصورة الثانية: أن يحلف بناء على غلبة الظن، وذكرنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أضاف صورة ثالثة.

    ثم بعد ذلك تطرقنا لتحريم غير الزوجة، وتطرقنا أيضاً إلى كفارة اليمين.

    تعدد الأيمان وموجبها واحد

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد فعليه كفارة واحدة).

    أي: لا يختلف الموجب، بأن يكون الموجب هو الحنث بعد أن حلف بالله، لأن الموجب قد يكون واحداً، وقد يكون مختلفاً، فإذا اختلف الموجب هذا له حكم، وإذا اتحد الموجب هذا له حكم.

    فإذا اتحد الموجب بأن تكون اليمين أو أن تكون الأيمان كلها بالله عز وجل، وإذا اختلف الموجب تكون اليمين بالله، وتكون بالظهار، وتكون بالنذر.

    أما إذا اتفق موجبها، ومعنى ذلك أن ما أوجبها هو شيء واحد لم يختلف، كأن يكون الحلف بالله عز وجل، فقال المؤلف رحمه الله: (فعليه كفارة واحدة) إذا تكررت الأيمان، فإن كفر عن اليمين الأولى يجب عليه أن يكفر عن اليمين الثانية بالاتفاق.

    وإذا لم يكفر عن اليمين الثانية فهل تكفي كفارة واحدة إذا كان الموجب واحداً، كأن تكون كلها بالله عز وجل، إذا لم يكفر، مثلاً قال: والله لا آكل من هذا الطعام، ثم أكل منه، والله لا أشرب من هذا الشراب، ثم شرب منه، والله لا ألبس هذا الثوب ثم لبسه، والله لا أكلم زيداً ثم كلمه، تجمعت عليه أيمان، فهل تجب عليه بكل يمين كفارة أو تجب كفارة واحدة؟ قلنا: إن كفر وجبت كفارة أخرى لليمين الثانية، وإذا لم يكفر فهل تجب كفارات أو نقول: تكفي كفارة واحدة؟

    هذه المسألة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

    القسم الأول: أن يكرر اليمين على شيء واحد، يعني أن تكون اليمين واحدة، وأن يكون المحلوف عليه واحداً، فهذا لا يجب عليه إلا كفارة واحدة عند جماهير العلماء، وقد ورد ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح، مثلاً قال: والله لا أشرب هذا الشراب، والله لا أشربه، والله لا أشربه، هنا المحلوف عليه واحد وإن تكررت اليمين، خلافاً للحنفية الذين يرون أن لكل يمين كفارة.

    القسم الثاني: أن يكون اليمين واحداً والمحلوف عليه متكرراً، والصورة لذلك يقول: والله لا آكل هذا الطعام، ولا أشرب هذا الشراب، ولا ألبس هذا الثوب، ولا أركب هذه السيارة، فاليمين واحدة، والمحلوف عليه متعدد، أيضاً هنا نقول: يجب كفارة واحدة، وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله أنه لا يعلم في ذلك خلافاً.

    القسم الثالث: أن تكون اليمين متكررة، والمحلوف عليه متعدداً مختلفاً، مثال ذلك أن يقول: والله لا أشرب هذا الماء، والله لا آكل هذا الطعام، والله لا ألبس هذا الثوب، والله لا أركب هذه السيارة، اليوم حلف على الطعام، وغداً حلف على الشراب، وبعد غد حلف على الركوب، فالمذهب كفارة واحدة، وعلى هذا فالذي عنده أيمان كثيرة كلها بالله عز وجل، يكفيه كفارة واحدة، هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد .

    والرأي الثاني: وهو رأي جماهير أهل العلماء، أنه تجب عليه كفارات؛ لأن اليمين متعددة، والمحلوف عليه مختلف، فنقول: بأنه تجب عليه كفارات، وهذا القول هو الصواب، ويدل له قول الله عز وجل: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ [المائدة:89]، وهنا في كل مرة عقد اليمين فتجب عليه كفارة.

    تعدد الأيمان وموجبها مختلف

    قال رحمه الله: (وإن اختلف موجبها كظهار ويمين بالله لزماه).

    أي: الكفارتان، ولم يتدارك، إذا اختلف الموجب، حلف بالله عز وجل، وكذلك أيضاً عليه كفارة ظهار، وأيضاً عليه كفارة نذر، فلكل كفارة مستقلة ولا تتداخل، فكفارة الظهار وكفارة اليمين، يجب أن يخرج كفارة الظهار، ويجب أن يخرج كفارة اليمين، وأيضاً يجب عليه أن يخرج كفارة النذر ولا تتداخل.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088549770

    عدد مرات الحفظ

    777271487