قوله: [أخبرنا
عمرو بن علي و
شعيب بن يوسف].
عمرو بن علي هذا هو: الفلاس الذي مر ذكره مراراً، وهو من الثقات الحفاظ النقاد، المعروفين بالكلام في الرجال والجرح والتعديل، وهو من رجال الجماعة.
أما شعيب بن يوسف شيخ النسائي فهو ثقة، خرج له النسائي فقط، فهو من رجال النسائي، وهو من الثقات.
قوله: (واللفظ له) يعني لما ذكر شيخين بين أن هذا اللفظ هو لفظ شعيب، وليس لفظ عمرو بن علي؛ لأنه كما هو معلوم أن الرواة يختلفون في سياق الحديث، فيكون فيه اختلاف في التعبير، فقال: هذا اللفظ الموجود هو لفظ شعيب، وسبق أن ذكرت أن النسائي أحياناً يذكر شيخين، لكن ما يبين لمن له اللفظ، وأحياناً يبين ذلك، وقد مر بنا في مواضع تبيين من له اللفظ وهو للثاني منهما، يقول: واللفظ له، فأظنه يرجع إلى أقرب مذكور، أما مسلم فهذه طريقته، فإنه يذكر عدداً من الشيوخ ثم يقول: واللفظ لفلان، حدثنا فلان، وفلان، وفلان، واللفظ لفلان؛ يعني مثل طريقة النسائي فهذه مثلها في الجملة، أما البخاري فقد ذكرت فيما مضى أن عادته أنه لا يذكر: واللفظ لفلان، ولكن الذي عرف بالاستقراء من صنيعه كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر: أن اللفظ المذكور هو للشيخ الثاني من شيخيه، قال الحافظ ابن حجر: هذا هو الذي عرف بالاستقراء من صنيع البخاري، وقد ذكر هذه الفائدة في شرح حديث جابر بن عبد الله: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء: نصرت بالرعب مسيرة شهر) عند شرح هذا الحديث بين هذه الفائدة وهي أنه قد عرف بالاستقراء من صنيع البخاري أنه عندما يذكر شيخين فإن اللفظ الذي يذكره يكون للثاني منهما، قال: والدليل على هذا: أن الأول الذي ما ذكر اللفظ له يأتي به في موضع آخر من الصحيح، ولفظه يختلف عن اللفظ الذي أثبته، فإذاً: يكون هو للثاني لا للأول.
أما النسائي: فكونه يذكر اثنين من شيوخه ولا يذكر من له اللفظ لا أدري ما هي طريقته، هل اللفظ للثاني، أو اللفظ للأول؟ ولعله يتبين لنا فيما ندرسه من الأحاديث في المستقبل ما يفيد طريقته، أو يرشد إلى طريقته رحمه الله.
[عن عبد الرحمن بن مهدي].
و عبد الرحمن بن مهدي هذا يأتي ذكره لأول مرة، لكن جاء ذكره فيما مضى مقروناً مع يحيى بن سعيد القطان بمناسبة ذكر الذهبي للاثنين، وأنهما إمامان من أئمة الجرح والتعديل، وأنهما إذا اتفقا على جرح شخص فمعناه: أنه لا يسأل عن جرحه، وأنهما أصابا الهدف، وعبر عن ذلك بعبارة جميلة حيث قال: إذا اتفقا على جرح شخص، فلا يكاد يندمل جرحه. هذا كلام الذهبي في كتابه: من يعتمد قوله في الجرح والتعديل.
و عبد الرحمن بن مهدي هذا هو إمام، قال عنه الحافظ: ثقة، حجة، حافظ، عارف بالرجال والعلل، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
و سفيان هذا غير منسوب، جاء في الإسناد غير منسوب، وفي ترجمة عبد الرحمن بن مهدي روى عن سفيان بن عيينة وروى عن سفيان الثوري، ولهذا قالوا: روى عنه السفيانان: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وروى عنه الحمادان: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة. وفي ترجمة كل من سفيان بن عيينة وسفيان الثوري قالوا: رويا عن الأعمش وعن منصور، الذي روى عنهم هنا في الإسناد.
إذاً: سفيان هنا محتمل لأن يكون هذا وهذا، لكن أيهما بالنسبة للتلاميذ، فـعبد الرحمن بن مهدي موجود هنا وهو تلميذ لـسفيان الثوري ولـسفيان بن عيينة، وأنا أقول روى عنه السفيانان.
ولم يتبين لي أو ما تمكنت في البحث أن أعرف أي الاثنين هو. وقد ذكرت فيما مضى أن الطريقة التي يعرف بها أي الاثنين يعتبر هو المراد عند الإطلاق فيما إذا كان الاثنان تلميذين لشخص، فإن ذلك المبهم يعرف بمن يكون أكثر رواية وأكثر ملازمة.
فمن ناحية الملازمة وأيهما أكثر رواية لا أعرف ذلك حتى الآن، ولكن كما ذكرت: أن عبد الرحمن يروي عن السفيانين، والسفيانان يرويان عن الأعمش وعن منصور، فيحتاج معرفة أيهما أكثر ملازمة، ومن يكون أكثر رواية، وهذا ما لم أتوصل إليه الآن، ولعلي أبين ذلك فيما بعد إن شاء الله.
[عن الأعمش].
وهو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وقد مر ذكره وهو من رجال الجماعة، فالسفيانان هما من رجال الجماعة أيضاً، الذي يحتمل أن يكون هذا أو هذا فكل منهما من رجال الجماعة، ومنصور بن المعتمر أيضاً كذلك من رجال الجماعة، وهما في طبقة واحدة: منصور، والأعمش، وقد سبق أن مر ذكرهما معاً، وسليمان الأعمش يأتي ذكره بلقبه، ويأتي ذكره باسمه، وقد ذكرت ذلك فيما مضى مراراً.
[عن إبراهيم].
وهو: إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الذي سبق أن مر ذكره، وهو يروي عن خاله عبد الرحمن بن يزيد هنا؛ يعني: إبراهيم النخعي يروي عن خاليه: الأسود بن يزيد، وعبد الرحمن بن يزيد، وهنا يروي عن عبد الرحمن، وقد سبق أن مرت روايته عن الأسود بن يزيد فيما مضى.
[عن سلمان].
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر الحديث عنه، ومر ذكر ما له من الأحاديث، وسلمان هو الذي يقول فيه الشاعر وهو يبين فضل الإسلام، وأن من كان قد ظفر بالإسلام وهداه الله للإسلام، فهو الذي ظفر بكل خير، يقول الشاعر:
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب
فـأبو لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذا النسب وهذا القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينفعه، وإنما هذا الرجل الفارسي الذي ليس من العرب وليس من قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم رفعه الله تعالى بالإسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
وقد وضع الشرك -أي: حط الشرك هذا، ورفع الإسلام هذا-، فهذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إنسان من الفرس، لكن الله تعالى رفعه بالإسلام.