إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون! اتقوا الله تعالى واعبدوه واشكروا له وإليه ترجعون.
في هذه الأيام نتسامع عن كثير من سنن الله الكونية في بعض الدول، زلازل وبراكين وأعاصير وفيضانات أذهبت آلافاً من البشر، وأخفت مدناً بأكملها، وأهلكت الحرث والنسل.
إن إهلاك أولئك وأخذهم له أسباب، على المسلم أن يحذرها تمام الحذر، أتدورن ما هو سبب إهلاك تلك الأمم وأخذها وحصول البلاء والمحن؟ السبب في الجملة الإعراض عن منهج الله عز وجل، واقتراف المعاصي، والمجاهرة بذلك من الداني والقاصي.
قال الله عز وجل:
فأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ
[الأنعام:6].
وقال سبحانه:
فأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
[آل عمران:11].
ترك العمل والتحاكم إلى الكتاب والسنة
الظلم وتعدي حدود الله
ظهور الربا والزنا
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في موعظة له بعنوان: جزاء المخالفين لأمر رب العالمين، قال: مخالفة الأمر توجب سخط الآمر، والإصرار على المخالفة أعظم منها، ما أسرع العقوبة إلى المسارع إلى المعصية! وما أبعد الفلاح عمن لا تؤدبه العقوبة! كيف يطمع في الزيادة منه مضيع للشكر؟ وكيف تدوم التوسعة لقوم كلما اتسعت أرزاقهم ضيقوا على فقرائهم؟ المستعين بالنعم على المعاصي مستوجب للسلب، ومن لا يتأدب بالرزية في ماله أدبته الرزية في نفسه، ثم قال: فتوبوا إلى الله مما أنتم عليه من العصيان، تبصروا فإنكم عن قريب إليه صائرون، فهل أنتم على عذابه صابرون، أو على بأسه قادرون؟ فاتقوا الله بفعل ما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه، وإدامة الذكر له، استشعار الخشية منه، ولا تكونوا ممن ينام تحت الضرب ويظهر الجلد، فإن الله إذا عاقب لم يقم لعقابه أحد.
قال رحمه الله: غضب بعض الملوك على بعض من هو تحت يده، فحبسه في دار واسعة وأجرى عليه رزقاً واسعاً، ثم سأل عنه فقيل: إنه متجلد غير مكترث، فأمر بنقله إلى ما هو أضيق منه وأشد، ثم لم يزل كذلك كلما أخبروه عنه بقلة مبالاته بعقوبة الملك، نقله إلى ما هو أضيق منه وأشد حتى أمر بقتله، فكذلك العبد إذا عصى ربه وجه إليه أخف عقابه، فإن هو استقال واستغاث بربه أقاله وأغاثه، وإن هو أصر على ذنبه واستهان بعقوبته شدد عليه ما يوجه إليه من العذاب، كذلك أبداً حتى يكون أحد أمرين: إما أن يتوب إلى الله من معاصيه، وإما أن يتمادى في طغيانه ويصر على عصيانه، ففي الأول يعاقبه الله ويصطفيه، وفي الثاني يخلده في دار نقمته.
ثم قال رحمه الله: العذاب مصبوب على أهل سخط الله، والسخط حال على أهل معصية الله، والمعصية لازمة لمن له الشيطان ملازم، وإنما يلازم الشيطان من عشا عن ذكر الله ونسيه، فاحذروا الغفلة عن ذكر الله، فإنه أصل كل بلية وجالب كل رزية، انتهى كلامه رحمه الله.