قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة.
أخبرنا يحيى بن درست أخبرنا أبو إسماعيل وهو القناد حدثني يحيى بن أبي كثير أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه) ].
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه) ، فـالنسائي قيد الترجمة بقوله: النهي عن مس الذكر باليمين عند قضاء الحاجة، وتقييده يفيد بأن الأمر يتعلق بقضاء الحاجة كما هو نص الحديث: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه) ، فقوله: (بال أحدكم) معناه: أن النسائي اعتبرها قيداً له مفهوم؛ لأن النهي جاء عند قضاء الحاجة، وهو ترجم للنهي عند قضاء الحاجة، ما قال: النهي عن مس الذكر باليمين وسكت، وإنما قال: عند قضاء الحاجة.
و السندي في تعليقه على الحديث قال: ولا مفهوم لهذا القيد بقوله: (إذا بال أحدكم) ، فيجوز أن يمسك الذكر باليمين في غير حال قضاء الحاجة، قال: لأنه إذا كان النهي عن مسه باليمين عند قضاء الحاجة فعند غيرها من باب أولى، وهذا ليس بواضح كونه أولى؛ لأنه كما هو معلوم أن اليد اليسرى جاءت السنة بأنها تستعمل في الأشياء غير الطيبة وغير الحسنة، مثل: المخاط، ومثل: مسك الذكر عند قضاء الحاجة؛ لأنه عند قضاء الحاجة تكون عرضة للنجاسة، فالنهي عن مس الذكر باليمين جاء حتى لا تتعرض للنجاسة، ومن المعلوم أن الامتخاط باليد اليسرى شيء مستقذر, فلا تستعمل له اليمين، لكن لو أن إنساناً لمس أنفه بيمينه عند غير الامتخاط فلا مانع منه، وهذا يمكن أن يكون مثله، وأنه إذا كان لغير قضاء حاجة وغير عرضة للنجاسة فالأمر يختلف ويكون له مفهوم؛ لأن النص إنما جاء بذكر هذا القيد: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه)، فقول السندي: بأنه عند غير قضاء الحاجة من باب أولى غير واضح وغير مسلم، بل عند قضاء الحاجة فيه شيء مستقذر وهو حصول النجاسة، واليمين تنزه عن مثل هذا؛ لأنها تستعمل في أمور طيبة، وتلك تستعمل في ضدها.
قوله: [أخبرنا
يحيى بن درست ].
يحيى بن درست من شيوخ النسائي , قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة، وأخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجه .
[أخبرنا أبو إسماعيل].
وهو: القناد ، وهذه تماثل ما سبق أن نبهت عليه مما يأتي ذكره في الأسانيد (هو: فلان), أو (يعني فلاناً)؛ لأن اللفظ الذي قاله يحيى بن درست: حدثنا أبو إسماعيل ، هذه عبارته، ولم يقل: القناد ، وإنما قال: أبو إسماعيل ، فالذي دون تلميذه عندما يريد أن يوضح هذا اللفظ الذي ليس فيه إلا الكنية لا يقول: أبو إسماعيل القناد ويسكت؛ لأنه لو قالها لظن أن يحيى بن درست هو الذي قالها؛ لأنه ليس هناك ما يبين أنه هو أو غيره، لكن يقول: هو: ابن فلان، أو يقول: يعني: ابن فلان، أو يعني: الفلاني، أو يعني: فلان الفلاني، هذا هو المقصود من قوله: هو، فلا يقال: لم جاءت هو؟ ولماذا ما قيل: أبو إسماعيل القناد بدون هو؟ قلنا: حتى يبين أن هذا التوضيح ليس من التلميذ؛ لأن التلميذ ما يحتاج أن يوضح بـ (هو)، فالتلميذ يمكن ينسب شيخه إلى الجد العاشر إذا أراد، فيقول: حدثنا فلان بن فلان بن فلان، لكن غيره ممن هو دونه إذا ساق اللفظ وأراد أن يوضح يأتي بـ (هو فلان)، أو إذا فرغ من آخر الحديث يقول: قال فلان: هو كذا وكذا, مثلما حصل من النسائي في إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير القارئ ؛ فشيخه قال: حدثنا إسماعيل ، فلما فرغ من سياق حديث المغيرة بن شعبة الذي مر قريباً: (كان إذا ذهب المذهب أبعد) قال النسائي: إسماعيل هو: ابن جعفر بن أبي كثير القارئ.
وأبو إسماعيل اسمه إبراهيم بن عبد الملك القناد ، وهو صدوق، وروى له النسائي والترمذي ، يعني: الذين رووا عن الشيخ الأول رووا بنفس ابن ماجه ، لأن هنا رواه عنه اثنين من الثلاثة الذين رووا عن تلميذه، يعني: ثلاثة من الأئمة خرجوا للتلميذ, واثنين من الثلاثة خرجوا للشيخ، الثالث الذي هو الترمذي خرج لـيحيى بن درست ولم يخرج لشيخه أبي إسماعيل القناد .
[ حدثني يحيى بن أبي كثير ].
يحيى بن أبي كثير اليمامي نسبة لليمامة، وكلمة (اليمامي) تتحرف وتتصحف مع اليماني، ومثلما قلت فيما مضى: البصري والمصري يصير بينهما شيء من التصحيف لقربهما، فهنا اليماني واليمامي يحصل بينهما شيء من التصحيف، فهو اليمامي نسبة لليمامة، وهو من رجال الجماعة، وهو ثقة ثبت، وهو الذي خرج عنه الإمام مسلم الكلمة المشهورة في الصبر على طلب العلم، وعلى أنه لا يحصل العلم إلا من يتعب، فلما أورد الإمام مسلم من طرق عديدة حديث عبد الله بن عمرو في بيان أوقات الصلاة أتى بعده بإسناده إلى يحيى بن أبي كثير قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم. قال النووي : إنه لما ذكر هذه الطرق الكثيرة التي ما يحصلها إلا من يتعب، وما يجمعها إلا من يتعب، نبه إلى أن العلم لا يحصل إلا بالتعب، يقولون: ملء الراحة لا يدرس بالراحة، ملء الراحة شيء قليل لا يدرس بالراحة كون الإنسان ما يتعب، وإنما من يتعب هو الذي يحصل، فمن جد وجد.
فمن أراد أن يحصل فليتعب، أما من يريد أن يحصل بلا تعب فهذا لا يحصل شيئاً؛ لأنه بلا شيء لا يحصل شيئاً، بل يحصل الشيء بالتعب ويحصل بالنصب، كما قال الشاعر:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
أي: لولا المشقة لصار كل الناس سادة، فلا يتميز السادة عن غيرهم من أهل السؤدد وأهل النبل وأهل الشرف إلا بالصبر على التعب، فليس كل أحد يحصل السؤدد، وإنما يحصله من يصبر على التعب، كما قال الشاعر:
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
[ أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه ].
عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري هو من رجال الجماعة, وهو ثقة.
[عن أبيه ].
وهو أبو قتادة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الفرسان الشجعان رضي الله تعالى عنه، وذكر الخزرجي في الخلاصة - وهو كتاب من ميزته أنه إذا ترجم للصحابي يذكر عدد ما له من الأحاديث في الكتب الستة، وعدد الذي اتفق البخاري ومسلم عليه منها، وما انفرد به البخاري, وما انفرد به مسلم - قال: له في الكتب مائة وسبعون حديثاً، اتفقا على أحد عشر، وانفرد البخاري بحديثين، وانفرد مسلم بثمانية، وهذه الفوائد المشابهة لهذه الفائدة يمكن للإنسان أن يحصلها من خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي.