إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب الجنائز
  7. شرح سنن النسائي - كتاب الجنائز - باب تمني الموت - باب الدعاء بالموت

شرح سنن النسائي - كتاب الجنائز - باب تمني الموت - باب الدعاء بالموتللشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • دلت السنة النبوية على أنه لا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضر مسه؛ لأنه لا يدري أيهما خير له، فإن كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي.

    شرح حديث: (لا يتمنين أحد منكم الموت...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الجنائز، باب تمني الموت.

    أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتمنين أحد منكم الموت، إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب)].

    يقول النسائي رحمه الله: [كتاب الجنائز]. هو الكتاب الذي ختم به النسائي كتاب الصلاة، أو الكتب المتعلقة بالصلاة، وأخر هذا الكتاب؛ لأنه يتعلق بالصلاة على الميت، وتلك إنما تكون عند نهاية الحياة؛ فمن أجل هذا أتى النسائي بهذا الكتاب في آخر كتاب الصلاة، وكذلك العلماء فكثير من المحدثين والفقهاء يختمون الكتب المتعلقة بالصلاة بكتاب الجنائز، وقال: كتاب الجنائز ولم يقل: كتاب صلاة الجنازة؛ لأن الأحكام التي تتعلق بالجنائز كثيرة، الصلاة وغير الصلاة، أشياء قبل الصلاة وأشياء بعد الصلاة، فلهذا جاءت الترجمة عامة فقيل: [كتاب الجنائز]، أي: ما يتعلق بالجنائز من أحكام، هذا هو وجه تأخير كتاب الجنائز عن الكتب المتعلقة بالصلاة؛ لأن الصلاة على الميت إنما تكون عند الوفاة وبعد الوفاة، فختمت كتب الصلاة بهذا الكتاب، وهذه الطريقة سلكها العلماء من محدثين وفقهاء.

    وأورد النسائي أبواباً تتعلق بأمور قبل الموت، فبدأ بالتمني، أي: تمني الموت، حكمه، وهل هو سائغ أو غير سائغ؟ وماذا ورد من السنة فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وتمني الموت إذا كان لأمور دنيوية أو لضرر في الإنسان في أمور تتعلق بدنياه، فهذا ليس بحسن؛ لأن الإنسان لا يدري ماذا سينتهي إليه، وقد ينتهي أو ينتقل من ضرر شديد إلى ضرر أشد؛ لأنه لا يعرف الإنسان العاقبة، ولا يعرف ما بعد الموت، فلا يتمنى ذلك لأمور دنيوية، وأما الأمور الأخروية، فمن العلماء من أجازها، وكون الإنسان يتمنى الموت لأمور أخروية، لكون الإنسان يخشى من الفتنة في دينه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)، وهذا في الدعاء الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم: وكذلك جاء فيما يتعلق بالذي يتمنى أن يكون مكان الميت، وقد أورده البخاري في صحيحه: باب غبطة أصحاب القبور، أي: أن يأتي رجل فيقول: يا ليتني مكانه! فهذا التمني لأمور تتعلق بالدين، ولكن سواء كانت الأمور تتعلق بالدنيا أو بالدين، فالإنسان إذا كان ولا بد فليسأل أن تكون حياته على خير، وأن تكون وفاته على خير، وأن تحصل له الحياة إذا كانت خيراً له، وأن تحصل له الوفاة إذا كانت خيراً له كما سيأتي في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن كان ولا بد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)، يعني معناه: أن الإنسان يسأل الله عز وجل الخاتمة على خير، وأن يسأل الله الوفاة على الإسلام، والوفاة على الحق كما جاء عن يوسف عليه الصلاة والسلام: (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين)، فالإنسان يسأل الله الوفاة على حالة طيبة إذا كان ولا بد سائلاً، لا يتمنى الموت مطلقاً بدون تقييد، وإنما يكون مقيداً بما إذا كانت الوفاة خير للإنسان؛ لأن الإنسان قد يصيبه ضرر دنيوي، فينتقل إلى ضرر أشد منه بالموت، ولكنه إذا سأله أن تكون الحياة على خير، وأن تكون الوفاة على خير، فهذا هو الذي ينبغي، ولهذا جاء في الحديث إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدعاء إذا كان ولا بد، يعني سائلاً أو متمنياً الموت، فليأت بهذه الطريقة.

    ومن الأدعية التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح مسلم، الحديث العظيم الجامع الدعاء الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر)، هذا حديث عظيم جامع، وهكذا يكون السؤال عندما يحتاج الإنسان إلى أن يدعو، أو أن يتمنى الموت، أما أن يتمناه مطلقاً فإن هذا لا يصلح ولا ينبغي، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان ولا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي).

    وهنا أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسناً فلعله أن يزداد إحساناً، وإما مسيئاً فلعله يستعتب)، يعني: إنه إذا بقي على قيد الحياة، فإن كان محسناً فلعله أن يزداد إحساناً على إحسانه، ويكون طول حياته زيادةً في الخير الذي يحصل له، يعني: كون الإنسان يطول عمره على خير، وعلى أعمال صالحة، هذا خير؛ لأن حياة الإنسان هي المزرعة التي يحصد الإنسان ثمرتها ونتاجها عندما يموت كما جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، فإذاً: تمني الموت نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين أن هذا الإنسان الذي سيتمنى: إن كان محسناً فالحياة لعلها تكون زيادة خير له، وإن كان مسيئاً فلعله أن يستعتب، يعني: يرجع ويتوب ويطلب العفو والرضا من الله عز وجل، وأن يرضى ويتجاوز عنه، وأن يتوب الله عليه، ويتجاوز عما حصل منه من الإساءة.

    وقوله: (إما محسناً)، محسناً: خبر يكون، كان واسمها محذوفان، والخبر هو الموجود، يعني: إما أن يكون محسناً، فلعله أن يزداد إحساناً، أي: في الحياة، وإما أن يكون مسيئاً فلعله أن يستعتب، وهذا مثل قوله: (إن خيراً فخير، وإن شراً فشر)، يعني: إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، يعني إن كان عمله الذي يقدمه خيراً فجزاؤه خير، وإن كان شراً فالجزاء من جنس العمل، هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى [الروم:10]، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، الحسنى: الجنة، والسوأى: النار.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يتمنين أحد منكم الموت...)

    قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].

    هو البغدادي الحمال، لقبه الحمال، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.

    [حدثنا معن].

    هو معن بن عيسى المدني، صاحب الإمام مالك، وهو ثقة ثبت، قال أبو حاتم: أثبت أصحاب الإمام مالك: معن بن عيسى، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا إبراهيم بن سعد].

    هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن الزهري].

    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ثقة فقيه مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار التابعين الذين رأوا صغار الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة].

    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ثقة فقيه، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، الستة المتفق على عدهم هم: عبيد الله بن عبد الله هذا الذي معنا، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وعبيد الله الذي معنا هو أحد السبعة باتفاق، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي هريرة].

    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.

    حديث: (لا يتمنين أحد منكم الموت...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثني الزبيدي حدثنا الزهري عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف: أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسناً فلعله أن يعيش يزداد خيراً، وهو خيرٌ له، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب)].

    أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريقٍ أخرى، وهو مثل الذي قبله في المعنى، وإن كان يختلف عنه في بعض الألفاظ قليلاً.

    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان].

    هو ابن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

    [حدثنا بقية].

    هو ابن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.

    [حدثني الزبيدي].

    هو محمد بن الوليد الحمصي، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.

    [حدثنا الزهري]، وقد مر ذكره.

    [عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف].

    هو سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، يعني: ابن أخي عبد الرحمن بن عوف؛ لأن هذا عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، وعبد الرحمن بن عوف أخو أزهر بن عوف، فهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، وهو مولاه، وهو سعد بن عبيد أبو عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، وليس عبد الرحمن بن عوف، بل هو عبد الرحمن بن أزهر بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [أنه سمع أبا هريرة].

    رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

    شرح حديث: (لا يتمنين أحدكم الموت ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا يزيد وهو ابن زريع عن حميد عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به في الدنيا، ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)].

    أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه النهي عن تمني الموت، وأنه إن كان ولا بد فاعلاً فليقل: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي)، وفي بعض النسخ: (إذا كانت الوفاة خيراً لي)، فهذا فيه النهي عن تمني الموت، والإرشاد إلى أن الإنسان إذا كان لا بد متمنياً فليكن على طريقة حسنة في الحياة والموت، فيقول: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) ومعناه أنه يكون على ما هو خير له، إن كانت الحياة خيراً فيبقى، وإن كانت الوفاة خيراً فهو يرجو من الله عز وجل ذلك، ويطلب منه الوفاة.

    ومن المعلوم أن كل شيء مقدر، الحياة مقدرة، والوفاة مقدرة، والأجل لا يتقدم ولا يتأخر، ولكن الله عز وجل شرع الدعاء، وأمر بالأسباب، ومن المعلوم أن الإنسان يسأل ويدعو وإن كان ذلك الشيء مقدر، فليس معناه أن يقول: والله إذا كان مقدراً فما الحاجة إلى الدعاء، الله عز جل قدر الأجل وقدر أسباباً تؤدي إلى الأجل، وكل ذلك مقدر، ففعل الدعاء بقدر، والموت بقدر، والحياة بقدر، والذي قدره الله هو الذي يقع، فلا يتغير الأجل، والإنسان أجله واحد، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34] يعني: لا فيه تقدم ولا تأخر إذا جاء الأجل، ولكن الله عز وجل شرع الدعاء، مثل ما يقول الإنسان: اللهم ارزقني الجنة وجنبني النار، وهو مقدر أنه من الجنة أو من النار، كل شيء مقدر، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]، لكن الإنسان يسأل الله عز وجل ويرجو الجنة ويستعيذ بالله من النار، وكل شيءٍ مقدر، الذي كتبه الله في اللوح المحفوظ لا بد وأن ينتهي؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، ومن العمل الدعاء، وكون الإنسان يأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى الجنة، ويسأل الله عز وجل أن يجعله من أهلها فإن كان لا بد فليكن بهذه الطريقة، أو بهذه الكيفية التي هي سؤال الموت على خير، أو الحياة على خير.

    وفي هذا الحديث قوله: (لضرٍ نزل به في الدنيا)، يعني: إذا كانت الأمور الدنيوية؛ لأن الإنسان لا يدري لعل هذا الضر الذي حصل له في الدنيا قد ينتقل إلى حالة أشد، وإلى عذاب أشد في القبر وبعد الموت، ولكن الإنسان إذا سأل الله عز وجل أن تكون الحياة على خير، وأن تكون الوفاة على خير، فهذا هو الذي على خير، وهذا الذي على الإنسان أن يأخذ به، وأن يدعو بهذا الدعاء، ويمكن للإنسان أن يدعو بهذا التفصيل، سواءً يتعلق بأمرٍ دنيوي أو أخروي، حتى لو كان فيما يتعلق بأمرٍ يراه في الدنيا وهو يتعلق بدينه، ويخشى أن يكون عليه ضررٌ فليسأل الله هذا السؤال أيضاً، (اللهم أحيني إذا كان الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي).

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يتمنين أحدكم الموت ...) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا يزيد وهو ابن زريع].

    هو البصري، وهو ثقة ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكلمة (هو ابن زريع) الذي قالها النسائي أو من دون النسائي، ولم يقلها قتيبة تلميذه؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان، وإنما ينسبه كما يريد، ويصفه كما يريد، ولكن التلميذ لما أتى به غير منسوب، وهو الذي يسمى في علم المصطلح: المهمل، الذي دونه، أي: دون التلميذ، لما أراد أن يعرف أو يأتي بشيء يعرف به التلميذ، قال: هو ابن زريع، فأتى بكلمة: (هو) حتى يعلم أنها ليست من قتيبة، بل هي من النسائي أو من دون النسائي، وهذه طريقة العلماء، وهي من دقة المحدثين، أنهم يأتون باللفظ الذي أتى به التلميذ، وإذا أرادوا أن يوضحوا أتوا بكلمة تبين ذلك، مثل كلمة (هو)، أو (فلان بن فلان) هاتان العبارتان هما اللتان يستعملهما العلماء عندما يريدون أن يأتوا بما يوضح الشخص الذي أهمل ولم ينسب.

    [عن حميد].

    هو ابن أبي حميد الطويل البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    عن أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي قد خدمه عشر سنوات منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة إلى أن توفاه الله عز وجل وهو يخدمه عشر سنوات رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين مر ذكرهم آنفاً عند ذكر أبي هريرة رضي الله عنه، فإن أنس بن مالك واحداً منهم، وخدمته للرسول صلى الله عليه وسلم وملازمته إياه للخدمة، كانت من أسباب كثرة حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    وهذا الإسناد رباعي، قتيبة عن يزيد بن زريع عن حميد بن أبي حميد الطويل عن أنس بن مالك، وهو من الأسانيد العالية عند النسائي؛ لأن أعلى ما يكون عنده الرباعيات، وليس عنده ثلاثيات؛ لأن عدد الأشخاص الذين بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أعلى شيء أربعة أشخاص، وأنزل شيء عشرة أشخاص، والأسانيد العالية كثيرة، وقد مر بنا جملة كثيرة منها، وأما الإسناد الأطول فهو الحديث الذي سبق أن مر بنا في فضل ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))، وقال فيه النسائي: هذا أطول إسناد؛ لأن بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام فيه عشرة أشخاص، وليس عند النسائي ثلاثيات، وأصحاب الكتب الستة ثلاثة منهم عندهم ثلاثيات، وثلاثة ليس عندهم ثلاثيات، بل أعلى ما عندهم الرباعيات، فالذين عندهم الثلاثيات: البخاري، عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية بإسنادٍ واحد وهو ضعيف، خمسة أحاديث كلها بإسنادٍ واحد، وهو إسنادٌ ضعيف، والذين أعلى ما عندهم الرباعيات هم: مسلم وأبو داود والنسائي.

    حديث: (ألا لا يتمنين أحدكم الموت ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن علية عن عبد العزيز (ح) وأخبرنا عمران بن موسى حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا لا يتمنى أحدكم الموت لضرٍ نزل به، فإن كان لا بد متمنياً الموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي)].

    أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريقٍ أخرى، وهو مثل ما تقدم، نهي عن تمني الموت، والإرشاد إلى الدعاء الذي يؤتى به إذا كان ولا بد سائلاً، فليكن بهذه الطريقة أو بهذه الكيفية التي هي خيرٌ له إن بقي حياً وإن مات.

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].

    هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.

    [حدثنا إسماعيل بن علية].

    هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وعلية أمه، واشتهر بالنسبة إليها، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد العزيز].

    هو عبد العزيز بن صهيب البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد العزيز (ح)، وأخبرنا عمران بن موسى].

    ثم قال: (ح) بعد عبد العزيز، (ح) وهذا حرف يدل على التحول من إسناد إلى إسناد، بمعنى أن النسائي مشى في الإسناد ثم قبل أن يصل إلى نهايته أتى بحرف (ح)، ثم رجع بإسناد آخر من جديد، يعني الذي بعد (ح) شيخ من شيوخه، ثم يتلاقى الإسنادان بعد ذلك ويتصلا، ويكون ملتقاهما قبل التحويل مفترقان، قبيل التحويل ملتقيان متفقان.

    [وأخبرنا عمران بن موسى].

    صدوق أخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجه.

    [حدثنا عبد الوارث].

    هو ابن سعيد بن ذكوان العنبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا عبد العزيز].

    هو ابن صهيب، عن أنس، ومعناه: أن تلاقي الإسنادين عند عبد العزيز، وذلك أن للنسائي فيه إسنادان إلى عبد العزيز، له وهو ثقةٌ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أنس]. وقد مر ذكره. والطريقان رباعيان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088523535

    عدد مرات الحفظ

    777119438