عباد الله! ومن أنواع الابتلاءات اليوم ما ابتلي به مجتمع بلادنا من خروج هذه الفئة الضالة التي خرجت على جماعة المسلمين، إنهم أغيلمة صغار يعيشون عزلتين: عزلة نفسية وعزلة علمية، انطواء على الذات، وانفصال عن المجتمع وأهل العلم، وعزل من مرجعيات معتبرة، وبعد عن وسط أهل العلم وبيئتهم، ومن ثم لي النصوص الشرعية، وتوظيف دلالاتها غير الدالة في تبرير فكرهم وأعمالهم، ليعيشوا في بيئة متعالمة ضيقة، قائمة على التحيز والتعصب، والاستدلال المنبت عن أصوله وضوابطه المعتبرة، ولقد علموا -إن كانوا يعلمون- أنه لا يوجد أحد من أهل العلم أجاز مثل هذه الأعمال والتصرفات، فليحذر من يتقي الله ربه، وينصح لدينه وأهله أن يسوغ لمثل هذه الأعمال.
أيها المسلمون! إن المخاطر كثيرة، وإن مكر الأعداء كبير، وهذا كله يستوجب يقظة الجميع في مواجهة كل فكر ضال.
إن هذا الإفساد يستهدف الجميع، وتهدد نتائجه وآثاره الجميع.
يجب توعية الناشئة، وتذكيرهم ليعظموا أوامر الله وحرماته، ويحذروا سخطه ونواهيه، وكما تدرك الأمة عظم ذنب تارك الصلاة، يجب أن تدرك عظم هذا الإفساد وخطره على الدين والدنيا، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، وهو الذي قال: (لزوال الدنيا أهون عند الله من إراقة دم مسلم) وهو الذي قال: (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وهو الذي قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)، وهو الذي قال: (من خرج على أمتي بسيفه يضرب برها وفاجرها فليس مني ولست منه)، وهو الذي قال: (من رفع علينا السلاح فليس منا).
إننا بحاجة إلى المواجهة بكلمة الحق والقول السديد لكل فساد على اختلاف أنواعه، ينهض به العالم والمعلم، والواعظ والخطيب، والمفكر والكاتب، فإلى الله المشتكى من نابتة أغرار، حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، ركبوا رؤوسهم، وتكبروا على المسلمين غروراً وتيهاً، فأحدثوا فتناً وفواجع وشروراً، وبكل مرارة وأسى، إنهم أبناؤنا بغوا علينا، وأولادنا خرجوا علينا، كفى بهم لؤماً ودناءة أن ينشئوا على تراب هذه البلاد، ويأكلوا من خيراتها، ثم يقلبوا لها ظهر المجن، نسفاً وتخريباً.
لقد بلغ السيل الزبى، وجاوز الظلم والطغيان مداه، ووصل الأمر منتهاه، ذرفت الدموع الشجام، وترملت النساء الكرام، وتيتم الأطفال، لقد أوسعونا من الفوضى والتخريب والعبث.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 
[الحشر:18].
عباد الله! إن من أعظم أسباب انحراف هؤلاء الجهل والعزلة عن المجتمع، وعدم أخذ العلم من أهله، وغفلة الأسرة، والعجب بالنفس، وهذه كلها من الصوائل على الحق، وعلاجها أخذ العلم من أهله وأبوابه.
ومن الأسباب أيضاً الغلو في دين الله، والغلو هو سبب الهلاك، قال عليه الصلاة والسلام: (إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)، الغلو مشاقة لهدي الإسلام، وإعراض عن منهجه في الوسطية والاعتدال والرحمة واليسر والرفق، الغلو ظلم للنفس وظلم للناس، صد عن سبيل الله؛ لما يورثه من تشويش وتمثيل.
والغلاة يتعصبون لجماعتهم، ويجلعونها مصدر حق، ويغلون في قادتهم ورؤسائهم، ويتبرءون من غيرهم.
قال أبو قلابة: ما ابتدع رجل بدعة إلا استحل السيف.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، يجمعون بين الجهل بدين الله وظلم عباد الله، وبئست الطامتان الداهيتان.
إن مصير الغلاة هو الهلاك بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون).
إن مسالك الغلو لا تهزم القيم ولا تقيم المنجزات، ولا تحرر شعباً، ولا تقيم مذهباً، ولا تنصر حزباً.
إن الغلو وسفك الدماء لا يكون شريعة، ولا يكون مسلكاً مقبولاً.
إن الغلو والعنف لا يحمل غير التخريب والإفساد، لا يفلح في مسلكه، ولن يكسب تعاطفاً، بل يؤكد الطبيعة العدوانية لتوجهات أصحابه الفكرية، فالعقول كلها تلتقي على استنكاره ورفضه والبراءة من أصحابه، ومن ثم فإنه يبقى علامة شذوذ، ودليل انفراد وانعزالية.
وإننا لندعو هؤلاء الذين ضلوا بأفكارهم أن يداووا أنفسهم، وأن يرجعوا إلى الله تعالى، وأن يعودوا إلى رشدهم، وألا ينجرفوا وراء أحد في الضلال، وأن يقبلوا على العلم الشرعي من الكتاب والسنة، وأن يسألوا عما أشكل عليهم من الشبه من أهل العلم الموثوقين ليرشدوهم ويزيلوا عن قلوبهم هذا العمى، وأن يحذروا هذه الأعمال المجحفة، وأن يتذكروا عظم ذنبها عند الله عز وجل.
اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم صلِ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن صحابته أجمعين، وأخص منهم الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين: أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة المبشرين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم انصر المسلمين عليهم، اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم ثبت أقدامهم، وسدد رميهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم، اللهم ارحم موتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، اللهم أكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ربنا هب لنا من أزواجنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد.