إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 
[آل عمران:102].
عباد الله! ها نحن في الثلث الأخير من هذا الشهر المبارك، في العشر الأخيرة منه، في أفضل لياليه، بل هذه الليالي التي نعيشها هي أفضل ليالي الدنيا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان أفضل من ليالي العشر الأول من شهر ذي الحجة، وأيام العشر الأول من شهر ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأخيرة في شهر رمضان.
وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في فضل هذه العشر، ففي صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)، وفي الصحيحين قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد المئزر وأحيا ليله وأيقظ أهله)، ففي هذا الحديث استحباب الاجتهاد في هذه العشر، ومن ذلك اعتزال النساء تفرغاً للعبادة من الصلاة والذكر والدعاء.
وفيه أيضاً أنه يستحب للمسلم أن يحيي الليل كله، وفيه أيضاً أنه يستحب للمسلم أن يوقظ أهله للصلاة والذكر في هذه الليالي المباركة؛ حرصاً على اغتنام هذه الليالي بما هي جديرة به من العبادة، فإنها فرصة العمر وغنيمة لمن وفقه الله عز وجل، فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليالٍ معدودة ربما يدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات المولى، فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة.
التحذير من تضييع العشر في غير طاعة الله
مشروعية الاعتكاف في العشر
محظورات الاعتكاف
فضائل ليلة القدر
تحديد ليلة القدر
عباد الله! من لم يغتنم هذه الليالي المباركة كم فاته من الأرباح؟ ومن لم يسابق بالأعمال الصالحة كم خسر من الدرجات والحسنات؟ ففي هذه الليالي يفتح الباب، ويسمع الخطاب، ويرد الجواب، فاجتهدوا رحمكم الله في طلبها، فهذا أوان الطلب، واحذروا من الغفلة ففي الغفلة العطب، أكثروا في هذه الليالي من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـ
عائشة رضي الله عنها: (
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)، الهجوا وأكثروا من قول: يا ذا الجلال والإكرام!
اعتنوا بقيام الليل في هذه الليالي المباركة، وعظموه واجتهدوا فيه، وذلك بعمل آدابه من افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، ومن تحري أدعية الاستفتاحات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الاستعداد لذلك بقلة الطعام، وبالسواك، كما هو هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم اجعلنا من السابقين إلى الخيرات، الهاربين من المنكرات، الآمنين في الغرفات، الموفقين لقيام ليلة القدر، اللهم أعنا على قيامها، اللهم اجعلنا ممن يقومها إيماناً واحتساباً برحمتك يا ارحم الراحمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بنا علمتنا، وزدنا علماً يا عليم يا حكيم، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واقض الدين عن المدينين، اللهم فك أسرى المأسورين، اللهم ردهم إلى بلادهم سالمين غانمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم صل على محمد.