شرح حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف التشهد الأول.
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن الأشجعي عن سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا جلسنا في الركعتين: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كيف التشهد؛ أي: كيف يتشهد الإنسان، وكيف يأتي بهذا الذكر الذي يكون في التشهد الأول، أو في التشهد الأخير؟ أي في الجلوس الأول بعد الركعتين، وفي الجلوس الثاني بعد الأربع، أو بعد الثلاث، أو بعد الثنتين إذا كانت الفجر أو نافلة، فإن المراد هذا بالترجمة [كيف التشهد]:
ما هي صيغة التشهد التي يأتي بها الإنسان عندما يجلس في وسط الصلاة إذا كانت ثلاثية أو رباعية، أو قبل السلام إذا كانت رباعية أو ثلاثية أو ثنائية؟ معناه: أنه في أي تشهد سواءً أول أو ثاني أو هو الوحيد فيما إذا كانت الصلاة ثنائية مثل الفجر، أو التطوع الذي هو ركعتين ركعتين، فإنه يأتي بهذه الصيغة: [التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله]، هذا هو التشهد الذي علم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه إياه، فقد جاء في الحديث (إنه كان يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن)؛ لأنه لفظ وذكر يؤتى به على هيئته، وعلى لفظه، فكان يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن حتى يحفظوه، وحتى يتقنوه ويضبطوه.
و(التحيات لله) فسرت بأنها الثناء، وأنه كما أن الناس يعظم بعضهم بعضاً في التحية، ويقدر بعضهم بعضاً في التحية، فإن التحيات الحقيقية لله عز وجل. والصلوات التي هي المفروضة والتطوعات أو الدعاء؛ لأن الصلاة تطلق على الدعاء، وهذا هو المعنى اللغوي، وتطلق على الصلاة المعروفة، التي هي: أقوال وأفعال تبدأ بالتكبير وتختتم بالتسليم؛ أقوال وأفعال مخصوصة تبتدأ بالتكبير وتختتم بالتسليم، هذه هي الصلاة بعرف الشرع أو بالمعنى الشرعي، وأما الصلاة في اللغة: فهي الدعاء، والصلاة الشرعية مشتملة على الصلاة اللغوية التي هي الدعاء؛ لأن كثيراً منها ثناء ودعاء.
و(الطيبات)، أي: الكلام الطيب والثناء الحسن هو لله سبحانه وتعالى، فهو المستحق للثناء الحسن.
وقوله: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، هذا دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام بالسلامة والرحمة والبركة.
وقوله: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، يسلم الإنسان على نفسه، وعلى كل عبد صالح في السماء والأرض، والإنسان إذا وفق لأن يكون من أهل الصلاح، فإنه له نصيباً من هذا الدعاء الذي يحصل من كل مصل، فإنه يدعو لعباد الله الصالحين، فمن ثمرات الصلاح، ومن فوائد الصلاح، وكون الإنسان يستقيم على طاعة الله عز وجل، أنه يكون له نصيب من دعاء الداعين في صلواتهم، أي مصل يصلي يقول: [السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين]، وإذا كان الإنسان من عباد الله الصالحين، فإن أي مصل يصلي، ويدعو بهذا الدعاء، يكون له نصيب منه، وهذه من ثمرات الاستقامة، وثمرات الملازمة لطاعة الله وطاعة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله]. أطلق على التشهد تشهد؛ لأنه مشتمل على الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالعبودية والرسالة؛ أشهد أن لا إله إلا الله، هذه كلمة التوحيد، كلمة الإخلاص، الكلمة التي هي المفتاح، وهي المدخل، وهي المنتهى كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام لما بعثه الله كان ينادي في مكة ويقول: (يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، فهي البداية والنهاية، وكلمة الإخلاص -لا إله إلا الله- مكونة من ركنين: نفي، وإثبات، نفي عام في أولها، وإثبات خاص في آخرها، لا إله تنفي العبادة عن كل من سوى الله، وإلا الله يثبتها لله وحده لا شريك له، لا إله، أي: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى، فتنفي العبادة عن كل ما سوى الله، وتثبتها لله عز وجل.
[وأشهد أن محمداً عبده ورسوله]، فكما يشهد لله بالوحدانية، لا بد مع الشهادة لله بالوحدانية والألوهية، بأن يشهد لمحمد عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فذكر هذين الوصفين من أوصافه، وهما عبوديته لله عز وجل، وكونه رسولاً أرسله الله عز وجل، وهذا اللفظ هو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يقال فيه؛ ولهذا جاء في حديث عمر بن الخطاب في البخاري: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)، ولهذا من خير ما يثنى على الرسول صلى الله عليه وسلم به ويذكر به الرسول أن يوصف بأنه عبد الله ورسوله تحقيقاً لرغبته، وامتثالاً لأمره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، حيث قال: (وقولوا: عبد الله ورسوله)، فتعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، بأن يوصف بأنه عبد الله ورسوله، فهو عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، فوصفه بأنه عبد يشعر بأنه لا نصيب له في العبادة؛ لأنه من عباد الله الذين يعبدون الله، والعبادة هي لله عز وجل لا شريك له فيها، كما أنه لا شريك له في الخلق والإيجاد، فلا شريك له في العبادة، فهو عبد لا يعبد، لا يصرف له شيء من أنواع العبادة، لا يدعى وإنما يدعى له عليه الصلاة والسلام؛ لأن السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته دعاء له، وصلى الله عليه وسلم دعاء له، فهو يدعى له ولا يدعى، وإنما الذي يدعى هو الله عز وجل، هو الذي يدعى سبحانه وتعالى.
وكذلك وصفه بأنه رسول فلا يكذب بل يصدق، ويتبع فيما جاء به؛ تصدق أخباره، وتمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه، وتكون عبادة الله طبقاً لما شرعه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهو عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، ولهذا جاء في القرآن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبودية في المقامات الشريفة، والمناسبات العظيمة، فجاء ذكره عند إنزال القرآن:
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ
[الفرقان:1]، وقوله:
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ
[الجن:19]. يعني: وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبودية في المقامات الشريفة، وفي الإسراء:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
[الإسراء:1].
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول
شرح حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق ثانية
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق ثانية
حديث ابن مسعود في كيفية التشهد الأول من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
طريق رابعة لحديث ابن مسعود في كيفية التشهد وتراجم رجال إسنادها