يستحب عند غسل الرجلين في الوضوء البدء باليمنى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التيامن كما ورد ذلك عن عائشة، ويجوز غسل الرجلين كلتيهما باليد اليمنى.
بأي الرجلين يبدأ بالغسل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب بأي الرجلين يبدأ بالغسل:
شرح حديث: (أن رسول الله كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره ونعله وترجله)
أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب: بأي الرجلين يبدأ بالغسل ، والمقصود من هذه الترجمة أن البدء يكون باليمنى بالنسبة للرجلين، وبالنسبة لليدين كذلك، فإن البدء يكون باليد اليمنى، وقد أجمع العلماء على أن تقديم اليد اليمنى أو الرجل اليمنى مستحب، وأنه لو حصل أن توضأ وبدأ باليسرى قبل اليمنى يصح الوضوء، وقد نقل الإجماع على ذلك ابن حجر وكذلك ابن قدامة في المغني، وقالوا: إن هذا مجمعٌ عليه، بمعنى أنه لو بدأ باليسرى قبل اليمنى لصح وضوؤه؛ لأن الترتيب بين اليدين وبين الرجلين مستحب، وليس بواجب، بمعنى أنه لا يصح لو بدأ باليسرى قبل اليمنى، لكن وإن كان يعني مستحباً فالأولى والذي ينبغي ألا يقدم الإنسان اليسرى على اليمنى، وإنما يبدأ باليمنى بالنسبة لليدين، وكذلك اليمنى بالنسبة للرجلين.
وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره..)، يعني: في وضوئه، فعندما يتطهر يحب التيامن، يبدأ باليمين في طهوره، وقوله: (ونعله)، يعني: يلبس النعل اليمنى، وقوله: (وترجله)، يعني: عندما يرجل شعره يبدأ باليمين. فإذاً: كان عليه الصلاة والسلام يعجبه التيامن وهو البدء باليمين.
ومن المعلوم أن اليمين تستعمل في الأمور المستحسنة وفي الأمور الطيبة، واليسرى تكون بخلاف ذلك. ومن المعلوم أن الطهور والتنعل وغير ذلك يبدأ باليمين، وتستعمل اليسار بخلاف ذلك؛ معنى هذا: أنه يبدأ بلبس اليمين في النعال، وبالعكس عند الخلع، وكذلك في دخول المسجد يبدأ باليمين، وفي أمور كثيرة.
وقول شعبة: (ثم سمعت الأشعث بواسط) يعني: سمع منه أولاً، ثم سمع منه بعد ذلك بواسط يذكر الحديث ويقول: (وفي شأنه كله)، يعني: (يحب التيامن في طهوره، وتنعله، وترجله، وفي شأنه كله)، وهذا سمعها منه بواسط، ثم سمعه بعد ذلك يقول: (يحب التيامن ما استطاع). ومعنى ذلك: أن شعبة سمعه من الأشعث في مرات عديدة، وفي بعضها ليس فيه ذكر: (شأنه كله)، وفي بعضها يقول: (يحب التيامن ما استطاع)، ويقف عند ذلك، ومن المعلوم أن يكون فيه اختصار للمتن أو للرواية في بعض الأحيان.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره ونعله وترجله)
مسروق هو ابن الأجدع، قال الحافظ ابن حجر: وهو ثقة, فقيه, عابد, مخضرم؛ يعني: ممن أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من المخضرمين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو عائشة.
عائشة هي أم المؤمنين، وقد مر ذكر عائشة في أحاديث متعددة فيما مضى، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة، وهي أحد السبعة من الصحابة الذين أكثروا رواية الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وقد نظمهم السيوطي كما أشرت إلى ذلك مراراً في ألفيته حيث قال:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابرٌ وزوجة النبي
وزوجة النبي يقصد بها عائشة رضي الله تعالى عنها، فهي من السبعة الذين هم أكثر الصحابة حديثاً، وهي أكثر النساء حديثاً على الإطلاق، لا يماثلها ولا يدانيها أحد، رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
غسل الرجلين باليدين
شرح حديث القيسي في غسل الرجلين باليدين
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ غسل الرجلين باليدين:
هذا الحديث أورده النسائي من أجل ما جاء في آخره من ذكر غسل الرجلين باليدين، والذي جاء في الحديث أنه يغسل الرجلين كلتيهما باليد اليمنى، وليس فيه ذكر اليدين أنه يغسل بهما جميعاً كما جاء في الترجمة التي هي قوله: غسل الرجلين باليدين، فلا أدري ما وجه هذه الترجمة، مع أن الحديث ليس فيه إلا ذكر اليمين، وليس فيه ذكر اليدين، والغسل للرجلين يكون باليدين ويكون باليد اليمنى، ولعل التنصيص على اليد اليمنى هو كون الإنسان يصب من الإناء بيده اليسرى على رجليه, ثم يغسل باليد اليمنى، فيكون الغسل باليد اليمنى والصب عليهما باليد اليسرى، فلعل هذا هو وجه ذكر اليمين، والأمر في ذلك واسع.
والحديث لم يجعله الألباني ضمن صحيح النسائي، وإنما أحال به على الضعيف، ولا أدري ما وجه التضعيف فيه إلا أن يكون من ناحية أحد رجاله وهو: عمارة بن عثمان بن حنيف قال عنه في التقريب: إنه مقبول، ولم يأت شيء يدل على ما دلّ عليه هذا الحديث من جهة ما ترجم له المصنف، فلا أدري ما وجه كونه ليس بصحيح، عند الشيخ الألباني.
تراجم رجال إسناد حديث القيسي في غسل الرجلين باليدين
محمد بن بشار هو الذي يلقب بندار، وهو -كما ذكرنا سابقاً- أحد الأشخاص الذين يعتبرون مشايخاً لأصحاب الكتب الستة، والذين رووا عنهم مباشرةً، وهو رفيق محمد بن المثنى الزمن، الذي قال عنه الحافظ في التقريب: وكان هو وبندار كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة، وهما متفقان في سنة الولادة، وفي سنة الوفاة، ومتفقان بالشيوخ والتلاميذ؛ ولهذا قال الحافظ: وكانا كفرسي رهان، وشيخه محمد لم ينسبه وهو غندر.
هو: محمد بن جعفر الذي يروي عن شعبة. ولقبه غندر وهو من الثقات, وممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة كما عرفنا ذلك فيما مضى، وإذا جاء من يروي عن شعبة، واسمه محمد وهو غير منسوب، فالمراد به محمد بن جعفر الذي هو غندر.
أما القيسي الذي يروي عنه عمارة بن عثمان بن حنيف فهو صحابي، يقول: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ)، ولم يأت منسوباً، وإنما جاء بهذا اللفظ: القيسي، وهو صحابي، ومن المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم لا يُحتاج الأمر فيهم إلى معرفة، بل الرجل المجهول فيهم يُعتمد ما جاء به ويعول عليه؛ لأنهم كلهم عدول رضي الله عنهم وأرضاهم، فلا تضر الجهالة، فلو قيل: عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم لاعتمد على ذلك، وكلٌ من الرواة ممن دون الصحابة لا بد من معرفة أحوالهم، أما الصحابة فلا يحتاج إلى معرفة أشخاصهم، ولا معرفة أحوالهم، فالرجل المبهم عمدة يعول على ما جاء به؛ وذلك لأن الله عدلهم وعدلهم رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاجون بعد تعديل الله وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم إلى تعديل المعدلين, وتوثيق الموثقين، بل يكفيهم ثناء الله عليهم وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
وفي الحديث أنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فقال: بالإناء) يعني: فعل؛ لأن القول يأتي بمعنى الفعل، قال هكذا يعني: فعل هكذا، فكلمة (قال) يعني: أشار إلى فعل؛ لأنه ليس فيه قول، وإنما هو فعلٌ عبر عنه بالقول، وقد يأتي القول مراداً به الفعل، وما جاء في هذا الحديث هو من هذا القبيل.