شرح حديث عائشة: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب غسل المني من الثوب
أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن عمرو بن ميمون الجزري عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه)].
يقول النسائي رحمه الله: باب غسل المني من الثوب. هذه الترجمة تتعلق بشيء من أحكام الجنابة، وهي: ما إذا أصاب المني ثوباً فماذا يُصنع فيه؟ والترجمة فيها أنه يغسل، وهي قول النسائي: باب غسل المني من الثوب.
وقد أورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها: (أنها كانت تغسل الجنابة- أي المني -من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه)، أي: أثر غسل المني، والغسل هذا ليس لكونه نجساً، وإنما لإزالة المنظر الذي لا يحسن أن يرى على الثوب، والإنسان ذاهب أو خارج من المنزل، فهو مثل البصاق الذي يكون على الثوب، فمنظره لا يكون لائقاً، فغسله لإزالة ذلك الأثر، وليس للنجاسة، بدليل الأحاديث التي ستأتي بعد هذه الترجمة، وهي كون عائشة رضي الله عنها تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابساً، فلو كان نجساً ما كفى فيه الفرك، وإنما يتعين الغسل مع الفرك؛ لكن لما اكتفي بالفرك حين صار الثوب فيه المني دل على طهارته، وأنه ليس بنجس؛ لأن الفرك لا يكفي لو كان المني نجساً، فدل على أن المني إذا أصاب الثوب؛ إن كان رطباً فإنه يغسل حتى يزول الأثر الذي لا يناسب أن يرى -كما أن البصاق لو كان على الثوب فإنه يغسل ويزال؛ لأنه لا يناسب أن يرى- وإذا كان يابساً فإنه يفرك، وهذا هو دليل طهارة المني.
ثم أيضاً الإنسان مخلوق من المني، والإنسان مادته، فأصل خلقه إنما هو من المني، والله تعالى خلق ذرية آدم بهذه الطريقة، فخلقه من تراب، وخلق ذريته من هذا، إلا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فإن خلقه ليس كخلق غيره، ولم يكن على الطريقة أو الهيئة التي يتم بها خلق البشر، وذلك أن خلق آدم عليه الصلاة والسلام من تراب، وخلق حواء من آدم نفسه، وليست بالطريقة التي يتم بها خلق الذرية، وخلق عيسى ابن مريم على الهيئة التي جاءت في الكتاب والسنة، وليس كخلق الذرية.
إذاً: فثلاثة أشخاص كلٌ خلقه الله على هيئة معينة. آدم، وحواء، وعيسى، والبقية خلقوا كلهم من ماء مهين، كما قال الله عز وجل:
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ
[المرسلات:20-23]، إذاً: فالمني طاهر، وغسله لإزالة الأثر الذي لا يناسب أن يرى.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه)
شرح حديث عائشة: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله)
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله)
شرح حديث عائشة: (لقد رأيتني وما أزيد على أن أفركه من ثوب رسول الله) من طريق ثانية
تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (لقد رأيتني وما أزيد على أن أفركه من ثوب رسول الله) من طريق ثانية
حديث عائشة: (كنت أفركه من ثوب النبي) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
حديث عائشة: (كنت أراه في ثوب رسول الله فأحكه) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
حديث عائشة: (لقد رأيتني أفرك الجنابة من ثوب رسول الله) من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده
حديث عائشة: (لقد رأيتني أجده في ثوب رسول الله فأحته عنه) من طريق سادسة وتراجم رجال إسناده
توجيه لطالب العلم الذي يقدح في أبي حنيفة
السؤال: فضيلة الشيخ! نخبركم أولاً أننا نحبكم في الله، ثم أرجو إجابتي عما يلي:
هناك من يسمي نفسه طالب علم، ويبالغ بالقبح والشتم في الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ويقول: إن عقيدته ودينه وفقهه مقدوح فيه، فما هو القول الوسط في أبي حنيفة بلا إفراط ولا تفريط؟ وهل هو أحد أئمة المسلمين فعلاً أم لا؟
الجواب: أولاً: أقول: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتحابين فيه، وأن يوفقنا جميعاً لما يرضيه.
وأما السؤال المسئول عنه، بخصوص ما ذكر عن الإمام أبي حنيفة، فأبو حنيفة إمام معروف من أئمة أهل السنة، وهو معروف بالفقه، وقد حصل له أتباع عنوا بتدوين فقهه، وهو أحد الأئمة الأربعة المشهورين، الذين اعتني بفقههم، أما الذي ينبغي، والذي يليق بالمسلم الناصح لنفسه أن يكون سليم اللسان من الكلام في العلماء إلا بحق. ومن المعلوم أن الإنسان في الأزمان المتأخرة إنما يكون تعويله على كلام المتقدمين، والمتقدمون معلوم أنهم يعرفون قدر أبي حنيفة، وشأنه وفقهه، وأن عنايته بالفقه معروفة، وقد هيأ الله له أتباعاً عنوا بجمع فقهه، واللائق بالمسلم أن يكون لسانه نظيفاً سليماً فيما يتعلق في حق العلماء السابقين.
وقد قال أبو جعفر الطحاوي وهو من أصحاب أبي حنيفة، ومن المعروفين في العناية بمذهب أبي حنيفة، وهو محدث، له كتب في الحديث منها: مشكل الآثار، وغيره من الكتب، وهو صاحب العقيدة؛ عقيدة أهل السنة، وقد قال فيها كلمة مفيدة حسنة تتعلق بهذا السؤال وأمثاله، وهي قوله: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الخبر والأثر -يقصد بذلك أهل الحديث- وأهل الفقه والنظر -يقصد بذلك الفقهاء- لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
وإذاً: فشأن الإنسان طالب العلم في هذا الزمان، أن يحرص على أن يكون سليم اللسان في حق السابقين، وألا يتكلم فيهم إلا في حدود ما جاء عن العلماء مع التحقق مما جاء عن بعض العلماء، فإن مما يأتي في الكتب، وينقل عن بعض الأئمة منه ما لا يثبت. إذاً: فاللائق في حق أبي حنيفة وفي حق غيره هو الحرص على سلامة اللسان من الكلام إلا بحق، والاحترام والتوقير لأهل العلم، ومعرفة فضلهم، والاستفادة من علمهم، واعتقاد أنهم دائرون بين الأجر والأجرين، إن اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران؛ للاجتهاد وللإصابة، وإن اجتهدوا فأخطئوا فلهم أجر واحد، وخطؤهم مغفور.