إسلام ويب

شرح سنن النسائي - كتاب الجنائز - باب النياحة على الميتللشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ورد النهي عن النياحة على الميت، وهي رفع الصوت، أما البكاء فجائز، وجاءت الأحاديث أن من نيح عليه وهو راض بذلك فإنه يعذب ببكاء أهله عليه.

    شرح حديث قيس بن عاصم: (لا تنوحوا علي فإن رسول الله لم ينح عليه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النياحة على الميت.

    أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن قتادة عن مطرف عن حكيم بن قيس أن قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه قال: (لا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه، مختصر)].

    يقول النسائي رحمه الله: النياحة على الميت.

    أي أنها غير سائغة وغير جائزة، وقد جاءت الأحاديث في تحريمها ومنعها، وبيان أن في ذلك خطورة، وقد عرفنا من قبل أن البكاء الذي ليس معه رفع صوت، وليس معه نياحة لا بأس به، وقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم، وكذلك لما ماتت ابنة لإحدى بناته، وكذلك فعل بين يديه كما جاء عن جابر رضي الله عنه أنه بكى عندما توفي أبوه في سبيل الله عز وجل، فالبكاء الذي ليس معه صوت هذا جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي فيه حزن القلب، ودمع العين كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما مات ابنه إبراهيم: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون).

    وأما النياحة التي فيها رفع صوت وفيها إظهار التفجع على الميت، فهذا ورد فيه أحاديث تدل على منعه، بل ورد ما يدل على اللعن لمن هي الصالقة؛ وهي: التي ترفع صوتها عند المصيبة: (لعن الله الصالقة، والحالقة، والشاقة) كما سيأتي في الأحاديث، والنياحة من الكبائر، وأما البكاء فإنه سائغ وجائز للأدلة التي عرفناها من قبل.

    وقد أورد النسائي في هذه الترجمة عدة أحاديث أولها: حديث قيس بن عاصم التميمي رضي الله تعالى عنه، أنه قال: [لا تنوحوا عليّ فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم ينح عليه] فهو ينهى عن النياحة، ويخبر بأن النبي عليه الصلاة والسلام وهو خير البشر وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ما نيح عليه؛ لأن أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم يعلمون ما جاء عنه من النهي عن النياحة والتحذير منها، وهذا يدلنا على منع النياحة، ويدلنا على فضل هذا الرجل الذي نهى أن يناح عليه، وقد عرفنا من قبل أن ما جاء في بعض الأحاديث: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) أن المقصود من ذلك: إذا كان برغبة منه، وبوصية منه، وكونه يعجبه ذلك ويسره، ويريده من الناس أن ينوح عليه، فهذا هو الذي يعذب؛ لأنه متسبب وهم يفعلون ذلك تحقيقاً لرغبته، فهو يأثم ويعاقب على ذلك ويعذب في قبره؛ لأنه متسبب في ذلك.

    أما قيس بن عاصم رضي الله عنه فإنه ينهى أن يناح عليه حتى لا يحصل العذاب للذين ينوحون، والذين يحصل منهم المخالفة لما جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في ذلك.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تنوحوا علي فإن رسول الله لم ينح عليه)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].

    هو البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

    [حدثنا خالد].

    هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا شعبة].

    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن قتادة].

    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن مطرف].

    هو مطرف بن عبد الله بن الشخير البصري، وهو ثقة أيضاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن حكيم بن قيس].

    هو حكيم بن قيس بن عاصم المنقري قيل: إنه ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وعده بعض من ألف في الصحابة، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.

    [عن أبيه].

    هو قيس بن عاصم بن سنان المنقري التميمي وهو صحابي، مشهور بالحلم، ومعروف بالفضل، وهو الذي رثاه أحد الشعراء بأبيات منها البيت المشهور الذي يعتبر بمثابة حكمة، ومثلاً يضرب في عظم منزلة الرجل، وعلو شأنه، وهو قول الشاعر يرثيه لما مات يقول:

    وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما

    فهو يصف هذا المصاب، وأن موت هذا الرجل ليس موت رجل واحد، ولكنه بمثابة البنيان للناس الذي تهدم، ومعناه: أن شأنه كبير، ومنزلته عالية رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد قال عنه الحافظ أنه صحابي مشهور بالحلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

    شرح حديث: (أن رسول الله أخذ على النساء حين بايعهن أن لا ينحن ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ على النساء حين بايعهن أن لا ينحن، فقلن: يا رسول الله! إن نساء أسعدننا في الجاهلية أفنسعدهن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إسعاد في الإسلام)].

    هنا أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن النبي عليه الصلاة والسلام لما بايع النساء كان من جملة ما بايعهن عليه [أن لا ينحن]، أي: أن لا تحصل منهن النياحة، وقد خصت النساء بذلك؛ لأنهن اللاتي يغلب عليهن الجزع، ويختلفن عن الرجال في ذلك؛ فالرجال أكثر منهن صبراً، وأشد منهن قوة على الصبر، بخلاف النساء فإن عندهن ضعف، ولهذا جاءت السنة في نهي النساء عن زيارة القبور؛ لأنه يحصل منهن عدم الصبر، وقد يحصل منهن عند تذكر الميت، وعند رؤية القبر ما يعود عليهن بالمضرة، وجاء في بعض الأحاديث التنصيص على النساء في لعن من حصل منهن ذلك: (لعن الله الصالقة، والحالقة، والشاقة) مع أن الرجال كذلك وجد منهم، لكن لما كان الغالب أن مثل هذه الأمور تحصل من النساء لضعفهن، وقلة صبرهن، وعدم قدرتهن على ما يقدر عليه الرجال جاء تخصيصهن في بعض الأمور؛ مثل كونهن عند البيعة أن لا ينحن، مع أن الرجال ما كان معروف أنه يؤخذ عليهم هذا عند البيعة؛ لأن الرجال عندهم قوة وعندهم صبر بخلاف النساء لا يصبرن كما يصبر الرجال، فأخذ عليهن أن لا ينحن، فلما أخذ عليهن أن لا ينحن قال بعضهن: [إن نساء أسعدننا]، معناه: أنه حصل مصيبة وجئن ونحن معنا، يعني: تضامناً معنا ومشاركةً لنا في المصاب، وإظهار الحزن على المصاب، وكان عندهم في الجاهلية أن الواحدة إذا عملت هذا مع الأخرى ترد عليها ذلك إذا حصل لها مصيبة، يعني: واحدة جاءت عند واحدة لما مات لها ميت، وناحت معها تلك التي أتي إليها وشوركت في النياحة، فإذا مات شخص للتي جاءت إليها جاءت ترد عليها ذلك الذي فعلته من قبل، فقالت: إن النساء أسعدننا أفلا نسعدهن؟ معناه: أنه حصل منهن أن نحن معنا وبكين معنا أفلا نرد عليهن ذلك الذي فعلنه معنا بأن ننوح عليهن ونقضي ما حصل منهن لنا، بأن نكافئهن عليه بمثله، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا إسعاد في الإسلام] معناه: هذا الإسعاد الذي هو النياحة؛ الذي كان يفعل في الجاهلية قد انتهى في الإسلام فلا يفعل، فقد دل على منع ذلك، وأن النياحة لا تجوز.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أخذ على النساء حين بايعهن أن لا ينحن ...)

    قوله: [أخبرنا إسحاق].

    هو ابن إبراهيم بن مخلد المروزي المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.

    [حدثنا عبد الرزاق].

    هو ابن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، حافظ، مصنف له كتاب المصنف في الحديث من الكتب المشتملة على الآثار الكثيرة عن الصحابة وغير الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا معمر].

    هو معمر بن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن روى عنه عبد الرزاق، وأكثر الرواية عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن ثابت].

    هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أنس].

    هو أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة إلى أن توفى الله نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن هؤلاء السبعة وعن الصحابة أجمعين.

    شرح حديث: (الميت يعذب في قبره بالنياحة عليه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا شعبة حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الميت يعذب في قبره بالنياحة عليه)].

    أورد النسائي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: [الميت يعذب في قبره بالنياحة عليه] وهذا يدلنا على تحريم النياحة، وأن من فعلها فإنه آثم، ومن فعلت في حقه، وقد رضي بذلك وعرف منه الرضا بذلك، والرغبة بذلك، والمحبة في ذلك، أو الوصية بذلك، فإنه يأثم، ويصله العذاب في قبره لتسببه، أما إذا كان لا يرغب، ويكره، ويمنع من ذلك، مثل ما حصل من قيس بن عاصم رضي الله عنه، حيث قال: (لا تنوحوا عليّ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه)، فهذا لو نيح عليه لا يناله شيء بسبب فعل النائحين؛ لأنه لم يرض ذلك، وكما جاء في القرآن قوله تعالى وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [فاطر:18].

    تراجم رجال إسناد حديث: (الميت يعذب في قبره بالنياحة عليه)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

    هو الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.

    [حدثنا يحيى].

    هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، ثبت، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا شعبة].

    قد مر ذكره.

    [عن قتادة].

    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن سعيد بن المسيب].

    ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين باتفاق؛ لأن السبعة ستة متفق على عدهم، وواحد مختلف فيه، وهو من السبعة الذين اتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن عمر].

    هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أشرت إليهم آنفاً.

    [عن عمر].

    رضي الله عنه هو: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين، الهادين، المهديين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (الميت يعذب بنياحة أهله عليه ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا سعيد بن سليمان أخبرنا هشيم أخبرنا منصور هو ابن زاذان عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: (الميت يعذب بنياحة أهله عليه فقال له رجل: أرأيت رجلاً مات بخراسان وناح أهله عليه هاهنا، أكان يعذب بنياحة أهله؟ قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبت أنت)].

    هنا أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه، الذي فيه أنه قال: [الميت يعذب بنياحة أهله عليه فقال له رجل: أرأيت رجلاً مات بخراسان وناح أهله عليه هاهنا، أكان يعذب بنياحة أهله؟ قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبت أنت]، يعني: صدق رسول الله فيما قال أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، أو بنياحة أهله عليه، وكذبت أنت في كونك تستغرب هذا أو تستبعد هذا، وتقول: أكان يصل لو كان أحد نيح عليه، وهو في مكان، وأهله في مكان؟ فقال: [صدق رسول الله وكذبت أنت].

    قوله: [عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: الميت يعذب بنياحة].

    هنا ما ذكره مرفوعاً، ولكنه في آخره قال: [صدق رسول الله]، وهذا يفيد الرفع، وقد سبق أن مر بنا الحديث نفسه، وأن عمران بن حصين لما بلغه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) قال: قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، وهنا قوله في آخره: (صدق رسول الله) يفيد بأنه مرفوع.

    والحديث تكلم فيه الألباني وقال: إنه ضعيف الإسناد، وقال: إن المرفوع قد تقدم، وقد حكم له بالصحة من قبل، ولعل ما ذكره الشيخ الألباني حول هذه القصة وما جرى نحوها، وأما من حيث الحديث وثبوت الحديث فإنه ثبت من طرق كثيرة عن عمران وغير عمران، وقد جاء من طريق أخرى غير هذه الطريق في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه لما ذكر محمد بن سيرين قال: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا من طريق الحسن بن أبي الحسن فلا أدري هل كلام الألباني فيه حول رواية الحسن، أو أنه جاء من طريق الحسن وهو معروف بالتدليس، أما من حيث المتن فهو ثابت من غير طريق الحسن، وثابت عن جماعة من الصحابة غير عمران بن حصين، وثابت عن عمران بن حصين من طريق أخرى، وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق عمران بن حصين.

    تراجم رجال إسناد حديث: (الميت يعذب بنياحة أهله عليه ...) من طريق ثانية

    الملقي: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].

    هو الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.

    [حدثنا سعيد بن سليمان].

    هو سعيد بن سليمان الضبي البزار لقبه: سعدوية، وهو ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [أخبرنا هشيم].

    هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، ثبت، كثير التدليس، والإرسال الخفي، وقد عرفنا أن التدليس هو: رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كعن أو قال، أما التدليس الخفي فهو: أن يروي عن شخص عاصره ولم يعرف أنه لقيه، فروايته عنه من قبيل المرسل الخفي، وقيل له: مرسل خفي؛ لأنه لو كان ما أدرك زمن المروي عنه وروى عنه يصير مرسلاً واضحاً، لكن لما كان مدركاً لزمانه، ومعاصراً له وروى عنه بلفظ موهم للسماع فإن هذا يقال له: مرسل خفي؛ لأن فيه خفاء، وفرق بينه وبين التدليس؛ التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي، وحديث هشيم بن بشير الواسطي أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن منصور هو ابن زاذان].

    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن الحسن].

    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عمران بن حصين].

    هو عمران بن حصين أبو نجيد صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن آدم عن عبدة عن هشام عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، فذكر ذلك لـعائشة فقالت: وَهِلَ، إنما مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبر فقال: إن صاحب القبر ليعذب، وإن أهله يبكون عليه، ثم قرأت وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164])].

    أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وهو: أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، فذكر ذلك لـعائشة فقالت: وَهِلَ]، يعني: أنه حصل منه خطأ، وقالت: [إن النبي صلى الله عليه وسلم مر في قبر، وهو يعذب] يعني: صاحبه، فقال: [إنه ليعذب وإن أهله لينوحون عليه]، وتريد عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على عذاب ذلك الشخص الذي كان يعذب في الوقت الذي كان أهله ينوحون عليه، وهذا لا يدل على أنه يعذب بسبب النياحة، وإنما يخبر أنه هو نفسه في عذاب، وأهله حزينون عليه؛ لأنهم فقدوه ولأنه فارقهم، فتريد عائشة من وراء هذا أنه لا يعذب بسبب البكاء عليه، وإنما يعذب لأمر آخر، ولكن الحال والواقع أنه مع كونه يعذب وأن أهله يبكون عليه، ثم جاءت بالآية وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ [الأنعام:164] وتريد من وراء هذا أنه كيف يعذب الإنسان بفعل غيره، وبذنب غيره، وهو لم يكن متسبباً في ذلك، لكن كما هو معلوم: الحديث جاء من طرق عديدة وهو صحيح، ولكنه محمول على شيء آخر غير كون الإنسان يعذب بذنب غيره، فهو محمول إذا كان متسبباً، وكونه راغباً وراضياً، وأوصى بذلك، ولا يختلف عما جاء في الآية.

    إذاً: ما جاء في الحديث فهو محمول على ما إذا كان متسبباً، فإنه يعذب بتسببه في كون أهله ينوحون عليه تحقيقاً لرغبته في ذلك، وأما الآية فتكون محمولة على ما إذا كان غير متسبب لذلك.

    وعلى هذا فإن عائشة رضي الله عنها فهمت أنه لما حصلت تلك القصة التي تعلمها، وابن عمر روى ذلك الحديث وغيره روى ذلك الحديث ظنت أنه على هذا النحو الذي علمته، ولكن الحديث ثابت كما سبق.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ...) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا محمد بن آدم].

    هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.

    [عن عبدة].

    هو عبدة بن سليمان البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن هشام].

    هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبيه].

    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن عمر].

    رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره.

    [عائشة].

    هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها في آيات تتلى في سورة النور، وقد روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما فيما يتعلق في أمور البيت، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه ...) من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة أنها أخبرته أنها سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها وذكر لها: أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول: (إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: يغفر الله لـأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب، ولكن نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب)].

    هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهذا يبين الحديث السابق، وأن الذي يبكى عليه هنا يهودية، وأن أهلها يبكون عليها وهي تعذب في قبرها، فلما بلغها حديث عبد الله بن عمر : (أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه قالت: يغفر الله لـأبي عبد الرحمن أخطأ أو نسي، إنما مر النبي صلى الله عليه وسلم بيهودية، وهي تعذب في قبرها وقال: إنها لتعذب وأهلها ليبكون عليها) يعني: أهلها حزينون عليها، وهي كافرة، يعني: تعذب في قبرها كما يعذب الكفار في قبورهم كما قال الله عز وجل: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، فالكفار يعذبون في قبورهم وكذلك من شاء الله تعذيبه من أصحاب الكبائر، فإنه يعذب في قبره مثل ما جاء في حديث صاحبي القبرين اللذين يعذبان أحدهما: في النميمة، والثاني: في كونه لا يستبرئ من البول.

    فـعائشة رضي الله عنها وأرضاها تروي هذا الحديث وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك، لكن الذي جاء عن عمر، وعن عمران بن حصين، وعن ابن عمر، وعن غيرهم أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وذلك محمول على ما إذا رضي به، ورغب به، وأوصى به.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه..) من طريق رابعة

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن مالك بن أنس].

    إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد الله بن أبي بكر].

    هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبيه].

    هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عمرة].

    هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، وهي ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة، وقد أكثرت من الرواية عن عائشة.

    [عن عائشة].

    قد مر ذكرها.

    شرح حديث: (إن الله عز وجل يزيد الكافر عذاباً ببعض بكاء أهله عليه) من طريق خامسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار عن سفيان قصه لنا عمرو بن دينار سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يزيد الكافر عذاباً ببعض بكاء أهله عليه)].

    أورد النسائي حديث ابن عباس عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: [إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه] والكافر معذب، وأهل للعذاب بكفره، ولكن هذا كما جاء عن عائشة أنه يزاد في عذابه ببكاء أهله عليه، ومن المعلوم أن الكافر إذا عذب في النار، فهو عذاب والعياذ بالله، ولو كان عذابه من أخف أهل النار عذاباً فإنه يعتبر نفسه أشد أهل النار عذاباً والعياذ بالله، كما جاء في حق أبي طالب أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما شفع له، وخفف له العذاب، فصار في ضحضاح من نار، عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، وإذا زيد في عذابه وحصل الزيادة في العذاب فهذا عذاب فوق عذاب، والعياذ بالله.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل يزيد الكافر عذاباً ببعض بكاء أهله عليه) من طريق خامسة

    قوله: [أخبرنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار].

    هو عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار البصري، وهو لا بأس به، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، ولا بأس به معناها صدوق.

    [عن سفيان].

    هو سفيان بن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، حجة، إمام، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [قصه لنا عمرو بن دينار].

    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، ثبت أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [سمعت ابن أبي مليكة].

    هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة المدني، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [قال ابن عباس].

    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    [عن عائشة].

    عائشة قد مر ذكرها.

    شرح حديث: (إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه...) من طريق سادسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سليمان بن منصور البلخي حدثنا عبد الجبار بن الورد سمعت ابن أبي مليكة يقول: (لما هلكت أم أبان حضرت مع الناس، فجلست بين عبد الله بن عمر، وابن عباس، فبكين النساء، فقال ابن عمر: ألا تنهى هؤلاء عن البكاء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه، فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قد كان عمر رضي الله تعالى عنه، يقول بعض ذلك: خرجت مع عمر حتى إذا كنا بالبيداء رأى ركباً تحت شجرة فقال: انظر من الركب، فذهبت فإذا صهيب وأهله، فرجعت إليه فقلت: يا أمير المؤمنين! هذا صهيب وأهله، فقال: عليّ بـصهيب، فلما دخلنا المدينة أصيب عمر، فجلس صهيب يبكي عنده يقول: وا أخياه وا أخياه، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: يا صهيب! لا تبك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه، قال: فذكرت ذلك لـعائشة فقالت: أما والله ما تحدثون هذا الحديث عن كاذبين مكذبين، ولكن السمع يخطئ، وإن لكم في القرآن لما يشفيكم أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38]، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه)].

    أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن عائشة وكذلك عن عمر رضي الله تعالى عنه، وأن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان عمر يقول: بعض ذلك، ثم ذكر قصة صهيب، وأنه لما وصلوا المدينة أصيب عمر لما طعنه المجوسي تلك الطعنة، فجعل صهيب يبكي ويقول: وا أخياه، ثم قال عمر: لا تبك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه.

    قوله: [إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه] هذا يرويه عبد الله بن عباس عن عمر رضي الله تعالى عنه وكان يقوله لـصهيب لما بكى، ثم قال: [فذكرت ذلك لـعائشة]، يعني: ما قاله عمر، فقالت: [إنكم لا تحدثون عن كاذبين ومكذبين، ولكن السمع يخطئ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن الكافر يزاد عذاباً].

    قوله: [وإن لكم في القرآن لما يشفيكم أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [النجم:38]، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه] وهذا هو الذي مر في الإسناد الذي قبل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال: (إن الله عز وجل يزيد الكافر عذاباً ببعض بكاء أهله عليه) لكن كما عرفنا من قبل ما جاء عن عائشة لا يعارض ما جاء عن الصحابة الآخرين، وما قالته عائشة: [وإن لكم في القرآن لما يشفيكم] لا يعارض ما جاء عن الصحابة الآخرين رافعين ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذين يعذبون إذا كانوا مسلمين متسببين في ذلك، أما إذا كانوا غير متسببين فإنه لا يضرهم وزر غيرهم، وإنما الوزر إثمه على من حصل منه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه...) من طريق سادسة

    قوله: [أخبرنا سليمان بن منصور البلخي].

    هو لا بأس به، أخرج له النسائي وحده.

    [حدثنا عبد الجبار بن الورد].

    صدوق يهم، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.

    [عن ابن أبي مليكة].

    قد مر ذكره.

    [عن عبد الله بن عمر وابن عباس وعمر وعائشة].

    قد مر ذكر هؤلاء جميعاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088529660

    عدد مرات الحفظ

    777152866