إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب الصلاة
  7. شرح سنن النسائي - كتاب المساجد - (تابع باب فضل مسجد النبي والصلاة فيه) إلى (باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه)

شرح سنن النسائي - كتاب المساجد - (تابع باب فضل مسجد النبي والصلاة فيه) إلى (باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بيّن الشرع الحكيم فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، وأنه المسجد الذي أسس على التقوى، وبيّن فضل مسجد قباء والصلاة فيه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إليه راكباً أو ماشياً، وجعل الصلاة فيه تعادل عمرة، وهو المسجد الذي أسس على التقوى على رأي بعض العلماء.

    شرح حديث: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه.

    أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) ].

    هذه الترجمة التي عقدها النسائي رحمه الله هي: فضل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، وقد أورد فيه الحديث المتقدم، حديث أبي هريرة، وهو يدل على فضله عموماً، أي: أن كل ما يطلق عليه المسجد، فإن التضعيف يحصل فيه، كما عرفنا ذلك سابقاً، ثم بعد ذلك أورد بعض الأحاديث التي تتعلق بشيء خاص منه، لا تتعلق به عموماً، ولكن تتعلق بجزء منه، أو بشيء خاص منه، وهو الروضة الواقعة بين المنبر وبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذي آل الأمر بعد ذلك إلى أن يكون فيه قبره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ ولهذا أورد هذا الحديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ).

    والمراد ببيته: هو حجرة عائشة التي هي محاذية للمنبر؛ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت بيوته عليه الصلاة والسلام -التي هي حجر زوجاته رضي الله تعالى عنهن- متجاورة، ولكن حجرة عائشة هي التي محاذية للمنبر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )، والحديث جاء بهذا اللفظ، وجاء في بعض الروايات: ( ما بين منبري وبيت عائشة )، وجاء في بعض الروايات: ( ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة )، لكن هذا لم يثبت، وما جاء لعله روي بالمعنى؛ لأن الحجرة التي هي بيته -وهي حجرة عائشة رضي الله عنها- قبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعل ذلك لو ثبت يكون مروياً بالمعنى، مع أنه لم يثبت، وإنما الذي ثبت: ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ).

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (روضة من رياض الجنة)، العلماء منهم من قال: إن هذا على حقيقته، وإن هذا أو هذه البقعة -التي هي الروضة- تؤول إلى الجنة، أو أنها من الجنة، ومنهم من قال غير ذلك، والله تعالى أعلم بالمراد.

    وقوله عليه الصلاة والسلام: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، يدل على فضل هذه البقعة، وعلى تميزها على غيرها من المسجد، وهذا إنما يكون في النوافل دون الفرائض، أما الفرائض فإن الصفوف التي أمامها، والتي هي قبلها بعدما زيد المسجد في عهد عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، من الجهة القبلية، والصفوف الأُول التي أمامها، صلاة الفريضة فيها أفضل من صلاتها بالروضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها )، فهذا يدل على تفضيل الصف الأول مطلقاً، أو الصفوف الأول التي أمامها، والتي هي متقدمة عليها إلى جهة القبلة هي أفضل منها، بل إن ميامن الصفوف أفضل من مياسر الصفوف، وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم بيان فضل ميامن الصفوف، وميامن الصف: التي هي محاذية للروضة وليست في الروضة، يعني: غربي المنبر، أفضل في صلاة الفريضة من الصلاة في الروضة؛ لأن الروضة تقع في مياسر الصف، وما كان على اليمين، فإنه يقع في ميامن الصف، وكانت ميامن الصف التي هي غربي المنبر موجودة في زمنه صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأحاديث الدالة على ذلك، فدل على أن ما كان أمام الروضة أفضل منها، وكذلك ميامن الصفوف التي هي محاذية للروضة، تكون أفضل منها، وهذا إنما هو في الفريضة.

    أما بالنسبة للنافلة، فإن هذه البقعة يشملها عموم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام )، يشملها ويشمل غيرها، لكن هذا الحديث يدل على خصوصيتها، وأنها روضة من رياض الجنة، وأن هذا وصف أُطلق على هذه البقعة الواقعة بين البيت والمنبر، فيكون لها ميزة، ويكون لها فضيلة على غيرها من المسجد، ولكن هذا إنما يكون في النوافل، وليس في الفرائض كما ذكرت، وإنما الفرائض الصفوف الأول، وما كان من ميامن الصفوف غرب الروضة فصلاة الفريضة في ذلك أفضل، وأما بالنسبة للنافلة: فلكونها متميزة على غيرها بهذه الميزة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، يدل على أن النافلة فيها أفضل من النافلة في سائر المسجد، ولكن إذا كان الإنسان عندما يصلي في تلك البقعة -التي هي الروضة- لا يؤذي أحداً؛ لأنه إذا كان الوصول إليها لا يترتب إلا بالأذى، وبإلحاق الضرر بالناس، فإن الصلاة فيها مستحبة، وإلحاق الأذى والضرر بالناس حرام، والإنسان لا يجوز له أن يُقدم على أمر مستحب يرتكب في سبيل الوصول إليه إثماً، أو يحصل إثماً، أو يلحق ضرراً بالغير، فإن ذلك لا يسوغ للإنسان إذا كان سيترتب عليه مضرة إيذاء أحد من الناس، وهذا مثل تقبيل الحجر الأسود، هو مستحب، لكن إذا كان الوصول إليه لا يتأتى إلا بإيذاء أحد من الناس، فإنه لا يجوز للإنسان أن يرتكب الأمر المحرم ليصل إلى أمر مستحب، بل يترك الأمر المستحب ما دام أنه لا يصل إليه، أو يعلم أنه لا يصل إليه إلا بارتكاب أمر محرم وهو إيذاء الناس، فصلاة النافلة في الروضة لا شك أن لها ميزة لهذا الحديث، ولكن حيث لا يلحق ضرراً بأحد، وحيث لا يترتب على صلاته فيها أو الذهاب إلى صلاته فيها إيذاء أحد من الناس في سبيل الوصول إلى هذه البقعة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والنسائي يكثر من الرواية عن هذا الشيخ الذي هو قتيبة، بل إن أول حديث أورده النسائي في سننه شيخه فيه هو قتيبة بن سعيد، وكثيراً ما يمر بنا ذكر شيخه: قتيبة بن سعيد، فإن النسائي رحمه الله مكثر من الرواية عنه. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن مالك].

    هو ابن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه المشهور، صاحب المذهب الذي هو أحد المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وغير هؤلاء الأربعة كما هو معلوم من العلماء لهم اجتهادات، ولهم أقوال اجتهدوا فيها، ولهم منازل عالية، ومكانة رفيعة، ولكن هؤلاء الأربعة حصل لهم من الأصحاب والأتباع الذين عنوا بجمع أقوالهم وبترتيبها وتنظيمها ما لم يحصل لغيرهم، فمن أجل ذلك اشتهرت هذه المذاهب، ولا يعني أن غيرهم من الأئمة والعلماء ليسوا كذلك، وأنهم دونهم، أو يقلون عنهم، ليس الأمر كذلك، وإنما اشتهار هذه المذاهب لكونه حصل لها أصحاب عنوا بهذه المذاهب، وبجمع الأقوال فيها، وبترتيبها وتنظيمها والتأليف فيها، فاشتهرت هذه المذاهب الأربعة لذلك، وإلا فإن العلماء المجتهدين الآخرين لهم أقوال، وهي مبثوثة في الكتب، لا سيما الكتب التي تعنى بجمع أقوال فقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فإن الدارس لكتب الفقه التي تعنى بذكر الأقوال للفقهاء في مختلف العصور، وكذلك الرجوع إلى كتب التفسير، وكذلك الرجوع إلى كتب شروح الحديث، فإنهم يذكرون الأقوال المختلفة عن هؤلاء الأربعة وعن غيرهم، مثل سفيان الثوري، ومثل الأوزاعي، ومثل إسحاق بن راهويه، ومثل إبراهيم النخعي، وكذلك الليث بن سعد، وغيرهم من الفقهاء الذين اشتهروا بالأمصار في الأزمان المختلفة، وتشتمل مثل هذه الكتب التي أشرت إليها على أقوالهم وعلى آرائهم، لكن -كما ذكرت- هؤلاء الأربعة حصل لهم من الأصحاب والأتباع الذين عنوا بتدوين أقوالهم، والتأليف في مذاهبهم، فحصل اشتهار هذه المذاهب.

    الموقف من الأئمة بين الغلو والجفاء

    من المعلوم أن هؤلاء الأئمة الأربعة كغيرهم من الفقهاء المجتهدين, يصيبون ويخطئون، ولا يقال: إن الحق مع واحد بعينه، فإن هذا لا يقال في واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال في حق من جاء بعدهم؟! وإنما الذي يجب أن يعتقد في حق الجميع -هؤلاء الأئمة الأربعة، وغيرهم من العلماء المجتهدين- أنهم بذلوا وسعهم، وأنهم أتعبوا أنفسهم في البحث والتنقيب للوصول إلى الحق، وإلى معرفة الحق بدليله، وهم لا يعدمون أن يكونوا مأجورين، إما أجرين إذا كانوا مصيبين، وإما أجراً واحداً إذا كانوا مخطئين؛ كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر )، وهذا يدل على أن المصيب والمخطئ كلهم على أجر، وكلهم على خير، وكلهم لا يعدمون الأجر أو الأجرين، المجتهد المصيب له أجران: أجر على اجتهاده، وأجر على إصابته، والمجتهد المخطئ له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور، هذا هو الذي يجب أن يعتقد في الأئمة وفي غيرهم، ولا يجوز الغلو ولا الجفاء، فلا يغلو فيهم أو في أحد منهم بأن يقال: الحق مع فلان، وأن الدليل يكون مع فلان، وأنه لو كان في المسألة دليل لما خفي على فلان، لا يجوز أن يقال هذا؛ هذا غلو، وكذلك الجفاء لا يجوز، ليس للإنسان أن يجفو، وأن يتكلم في حق الأئمة الأربعة وغيرهم بكلام لا يليق، وإنما يحترمهم ويعظمهم ويستفيد من علمهم، ويرجع إلى كتبهم، لكن لا يكون التعويل على قول واحد منهم بعينه، وإنما يكون التعويل على ما يدل عليه الدليل؛ لأن هذا هو الذي أوصوا به، وهذا هو الذي رغبوا فيه وحثوا عليه رحمة الله عليهم، فـأبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وأحمد، كلٌ منهم جاء عنه أنه يقول: إذا وجد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على خلاف ما جاء عنه، فإنه يترك ما جاء عنه، ويصار إلى ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وما ذاك إلا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي يجب تجريد المتابعة له صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأنه المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وما يأتي به وحي يوحيه الله عز وجل إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو الذي قوله لا يجوز لأحد أن يعدل عنه إذا ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، ويقول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ويقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36].

    فلا يجوز الغلو ولا الجفاء، لا يقال: إن فلان عنده العلم المحيط بكل شيء، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يخفى عليه، وأنه مصيب دائماً، وأنه لا يخطئ، فهذا لا يجوز أن يقال في أحد، وكذلك أيضاً لا يقال: أن الأئمة الأربعة وغيرهم لا يرجع إلى أقوالهم، بل يرجع إلى أقوالهم، ويرجع إلى كتبهم، ويستفاد من علمهم، وقد قال الإمام ابن القيم رحمة الله عليه: إن الإنسان مع الأئمة الأربعة ومع غيرهم، يستعين بهم على الوصول إلى الحق، ويستفيد من علمهم ما يصل به إلى الحق. وضرب لذلك مثلاً فقال: إن هذا مثل النجم الذي يستدل به الإنسان إلى القبلة إذا كان في الفلاة، وإذا كان في مكان لا يعرف القبلة، فإنه يستدل على القبلة بالنجم، فإذا وصل إلى القبلة وصار عند الكعبة، لا يحتاج إلى أن ينظر في السماء، يبحث عن القبلة في النجوم؛ لأن القبلة أمامه، فكذلك العلماء رحمة الله عليهم يستعان بهم، ويستفاد منهم في الوصول إلى الدليل، والوصول إلى الحق، والوصول إلى ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن إذا وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنه عند ذلك لا يحتاج إلى أن يؤخذ بقول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا هو الذي أوصى به الأئمة الأربعة، ومما قاله الشافعي رحمة الله عليه: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان.

    الحاصل: أن الواجب على طلبة العلم وغيرهم بالنسبة للعلماء - الأئمة الأربعة وغيرهم - أن يحترموهم، ويوقروهم، ويثنوا عليهم، ويعظموهم، ويستفيدوا من علمهم، ويستفيدوا من كتبهم، لكن الحق وسط بين الإفراط والتفريط، لا غلو ولا جفاء، ولهذا يقول الطحاوي رحمه الله في عقيدة أهل السنة والجماعة: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. هذه كلمة جميلة قالها الطحاوي رحمة الله عليه في العقيدة التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الأثر والخبر: الذين هم المحدثون، وأهل الفقه والنظر: الذين هم الفقهاء، لا يذكرون إلا بالجميل، وعلماء السلف لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، يعني: غير سبيل المؤمنين الذين يثنون على أهل العلم، ويستفيدون من أهل العلم، ويرجعون إلى كلام أهل العلم، هذه كلمة استطرادية عند ذكر الإمام مالك رحمة الله عليه، وبيان ما يجب أن يكون عليه طالب العلم نحو العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم، وأن الإنسان يعظمهم ويستفيد منهم، وأن يحذر من الغلو ومن الجفاء، والحق وسط بين الإفراط والتفريط، يقول الخطابي :

    ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميمُ

    الذي هو الإفراط والتفريط؛ لأن الحق وسط بين الطرفين، الذي هو طرف الجفاء وطرف الغلو، طرف الإفراط وطرف التفريط، ولهذا الإنسان إذا رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة في المسائل المختلفة في العقيدة، يجد أنهم متوسطون بين جفاة وغلاة، أو بين مُفَرطّين ومُفْرِطين، بين غالين وجافين، والإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد أفراد السلسلة التي قال عنها الإمام البخاري رحمه الله: إنها أصح الأسانيد، وهي: مالك عن نافع عن ابن عمر، فهو: إمام جليل محدث فقيه مشهور، انتشر علمه، واستفاد الناس من علمه على مختلف العصور.

    تابع تراجم رجال إسناد حديث: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)

    قوله: [عن عبد الله بن أبي بكر].

    هو ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني الأنصاري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عباد بن تميم].

    وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    يروي عن [عبد الله بن زيد بن عاصم المازني]، وهو عمه أخو أبيه لأمه، وهو صحابي مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    وهذا الإسناد الذي معنا في هذا الحديث وهو: قتيبة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد .. كل هؤلاء حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة، حدثنا سفيان عن عمار الدهني عن أبي سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة ) ].

    أورد النسائي رحمه الله هنا حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة )، رواتب: جمع راتبة، والراتب: هو المنتصب المستقر على شيء، والمراد بذلك كما بينه الحديث الذي قبله هو: روضة من رياض الجنة، فقوائم منبره رواتب، يعني: منتصبة في هذه البقعة التي هي روضة من رياض الجنة، أو هذا المكان الذي هو روضة من رياض الجنة، والكلام فيه كالكلام في الحديث الذي قبله، وهو قوله: (روضة من رياض الجنة)، والله تعالى أعلم بمعناه، هل يكون أنه أصله من الجنة، أو أنه ينقل ويذهب به إلى الجنة بعد ذلك، أو غير ذلك؟ الله تعالى أعلم. ومن العلماء من قال: إن فيه تشبيه حذفت فيه الأداة، وهو الذي يسمونه التشبيه البليغ الذي يذكر فيه المشبه والمشبه به، وتحذف منه الأداة ووجه الشبه، يعني: أنه كروضة من رياض الجنة، من العلماء من قال هذا؛ وذلك لما يحصل فيه من الاشتغال بالعبادة، والتقرب إلى الله عز وجل بالطاعات، وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم بالمراد.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.

    [حدثنا سفيان].

    وهو ابن عيينة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عمار الدهني].

    وهو عمار بن معاوية أبو معاوية الدهني، وهو صدوق، يتشيع، وحديثه عند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن أبي سلمة].

    وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، أحد فقهاء التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع؛ لأنه كما ذكرت سابقاً أن الفقهاء السبعة الذين اشتهروا بهذا اللقب في عصر التابعين يقال لهم: الفقهاء السبعة، عندما تأتي مسألة من المسائل في كتب الفقه، يقال: قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، الفقهاء السبعة في عصر التابعين هم ستة متفق عليهم، والسابع فيه ثلاثة أقوال، فالستة المتفق عليهم: سعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: منهم من قال: إن السابع أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومنهم من قال: إن السابع أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف , ومنهم من قال: إن السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، هذه ثلاثة أقوال في السابع من الفقهاء السبعة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن الذي معنا في هذا الإسناد هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع من الفقهاء السبعة.

    وقد ذكرهم ابن القيم رحمه الله، وذكرهم العلماء في كتب مصطلح الحديث، يذكرونهم عندما يأتون بذكر التابعين، يذكرون منهم الفقهاء السبعة، عندما يأتي بحث التابعين، أو المبحث الخاص بالتابعين في علم المصطلح، يذكرون الفقهاء السبعة هؤلاء فيهم، وقد ذكرهم ابن القيم في أول كتابه: إعلام الموقعين عن رب العالمين؛ لأنه بدأه بالفقهاء من الصحابة ومن بعدهم في البلاد المختلفة، ولما جاء عند ذكر المدينة، في عصر التابعين، وذكر الفقهاء من التابعين، ذكر منهم الفقهاء السبعة، ولكنه ذكر أن السابع هو: أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وذكر بيتين من الشعر اشتمل البيت الثاني على ذكر السبعة، وهذان البيتان هما:

    إذا قيل من في العلم سبعة أبحرٍ روايتهم ليست عن العلم خارجة

    فقل: هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة

    هذا البيت الثاني يشمل هؤلاء السبعة، الاسم الأول، يقول: هم عبيد الله: وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة: هو عروة بن الزبير، وقاسم: هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسعيد: هو سعيد بن المسيب، وسليمان: هو سليمان بن يسار، وخارجة: هو خارجة بن زيد بن ثابت .

    وحديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن أم سلمة ].

    وأم سلمة أم المؤمنين، وهي: هند بنت أبي أمية المخزومية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها موجود في الكتب الستة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088548672

    عدد مرات الحفظ

    777265489