إسلام ويب

شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - (باب سؤر الهرة) إلى (باب سؤر الحائض)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك حيوانات نهينا عن أكل لحمها لنجاسته مثل: الهرة والحمار الأهلي، ولكن لا بأس من استعمال سؤر هذه الحيوانات، ويدخل في هذا أيضاً سؤر الحائض من أكل أو شراب فلا مانع من الأكل والشرب من سؤر الحائض؛ لما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أمنا عائشة رضي الله عنها.

    شرح حديث: (إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات) في سؤر الهرة

    قال المصنف رحمه الله: [ سؤر الهرة.

    أخبرنا قتيبة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك: أن أبا قتادة دخل عليها ثم ذكرت كلمة معناها فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرة فشربت منه فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة : فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنها ليست بنجس؛ إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات )]. ‏

    يقول النسائي رحمة الله عليه: سؤر الهرة.

    بقية الماء الذي يشرب منه, يقال له: سؤر؛ لأن السؤر بمعنى الباقي، فباقي الشيء إذا أكل منه أو شرب منه يقال لذلك الباقي: سؤر، وقد عرفنا سابقاً أن كثيراً من العلماء رأوا أن السؤر لا يكون إلا بمعنى الباقي، وأن بعض أئمة اللغة نقلوا أن السؤر يكون بمعنى الجميع -ومثله السائر يكون بمعنى الجميع- وأكثرهم قالوا: إنه لا يطلق إلا على البقية.

    وهذه الترجمة -وهي سؤر الهرة- أورد النسائي تحتها حديث أبي قتادة الأنصاري رضى الله تعالى عنه: أنه كان يتوضأ بماء أو سكب له ماء ليتوضأ به، فجاءت هرة لتشرب فأمال إليها الإناء حتى شربت، وتوضأ بسؤرها وبهذا الماء الذي شربت منه، وكانت كبشة بنت كعب بن مالك -وهي زوجة ابنه عبد الله بن أبي قتادة- تنظر إليه وإلى فعله كأنها مستغربة ومتعجبة من الفعل، فلما رآها تنظر إليه ذلك النظر قال: أتعجبين يا ابنة أخي؟! قالت: نعم. فقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنها ليست بنجس؛ إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات).

    فالمقصود من إيراد الحديث: هو تمكين أبي قتادة لتلك الهرة من الشرب من ذلك الإناء أو من ذلك الوضوء الذي قدم له ليتوضأ منه، وبين وجه استناده إلى هذا العمل -وهو تمكين الهرة من أن تشرب من ماء وضوئه- بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين والطوافات)، والمقصود من هذا أن الماء الذي تشرب منه الهرة طاهر، وأنه لا يتنجس بشرب الهرة منه، وأن ذلك السؤر الذي يبقى بعد شربها لا يقال: إنه متنجس، بل يقال: إنه طاهر ويجوز أن يتوضأ منه.

    والله عز وجل خفف على الناس؛ فجعل ما يحصل من هذه الدواب التي تكون مع الناس كثيراً والتي لا ينفكون عنها غالباً أنها لا تنجس ما تمسه وما تصيبه، والماء الذي تشرب منه أو الطعام الذي تأكل منه لا يقال: إنه نجس؛ بل هو طاهر؛ لهذا الحديث الذي جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث قال: (إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات).

    وتعليل النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (إنما هي من الطوافين) هذا فيه الإشارة إلى التخفيف، وإلى أن الله تعالى لم يجعل على الناس من حرج في دينهم، فهذه الدواب التي تكون معهم في البيوت كالهرة، فإن ما تشرب منه أو تأكل منه لا يقال: إنه متنجس فيراق ويتلف، وإنما هو طاهر يمكن استعماله، ويسوغ استعماله لمن أراد ذلك.

    وقوله: (إنما هي من الطوافين والطوافات)، قيل: إنه تشبيه لها بالخدم الذين يطوفون على الناس في الخدمة وأنهم لا ينفكون عنهم، فهذه مماثلة لهم في عدم انفكاكها، فيسر الله عز وجل وخفف على الناس، ولم يشق عليهم، وجعل ما تصيبه تلك الدواب -التي هي الهرة- لا يؤثر شيئاً على ما تصيبه من مأكول أو مشروب؛ بل هو طاهر لدخول ذلك تحت قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات).

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات) في سؤر الهرة

    قوله: [ أخبرنا قتيبة ].

    قتيبة هذا تكرر ذكره كثيراً، وهو من شيوخ النسائي الذين أكثر عنهم، ولهذا نجد أن في الأحاديث السابقة أحاديث عديدة كلها من روايته عن شيخه قتيبة بن سعيد ، وهو أحد الحفاظ الثقات الأثبات، وقد خرج حديثه أصحاب الكتب ومنهم النسائي.

    [ عن مالك ].

    مالك هو إمام دار الهجرة الذي مر ذكره مراراً، وهو من الأئمة الكبار، ومن أهل الحفظ والإتقان، ومن المعروفين بالإمامة، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة الذين اعتني بفقههم، ودون فقههم، وصار لهم أصحاب عنوا بما جاء عنهم من المسائل الفقهية ودونوها، وهو إمام جمع بين الحديث والفقه، فهو محدث كثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد في كتب السنة، وهو فقيه كما هو معلوم من كتابه الموطأ، وكما هو موجود في المسائل التي تنقل عنه وتعزى إليه في المسائل الفقهية، وعند ذكر الخلاف في المسائل وأراء العلماء يذكرون قوله ويذكرون كلامه في المسائل.

    [ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ].

    إسحاق من الثقات الحفاظ، ومن أهل المدينة، وخرج حديثه أصحاب الكتب -كما سبق أن مر بنا ذلك- وهو ثقة.

    [ عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة ].

    حميدة بنت عبيد بن رفاعة هي زوجة إسحاق، وهو يروي عنها، قال عنها الحافظ في التقريب: إنها مقبولة، ومعنى هذا: أنه يقبل حديثها إذا اعتضد، ومن العلماء من قبل حديثها بدون البحث عن المعتضد وقالوا: لأنه من رواية مالك ، وبعض العلماء يقول: ما يأتي عن طريق مالك فإنه حجة، لكن المعروف عند المحدثين والمعروف من قواعدهم أن من يكون كذلك فإنه لابد من معرفة منزلته من القبول أو الرد، أو صحة حديثه أو ضعفه، وقد ذكر بعض العلماء أن الحديث له شواهد من غير هذا الطريق، فيكون الحديث ثابتاً لا بمجرد هذا الإسناد وحده، ولكن بالطرق الأخرى التي جاءت معاضدة ومؤيدة له.

    [ عن كبشة بنت كعب بن مالك ].

    قيل: إنها صحابية، ومن المعلوم أن الصحابة لا يسأل عنهم، ولا يحتاجون إلى شيء أكثر من أن يوصف الواحد منهم بأنه صحابي، فإذا ما حصل على هذا الوصف فإنه حصل على أعلى المراتب، وأفضل المراتب التي هي وصف الصحبة التي لا يعادلها شيء والتي لا يماثلها شيء، ولهذا لا يحتاج إلى أن يذكر بعدها توثيق ولا تعديل؛ لأن أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم لا يحتاج بعد ثناء الله عليهم وثناء رسوله إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، فيكفيهم شرفاً وفضلاً ونبلاً ما حصل لهم من الثناء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وكبشة تروي عن والد زوجها أبي قتادة ؛ لأنها زوجة عبد الله بن أبي قتادة ، فإذاً: هي تروي عن والد زوجها أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه.

    [ أن أبا قتادة ].

    أبو قتادة هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمعروف بجهاده، وكونه من الفرسان الشجعان، وقد تقدم ذكره في بعض الأحاديث الماضية.

    وفيما يتعلق بـحميدة وكبشة فهما من رواة أصحاب السنن الأربعة؛ يعني: ليس لهما رواية في الصحيحين، وإنما روايتهما في السنن الأربعة، وخرج حديث هاتين الراويتين: حميدة وكبشة أصحاب السنن الأربعة.

    أما أبو قتادة الأنصاري فخرج حديثه أصحاب الكتب، فحديثه موجود في الكتب الستة.

    إذاً: هؤلاء الرواة الأربعة: قتيبة بن سعيد , ومالك بن أنس , وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وأبو قتادة الأنصاري ، هؤلاء الأربعة حديثهم في الكتب الستة، وأما المرأتان المذكورتان في الإسناد فحديثهما في كتب السنن الأربعة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537580

    عدد مرات الحفظ

    777198570