إسلام ويب

كتاب التوحيد - شرح مقدمة فتح المجيد [2]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أسماء الله الرحمن والرحيم، فهو رحمان بالخلق أجمعين، ورحيم بالمؤمنين، وهو أحق من حمد وأحق من شكر، فوجب على كل مخلوق أن يوحده في أفعاله وفي أسمائه وصفاته وفي عبادته.
    بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل. وبعد: فقد قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: [قوله: الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، قال ابن جرير: حدثني السري بن يحيى حدثنا عثمان بن زفر سمعت العرزمي يقول: الرحمن: بجميع الخلق، والرحيم: بالمؤمنين. وساق بسنده عن أبي سعيد -يعني: الخدري- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن عيسى بن مريم قال: الرحمن: رحمان الآخرة والدنيا، والرحيم: رحيم الآخرة ). قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فاسمه (الله) دل على كونه مألوهاً معبوداً، يألهه الخلائق محبة وتعظيماً وخضوعاً، ومفزعاً إليه في الحوائج والنوائب. وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمنتين لكمال الملك والحمد، وإلهيته وربوبيته ورحمانيته وملكه مستلزم لجميع صفات كماله، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أقواله وأفعاله. فصفات الجلال والجمال أخص باسم الله، وصفات الفعل والقدرة والتفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص باسم الرب، وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والرأفة واللطف أخص باسم الرحمن]. هذا الكلام من العلامة ابن القيم رحمه الله يفيد ما قرره السلف من أهل السنة والجماعة من أن أسماء الله مشتقة من صفاته، فكل اسم سمى به نفسه فهو متضمن كمال الصفة التي قد اشتق منها، وقد سبق أن الاشتقاق لا يلزم أن يكون معناه خروج هذا الفرع من أصل، وإنما هو للتكامل في المعنى، والله أعلم. وعلى هذا فإن معنى الرءوف أنه يرأف بعباده ويلطف بهم، فلا يسوغ لك ولا يجوز إذا أردت من الله سبحانه وتعالى أن يهلك الظلمة الفسقة الذين طغوا في البلاد أن تقول: يا رءوف! عليك بالطاغية فلان؛ لأن هذا استعمال للاسم في غير المسمى الذي اتصف به، بل قل: يا رءوف! ارأف بالمظلومين، يا جبار! عليك بالظلمة والطواغيت، وهذا هو المراد. فالله متضمن للألوهية التي هي معنى توحيد الألوهية، وأما الرزق والربوبية، وكمال النفع وزوال الضر فإنما هو من اسم الرب جل جلاله، ودعاء العبد لما يريد يكون على حسب أسمائه وصفاته، وعلى هذا فإن من وافق اسم الله الأعظم حاز شيئاً لم ينله أحد، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لـجويرية : ( ما زلت في المكان الذي فارقتك عليه؟ قالت: نعم. قال: لقد قلت بعدك كلمات لو وزنت بما قلت لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته )، فلما وافق صلى الله عليه وسلم مراد الله في أسمائه وصفاته، والتذلل والتعبد على حسبها، نال ما لم ينل كثير العبادة إذا لم يوافق مراد الله في أسمائه وصفاته. ولهذا قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: من واظب أربعين مرة ما بين أذان الفجر إلى الصلاة على تكرار: يا حي! يا قيوم! لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث، صار له حياة القلب والعقل. هذا كلام أبي العباس، يقول ابن القيم فيه: سمعت شيخنا مراراً يقول أكثر من مرة هذا الأمر، وهذا ليس معناه أن أربعين مرة حد، ولكنه يقصد أنه يقولها كثيراً، كأربعين أو أكثر، هذا هو المراد: أن الإنسان يتعبد الله بأسمائه وصفاته على حسب مراده، فهو لم يقصد أنها أربعين بعد معدود؛ لأنه هو الذي قرر قاعدة البدعة في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم)، فيبعد أن تخفى عليه مثل هذه المسائل، ولكنه قصد رحمه الله أن يداوم الإنسان على شيء كثير، وأنا قلت هذا المثال قصداً، والله أعلم. وقال بعض المشايخ: إن عدد أربعين مرة جاء فيه أحاديث، منها: ( من قال أربعين مرة: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات لم يبق في قلبه على إخوانه شيء )، أو كما قال، كما جاء بعضه عند الطبراني. وإنما خص هذا الدعاء؛ لأنه اشتمل على اسم الله الأعظم، الذي هو الحي القيوم. يقول ابن القيم رحمه الله عندما ذكر هذا عن شيخ الإسلام في المدارج، قال: ومن تجريبات السائلين التي جربوها فألفوها صحيحة، أن من لازم (يا حي! يا قيوم! لا إله إلا أنت أورثه ذلك حياة القلب والعقل، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه شديد اللهج بها جداً. و الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] جاء تفسيرها عن السلف بمعان، وكلها بإذن الله لا يخالف بعضها بعضاً، فجاء أن الرحمن هو رحمان الخلق أجمعين، رحمان لمسلمهم وكافرهم، ذكرهم وأنثاهم، والرحيم خاص بالمؤمنين، فهي رحمة خاصة: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:43]. وقال بعضهم: الرحمن صفة ذاتية، وهي الصفة التي اتصف الباري بها، وأما الرحيم فهي الصفة الفعلية التي يرحم بها عباده، وإن كانت بالمؤمنين أخص، ولا خلاف بين القولين، والله أعلم، لأن الرحمن رحمان الخلق أجمعين؛ لأنه سبحانه متصف بها فكان من لازمها رحمته للخلق أجمعين، والله أعلم. قال المؤلف رحمه الله: [وقال رحمه الله أيضاً: الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم]. فعلى هذا الرحمن صفة ذاتية، والرحيم صفة فعلية؛ لأنها متعلقة بالمرحوم، والله أعلم. قال المؤلف رحمه الله: [وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:43]، إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:117]، ولم يجئ قط رحمان بهم. وقال: إن أسماء الرب تعالى هي أسماء ونعوت، فإنها دالة على صفات كماله، فلا تنافي فيها بين العلمية والوصفية، فالرحمن اسمه تعالى ووصفه، فمن حيث هو صفة جرى تابعاً لاسم الله، ومن حيث هو اسم ورد في القرآن غير تابع; بل ورد اسماً علماً كقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، انتهى ملخصاً]. هذا كما قلت هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: هو اسم بلا مسمى، هو عليم بلا علم، سميع بلا سمع، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فهم وصفوا الله بأسماء مجردة خالية من معانيها، وقالوا: إننا لو قلنا: سميع له سمع للزم من ذلك تعدد الآلهة، نقول: لا يلزم، فالإنسان يوصف بصفات كثيرة، فيقال: فلان شجاع وقوي وكريم وجواد، وهو واحد فإذا جاز ذلك في المخلوق فصفات الكمال المطلق لله أولى، ولله المثل الأعلى، والله أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088573298

    عدد مرات الحفظ

    777407415