إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب النكاح
  7. شرح سنن النسائي - كتاب النكاح - (باب كيف الاستخارة) إلى (باب إنكاح الرجل ابنته الكبيرة)

شرح سنن النسائي - كتاب النكاح - (باب كيف الاستخارة) إلى (باب إنكاح الرجل ابنته الكبيرة)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة في الأمر كله كما يعلمهم السورة من القرآن، فيعلمهم صفتها والدعاء الذي يذكر فيها، كما يعلمهم الأوقات التي يشرع لهم الإتيان بها فيها.

    شرح حديث جابر في صفة الاستخارة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف الاستخارة.

    أخبرنا قتيبة حدثنا ابن أبي الموال عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستعينك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر، ولا أقدر، وتعلم، ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري، وآجله فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، قال: ويسمي حاجته)].

    يقول النسائي رحمه الله: كيف الاستخارة، لما ذكر في الترجمة السابقة قصة زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها، وأنه لما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: إنها ليست بصانعة شيئاً حتى تستأمر ربها، فذهبت إلى مصلاها، وصلت صلاة الاستخارة، وقد عرفنا فيما مضى: أن صلاتها واستخارتها لم يكن لترددها في الزواج من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل تتزوج أو لا تتزوج؟ وإنما كان من أجل خوفها من تقصيرها في حقه صلى الله عليه وسلم، رضي الله تعالى عنها وأرضاها، لما ذكر النسائي استخارة زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها، عقبه بهذه الترجمة فقال: كيف الاستخارة، أي ما هي كيفية الاستخارة؟ فأورد حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن)، كان عليه الصلاة والسلام يعلمهم الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمهم السورة من القرآن الذي هو كلام الله عز وجل، يعني أنه كان يهتم، ويعتني بتعليمهم الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن، وهذا فيه دليل على الاهتمام، والعناية بهذا الأمر، وأن الإنسان عندما يريد أن يقدم على أمر من الأمور، فإنه يشرع له، ويستحب أن يستخير الله عز وجل، بأن يصلي صلاة الاستخارة، ثم يدعو بهذا الدعاء الذي جاء في حديث جابر رضي الله عنه هذا، وذلك أن الإنسان لا يعلم ما هو الخير له في الأمور، ولكنه يسأل الله عز وجل، ويطلب منه أن يختار له ما فيه الخيرة، وأن ييسر له الأمر الذي يكون فيه الخير له.

    وقوله: [(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن)]، المراد بالأمور التي يستخار فيها، من العلماء من قال: الاستخارة في الأمور كلها من العام المراد به الخصوص، يعني لا يراد به أن كل شيء يستخار فيه، فإن الإنسان عندما يتقرب إلى الله عز وجل بعبادة لا يستخير الله عز وجل، هل يتقرب بها أو لا يتقرب بها؟ هل يفعلها أو لا يفعلها؟ وإنما يستخير في الأمور التي هي مباحة، والتي هي مترددة بين هل الإنسان يفعلها أو لا يفعلها، أما ما كان مشروعاً أو كان لازماً، فإن هذا لا يستخير فيه الإنسان، يعني كون الإنسان يريد أن يصلي صلوات، لا يستخير الله في أنه يصلي، كون الإنسان يريد أن يحج، لا يستخير الله في أنه يحج؛ لأن هذه أمور مشروعة، ومطلوبة، والخير في فعل العبادة والتقرب إلى الله عز وجل في العبادة؛ لأن فعل العبادة خير للإنسان، وهو قربة للإنسان يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، قالوا: فهو من العام المراد به الخصوص، أي: أنه ليس باقياً على عمومه، [(كما يعلمنا السورة من القرآن)]، أي: للاهتمام والعناية في ذلك، فيقول في تعليمهم الاستخارة: إذا هم أحدكم بالأمر، يعني: إذا قصد أمراً من الأمور، مثل كونه يريد أن يسافر سفراً لأمر ما، لتجارة أو لغير ذلك من الأمور، أو أراد أن يتزوج، أو أراد أن يدخل في عمل من أمور الدنيا كمشروع من المشاريع الدنيوية، بأن يتجه إلى وجهة من الوجهات يطلب الرزق فيها، ويطلب الربح فيها، فهنا يصلي صلاة الاستخارة، وصلاة الاستخارة هي أن يصليها ركعتين، [(إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة)]، يعني ما تكون الصلاة التي يستخير الله عز وجل فيها صلاة فريضة، قيل: ولا الرواتب، التي هي تابعة للفريضة؛ لأنها متعلقة، وإنما يصلي صلاةً قصده من هذه الصلاة أنه يستخير الله عز وجل في هذه الصلاة، يركع ركعتين من غير الفريضة، يصلي هاتين الركعتين، ثم يدعو بالدعاء، ويكون هذا الدعاء بعد الفراغ من الصلاة، يدعو بهذا الدعاء الذي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، واهتم واعتنى به حتى قال الصحابي: (كما يعلمهم السورة من القرآن)، ثم يقول: [(اللهم إني أستخيرك بعلمك)]، يعني: أطلب منك الخير، أو أطلب منك الخيرة، [(بعلمك)]، أي: بما كنت تعلمه مما هو الخير لي؛ لأن الله عز وجل بكل شيء عليم، يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وكل شيء مقدر، جف القلم بما هو كائن، وقد مر بنا قريباً حديث أبي هريرة: (جف القلم بما أنت لاقٍ)، لكن الله عز وجل شرع للناس مع هذا أن يدعوا الله عز وجل، والدعاء عبادة، ولا يقال: إن الله عز وجل إذا كان قد قدر شيئاً للإنسان، فهذا الذي قدره الله عز وجل ما يحتاج إلى أن يفعل أشياء كالدعاء؛ لأن المقدر كائن؛ لأن الله عز وجل يقدر السبب، ويقدر المسبب، يقدر الأسباب، والمسببات، فالمسبب يقدر له سبباً، ويكون السبب مقدرا، والمسبب مقدراً، ويكون من أسباب حصول المقدر الذي هو مقصود، ومطلوب، أن الإنسان يدعو، فيكون الله عز وجل قدر هذا الذي قدره مما يريده الإنسان، وقدر شيئاً يفعل للوصول إليه كالدعاء، وكالأفعال التي يفعلها الإنسان للوصول إلى ما يريد، (احرص على ما ينفعك واستعن بالله)، يعني الإنسان يبذل الأسباب، ويفعل الأسباب للوصول إلى ما يريد، والمقدر كائن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أخبرهم بالقدر، وبأن كل شيء مقدر، قالوا: (أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل قال: لا، اعملوا، فكلٌ ميسرٌ لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، والله عز وجل كتب أن هذا يكون من أهل الجنة، وهذا يكون من أهل النار، وكتب أسباباً توصل إلى الجنة، وتوصل إلى النار، والسبب لا بد وأن يقع إذا كان مقدراً، ويقع المسبب بعده أو معه؛ لأن كل ما هو كائن، وكلما هو واقع، فهو بقضاء الله وقدره، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

    شرح دعاء الاستخارة

    وقوله: [(اللهم إني أستخيرك بعلمك)]، يعني: أطلب منك الخير لكونك تعلم ما هو الخير، وتعلم عواقب الأمور، ونتائج الأشياء، وما يترتب عليها، فأنت الذي تعلم الغيب والشهادة، (أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك)، في اللفظ الذي معنا: (وأستعينك بقدرتك)، لكن أكثر الروايات وفي البخاري وفي غيره: (وأستقدرك بقدرتك)، يعني: أسألك أن تقدرني، يعني: أطلب منك أن تقدرني على ما تعلم أنه خير لي، تقدرني على فعله، وعلى فعل الأسباب التي توصل إليه، (وأستقدرك بقدرتك)، لكونك القادر على كل شيء، وأنت الخالق لكل شيء، خالق العباد، وخالق أفعال العباد، وكل ما يقع من العباد من حركة أو سكون فهو بعلم الله، وقد كتبت في اللوح المحفوظ، وحصلت بمشيئة الله، وحصلت بخلق الله سبحانه وتعالى؛ لأن كل مقدر لا بد فيه من أربعة أمور: سبق علم الله عز وجل بهذا الذي قدره الله، وكتابة الله عز وجل له في اللوح المحفوظ، ومشيئة الله عز وجل أن يقع، وإيجاده، وخلقه، كل هذه الأمور لا بد منها في كل ما هو مقدر، (وأستقدرك بقدرتك)، أي: أطلب منك أن تقدرني على ما تعلم أنه خير لي، وقيل: إن المقصود من قوله: (وأستقدرتك بقدرتك)، يعني: أطلب منك أن تقدر لي ما هو الخير، والمقصود من ذلك: التيسير، وليس أن يكتب له في اللوح المحفوظ شيئاً هو خير له؛ لأن الذي في اللوح المحفوظ لا يغير، ولا يبدل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (جف القلم بما أنت لاقٍ)، وقال: (رفعت الأقلام وجفت الصحف)، فما كتب في اللوح المحفوظ وقدر لا بد وأن يكون، لكن هذا الذي كتب في اللوح المحفوظ قدر بأن يكون له أسباب توصل إليه، فالأسباب مقدرة، والنتائج مقدرة، الوسائل مقدرة، والغايات مقدرة، والإنسان عنده عقل وإرادة ومشيئة، وقد بين له طريق الخير، وطريق الشر، فإن حصل له التوفيق من الله عز وجل سلك طريق الخير، وإن حصل له خذلان -والعياذ بالله- فإنه حاد عن طريق الخير، وصار إلى طريق الشر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة)، يعني أن الله قدر السعادة، وقدر أسباباً توصل إلى السعادة، والله عز وجل يوفق من شاء وقدر له السعادة، وفعل الأفعال التي توصل إلى السعادة تكون بتوفيق الله عز وجل وتيسيره، وكذلك (أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة)، من كتب الله أنه شقي فإنه يعمل الأعمال بمشيئته وإرادته التي توصله إلى تلك الغاية السيئة والعياذ بالله.

    قوله: [(وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم)]، وهذا فيه بيان أن كل خير فهو من الله عز وجل تفضلاً، وامتناناً، وإحساناً إلى عباده، فهو الذي يجود، ويتكرم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحدكم بعمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة وفضل)؛ لأن العمل هو من الله عز وجل بتوفيقه وتيسيره، فهو الذي تفضل بتيسير العمل، وهو الذي تفضل بالنتائج الطيبة التي تترتب على هذا العمل، فالغاية التي هي حسنة هي بفضل من الله، والوسيلة التي توصل إليها هي بفضل الله سبحانه وتعالى وتيسيره، وتوفيقه، إذ يسر لمن شاء من عباده أن يفعل الأسباب التي توصل إلى السعادة، وتوصل إلى النتائج الطيبة، فما من أحد يدخل الجنة بعمله، يعني: أن القضية معاوضة، وأن الله عز وجل كل ما يحصل للناس ولو كان بأعمالهم، فإن أعمالهم هي فضل من الله عز وجل، توفيق الله عز وجل لهم للأعمال الصالحة هو فضل، فالعمل الصالح هو بفضل الله، وتيسيره، والنتائج الطيبة التي تترتب عليه، وهي السعادة ودخول الجنة، والسلامة من النار، هو بفضل الله عز وجل، فكل خير يحصل للناس فهو بفضل الله وإحسانه، وكل شر يحصل للناس فهو بعدله، وبكسب العباد وبمشيئتهم وإرادتهم، ولهذا يحمدون على ما يحصل منهم من أفعال طيبة، ويذمون على ما يحصل منهم من أعمال سيئة، ويستحقون العقاب في الدنيا وفي الآخرة على ما يحصل منهم من أعمال سيئة، ويستحقون الثواب في الدنيا وفي الآخرة على ما يحصل منهم من أعمال حسنة، (وأسألك من فضلك العظيم).

    ثم أثنى على الله عز وجل وعظمه بعد أن طلب منه وسأله، وبين أن كل شيء يرجع إلى علمه وإلى تقديره، وإلى قدرته سبحانه وتعالى، قال: (فإنك تعلم ولا أعلم)، يعني: (أستخيرك بعلمك)؛ لأنك تعلم، ولا أعلم، (وأستقدرك بقدرتك)، فإنك تقدر، ولا أقدر، فأنت الذي تعلم السر والعلن، والغيب والشهادة، (وأنت الذي تقدر على كل شيء)، والإنسان لا يعلم إلا ما علمه الله، ولا يقدر إلا على ما أقدره الله عز وجل عليه، والقدر مما اختص الله تعالى بعلمه، فلم يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، والناس لا يعلمون المقدر إلا بأمرين، لا يعلمون الشيء المقدر إلا بأمرين: أحدهما: وقوع الشيء ووجوده، فإذا وقع شيء ووجد، علم أنه مقدر، سواءً كان خيراً أم شراً؛ لأنه لا يقع في الكون إلا ما شاءه الله عز وجل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ما شاء الله لا بد من وجوده، وما لم يشأه فلا سبيل إلى وجوده، فإذا وقع الشيء علمنا أنه مقدر، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء)، يعني: إذا فعلت الأسباب واستعنت بالله، وحصل لك شيء خلاف ما تريد، ووقع لك مصيبة أو نكبة، أو غير ذلك مما يلحقك فيه ضرر (فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا)، (فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)، يعني هذا الذي وقع قدر الله، وما شاء فعل، المهم أن الإنسان يفعل الأسباب التي توصل إلى الخير، فإن حصلت الغاية التي يريد فذاك فضل من الله، وإن حصل خلافها فلا يلوم، ولا يتذمر، ولا يقول: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، وما يدريك لو أنك فعلت لكان كذا وكذا، هذا علمه عند الله عز وجل، يمكن أن تفعل، ولا يكون؛ لأن الإنسان قد يشاء شيئاً ولا يكون؛ لأن الله ما شاءه، ولا يشاء شيئاً فيكون؛ فما شئت كان، وإن لم أشأ، أي: ما شئت يا الله كان، وإن لم أشأ أنا، وما شئت إن لم تشأ لم يكن، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، (فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب)، ثناء عظيم على الله سبحانه وتعالى، بعد أن سأل ما فيه الخير، فطلب أن يقدره على ما يريد بقدرة الله عز وجل، وسأله من فضله العظيم، وأثنى على الله عز وجل، وبين أن الأمر كله يرجع إليه؛ يرجع إلى علمه، ويرجع إلى قدرته، فقال: (إنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب)، ثم بعد هذا التمهيد، وبعد هذا الثناء على الله عز وجل، وبعد أن سأل هذا السؤال العام، يأتى إلى الشيء الخاص الذي يريده.

    ثم يقول: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، ويسميه، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الزواج خير لي، اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر خير لي، اللهم إن كنت تعلم أن هذا المشروع، اللهم إن كنت تعلم أن دخولي في هذه التجارة المعينة، اللهم إن كنت تعلم أن سلوكي هذا المسلك، يعين يسمي حاجته التي يطلب من الله عز وجل الخيرة فيها، (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر)، هذا الأمر لفظ مبهم، والمقصود أنه يسميه؛ لأنه قال في آخره: (ويسمي حاجته)، فبدلاً من أن يقول: هذا الأمر يأتي بالمراد بالأمر، والذي يعنيه بالأمر، فيقول: اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر الذي هو أمر من الأمور، أو هذا الزواج الذي هو أمر من الأمور، أو دخول في تجارة معينة، أو في وظيفة معينة، فلا يقول الإنسان وهو يدعو: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر، وإنما يقول كما قال الرسول في آخر الحديث: (ويسمي حاجته)، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الزواج، هذا السفر، هذه التجارة، هذا كذا، يسميه.

    وقوله: [(إن كنت تعلم أنه خيرٌ لي في ديني)]، قدم الدين؛ لأنه الأساس، وهو أهم الأشياء وأعظم الأشياء شأناً وقدراً؛ لأن الإنسان أهم شيء بالنسبة له أن يحصل له الصلاح في دينه؛ لأن صلاحه في دينه يعود نفعه عليه في الدنيا والآخرة، ويستفيد من ذلك في الدنيا والآخرة، (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي)، يعني: في ديني ودنياي؛ لأن المعاش المقصود به الحياة التي يعيش فيها الإنسان، (وعاقبة أمري)، يعني: نهايته، وغايته، وفي بعض الروايات بدلاً عن: (عاقبة أمري) قال: (عاجل أمري وآجله)، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه، خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، وآجله.

    قوله: [(فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه)]، اقدره لي ليس المقصود أن يقدره له، وأن يجعله في اللوح المحفوظ؛ لأن الذي في اللوح المحفوظ انتهى، (جف القلم بما أنت لاقٍ)، لا تغيير لما في اللوح المحفوظ، ما قدره الله وكتبه في اللوح المحفوظ، فإنه لا يكون خلافه، مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22]، مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ [الحديد:22]، يعني: في اللوح المحفوظ، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]، الذي كتبه الله عز وجل لا بد أن يكون، ولكن المقصود بقوله: (اقدره)، أي: يسره لي، يسر لي السبيل الموصلة إليه، وأقدرني عليه، وأقدرني على فعله وعلى فعل ما يوصل إليه وينتهي إليه.

    قوله: [(ويسره لي، ثم بارك لي فيه)]، يعني: بعد ما يحصل له هذا الشيء الطيب، وييسر له هذا الأمر، وهو خير له، يجعل فيه البركة، يعني: بعدما يحصل ويتم يسأل الله عز وجل البركة فيه.

    قوله: [(وإن كنت تعلم أن هذا الأمر)]، أي: هذا الزواج أو هذا السفر، (شرٌ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه)، اصرفه عني، يعني: هذا الشر، واصرفني عنه: حل بيني وبينه، واجعلني لا أقدم عليه؛ لأنه لا يقع شيء إلا بخلق الله، وإيجاد الله، وقدرة الله سبحانه وتعالى، (واصرفني عنه)، ثم قال: (واقدر لي الخير)، يعني: إذا سلمتني من هذا الشر، وصرفت عني هذا الشر، لا يكتفي الإنسان عند هذا الحد، وإنما يسأله أن ييسر له ما هو الخير، فيسأله عز وجل أن يجعل بدل هذا الذي صرف عنه، والذي كان أراده، وهو ليس خيراً له أن يقدر له ما هو الخير، (واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، ويسمي حاجته)، ويسمي حاجته هذا يرجع إلى هذا الأمر، فيسمي حاجته فيقول: هذا السفر، هذا الزواج، هذا التجارة، هذا المشروع، هذه الوظيفة، هذا الذي كذا.. إلى آخره، أي عمل من الأعمال التي يستخار الله عز وجل فيها يسميه، ويعينه.

    هذا دعاء عظيم مشتمل على طلب وعلى ذكر، وعلى ثناء على الله عز وجل وتعظيم، ونسبة القدرة إليه، والعلم إليه، وأنه علام الغيوب، وأن علمه محيط بكل شيء، وقدرته شاملة لكل شيء، والإنسان يطلب ممن هو عالم بكل شيء وقادر على كل شيء أن ييسر له ما يعلم أنه خير له، وأن يقدره على فعل ما يعلم أنه خير له، وبذلك يحصل ما يريد، وإذا كان هذا الذي يريده، سبق في علم الله أنه شر، وأن به مضرة، فإنه يسأل الله عز وجل أن يصرفه عنه؛ أن يصرف هذا الشر عنه، ويصرفه عن هذا الشر، ويحول بينه وبينه، وأن يعوضه عن هذا الذي أراده مما علم الله أنه شر له، أن ييسر له ما هو الخير، وأن يجعله يرضى بذلك الذي قدره الله عز وجل له من الخير.

    وهذا الذي جاء من ذكر الدين والمعاش جاء في قوله عليه الصلاة والسلام، في دعاء عظيم (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً من كل شر)، هذا دعاء عظيم، وهو شامل لخيري الدنيا والآخرة، وشامل للدين والدنيا، (أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً لي من كل شر)، وهو دعاء جاء في حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في صفة الاستخارة

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا ابن أبي الموال].

    هو عبد الرحمن، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن محمد بن المنكدر].

    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن جابر].

    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري الذي معنا في الإسناد، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فهؤلاء سبعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم هذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، أربعة أشخاص: قتيبة بن سعيد، وعبد الرحمن بن أبي الموالي، ومحمد بن المنكدر، وجابر بن عبد الله، وهذا من أعلى ما يكون عند النسائي، وكذلك عند مسلم أعلى ما عنده الرباعيات، وأبو داود أعلى ما عنده الرباعيات، وأما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، وعند الترمذي حديث واحد ثلاثي، وعند ابن ماجه خمسة أحاديث ثلاثية، وكلها بإسناد واحد، وذلك الإسناد ضعيف.

    ما يعرف به القدر

    مداخلة: أحسن الله إليك. ذكرت أن القدر يعرف بأمرين: وقوعه، وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم؟

    الشيخ: إي نعم، الأمر الأول: وقوعه، والأمر الثاني: إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر لم يقع بأنه سيقع، مثل إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدجال، وعن الساعة، وعن عذاب القبر، ونعيمه، وعن خروج يأجوج ومأجوج، وعن نزول عيسى بن مريم، فهذه أمور مستقبلة غيب، لكننا عرفنا أنها مقدرة، وأنها ستقع بإخبار الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخبر عن خبر ماضٍ، فلا بد وأن يوجد خبره طبقاً لما أخبر، كإخباره عن بدء الدنيا، وعن الخلق، وعن خلق آدم، وعن خلق الجن، وعن خلق الملائكة، وما إلى ذلك، فهذه أمور مضت، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بها، وقد علمنا أنها وقعت طبقاً لما أخبر، وكذلك أمور مستقبلة أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها ستقع، فنحن نعلم أنها مقدرة، وأنها ستقع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أخبر عن أمر سيكون علمنا أنه مقدر، وأنه لا بد وأن يوجد طبقاً لما أخبر به عليه الصلاة والسلام، فبهذين الأمرين نعرف أن الشيء مقدر، فالشيء الذي وقع علمنا بأنه مقدر، والشيء الذي لم يقع لا ندري، لكن إذا جاءنا خبر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنه سيكون كذا، وأنه سيوجد كذا، وسيحصل كذا، نعلم أن هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم سيقع وأنه مقدر، وأنه لا بد وأن يوجد، وبغير هذين الأمرين لا نعلم الشيء المقدر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088605976

    عدد مرات الحفظ

    777602828