أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله! يشيع الإسلام المحبة بين المسلمين، وتوثق شرائعه روابط الود بين المؤمنين، وتنهى تعاليمه عن كل ما يخل بتآلفهم، وصفاء نفوسهم، ولكن الشيطان قاعد للإنسان بطرقه كلها، ينزغ ويوسوس ويؤنب، وينصب رايته في الإفساد، ولئن كان كيد الشيطان ضعيفاً فما أكثر الناس ولو حرصت بالمؤمنين، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13].
إن أذية المسلم بأي شكل كانت وبأي وسيلة تمت هي من نزغات الشيطان، وهي استجابة يضعف فيها الإنسان، وينسى فيها أو يتناسى رقابة الرحمن، وهي بلاء يبلى بها بعض الناس، ويبتلي الله بها آخرين، وإذا كانت أذية غير المسلم منهياً عنها في الشريعة فما الظن بأذية المسلم لأخيه في الإسلام، (ومن قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)، أما أذية المؤمن فقد عظم الله أمرها ورتب العقوبة عليها، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)، وصعد عليه الصلاة والسلام المنبر فنادى بصوت رفيع: (يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف رحله).
ونظر ابن عمر رضي الله عنهما يوماً إلى البيت، فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمةً عند الله منك، رواه الترمذي بإسناد صحيح.
ما أحوجنا إلى هذا الفهم لقيمة المسلمين وحرماتهم، ومن لم يخش عقوبة الآخرة فلينتظر عقوبةً معجلةً في الدنيا.
قال الأحنف بن قيس رحمه الله: من أسرع إلى الناس فيما يكرهون، قالوا فيه ما لا يعلمون.
وقال الشاعر:
من دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل
من نم في الناس لم تؤمن عقاربه على الصديق ولم تؤمن أفاعيه
كالسيل بالليل لا يدري به أحد من أين جاء ولا من أين يأتيه
فالويل للعهد منه كيف ينقضه والويل للود منه كيف يفنيه
ومن مظاهر أذية المسلمين: أذيتهم في بيوتهم، كالمعاكسات الهاتفية من بعض قليلي الإيمان، وهذا محرم ولا يجوز، قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله في رسالته أدب الهاتف: فهذه الاتصالات والمعاكسات وايم الله حرام حرام، وإثم وجناح، وفاعله حري بالعقوبة، فيخشى أن تنزل به عقوبة تلوث وجه كرامته.
وعفوا تعف نساءكم.
ومن صور أذية المسلمين: حركات التفحيط في السيارات، ورفع أصوات إطاراتها، وترويع المسلمين، فهذا كله محرم، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58].
ومن ذلك: رفع أصوات الغناء عند الإشارات المرورية دون حياء أو تقدير لمشاعر الآخرين.
ومن ذلك: الجلوس في الطرقات، أو عند أبواب مدارس البنات للنظر للنساء والفتيات، ومن قدر له الجلوس في الطرقات لغرض صحيح فلا بد أن يعطي الطريق حقه.
ومن أذية المسلمين: مماطلتهم في حقوقهم، وعدم القيام بعقودهم، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1].
وقال عليه الصلاة والسلام: (مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته).
وقد يتحول الأذى إلى المسلمين في مساجدهم، كمن جاء للمسجد وفي فمه رائحة كريهة من ثوم أو بصل أو كراث أو دخان ونحو ذلك، أو جعل في هاتفه النقال نغمات موسيقية تؤذي المصلين وملائكة الرحمن، فليتق أولئك الذين يجعلون في هواتفهم النقالة ما يؤذي المسلمين، وليتقوا دعاء المسلمين في بيوت الله وهم يؤدون صلاة الله.
إن مما يحفظ العلاقة الزوجية المعاشرة بالمعروف، وإن الكمال في البيت وأهل البيت أمر متعذر، والأمل في استكمال كل الصفات فيهم بعيد المنال في الطبع البشري.
ومن رجاحة العقل ولب التفكير توطين النفس على قبول بعض المضايقات، والغض عن بعض المنغصات، والرجل وهو رب الأسرة مطالب بتصبير نفسه أكثر من المرأة، كيف وقد علم أنها ضعيفة في خلقها وخلقها، إذا حوسبت على كل شيء عجزت عن كل شيء، والمبالغة في تقويمها يقود إلى كسرها، وكسرها طلاقها.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما أمر بالإحسان إلى خلقه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي قال: (ألا إن المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
عباد الله! وأذية الجار لجاره نوع من الأذى المنهي عنه، فللجار المسلم حق الجوار إضافةً إلى حق إخوة الإسلام، وسواء كان ذلك بإسماعه ما يكره، أو بتتبع عوراته وإفشاء أسراره، أو تخوينه فيما هو مؤتمن عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) رواه مسلم عن أبي هريرة.
وفي الصحيحين: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره).
ألا واحذروا الأذية للخدم والسائقين، بتكليفهم ما لا يطاق، أو بمطلهم حقوقهم، أو بتتبع عوراتهم، والنظر إليهم، فاتقوا الله فيهم.
كذلك أيضاً اتقوا الله في عمالكم، من كان تحت يده شيء من إخوانه فليطعمه مما يطعم، ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما لا يطيق، واتقوا الله عز وجل فيهم بتعليمهم أمور دينهم، فهم أمانات في أيديكم، علموهم العقيدة الصحيحة، وأركان الإسلام، (ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، (ومن سن في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).
وقد قيل:
إذا أنا كافيت الجهول بفعله فهل أنا إلا مثله إذ أحاوره
ولكن إذا ما طاش بالجهل طائش علي فإني بالتحلم قاهره.
وقال الآخر:
احفظ لسانك إن لقيت مشاتماً لا تجرين مع اللئيم إذا جرى
من يشتري عرض اللئيم بعرضه يحوي الندامة حين يقبض ما اشترى
ومن الأمور التي تحسن لمن أوذي أن يتجاهل المؤذي حتى لا تكون فتنة.
قال الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمة قلت لا يعنيني
وأجمل من ذلك: ألا يحمل الحقد أو الاشتغال بمعايب من آذاه، بل يدفع عنه.
قال الشاعر:
إذا قدحوا لي نار حرب بزندهم قدحت له في كل مكرمة زنداً
وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً
ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقد
لا شك أن هذه مرتبة علية لا يستطيعها إلا عظماء الناس.
إياك والأذى لعباد الله بأي نوع من الأذى، فأعراض المسلمين كالميتة، ولحوم العلماء مسمومة، وليس يخفاك أن الله يعفو ويصفح، أما الخلق فستطلب حقها منك في يوم لا تملك فيه إرضاءهم بالدرهم والدينار، بل يؤخذ من حسناتك، فإن فنيت قبل قضاء حقوقهم أخذ من سيئاتهم فطرحت عليك، ثم طرحت في النار.
أيها المسلم! كن عنصراً نافعاً في مجتمعك تجمع وتؤلف، وتصلح ولا تفرق، وما الأمة المسلمة بحاجة إلى مزيد من الفرقة، بل حاجتها إلى الألفة والتعاون على الخير ودفع الشر لا تقل عن حاجتها إلى الطعام والشراب.
وقال عليه الصلاة والسلام: (من تشبه بقوم فهو منهم).
وأيضاً من الأعياد المحدثة وفيها تشبه بالنصارى: أعياد الميلاد التي تتابع فيها بعض الناس اليوم، فإذا مر على ميلاد طفله مثلاً سنة أقاموا له احتفالاً، وإذا مر له سنتان أقاموا احتفالاً مرةً أخرى، وهذا أيضاً محرم ولا يجوز، وما في الشريعة خير وأبقى وبركة، إذ المشروع أن تذبح عنه العقيقة في يوم السابع، وأن يعنى بتربيته التربية الصالحة.
وأيضاً من الأعياد المحدثة: ما يفعله بعض الأزواج إذا مر على زواجه سنة مثلاً أقام لذلك احتفالاً مع زوجته، وإذا مر سنتان أقام احتفالاً آخر إلى آخره، وهذا أيضاً من الأعياد المحدثة.
عباد الله! من الأمور المنكرة: التشاؤم بشهر صفر، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به فيما يتعلق بالزواج، فلا يزوجون فيه، والطيرة شرك، والطيرة هي التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم، فيمتنع من العمل في ذلك الزمان، أو إذا رأى ذلك المرأى، أو سمع تلك الكلمة، وهذا من الشرك الأصغر، ومن مداواة المنهي بالمنهي عنه قول بعض الناس أو كتابتهم: صفر الخير.
اللهم ارزقنا الفقه في دينك، والعمل بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن صحابته أجمعين، وأخص منهم الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية صحابة نبيك أجمعين.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصرهم على أعدائهم من اليهود المغتصبين، والنصارى الحاقدين، اللهم عليك باليهود المغتصبين والنصارى الحاقدين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل اللهم الدائرة عليهم يا قوي يا عزيز. اللهم احفظ المسلمين والمسلمات في كل مكان، اللهم احفظهم بحفظك التام، واحرسهم بعينك التي لا تنام، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل اللهم تدميره في تدبيره، واجعل اللهم الدائرة عليه.
اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اجعل ما أصابهم رفعةً لدرجاتهم وتكفيراً لسيئاتهم، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر