إسلام ويب

شرح سنن النسائي - كتاب تقصير الصلاة في السفر - باب الصلاة بمكةللشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صلاة المسافر ركعتان ما لم يأتم بمقيم، وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عباس.

    شرح حديث: (صلاة الجمعة ركعتان ... والسفر ركعتان)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان وهو ابن حبيب عن شعبة عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر قال: (صلاة الجمعة ركعتان، والفطر ركعتان، والنحر ركعتان، والسفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم)].

    هذا الحديث من الأحاديث التي أوردها النسائي تحت كتاب تقصير الصلاة في السفر، وقد مر أحاديث عديدة تتعلق بأحكام السفر، وأن صلاة السفر ركعتان، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فيما إذا صلى المسافرون وحدهم، أما إذا صلوا وراء إمام مقيم يتم، فإن المسافر عليه أن يصلي صلاة المقيم، ولو لم يدرك من الصلاة إلا آخرها؛ فإنه إذا قام يقضي فلا بد أن يقضي صلاة المقيم وهي أربع، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: جاءت بأن المسافر إذا صلى صلاة وراء مقيم فإنه يتم كصلاة المقيم، وذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سئل: ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين، وإذا صلى وراء إمام أتم؟ قال: تلك السنة؛ أي: تلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وقد مر جملة من الأحاديث في هذه الترجمة، وبقي بعض الأحاديث؛ أولها: حديث عمر رضي الله عنه: [صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة النحر ركعتان، وصلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم]، والحديث قد مر في الجمعة، وفي بيان مقدار صلاة الجمعة، وأنها ركعتان، وهنا أورده من أجل اشتماله على بيان صلاة المسافر، وأنها ركعتان، وقد مر الحديث، وهو من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر رضي الله تعالى عنه، فقال النسائي عقبه هناك: عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عمر، وذكرت في ما مضى: أن الحافظ ابن حجر قال: مختلف في سماعه من عمر، لكن القول بكونه سمع منه هو الصحيح، وقد جاء مصرحاً به -أي: بالسماع- في روايته هذا الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو حديث: صلاة الجمعة ركعتان... إلخ.

    وذكره بعض أهل العلم -ومنهم: مسلم في مقدمة صحيحه- أنه سمع من عمر، والحديث أورده من أجل ما جاء في آخره، وصلاة السفر ركعتان تمام من غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.

    وقوله: [على لسان محمد صلى الله عليه وسلم] أي: أن الله تعالى فرض هذه الفرائض، وأنها من الله عز وجل، ولكنها جاءت في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن السنة هي التي تبين القرآن، وتوضحه، وتدل عليه، ويجب التعويل عليها كما يجب التعويل على القرآن، ومن قال: إنه يأخذ بالسنة، ولا يأخذ بالقرآن؛ فإنه كافر بالقرآن، وغير مؤمن بالقرآن؛ لأن القرآن جاء بالأخذ بالسنة في قول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ثم أيضاً ما عرف الناس عدد الركعات في الصلوات إلا عن طريق السنة، وهي مفروضة فرضها الله عز وجل، والمسلمون مجمعون على هذه الأعداد، فمن يقول: إنه يؤخذ بما في القرآن ولا يؤخذ بالسنة فهو كافر بالكتاب والسنة، وكيف يتعبد الله عز وجل من يقول هذا الكلام؟! كيف يصلي لله عز وجل؟! ومن أين في القرآن أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الفجر ركعتين؟ كل هذا لا وجود له إلا في السنة، ولا وجود له في القرآن، فالذي يقول: إنه لا يأخذ إلا بما في القرآن، ولا يأخذ ما في السنة، هو كافر بالكتاب وكافر بالسنة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة الجمعة ركعتان ... والسفر ركعتان)

    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].

    هو البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن سفيان وهو: ابن حبيب].

    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب، وأصحاب السنن الأربعة، وقوله: (هو ابن حبيب)، هذه الذي قالها من دون تلميذه حميد بن مسعدة؛ لأن حميد بن مسعدة، عندما يذكر شيخه ينسبه كما يُريد فيقول: فلان بن فلان بن فلان الفلاني، أي: إذا شاء يذكر اسم أبيه وجده وجد أبيه، أو يذكر بلده، أو يذكر قبيلته، أو ما إلى ذلك، كل هذا يفعله التلميذ إذا أراد، لكن حميد بن مسعدة ما زاد على قوله: سفيان في روايته عنه، ولكن من دونه وهو: النسائي أو من دون النسائي، هم الذين جاءوا بكلمة (هو ابن حبيب)، ولكنهم أتوا بكلمة (هو) الدالة على أنها ممن دون التلميذ، وليست من التلميذ، وهذا كما أشرت سابقاً من الدقة عند المحدثين في تعبيراتهم، وفي ألفاظهم، وأنهم يلتزمون الألفاظ التي يقولها التلاميذ عن شيوخهم، وإذا أرادوا أن يوضحوا هذا المهمل؛ فإنهم يأتون بكلمة (هو) أو بكلمة (يعني) التي تدل على أن هذا الكلام المضاف الزائد ليس من التلميذ، وإنما هو من غير التلميذ.

    [عن شعبة].

    هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، ثقة، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث من أئمة الجرح والتعديل، وهو لقب رفيع، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن زبيد].

    هو اليامي الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].

    هو ابن أبي ليلى المدني، ثم الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عمر].

    هو ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، والذي طال زمن خلافته، وحصل فيها الخير الكثير، وحصل فيها الفتوحات العظيمة الواسعة، وحصل فيها القضاء على الدولتين العظيمتين في ذلك الزمان؛ دولة فارس والروم، وأنفقت كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله على يدي الفاروق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله)؛ فإن ذلك تحقق في زمان الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومناقبه جمة، وفضائله كثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومن أجلّ فضائله: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما سلكت فجاً يا عمر! إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك)، أي: أن عمر والشيطان لا يلتقيان في طريق واحد، فيهرب الشيطان من الطريق الذي يكون فيه عمر، رضي الله تعالى عن عمر وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (فرضت صلاة الحضر أربعاً وصلاة السفر ركعتين ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن وهب حدثنا محمد بن سلمة حدثني أبو عبد الرحيم حدثني زيد عن أيوب وهو: ابن عائذ عن بكير بن الأخنس عن مجاهد أبي الحجاج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرضت صلاة الحضر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم أربعاً، وصلاة السفر ركعتين، وصلاة الخوف ركعة)].

    هنا أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وهو قوله: [فرضت صلاة الحضر على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم أربعاً، وصلاة السفر ركعتين، وصلاة الخوف ركعة]. وهو يدل على أمور ثلاثة: على أن صلاة الحضر أربع، وصلاة السفر ركعتان، وصلاة الخوف ركعة، وهي إحدى الصور التي جاءت في صلاة الخوف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنها جاءت على هيئات مختلفة، وأنها تكون ركعتين، وفيها تفاصيل فيما إذا كان العدو في جهة القبلة، أو في غير جهة القبلة، وفي هذا الحديث أنها تكون ركعة، فإذا اشتد الخوف فإنه يمكن أن تُصلى ركعة واحدة، وهذا من تخفيف الله عز وجل، وتيسيره على عباده، ومحل الشاهد من هذا ما يتعلق بالجملة الوسطى وهي: [أن صلاة السفر أنها تكون ركعتين].

    تراجم رجال إسناد حديث: (فرضت صلاة الحضر أربعاً وصلاة السفر ركعتين ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن وهب].

    هو الحراني، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [حدثنا محمد بن سلمة].

    هو الحراني، ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، ومحمد بن سلمة هذا غير محمد بن سلمة المرادي المصري؛ فإن ذاك في طبقة متأخرة، وهو من طبقة شيوخ النسائي، وأما هذا فهو من طبقة شيوخ شيوخه؛ فإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي مباشرة، فالمراد به المصري المرادي، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة كما هنا؛ لأنه يروي عنه بواسطة محمد بن وهب، فالمراد به الحراني الذي هو في طبقة شيوخ شيوخه.

    [حدثني أبو عبد الرحيم].

    هو خالد بن أبي يزيد الحراني، وهو مشهور بكنيته أبي عبد الرحيم، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

    [حدثني زيد].

    هو ابن أبي أنيسة الجزري، وهو ثقة، له أفراد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أيوب وهو ابن عائذ].

    ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وكلمة (أيوب وهو ابن عائذ) مثل التي مر قريباً في سفيان هو ابن حبيب، هذه مثل تلك، فـ(أيوب هو ابن عائذ) هي ممن دون تلميذه زيد بن أبي أنيسة.

    [عن بكير بن الأخنس].

    ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأبو داود ،و النسائي، وابن ماجه.

    [عن مجاهد أبي الحجاج].

    هو مجاهد بن جبر أبو الحجاج، المكي، ثقة، إمام في التفسير والعلم، وهو الذي أخذ عن ابن عباس في التفسير، وهو إمام مشهور، ومحدث، ومفسر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن عباس].

    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم؛ وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وجابر، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عن الجميع، فقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:

    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر

    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي.

    شرح حديث: (إن الله عز وجل فرض الصلاة ... في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن ماهان حدثنا القاسم بن مالك عن أيوب بن عائذ عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن الله عز وجل فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة)].

    هنا أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو بمعنى الذي قبله، وقوله: [إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم]، أي: هذا يبين أن ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو من الله، وأنه مبلغ عن الله، والله تعالى هو الذي فرض والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أوحي إليه، ولهذا فإن السنة هي وحيُ من الله، قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي يُوحَى [النجم:3-4].

    فالوحي وحيان: وحي هو القرآن المتلو المتعبد بتلاوته، والعمل به، ووحي متعبد بالعمل به كالقرآن وهي السنة، كما أنه متعبد بالعمل بالقرآن، فالسنة والقرآن متلازمان تلازم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا يكفي أن الإنسان يؤمن بالقرآن، ولا يؤمن بالسنة؛ فإن الإيمان بهما جميعاً لا بد منه، ومن كذب بالسنة فهو مكذب بالقرآن، ومن أنكر السنة فهو منكر للقرآن، فهما متلازمان تلازم شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولهذا قال في هذا الحديث: [إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام]، وهذا لا وجود له في القرآن، وإنما هو في السنة، والسنة الله عز وجل نزل الوحي بها على رسول الله كما نزل الوحي بالقرآن على رسول الله عليه الصلاة والسلام، إلا أن هذا متعبد بتلاوته، ومتعبد بالعمل به، وأما السنة فإنه متعبد بالعمل بها، كما أنه متعبد بالعمل بالقرآن.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل فرض الصلاة ... في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا يعقوب بن ماهان].

    صدوق، أخرج حديثه النسائي.

    [حدثنا القاسم بن مالك].

    ثقة، صدوق فيه لين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.

    [عن أيوب بن عائذ].

    قد مر ذكره.

    [عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس].

    هؤلاء الثلاثة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537176

    عدد مرات الحفظ

    777193262