أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف حدثنا أبو عتاب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: (رأيت
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب: الانتفاع بفضل الوضوء، أي: الانتفاع بما يبقى بعد الوضوء في الإناء، فالإنسان إذا توضأ منه، يمكن لإنسان آخر أن يأتي ويتوضأ منه، ويمكن للإنسان آخر أن يشربه أيضاً؛ لأن النسائي أورد أحاديث منها هذا الحديث الأول: حديث علي رضي الله عنه أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قام، وشرب فضل وضوئه، أي: شرب الماء الذي بقي بعد الوضوء، فالانتفاع بفضل الوضوء يدل عليه هذا الحديث، إلا أن النسائي ما أورد من الأحاديث -التي أوردها كلها- ليست كلها على هذا النحو، على اعتبار أنه يراد بها ما يبقى بعد الوضوء؛ لأنه قد يراد بها ما حصل منه الوضوء، مع أنه قد يراد بذلك في بعض الروايات، ولكن هذا الحديث واضح بأن المقصود به ما تبقى بعد الإناء، وكون الإنسان استعمله؛ بأن أدخل يده فيه ويتوضأ، ثم يدخل يده ويغرف ثم يدخل يده ويغرف هذا الاستعمال لا يؤثر عليه، فله أن يشرب هذا الماء الباقي، ولغيره أن يتوضأ فيه، وله أن يتوضأ به مرة أخرى أيضاً إذا بقي، فإذاً: ينتفع بفضل الوضوء، أي: ما يبقى في الإناء.
وأما إذا توضأ الإنسان في طست، بحيث يغسل وجهه ويتساقط ماء الوجه في الصحن، ثم يغسل يديه، ويتساقط ماء اليدين في الطست، ثم يغسل رجليه ويتساقط، فهذا الماء لا يتوضأ به مرة أخرى؛ لأنه رفع به حدث، فلا يرفع به الحدث مرة أخرى، ولكن هو طاهر يمكن أن يستفاد منه، في أمور غير الوضوء، أما ما يبقى في الإناء بعد الوضوء فهذا يستفاد منه على كل حال، ولا إشكال فيه، ولا بأس به، فيُتوضأ به، ويستعمل في أي وجوه الاستعمال، في رفع الحدث، وفي غير رفع الحدث.
فقد أورد النسائي أولاً: حديث علي، وقد تقدم عن أبي حية أنه قال: (رأيت
هو أبو داود سليمان بن سيف وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه النسائي.
[حدثنا أبو عتاب].
وهو سهل بن حماد أبو عتاب، وهو صدوق، خرج له مسلم، والأربعة.
[حدثنا شعبة].
وهو شعبة بن الحجاج وقد تقدم.
[عن أبي إسحاق].
هو: عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي أبو إسحاق السبيعي، وهو يذكر بكنيته كثيراً، كما هنا أبو إسحاق، وهو ثقة من رجال الجماعة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حية].
هو أبو حية بن قيس الهمداني الوادعي الكوفي، وهو مقبول، قال عنه في التقريب: مقبول، وهو من رجال أصحاب السنن الأربعة.
أورد النسائي حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم في البطحاء، فخرج
قوله: [(فنلت منه)] أي: أخذت من هذا الماء بنصيب.
قوله: ( وركزت له العنزة ) العنزة: هي عصا في رأسها حديدة تغرز في الأرض ويصلى إليها، وتجعل سترة: ( فجعل الحمر، والنساء، والكلاب يمرون بين يديه ) لأن هذه الأشياء جاء أنها تقطع الصلاة إذا مرت بين الإنسان وسترته، والمقصود في هذا الحديث بقوله: ( بين يديه ) أي: من وراء العنزة، ومن المعلوم أن المشي من وراء السترة لا يؤثر، ولا يقطع الصلاة فيما إذا مر وراءها كما جاء في بعض الأحاديث: أن المرأة، والحمار، والكلب، تقطع الصلاة.
إذاً: فقوله: (جعلت المرأة، والحمر، والكلاب يمرون بين يديه) يعني: من وراء العنزة.
فالمقصود من إيراد الحديث هو أوله؛ لأن هذا سيأتي في الصلاة فيما يتعلق بركز العنزة، وما يتعلق بالمرور، ولكن هو جاء به من أجل ما جاء في أوله، وهو أن بلالاً جاء بفضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الناس يصيبون منه، يعني: يأخذون منه، ويبلون به أجسادهم، فيتبركون بما مسه جسد الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم أن التبرك بفضلاته إنما هو خاص به، ولا يجوز مع غيره؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوا هذا مع أبي بكر، وعمر، وعثمان وهم خير من مشى على الأرض، فما كانوا يتبركون بفضل وضوئهم، ولا كانوا يفعلون هذا، فصنيع الصحابة وعدم فعلهم ذلك إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم دل على أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا يفعل مع غيره، فلا يتبرك بغيره؛ لا بشعره، ولا ببصاقه، ولا بفضل وضوئه، وإنما ذلك من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد كانوا يتبركون بشعره، وبفضل وضوئه، وبعرقه، وبصاقه عليه الصلاة والسلام، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
هو محمد بن منصور الجواز، وعند النسائي شيخان يسميان بمحمد بن منصور هما: محمد بن منصور الجواز المكي، ومحمد بن منصور الطوسي.
والأقرب والأظهر أن سفيان المروي عنه هنا هو سفيان بن عيينة، لأنه مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، فيكون هو الأولى.
ومحمد بن منصور هذا روى له النسائي وحده كما عرفنا ذلك فيما مضى، وأما سفيان بن عيينة فهو ثقة، حافظ، عابد، حجة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا مالك بن مغول].
هو مالك بن مغول أحد الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه].
هو عون بن وهب بن عبد الله السوائي، وأبوه مشتهر بكنيته، ولهذا يقال: عون بن أبي جحيفة نسبة إلى أبيه بكنيته.
وعون هذا ثقة، من رجال الجماعة، وأبوه أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي صحابي، وهو من أصحاب علي، ومن خاصته رضي الله تعالى عنهما، وله خمسة وأربعون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم على حديثين، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثلاثة.
وقد يقول قائل: ورد في الإسناد الأول عن الحكم عن أبيه عن الرسول، وفي الإسناد الثاني عن الحكم بن سفيان قال: (رأيت...)، فأسقط الواسطة، فهل هذا هو الاضطراب؟
نقول: هو واحد، وأنا قلت: إن الحكم في هذا الإسناد واحد إلا أن مجاهد اضطرب فيه وأتى به على ثمان صيغ أو تسع صيغ، فمرة يقول: الحكم بن سفيان، ومرة: الحكم عن أبيه، ومرة: الحكم عن رجل من ثقيف، ومرة يقول: سفيان بن الحكم، على تسعة أقوال أو عشرة أو ثمانية..، فيعد اضطراباً، ولو لم يأت إلا من هذا الطريق لصار الحديث ضعيفاً، ولكن لوجود شواهد له عن جماعة من الصحابة في معناه، يدل ذلك على ثبوته.
قوله: [(مرضت فجاء إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم و
والحديث إسناده رباعي، وهو أعلى الأسانيد عند النسائي، وقد أشرت إلى هذا من قبل، وذلك عندما جئنا عند الحديث رقم مائة وثمانية وعشرين، ورجاله ثمانية، وقلت: إن الحديث رقم مائة واثنين وثلاثين أعلى إسناداً عند النسائي ورجاله أربعة أشخاص، فليس بين النسائي فيه وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا أربعة أشخاص: محمد بن منصور، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن المنكدر، وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما.
محمد بن منصور هو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا، وسفيان بن عيينة أيضاً مر في الإسناد قبل هذا.
[سمعت ابن المنكدر].
وهو محمد بن المنكدر التيمي المدني، وهو ثقة، فاضل، من رجال الجماعة.
[عن جابر].
وأما جابر بن عبد الله فهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر