قال المصنف رحمه الله: [باب المسح على العمامة:
أخبرنا الحسين بن منصور حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش (ح) وأنبأنا الحسين بن منصور حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن بلال رضي الله عنه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار)].
شرح حديث بلال: (رأيت النبي يمسح على الخفين والخمار)
هنا أورد
النسائي رحمه الله باب: المسح على العمامة.
والمراد بالعمامة: هي العمامة التي يتخذها الرجال، وكان ذلك موجوداً في زمن النبوة، فكانوا يستعملون العمائم التي يدورونها تحت الحنك ويربطونها, ويكون في نزعها كل وقت مشقة؛ أي: جاءت السنة بأنه يمسح عليها كما يمسح على الخفين؛ لأن الخفين في نزعهما مشقة في كل وقت، فكذلك العمامة إذا شدت وربطت وصارت محكمة ومدارة تحت الحنك، ففي نزعها شيء من المشقة، فجاءت السنة بأنه يمسح عليها؛ يعني: إذا توضأ الإنسان فإنه يمسح على العمامة إذا كانت على الطريقة المعروفة عند العرب، والتي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعملها، والتي هي تثبت من تحت الحنك ويحكم ربطها، ويكون في نزعها مشقة، فإنه يمسح عليها كما يمسح على الخف، وقد جاء المسح على الخفين في أحاديث كثيرة، وجاء المسح على العمامة في بعض الأحاديث، وهذا هو المقصود بالعمامة.
وقد أورد النسائي حديث بلال بن رباح رضي الله عنه الذي يرويه عنه كعب بن عجرة رضي الله عنه، يقول بلال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار)، والمقصود بالخمار: العمامة؛ لأنها هي التي يغطى بها الرأس، والخمار: هو الذي اشتهر بما تغطيه به النساء رءوسهن, يقال له: خمار، والعمامة أيضاً يقال لها: خمار؛ لأنها من التغطية، ولهذا يقال للغطاء: خمار، أي: غطاء, وجاء في حديث الذي وقصته ناقته في عرفة, قال: ( لا يمس طيباً, ولا تخمروا رأسه)، (ولا تخمروا) يعني: لا تغطوا رأسه؛ لأن التخمير هو التغطية، والخمار هو الغطاء، وكذلك الإناء كونه يخمر، يعني: يوضع عليه غطاء، ولكنه غلب بالاستعمال على خمار المرأة، ويطلق أيضاً على العمامة للرجل، فيقال لها: خمار؛ لأنه هنا في الحديث قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار)، يعني: العمامة.
إذاً: فالخمار الذي هو العمامة في هذا الحديث يمسح عليه أو عليها، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي سيذكرها النسائي فيما بعد.
وكذلك النساء إذا حصل منهن شد الخمر عليهن وكان في نزعه مشقة, فيمكن أن يمسحن كما يمسح الرجال، أما إذا كانت الخمر لا تحكم أو نزعها خفيف، أو كانت مثل الغتر التي علينا، أو اللفائف التي تلف من فوق ثم تنزع وترد، أو ما يشبه الطواقي، فكل هذه لا يمسح عليها، وإنما يمسح على العمامة المعروفة عند العرب، والتي يغطى بها الرأس وتحكم وتشد وتدار من تحت الحلق، ويكون في نزعها مشقة، فجاءت السنة بالتخفيف في ذلك وأنه لا بأس بأن يمسح عليها الإنسان.
ومن العلماء من منع ذلك وقال: إن الآية إنما جاءت في المسح على الرأس وليس في المسح على العمامة، ومن المعلوم أنه ما دام جاءت به السنة, فإن مجيء السنة كاف في الاستدلال والاعتبار ولو كان من طريق الآحاد، فطريق الآحاد ما ثبت بها يعول عليه في العقائد والأحكام وفي غير ذلك، هذا هو منهج أهل السنة في ذلك، وهذا هو المعروف عنهم، وأما الخفان فسيأتي لهما تراجم تخصهما، فقد مسح الرسول صلى الله عليه وسلم عليهما.
تراجم رجال إسناد حديث بلال: (رأيت النبي يمسح على الخفين والخمار)
شرح حديث بلال: (رأيت رسول الله يمسح على الخفين) من طريق ثانية
تراجم رجال إسناد حديث بلال: (رأيت رسول الله يمسح على الخفين) من طريق ثانية
حديث بلال: (رأيت رسول الله يمسح على الخمار والخفين) من طريق ثالثة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا
هناد بن السري عن
وكيع عن
شعبة عن
الحكم عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
بلال رضي الله عنه أنه قال: (
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخمار والخفين)].
أورد النسائي هذا الحديث، وهو من رواية عبد الرحمن عن بلال نفسه؛ لأن في الأول يرويه عن كلا الصحابيين، مرة عن كعب بن عجرة ومرة عن البراء بن عازب، وهنا يروي عن بلال رأساً؛ لأنه يروي عن الصحابة، وأولئك صحابة، إلا أنها رواية صحابي عن صحابي، وكما هو معلوم يمكن أن يروي الحديث عن كعب وعن البراء وكلاً عن بلال, ثم يلقى بلالاً فيروي عنه مباشرةً، فتكون الرواية على اختلاف الأحوال: مرة رواه نازلاً؛ لأنه ما لقي بلالاً، ثم لما لقي بلالاً صار يرويه عنه مباشرة، فيتحصل أنه لا اختلاف بين الروايات، وهذا يحصل كثيراً في رواية الأحاديث؛ لأن الراوي يروي الحديث عن شخص حي بواسطة؛ لأنه ما لقي ذلك الشخص، ثم يلقاه بعد ذلك فيسمع منه الحديث، فيرويه على الحالين، وهنا مرة يرويه عن كعب بن عجرة عن بلال، ومرة عن البراء عن بلال، ومرة عن بلال نفسه.
والحديث هو مثل الحديث الأول إلا أن فيه تقديم الخمار على الخفين؛ يعني: هناك يمسح على الخفين والخمار، وهنا يمسح على الخمار والخفين، فلا فرق بينهما إلا بالتقديم والتأخير، واللفظ واحد، وهو يؤدي ما يؤديه, والحديث نفسه عن بلال؛ أي: صحابي واحد.
أما إسناد الحديث فهو نفس الإسناد، وكل رجال الإسناد حديثهم عند أصحاب الكتب الستة، إلا هناد بن السري، فإنه لم يخرج له البخاري في الصحيح شيئاً، ولكنه خرج له في كتاب خلق أفعال العباد.