إسلام ويب

تفسير سورة الزخرف [33-43]للشيخ : المنتصر الكتاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله عز وجل يثيب المتبع لدينه والممتثل لأمر رسوله في الدنيا والآخرة، كما يعاقب المعرض الصاد في الدنيا بأن يسلط عليه الشياطين فيزينون له أفعاله وأقواله حتى إذا جاء يوم القيامة بدا له ما كان فيه من غرور، وعلم أن الشيطان إنما استزله ليكونا قرينين في العذاب الدائم السرمدي في النار.
    قال تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35].

    يخبرنا الله أن الدنيا كلها ليست شيئاً؛ يقول: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [الزخرف:33] (لولا) حرف امتناع لامتناع، امتنع أن يجعل الله لكل الكافرين هذه البيوت التي سقفها من ذهب وفضة وفيها أنواع الزخرف في أبوابها وسقوفها وحيطانها وسررها، حتى لا يجعل الناس جميعاً كفرة.

    والمعنى: لولا أن الناس وهم سراع إلى المال وإلى الدنيا وإلى الجاه! لولا أنهم سيسرعون إلى الكفر ويكونون جميعاً أمة واحدة كافرة لمتعنا الكفار وأعطيناهم نعيمهم في الدنيا كاملاً؛ لأن ما سيكون بعد ذلك هو الخزي الشديد والعذاب المقيم، فلولا أن الناس تعجبهم الدنيا لجئنا للكافرين وجعلنا لبيوتهم سقفاً من فضة، وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ [الزخرف:33]، أي: سلالم من فضة.

    عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ [الزخرف:33] أي: يرتقون بطبقة فوق طبقة ويصعدون إلى العلو.

    ولجعلنا لبيوتهم أبواباً من فضة (وسرراً): جمع سرير، من فضة يتكئون عليها، وذلك من أنواع الفضة اللينة التي تليق بذلك.

    (وزخرفاً) أي: ذهباً وزينة، أي: من كل ما يريدون في حياتهم الدنيا من زخارف وزينة.

    قوله: وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزخرف:35]، أي: فما كل ذلك الذهب والفضة والسرر والسقف والأبواب إلا متاع الحياة الدنيا، أي: متاعاً زائلاً غير باق؛ لأن كل إنسان يئول به الأمر إلى الموت، وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ [الزخرف:35] ليس كل ذلك لَمَّا [الزخرف:35] وقرئ (لَمَا) أي: ليس كل ما ذكر إلا متاعاً مؤقتاً ومتعة زائفة زائلة غير دائمة.

    وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:35] الآخرة الدائمة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فهي للمتقين، تلك الدار الخالدة التي فيها الحور العين وفيها الخمر التي لا لغو فيها ولا تأثيم، وفيها الحوض الذي من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ومن له قصر من ذهب هناك لو ظهر في الدنيا لكان قصره خيراً من الدنيا وما فيها وما عليها، وأخرج أحمد وأصحاب السنن عن سهل بن سعد الساعدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو كانت هذه الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة لما سقى منها كافراً شربة ماء).

    ولذلك فالإنعام على الكافرين فيه زيادة استدراج لهم ولقيام الحجة عليهم.

    وقد جاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد بلغه أنه طلّق أزواجه فوجده في علية له في بيته فاستأذن ودخل فوجد رسول الله واضعاً جنبه على حصير ممزق وليس معه إلا وسادة ممزقة وقربة بالية وقد أثّر الحصير في جنب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فبكى عمر وقال: (يا رسول الله أنت في هذه الحالة وقيصر وكسرى يتمتعون بالدنيا، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك عُجّلت لهم طيباتهم في الدنيا).

    ثم جاء المسلمون الذين زهدوا في الدنيا فملكهم الله الأرض، وحكموا بلاد كسرى> وقضوا عليه فأصبحت أرضه أرض إسلام إلى يوم القيامة، فلا كسرى بعد كسرى، وقضوا على قيصر في أرض الشام فذهب وأصبحت بلاده بلاد إسلام؛ ومع ذلك فإن الجنة في الآخرة للمؤمن الصادق منفرداً بها، لا يدخلها وثني ولا كتابي ولا أحد من جميع ملل الكفر.

    فقوله: وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:35].

    أي: الآخرة بزخرفها وحريرها وذهبها وبنعيمها الدائم مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين هي للمؤمنين المتقين خالدة وثابتة ودائمة.

    والمؤمن كل أمره خير، فإن كان غنياً فغناه للجميع، وإن كان فقيراً فإنه يعيش إلى أن يموت مؤمناً موحداً ويعيش داعياً إلى الله.

    وهذه الدنيا لا تكون إلا للباطل، ولا تكون إلا صارفة للإنسان عن عبادة الله وعن القرآن وعن إتيان ما جاء فيه من طاعة أوامره وترك نواهيه، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أوامره وترك جميع نواهيه، ولذلك فلا عيش إلا عيش الآخرة كما كان يقول عليه الصلاة والسلام وهو يبني مسجده النبوي ومعه أصحابه رضوان الله عليهم من المهاجرين والأنصار.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088522820

    عدد مرات الحفظ

    777113449