الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم وأبارك على سيدنا وحبيبنا محمد بن عبد الله، ونترضى عن صحابته أجمعين.
أما الصفة الثانية من صفات الوارثين للفردوس الأعلى المفلحين، فقد قال الله سبحانه وتعالى:
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ
[المؤمنون:3].
واللغو فسره بعض المفسرين بأنه الشرك، وفسره بعضهم بأنه المعاصي، وفسره بعضهم بأنه كل ما لا فائدة فيه، وهذا هو أقرب التفاسير، فاللغو: هو كل ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، فحري بالمسلم وجدير به أن يزن أقواله وأفعاله، وأن ينظر إلى أقواله وأفعاله، فإنها لا تخلو من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: قول أو فعل ظهرت فيه المصلحة، فليقدم عليه المسلم، وذلك كذكر الله عز وجل، والدعوة إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة كتاب الله، وكالصلاة والاعتكاف والحج وصلة الأرحام وبر الوالدين، وغير ذلك من الأفعال والأقوال الطيبة الصالحة، فليقدم عليها العبد المسلم، وليشغل جوارحه بها.
أما القسم الثاني: فأقوال وأفعال ظهرت مفسدتها، فيجب على المسلم أن يكف عنها، وذلك كالغيبة والنميمة، والسخرية والاستهزاء والبذاءة والكذب واللعن والطعن والسباب، ونحو ذلك من الأقوال الفاسدة المحرمة، وكذا يعرض عن استماع الغناء والوقوع في الفواحش، وأكل الربا وأكل مال اليتيم، وغير ذلك مما حرم الله عز وجل.
أما القسم الثالث: فأقوال وأفعال لم تظهر مصلحتها ولا مفسدتها، فقد ذكر العلماء كـالنووي وغيره أن السنة أن يمسك عنها، وقد جاء في ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، وقد جاء أيضاً في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه المخرج في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين بها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).
وقد قال الله عز وجل:
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
[ق:18]، وقال سبحانه:
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا
[الإسراء:36].
فإذا كان الكلام أو الفعل لا تترتب عليه مصلحة، فالسلامة لا يعدلها شيء، فحري بالمسلم أن يمسك عن ذلك، فإن هذا من لغو الكلام وفضوله، إلا إذا كان يترتب على هذا الكلام المباح مصلحة، كإيناس زوج أو ضيف أو صديق أو نحو ذلك، لكن عليه أن يتحرز في كلامه، فإن الكلام يجر بعضه بعضاً، فقد يكون مبتدؤه مباحاً ثم يجر ذلك إلى الكلام المحرم.
هاتان صفتان من صفات المفلحين الذين يرثون الفردوس الأعلى، وسنكمل هذه الصفات إن شاء الله في لقاء قادم، فنسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المؤمنين المفلحين الذين يرثون الفردوس الأعلى، اللهم اجعلنا من ورثة الفردوس الأعلى يا أرحم الراحمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ عليهم دماءهم، واحفظ عليهم أموالهم، واحفظ عليهم أعراضهم، اللهم من أرادهم بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، وجعل اللهم تدبيره في تدميره، وجعل اللهم الدائرة عليه يا قوي يا عزيز، اللهم إنا ندرأ بك في نحور الظالمين، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، وفك أسر المأسورين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم, اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وجعلنا للمتقين إماماً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.