قال المؤلف رحمه الله: [كتاب العدد تلزم لوفاة مطلقاً، ومفارقة الحياة إن دخل أو خلا وكان ابن عشر، والمعتدات ست: الحامل، وعدتها من وفاة وغيرها وضع ما تصير به أمه أم لد].
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (كتاب العدد).
مناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة، فإن المؤلف -رحمه الله تعالى- لما ذكر الطلاق أتبعه بما يكون بعد الطلاق، فذكر الرجعة.. إلى آخره، ثم بعد ذلك عرج على العدد، وذكر قبل العدد الظهار واللعان، ولو أنه قدم العدد بعد الرجعة وأخر أحكام الظهار واللعان بعد العدد لكان أحسن وأنسب.
والعدد في اللغة: جمع عدة، وهي مأخوذة من العد والحساب، وهو ما تعده المرأة من أيام أقرائها أو حملها.
وأما في الاصطلاح فهو: تربص محدود شرعاً، بسبب فرقة نكاح وما يلحق به.
والعدة الأصل فيها من حيث الدليل القرآن والسنة والإجماع بالجملة، أما القرآن فقول الله عز وجل:
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ
[البقرة:228]، والآيات كثيرة كما سيأتينا إن شاء الله، وأما السنة فسيأتينا كما في قصة سبيعة الأسلمية رضي الله تعالى عنها، وأما النظر الصحيح فسيأتينا في الحكمة من العدة.
العدة لها حكم، فالحكمة منها:
أولاً: القيام بحق الله.
وثانياً: القيام بحق الزوج.
وثالثاً: القيام بحق الزوجة.
ورابعاً: القيام بحق الولد.
فالعدة فيها القيام بهذه الحقوق الأربعة، ولهذا كان من محاسن الشريعة شرعية هذه العدة، أو هذا التربص.
فعندنا أولاً القيام بحق الله عز وجل، بالاستجابة لأمر الله بهذا التربص، وتعظيم ما شرعه من أحكام كبيان خطر النكاح وعظمه إلى آخره، وأما القيام بحق الزوج فهو بيان الأسف على فراقه بهذا التربص، وإظهار الحزن، وكذلك أيضاً تطويل زمن المراجعة حتى يكون له فسحة في ذلك، وأما القيام بحق الزوجة فهو كما سلف أيضاً تطويل زمن المراجعة، وما يحصل للزوجة من السكنى إذا كانت رجعية والنفقة في مدة العدة، وكذلك أيضاً إذا كانت حاملاً، وإن كانت النفقة لها من أجل الحمل.
وأما القيام بحق الولد ففي ذلك حفظ الأنساب، وعدم اختلاط المياه، والآن في الطب الحديث أيضاً يقولون بأن العدة سبب للوقاية من الأمراض، يعني: من أين أتت الأمراض التي بسبب الفواحش؟
أتت من تكرر الوطء، يعني: في حالة الزنا يتكرر الوطء على المرأة، وتختلف المياه، فينشأ من ذلك هذه الجراثيم، فإذا حصل الطلاق بين الزوجين وحصل الاتصال، ثم تربصت المرأة هذه الفترة إلى آخره، حصل تجدد عند المرأة لاستقبال ماء آخر غير الماء الأول فلا ينشأ عنه ما يوجد في الزنا، وسبب الإيدز الموجود الآن وهذه الأمراض الفتاكة هي وجود هذه المياه عند المرأة واختلافها، فينشأ من هذا هذه الأمراض والجراثيم، لكثرة هذه المياه واختلاطها، فكان هذا أيضاً من الحكمة من وجود مثل هذه العدة، وهذا من محاسن الشريعة.
حكم عدة الوفاة
حكم عدة المطلقة
قال: (والمعتدات ست: الحامل، وعدتها من وفاة وغيرها وضع ما تصير به أمة أم ولد).
هذه الأولى من المعتدات الحامل، وبدأ بها المؤلف رحمه الله؛ لأن الحامل هذه يسميها العلماء أم العدد، لماذا هي أم العدد؟ لأنها تقضي على كل عدة، عدة الوفاة التي هي أوسع العدد تقضي عليها عدة الحمل، كما تقدم لنا أن عدة الوفاة تجب مطلقاً دخل أو لم يدخل، سواء كان صغيراً أو كبيراً.. إلى آخره، فالحامل هذه تقضي على كل عدة، ولهذا لو أنه مات عنها وبعد نصف ساعة ولدت انتهت عدة الوفاة، وخرجت المرأة من العدة.
يقول المؤلف رحمه الله: (الحامل وعدتها من وفاة وغيرها وضع ما تصير به أمة أم ولد).
جمهور العلماء: أن الحامل تنتهي عدتها بوضع كل الحمل، والرأي الثاني: أن الحامل تعتد أطول الأجلين من الأربعة الأشهر وعشراً أو مدة الحمل، فلو أنها توفي عنها زوجها وهي في أول الحمل فإنها تجلس تسعة أشهر، وهي غالب الحمل، وهنا تعتد بالحمل أي: حتى تضع، ولو أن زوجها توفي عنها وهي في نهاية الحمل فإنها تعتد حتى تضع، وقال بعضهم: أربعة أشهر وعشراً، وهو الرأي الثاني، وهذا قال به بعض العلماء كـسحنون من المالكية، وقال به جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما ثبت عن علي بن أبي طالب بإسناد صحيح، وابن عباس، وأبي السنابل، وابن مسعود، لكن الصحابة رجعوا، فـابن عباس كما في الصحيحين رجع لما جاءه خبر سبيعة الأسلمية، وابن مسعود وأبو السنابل هؤلاء رجعوا. ودليل الجمهور قصة سبيعة الأسلمية رضي الله تعالى عنها كما في الصحيحين من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها، (فإن سبيعة توفي عنها زوجها، فلم تلبث إلا ليالٍ ثم ولدت، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه الصلاة والسلام: انكحي ).
وأما الذين قالوا تعتد بأطول الأجلين، فكما تقدم آثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وأيضاً أخذوا بآية:
وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
[الطلاق:4]، والآية:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
[البقرة:234]، والصحيح في ذلك ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله؛ لدلالة السنة، فإن سبيعة ما مكثت إلا ليال معدودة.. سبع ليال، ثم بعد ذلك نفست، فرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح، فنقول بأن قوله تعالى:
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
[البقرة:234] هذا في الحائل، أما الحامل فهذه عدتها وضع كل الحمل، ولا تخرج من العدة إلا أن تضع جميع الحمل، وأيضاً متى تكون نفاساُ؟ لا تخلو من حالات: إن وضعت نطفة، هل تخرج من العدة أو لا تخرج؟ لا تخرج، بل لا بد من العدة، ولا يعتبر هنا قولنا: إذا كانت متوفى عنها لا بد من أربعة أشهر وعشراً، وإذا كانت غير متوفى عنها لا بد من القروء، إذا وضعت نطفة لا ينظر إلى ذلك، وضعت علقة أيضاً نقول: لا ينظر إلى ذلك، وضعت مضغة قطعة لحم، ننظر إن تبين فيها خلق إنسان فإنها تكون نفساء وتكون خرجت من العدة، وإن لم يتبين فيها خلق إنسان فإنها لم تخرج من عدتها، وتأخذ حكم غير الحامل، ويتبين فيه خلق إنسان بوجود تخطيط ولو خفي، قال المؤلف: (ما تصير به أمة أم ولد) والأمة تصير أم ولد إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان.