إسلام ويب

شرح زاد المستقنع - كتاب القضاء [3]للشيخ : خالد بن علي المشيقح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المدعي إذا لم يكن له بينة على خصمه فله اليمين على خصمه، وإن نكل المدعى عليه باليمين قضي عليه، والدعوى لا تقبل إلا أن تكون محررة، وللقاضي أحوال تجاه البينة والشهود تزكية وجرحاً، كما أن الحكم على الغائب فيه حالات يراعيها القاضي عند القضاء.
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن قال المدعي: ما لي بينة، أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه على صفة جوابه، فإن سأل إحلافه أحلفه وخلى سبيله، ولا يعتد بيمينه قبل مسألة المدعي، وإن نكل قضى عليه، فيقول: إن حلفت وإلا قضيت عليك، فإن لم يحلف قضى عليه، وإن حلف المنكر ثم أحضر المدعي بينته حكم بها، ولم تكن اليمين مزيلةً للحق.

    فصل فيما تصح به الدعوى والبينة:

    ولا تصح الدعاوى إلا محررةً معلومة المدعى به، إلا ما تصححه مجهولاً كالوصية وعبد من عبيده مهراً ونحوه، وإن ادعى عقد نكاح أو بيع أو غيرهما فلا بد من ذكر شروطه، وإن ادعت امرأة نكاح رجل لطلب نفقة أو مهر أو نحوهما سمعت دعواها، فإن لم تدع سوى النكاح لم تقبل، وإن ادعى الإرث ذكر سببه.

    وتعتبر عدالة البينة ظاهراً وباطناً، ومن جهلت عدالته سئل عنه، وإن علم عدالته عمل بها، وإن جرح الخصم الشهود كلف البينة به، وأنظر له ثلاثاً إن طلبه.

    وللمدعي ملازمته، فإن لم يأت ببينة حكم عليه، وإن جهل حال البينة طلب من المدعي تزكيتهم، ويكفي فيها عدلان يشهدان بعدالته، ولا يقبل في الترجمة والتزكية والجرح والتعريف والرسالة إلا قول عدلين.

    ويحكم على الغائب إذا ثبت عليه الحق، وإن ادعى على حاضر في البلد غائب عن مجلس الحكم، وأتى ببينة لم تسمع الدعوى ولا البينة.

    باب كتاب القاضي إلى القاضي:

    يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق، حتى القذف، لا في حدود الله، كحد الزنا ونحوه، ويقبل فيما حكم به لينفذه وإن كان في بلد واحد، ولا يقبل فيما ثبت عنده ليحكم به إلا أن يكون بينهما مسافة قصر، ويجوز أن يكتب إلى قاضٍ معين، وإلى من يصل إليه كتابه، من قضاة المسلمين، ولا يقبل إلا أن يشهد به القاضي الكاتب، شاهدين، فيقرأه عليهما ثم يقول: أشهد أن هذا كتابي إلى فلان ابن فلان ثم يدفعه إليهما.

    باب القسمة: ولا يجوز قسمة الأملاك التي لا تنقسم إلا بضرر أو رد عوض إلا برضا الشركاء كالدور الصغار، والحمام والطاحون الصغيرين، والأرض التي لا تتعدل بأجزاء ولا قيمة].

    تقدم لنا شيء من أحكام القضاء ومن ذلك ما يتعلق بشروط القاضي، وأنه يشترط في القاضي شروط:

    الشرط الأول: أن يكون بالغاً.

    الشرط الثاني: أن يكون عاقلاً.

    الشرط الثالث: أن يكون ذكراً.

    الشرط الرابع: أن يكون حراً.

    وكذلك أيضاً أن يكون مسلماً، سميعاً، متكلماً، عدلاً، مجتهداً.. إلى آخره.

    كذلك أيضاً تقدم لنا ما يتعلق بالآداب التي ينبغي أن يكون عليها القاضي.

    وكذلك أيضاً تقدم لنا هل يحكم القاضي بعلمه أو لا يحكم بعلمه؟ وذكرنا في هذه المسألة تفصيلاً.

    وكذلك أيضاً تقدم لنا فيما إذا حضر إليه الخصمان, فإن القاضي له حالتان:

    الحالة الأولى: أن يبدأهما بأن يقول: أيكما المدعي؟

    الحالة الثانية: أن يسكت حتى يبدأه الخصمان.. إلى آخره.

    وتقدم لنا أنه إذا سمع الدعوى من المدعي, فإن المدعى عليه لا يخلو من حالتين:

    الحالة الأولى: أن يقر، فإذا أقر بما ادعاه المدعي فإنه يحكم عليه.

    الحالة الثانية: أن ينكر، فإذا أنكر دعوى المدعي قال للمدعي: إن كان لك بينة فأحضرها إن شئت، فإذا أحضر البينة سمعها القاضي، وتقدم أن المؤلف قال: (ويحرم عليه أن يرددها أو أن يعنتها) ونحو ذلك.

    ما يلزم القاضي إذا لم يكن للمدعي بينة

    ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن قال المدعي: ما لي بينة؛ أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه).

    إذا أنكر المدعى عليه ما ادعاه المدعي، فيقال للمدعي: إن كان لك بينة فأحضرها، إن أحضرها سمعها القاضي، إذا قال المدعي: ما لي بينة أعلمه القاضي أن له اليمين على خصمه.

    ويدل لذلك: (أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم حضرمي وكندي، فقال الحضرمي: يا رسول الله! هذا غلبني على أرض لي. فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي وليس له فيها حق.

    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه)، وهذا هو الشاهد، وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه من حديث وائل بن حجر الحضرمي رضي الله تعالى عنه.

    قال: (على صفة جوابه).

    يعني: تكون اليمين على صفة جواب المدعي، المدعي قال: أقرضته ألف ريال، قال القاضي: أعطنا البينة، قال المدعي: ليس هناك بينة، وقد أنكر المدعى عليه، فنقول للمدعى عليه: عليك اليمين على صفة جواب المدعي، وعلى هذا يقول: والله ما أقرضني ألف ريال، هكذا يكون على صفة جوابه، يعني: على جواب المدعي، فيقول: والله ما أقرضني ألف ريال.

    قال: (فإن سأل).

    يعني: المدعي سأل القاضي أن يحلف المدعى عليه.

    قال: (أحلفه وخلى سبيله).

    إذا حلف المدعى عليه يخلى سبيله؛ لأن الأصل براءة ذمته.

    قال: (ولا يعتد بيمينه قبل مسألة المدعي).

    يعني: إذا كان المدعي ليس له بينة يعلمه القاضي، يعلم القاضي المدعي أن له اليمين على خصمه، وحينئذ يسأل المدعي القاضي أن يحلفه.

    ولو حلف المدعى عليه قبل سؤال المدعي تحليفه هل يعتد بهذه اليمين أو لا يعتد؟

    للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان, المؤلف رحمه الله يرى أنه لا يعتد بها، وهذا قول جمهور العلماء، أنه لا يعتد بيمين المدعى عليه حتى يسأل؛ لأن الحق له، المدعي يسأل القاضي أن يحلف المدعى عليه، والقاضي يقوم بأمره بالحلف.

    وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، واستدلوا بما تقدم من حديث وائل بن حجر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمدعي: (ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه).

    والرأي الثاني: ذهب إليه أبو يوسف من الحنفية: أنه لا حاجة إلى أن يسأل المدعي القاضي أن يحلف المدعى عليه، بل القاضي مباشرةً له أن يحلف المدعى عليه.

    وهذا القول يظهر والله أعلم أنه هو الأقرب؛ لأن إقامة الدعوى قرينة على الطلب؛ لأنه لا حاجة أن يسأل المدعي القاضي أن يحلفه، بل القاضي يقوم بتحليفه وإن لم يسأل المدعي القاضي تحليفه، لكن لو حلف قبل أن يأمره القاضي بالحلف هل يعتد بذلك أو لا يعتد؟ نقول: لا يعتد.

    فعندنا أمران:

    الأمر الأول: حلف قبل سؤال المدعي وقلنا: الأقرب أنه يعتد.

    الأمر الثاني: حلف قبل سؤال القاضي، وهذا لا يعتد به.

    نكول المدعى عليه عن اليمين

    قال: (وإن نكل قضي عليه).

    ولو قال المدعى عليه: أنا لا أحلف، فإنه يقضي عليه بالنكول، وعلى هذا لو قال المدعي: أنا أريد منه ألف ريال قرضاً، فأنكر المدعى عليه، يقال للمدعي: أعطنا البينة، قال: ما عندي بينة، قلنا له: لك يمينه، فقال له القاضي: احلف أنك ما اقترضت منه ألف ريال، قال: لا أحلف ونكل، فإنه يقضى عليه بالنكول، ويلزم بالألف.

    وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن اليمين لا ترد على المدعي، لا نقوم برد اليمين على المدعي، وهذا هو المذهب ومذهب الحنفية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث وائل بن حجر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لك يمينه)، يدل على أن اليمين تكون على المدعى عليه، قال للمدعي: (ألك بينة؟ ثم قال: ولك يمينه)، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي، واليمين على من أنكر).

    والرأي الثاني: رأي المالكية والشافعية: أن اليمين ترد على المدعي، فإن حلف المدعي فإنه يستحق الدعوى، وإن نكل ولم يحلف سقطت دعواه.

    ودليلهم على ذلك قالوا: بأن اليمين وإن وردت في جانب المدعى عليه فهي أيضاً واردة في جانب المدعي، كما سيأتينا في أحاديث القسامة.

    ويدل لذلك أيضاً قول الله عز وجل: فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [المائدة:107] .

    الرأي الثالث: التفصيل في هذه المسألة، وهو إن كان المدعي عالماً بما يدعيه من صدق نفسه وصحة دعواه فإنه يجوز رد اليمين عليه؛ لأنه سيحلف وهو يعلم صدق نفسه، فإن امتنع سقطت دعواه، وإن كان الذي يعرف بحقيقة الأمر هو المدعى عليه ولا يشاركه في ذلك المدعي فإن اليمين لا ترد.

    وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: بأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

    قال: (فيقول: إن حلفت وإلا قضيت عليك).

    يقول القاضي للمدعى عليه: إن حلفت خليت سبيلك، وإلا تحلف قضيت عليك، فإن لم يحلف قضى عليه.

    قال: (فإن حلف المنكر ثم أحضر المدعي بينةً حكم بها ولم تكن اليمين مزيلةً للحق).

    لو قال المدعي: لا أعلم لي بينة، قلنا: لك اليمين على المدعى عليه، حلف المدعى عليه وحينئذ إذا حلف المدعى عليه يخلي القاضي سبيله ويحكم له، المدعي بعد أن حلف المدعى عليه تذكر البينة إن كان قد نسي البينة، أو أن أحداً يعلم بالحق وجاء وشهد، فهل ينظر إلى البينة بعد حلف المدعى عليه أو لا ينظر إلى البينة؟

    قال المؤلف رحمه الله: ينظر إلى البينة، واليمين لا تكون مزيلةً للحق، فالقاضي يحكم بالبينة واليمين لا تكون مزيلةً للحق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم البينة على اليمين، فقال في حديث وائل بن حجر : (ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قدم البينة على اليمين.

    وهذا رأي جماهير أهل العلم رحمهم الله تعالى؛ ولأن المدعي قد يقول: أنا لا أعلم أن لي بينة، قد يكون نسي البينة، وقد يكون أيضاً لا يعلم البينة، هناك من يعلم الحق لكنه يجهل هذه البينة.

    فالصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم خلافاً لما ذهب إليه الظاهرية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088541250

    عدد مرات الحفظ

    777220427