شرح حديث سبيعة في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها من طريق خامسة عشرة
قال المصنف رحمه الله تعالى في: [ باب عدة الحامل المتوفى عنها زوجها.
أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عتبة كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري: ( أن ادخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فاسألها عما أفتاها به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حملها، قال: فدخل عليها عمر بن عبد الله فسألها فأخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة رضي الله عنه، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ممن شهد بدراً، فتوفي عنها في حجة الوداع، فولدت قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجها، فلما تعلت من نفاسها دخل عليها أبو السنابل رجل من بني عبد الدار فرآها متجملة، فقال: لعلك تريدين النكاح قبل أن تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت: فلما سمعت ذلك من أبي السنابل جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد حللت حين وضعت حملك ) ].
هذا الحديث من جملة الأحاديث التي أوردها النسائي تحت ترجمة: عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، وكل تلك الأحاديث تتعلق بقصة سبيعة بنت الحارث الأسلمية رضي الله عنها، وذلك أنها كانت حاملاً، وكانت في آخر حملها، ولما توفي زوجها ولدت بعد وفاته بفترة وجيزة، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك من بني عبد الدار وقال لها: لعلك تريدين النكاح، ليس لك ذلك إلا بعد أن تمضي عليك أربعة أشهر وعشر، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرها أنها قد حلت بوضعها للحمل، وأنها يمكنها أن تتزوج إذا شاءت، والحديث عن سبيعة في هذا الإسناد، وقد جاء عن عدد من الصحابة عن أم سلمة وغيرها في قصة سبيعة، ولكنه جاء في بعض الطرق عنها رضي الله عنها وأرضاها، وهذه الطريق التي معنا هو من مسندها، أي: أن الحديث ينتهي إليها، وهي التي تخبر عن قصتها، وكان عبد الله بن عتبة بن مسعود كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم يطلب منه أن يذهب إلى سبيعة ويسألها عن قصة حملها ووضعها، وخروجها من عدتها، فأخبرته بالذي حصل لها، وما انتهى إليه أمرها برجوعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستفتائها إياه، وإفتاؤه إياها، بأنها قد انتهت عدتها بوضعها للحمل، وأنها يمكنها أن تتزوج إذا شاءت، فدل هذا الحديث على أن الحامل -سواء كانت مطلقة، أو كانت متوفى عنها زوجها- ينتهي أجلها بوضعها للحمل، وقد تكون تلك المدة قصيرة، وقد تكون طويلة، قد تكون ساعة، وقد تكون تسعة أشهر، أو عشرة أشهر؛ لأن الله عز وجل يقول:
وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
[الطلاق:4] والنبي صلى الله عليه وسلم أفتاها وأخبرها أي: سبيعة بأنه قد انقضى أجلها بحصول وضعها.
وبمجرد وضعها تكون خرجت من العدة، فيمكنها أن تتزوج وهي في النفاس، لكن لا يقربها زوجها الذي عقد عليها إلا بعد خروجها من النفاس؛ لأن النفاس مثل الحيض، لا يجوز إتيان النساء في النفاس، كما لا يجوز إتيانهن في حال الحيض.
تراجم رجال إسناد حديث سبيعة في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها من طريق خامسة عشرة
شرح حديث ابن مسعود في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها
قال المصنف رحمه الله: [ أخبرنا
محمد بن عبد الأعلى حدثنا
خالد حدثنا
ابن عون عن
محمد قال: كنت جالساً في ناس بالكوفة في مجلس للأنصار عظيم فيهم
عبد الرحمن بن أبي ليلى فذكروا شأن
سبيعة فذكرت عن
عبد الله بن عتبة بن مسعود في معنى قول
ابن عون : حتى تضع، قال
ابن أبي ليلى: لكن عمه لا يقول ذلك، فرفعت صوتي وقلت: إني لجريء أن أكذب على
عبد الله بن عتبة وهو في ناحية الكوفة، قال: فلقيت
مالكاً قلت: كيف كان
ابن مسعود يقول في شأن
سبيعة؟ قال: قال: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة لأنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى ].
أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، وأنه يكون بوضع الحمل، وليس بالاعتداد أربعة أشهر وعشراً، كما جاء في سورة البقرة؛ لأن تلك إنما هي في حق من لم تكن حاملاً، على أي حالة كانت، سواء كانت تحيض، أو آيسة من الحيض، أو صغيرة لا تحيض، لم تبلغ سن المحيض، أو أنه عقد عليها، ولم يدخل عليها، كل أولئك عدتهن أربعة أشهر وعشر، والحامل عدتها أن تضع حملها، فالمعتدات بسبب الوفاة إما بوضع الحمل في حق الحامل، وإما بالاعتداد أربعة أشهر وعشراً في حق من لم تكن حاملاً.
هذا الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه، لما ذكر له قصة سبيعة الأسلمية قال: أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة؟ يعني: أنكم تجعلون لها أبعد الأجلين، فيكون في ذلك تغليظاً وتطويلاً للعدة، ولا تجعلون لها الرخصة وهي: أنها تكون بوضع الحمل قلت أو قصرت، فقد تكون قصيرة أقل من أربعة أشهر، وقد تكون طويلة أكثر من أربعة أشهر، وقد تكون تسعة أشهر، وأكثر من ذلك، فالقول الآخر الذي لا يجعل العدة تنتهي بوضع الحمل يجعل لها أبعد الأجلين، إن ولدت قبل أربعة أشهر وعشر، فتنتظر إلى أربعة وأشهر وعشر، وإن تجاوزت وهي حامل أربعة أشهر وعشراً، فإنها تستمر إلى وضع الحمل فيجعلون لها الأغلظ وأبعد الأجلين، والنبي صلى الله عليه وسلم، جاء عنه في قصة سبيعة من طرق متعددة، أنها تنتهي عدتها بوضع الحمل، وكذلك أيضاً آية:
وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
[الطلاق:4] فسرها بعض الصحابة وغيرهم بالعموم؛ لأنها تشمل الطلاق وغير الطلاق، وابن عباس وبعض الصحابة يرون أنها خاصة بالطلاق، وغيره وبعض الصحابة كـ ابن مسعودوغيره يرون أنها عامة في الطلاق وغير الطلاق، والنبي صلى الله عليه وسلم فصل في ذلك بقوله لـسبيعة، أنها انقضى أجلها بوضعها لحملها، وعلى هذا فـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، يرى أن آية
وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
[الطلاق:4] تكون في المطلقات، وفي المتوفى عنهن أزواجهن، ويقول: إن آية النساء القصرى التي هي في سورة الطلاق -لأنها تتحدث عن النساء وعن طلاق النساء- إنما نزلت بعد الطولى التي هي البقرة التي فيها الاعتداد بأربعة أشهر وعشر، يعني: هذه هي سورة النساء الطولى، وهذه هي سورة النساء القصرى، يعني: التي هي أقصر من الأولى؛ لأن الأولى البقرة هي الطولى، والأخيرة هي الطلاق وهي القصرى، ويقول: إن هذه أنزلت بعد هذه، يعني: فتكون أولات الأحمال مستثنيات من الاعتداد بأربعة أشهر وعشراً، وأنهن إنما يحصل اعتدادهن بوضع حملهن، وسواء كانت هذه الآية عامة للمطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن، أو خاصة بالمطلقات فقد جاءت السنة دالة دلالة واضحة على أن المتوفى عنها تنتهي عدتها بوضع الحمل سواء طالت مدة الحمل أو قصرت.
الحديث أصله كان فيه قصة وهي: أن محمد بن سيرين كان في الكوفة في مجلس عظيم كبير للأنصار فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى، المحدث المشهور، الذي أخرج له أصحاب الكتب الستة، فتذاكروا قصة سبيعة، قال النسائي في معنى حديث ابن عون أنه قال: حتى تضع، أي: ما في بطنها.
فذكرت عن عبد الله بن عتبة بن مسعود في معنى قول ابن عون أنها حتى تضع، يعني: عن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنها حتى تضع حملها، وتنتهي عدتها بذلك، فقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: لكن عمه لا يقول بذلك، ويقصد أي: عبد الله بن عتبة بن مسعود، عمه وهو عبد الله بن مسعود لا يقول بذلك، يعني: كأنه فهم أن عبد الله بن مسعود يرى أنها أبعد الأجلين، وأنه لا يرى أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تكون بوضعها للحمل، فقال محمد بن سيرين: إنني لجريء أن أكذب على عبد الله بن عتبة وهو موجود في ناحية الكوفة، ثم قال: لقيت مالكاً، يعني: مالك بن عامر فأخبره أو سأله فأخبره عن ابن مسعود أنه قال: تجعلون عليها التغليظ، ولا تجعلون لها الرخصة، لأنزلت سورة النساء القصرى التي هي سورة الطلاق، بعد سورة النساء الطولى، يعني: هذا ليس اسماً للسورة، ولكنها تتحدث عن النساء، سورة النساء التي بعد آل عمران وليس فيها شيء يتعلق بهذه الأحكام فيما يتعلق بالعدد، وإنما العدد هي في البقرة والطلاق.
فإذاً: قوله: سورة النساء أي: التي ذكر فيها أحكام النساء وليس المقصود هذا اسمها؛ لأن اسمها التي لها سورة النساء هي ثالث أو رابع سورة في القرآن بعد الفاتحة والبقرة وآل عمران، فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرى أن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بوضعها للحمل، مثلما نقل محمد بن سيرين عن عبد الله بن عتبة.
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها
شرح حديث ابن مسعود في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها من طريق ثانية
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها من طريق ثانية
شرح حديث ابن مسعود: (أن سورة النساء القصرى نزلت بعد البقرة) من طريق ثالثة
تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (أن سورة النساء القصرى نزلت بعد البقرة) من طريق ثالثة