إسلام ويب

شرح سنن النسائي - كتاب الإحباس - باب حبس المشاعللشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • دل الله العباد على كل خير، وحذرهم من كل شر، ومن خير ما دلهم عليه حبس المال ووقفه في طاعته سبحانه، فيبقى الأجر ما بقي هذا الوقف، حيث يحفظ أصله، وتوضع منفعته في الخير.

    شرح حديث عمر: (احبس أصلها وسبل ثمرتها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: حبس المشاع.

    أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن المائة سهم التي لي بخيبر لم أصب مالاً قط أعجب إلي منها، قد أردت أن أتصدق بها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: احبس أصلها وسبل ثمرتها)].

    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: حبس المشاع، والمشاع: هو المشترك الغير متميز؛ لأن التحبيس يكون للمعين المتميز، وللمشترك غير المتميز، أي: مثل ربع أو كذا سهم من أسهم أرض أو بستان، فإن هذا مشاع؛ لأن معنى كونه مشاع أن حق كل واحد منهم مشاع في الكل، لا يستطيع أحد أن يقول: هذه القطعة لي وهذه القطعة لك، بل كل قطعة صغيرة فهي مشتركة، ولكل واحد حق فيها مادام أن الأرض لم تقسم ويعرف كل حقه بالتحديد، فإن كل واحد من المشتركين له نصيب في كل جزء من جزئيات الأرض المشاعة المشتركة، وعمر رضي الله عنه له مائة سهم في أرض مشاعة في خيبر، وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يتصدق بهذا المال بأن يجعله صدقة جارية، فالنبي صلى الله عليه وسلم، أمره بأن يحبس أصلها، ويسبل منفعتها.

    يحبس الأصل: بأن يمتنع من بيعه، وشرائه، وهبته، وعدم التمكن من إرثه؛ لأنه خرج من ملك صاحبه بالتحبيس.

    ويسبل المنفعة، يجعلها في سبيل الله عز وجل تصرف في وجوه الخير التي أرادها، ولهذا الفقهاء أخذوا من هذا الحديث تعريف الحبس أو التحبيس فقالوا: هو: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، بمعنى: أن الأصل يحبس فلا يتصرف فيه مالكه ببيع أو هبة، ولا يورث من بعده إذا مات؛ لأنه خرج من ملك صاحبه، وأما المنفعة التي تخرج منه فإنها تصرف في سبيل الله، النخل والزرع فالأرض المحبسة التي فيها نخل عندما يجز النخل، النخل أصله وقف، وثمرته وقف، فتصرف في وجوه البر، فإذا جذ فإنه يصرف في وجوه الخير التي جعله فيها، والأصل ثابت محبس لا يتصرف فيه، ولا يتمكن صاحبه من بيعه وهبته؛ لأنه خرج من ملكه بالتوقف.

    فالوقف تعريفه عند الفقهاء: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، أي: يحبس الأعيان، ويجعل ثمراتها وريعها ونفعها يصرف في وجوه البر، لا يباع هو، ويصرف قيمته في وجوه البر؛ لأنه لا يباع؛ لأن الأصل ثابت، وإنما الذي يصرف في وجوه البر هو الثمرة، والمنفعة التي تخرج منه، فالعمارة إذا وقفها لا يتمكن من بيعها، بل يصرف قيمتها في الفقراء والمساكين، وقيمتها ثابتة فيها وباقية فيها، لكن إجارها كل سنة -هذه منفعة أخذ مقابلها أجرة- هذه الأجرة تصرف في وجوه البر، فتكون العين ثابتة مستقرة، والمنفعة تصرف في وجوه البر، كلما جاءت المنفعة صرفت في وجوه البر، فالحديث فيه اعتماد الفقهاء على تعريف الوقف، حيث قالوا: هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، والنبي صلى الله عليه وسلم، قال: (احبس أصلها، وسبل ثمرتها).

    وذكر المشاع مأخوذ من قوله: [(مائة سهم)]، معناه أن فيه أسهماً، وأنها ليست لشخص واحد وليس مستقلاً بها؛ لأن الأسهم كما هو معلوم هذا له مائة، وهذا له مائة، وهذا له مائة، وهكذا، فكل صاحب سهم لا يستطيع أن يقول: هذه القطعة لي، أو هذا الجزء لي، بل كل جزء من جزئياته لكل شريك فيه نصيب؛ لأنه مشاع.

    تراجم رجال إسناد حديث عمر: (احبس أصلها وسبل ثمرتها)

    قوله: [أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن].

    هو سعيد بن عبد الرحمن المكي المخزومي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.

    [عن سفيان بن عيينة].

    هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبيد الله بن عمر].

    هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن نافع عن ابن عمر].

    وقد مر ذكرهما.

    شرح حديث عمر: (فاحبس أصلها وسبل الثمرة) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي ببيت المقدس حدثنا سفيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أصبت مالاً لم أصب مثله قط، كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها، وإني قد أردت أن أتقرب بها إلى الله عز وجل، قال: فاحبس أصلها وسبل الثمرة)].

    أورد النسائي حديث ابن عمر عن عمر قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي يحكي ابن عمر راوياً عن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن عنده مائة رأس، اشترى بها مائة سهم من أرض خيبر، وهو يستشيره في أن يتصدق بها، فقال عليه الصلاة والسلام: (احبس أصلها وسبل ثمرتها).

    تراجم رجال إسناد حديث عمر: (فاحبس أصلها وسبل الثمرة) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي].

    هو محمد بن عبد الله بن بكر الخلنجي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [عن سفيان].

    هو سفيان بن عيينة، وقد مر ذكره.

    [عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر].

    وقد مر ذكرهم.

    شرح حديث: (احبس أصلها وسبل ثمرتها) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن مصفى بن بهلول حدثنا بقية عن سعيد بن سالم المكي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أرض لي بثمغ، قال: احبس أصلها، وسبل ثمرتها)].

    أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن عمر رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أرض لي بثبغ، وهي موضع من المدينة، فقال: احبس أصلها، وسبل منفعتها)، وهو مثلما تقدم في أرض خيبر: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة.

    تراجم رجال إسناد حديث عمر: (احبس أصلها وسبل ثمرها) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا محمد بن مصفى بن بهلول].

    محمد بن مصفى بن بهلول صدوق له أوهام، ويدلس، وأخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

    [عن بقية].

    هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن سعيد بن سالم المكي].

    سعيد بن سالم المكي صدوق يهم، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.

    [عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر].

    وقد مر ذكرهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088563747

    عدد مرات الحفظ

    777357267