الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
قال المؤلف رحمه الله: [قوله في الصحيح: أي: صحيح مسلم عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وأبو مالك اسمه سعد بن طارق كوفي ثقة مات في حدود الأربعين ومائة، وأبوه طارق بن أشيم -بالمعجمة والمثناة التحتية وزن أحمر- ابن مسعود الأشجعي صحابي له أحاديث، قال مسلم : لم يرو عنه غير ابنه، وفي مسند الإمام أحمد عن أبي مالك قال: وسمعته يقول للقوم: ( من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل ) رواه أحمد من طريق يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو مالك الأشجعي عن أبيه، ورواه الإمام أحمد عن عبد الله بن إدريس قال: سمعت أبا مالك قال: قلت لأبي: .. الحديث. ورواية الحديث بهذا اللفظ تفسر (لا إله إلا الله).
قوله: (من قال: لا إله إلا الله وكفر يما يعبد من دون الله) اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علق عصمة المال والدم في هذا الحديث بأمرين:
الأول: (قول لا إله إلا الله) عن علم ويقين، كما هو مقيد في قولها في غير ما حديث كما تقدم.
والثاني: الكفر بما يعبد من دون الله، فلم يكتف باللفظ المجرد عن المعنى، بل لابد من قولها والعمل بها.
قلت: وفيه معنى فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا [البقرة:256] ].
سبق أن ذكرنا أن لإثبات المجمل أو إثبات من غير نفي ليس إيماناً، بل لا بد مع الإثبات النفي، فلا بد أن تثبت الإلهية لله وتنفيها عن غيره، أما بدون ذلك فلا يكون مسلماً، ولهذا فإن معنى (لا إله إلا الله) هو أنك إذا أثبت الإلهية لغير الله لم تثبت الإلهية المطلقة لله؛ لأن معنى الإلهية المطلقة لله أنه لا يعبد إلا هو، ولهذا قال: من وحد الله.
فجعل (لا إله) نفي (إلا الله) إثبات، ولهذا قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [البقرة:256]، وبدون ذلك لا يكون الإنسان مسلماً، ولهذا فالذين يدعون بما يسمى بحوار الأديان يريدونك أن تؤمن بكل الأديان، فتقول: إن الإسلام حق، وإن النصرانية حق، وإن اليهودية حق، وإن كل من عبد الله سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو مسلماً فسوف يدخل الجنة وهذا كذب، ولا يجوز وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].
نعم حوار الديانات بمعنى أننا نحاورهم ونبين لهم عقيدتنا هذا لا حرج فيه، ونتصالح معهم إذا كان المسلمون ضعافاً فيتصالحون في بعض المصالح المشتركة حتى يقوى أهل الإسلام وتكون بمعنى الهدنة هذا لا بأس به. أما أن نتصالح بمعنى أن نقبل عقيدتهم ونبني الكنائس في جزيرة العرب مثلما تبنى المساجد في ديارهم فهذا والله ليس هو الإسلام الحق؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ) والمقصود بـ(لا يجتمع دينان)، يعني: لا دين يعبد بالتمكين، وأما أن يأتي نصراني يعيش في بلاد الجزيرة العربية ويمارس طقوسه وحده من غير تمكين فهذا شأنه شأن نفسه، كما وجدت اليهودية في جزيرة العرب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكما وجدت النصرانية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنهم كانوا يتعبدون بنصرانيتهم في بيوتهم، أما أن تبنى لهم الكنائس في جزيرة العرب ويمكنون، فهذا لا يقبله مؤمن يوحد الله سبحانه وتعالى.
قلت: وهذا هو الشرط المصحح لقوله: لا إله إلا الله، فلا يصح قولها بدون هذا الخمس التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى أصلاً. قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] وقال: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] أمر بقتالهم حتى يتوبوا من الشرك ويخلصوا أعمالهم لله تعالى، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإن أبوا عن ذلك أو بعضه قوتلوا إجماعاً.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله )].
قوله: (يؤمنوا بي) هذا في حق أهل الأوثان، أو في حق الطائفة المنعزلة المتمكنة بنفسها، فإن أهل الإسلام إذا قويت شوكتهم وعلا كعبهم فلا بد أن يبينوا دين الله لتلك الطائفة، فإن آمنوا فبها، وإلا فإنهم غير معصومين، فلهذا يجب عليهم أن يدفعوا الجزية.
وهل الجزية ثابتة في أهل الكتاب أم عامة حتى في غير أهل الكتاب؟
على قولين: القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجزية إنما هي ثابتة في أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وأما الوثنيون فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
والقول الثاني في المسألة: أن هذا عام حتى في غير اليهودية والنصرانية واستدلوا بحديث بريدة رضي الله عنه المعروف: ( إذا أتيت سرية )، ولم يفصل صلى الله عليه وسلم سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو غير ذلك، ولهذا قال: ( فإن هم أجابوك فاقبل منهم، فإن هم أبوا فادعهم إلى دفع الجزية ) من غير تفصيل بين اليهودي ولا النصراني ولا المجوسي، وقد ذكر المسألة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في المجلد الثالث، وكأنه أشار -مع وجود الخلاف- إلى قوة حديث بريدة والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله في قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله): معلوم أن المراد بهذا أهل عبادة الأوثان دون أهل الكتاب؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف].
هذا كما ذكرت على أن غير أهل الكتاب إما السيف وإما الإسلام حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وأما أهل الكتاب فيقبل منهم قولهم: (لا إله إلا الله) شريطة أن يدفعوا الجزية، وأما أصحاب القول الثاني الذين قالوا بجواز أخذها من غير أهل الكتاب، فقالوا: إنه يؤخذ منهم السرايا فهذا دليل على قبولها منهم، واستدلوا على ذلك بحديث: ( من أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل )، وأولاد إسماعيل هم العرب، مع أن العرب قل أن يوجد منهم نصارى إلا ما كان من نصارى نجران والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ وقال القاضي عياض: اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال: لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان ].
الذي عليه أكثر أهل العلم أن الذي يدفع الجزية إنما هم أهل الكتاب وهذا الذي عليه الأئمة الأربعة في المشهور عنهم، ولهذا أنكر الإمام أحمد رحمه الله على أبي ثور حينما بلغه أنه قال: ( سن بهم سنة أهل الكتاب )، فغضب رضي الله عنه، وقال: أبو ثور كاسمه! غضباً من قوله هذا القول البعيد عن ما عليه أهل العلم.
أما أن يكون الأسارى من غيرهم يعني: يكون أمة أو عبداً من أهل الوثن فهل هذا جائز أم لا؟ فيه خلاف، وهذا أشار إليه ابن القيم رحمه الله، والأقرب -والله أعلم- أنه يمكن، فـمحمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب كانت أمه عربية، وهي من السبايا الذين قيل: إنهم من الذين ارتدوا بعد الإسلام.
وقال النووي رحمه الله تعالى: لا بد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الرواية ( ويؤمنوا بي وبما جئت به )، وقال شيخ الإسلام لما سئل عن قتال التتار فقال: كل طائفة ممتنعة عن التزام شرائع الإسلام الظاهرة من هؤلاء القوم أو غيرهم، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة، وعلى هذا اتفق الفقهاء بعدهم ].
هذا الكلام الذي قاله ابن تيمية الآن سهل، لكن في زمانه قل أن يوجد من العلماء من يقول هذا الكلام، واليوم لو تحدثت فقلت: إن أهل الرفض يجب قتالهم حتى يرضخوا لعقيدة أهل الإسلام ما وجدت أحداً يقول هذا، ولقال أحدهم لك: هذا مناف لحقوق المواطنة أو غير ذلك، هذا يدل على أن أهل الإسلام يكونون في زمن أقوياء وفي زمن ضعفاء، مثل زماننا هذا.
الآن الرافضة يقولون: إن أحمدي نجاد هذا هو الذي سوف يسلم الراية لـأبي حسن العسكري هكذا عقيدتهم، ولهذا عندما أرادوا تجديد انتخابه زوروا في ذلك؛ لأنهم يعتقدون -أي: أصحاب العمائم وليس عوامهم- أن أحمدي نجاد هو الذي سوف يسلم الراية لـأبي الحسن العسكري الذي هو الثاني عشر من أئمتهم، والآن يحلفون بالله أن أبا الحسن العسكري قد لبس لامته وأخرج سيفه من غمده، وأنه ركب خيله، هكذا يعتقدون، وأنه ليس بينه وبين خروجه إلا أن يموت شخص فيعلقون الناس بالآمال، هكذا يقولون، فهم ينتظرونه، ودائماً إذا علا كعب أهل الضلالة إلى أمد معين يبلغونه ثم بعد ذلك إلى انحسار وانحدار بإذن الله، ولهذا أنا أقول وأنا شاهد على ما أقول: لم يبلغ أهل الرفض من التمكين والقوة مثلما بلغوا في هذا الوقت، ولهذا فإن هذه غايتهم، وهذا ديدنهم، لن يتمكنوا أكثر من هذا، ولهذا بكسر شوكة بشار وجنوده وحزبه يضعفون وينحسرون، وسوف تظهر بعد ذلك راية أهل الإسلام وفيها دخن تمكث في بلاد الإسلام ما شاء الله تعالى أن تمكث، ثم تأتي الراية التي هي على منهاج النبوة، فيمكنها الله سبحانه وتعالى ما شاء الله أن يمكنها، وهذا هو الظاهر والله أعلم، أما متى فإن سنين الأمم ليست مثل سنين البشر، وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47].
قال المؤلف رحمه الله: [ قال: فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام، أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء، أو الأموال أو الخمر، أو الميسر أو نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو غير ذلك من التزام واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها أو تركها التي يكفر الواحد بجحودها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء، قال: وهؤلاء عند المحققين ليسوا بمنزلة البغاة، بل هم خارجون عن الإسلام، انتهى ].
هذا هو الصحيح أن الممتنع عن الفرائض وقاتل على ذلك فإنه يعد مرتداً، فإن الطائفة الممتنعة في عهد أبي بكر الصحيح أنهم على ثلاث مراتب:
الطائفة الأولى: طائفة ارتدوا عن الإسلام مطلقاً فهم كفروا بالله، وهؤلاء يستحقون القتل لأنهم مرتدون، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من بدل دينه فاقتلوه )، فهؤلاء يجب قتالهم.
الطائفة الثانية: هم الذين جحدوا وجوب الزكاة، فكل من جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة فإنه يعد كافراً أو مرتداً، وهؤلاء يستحقون القتال.
الطائفة الثالثة: هي الطائفة التي لم ترتد عن الإسلام، ولم تجحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة، إلا أنها تركتها بخلاً فقاتلوا لأجل ذلك، يقول ابن تيمية: فهؤلاء إن قاتلوا أهل الإسلام لأجل ذلك ارتدوا بالمقاتلة؛ لأننا علمنا ما في قلوبهم أن هذا التهاون والتكاسل إنما هو نوع جحود، ولا يعرف ذلك إلا بالمقاتلة حينما أعلن أهل الإسلام بقتالهم فإنهم يقاتلون، فصار الذين قاتلهم أبو بكر مرتدين إما لأنهم ارتدوا عن الإسلام، وإما لجحودهم فرضية الزكاة، وإما ممانعة عن أداء الزكاة، فلما قاتلونا ارتدوا، وأما ما ذكره الخطابي أن منهم بغاة، فهذا إنما هو قول طائفة من فقهاء الشافعية قد خالفوا إجماع الصحابة، ولهذا قال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق، ولهذا فإن ابن تيمية يقول: وهؤلاء عند المحققين ليسوا بغاة، فإنه يرد على بعض فقهاء الشافعية كـالخطابي وغيره.
وإذا كان الممتنع شخص معين فإنه يستتاب؛ لأنه يفرق بين الطائفة والشخص المعين، فالشخص المعين يجب عليه أن يؤمن بما أوجب الله سبحانه وتعالى على أمة الإسلام، لكن هو بعينه، فإذا أظهر ذلك وجب على ولي أمر المسلمين أن يستتيبه.
مثلاً شيخنا ابن باز كان لا يرى أن الحاكم بالقوانين الوضعية يكفر، لكنه يقول: على أهل الإسلام أن يقاتلوه، فإن قاتلوه وقاتل كفر لأجل هذا، ولهذا قيل: هم سوف يقاتلون، قال: هذا الظن بهم لكن لا نكفرهم حتى يقوم أهل الإسلام بقتالهم لعدم تحكيم شرع الله.
أما البغاة: فهم الذين يقاتلون لأجل حظوظ دنيا، أو لأجل رئاسة، أو لأجل مخالفة إجماع أهل الإسلام على شخص واحد معين، أما أن يكون أهل الإسلام رأوا بلداً مسلماً يحكم أهله بالطواغيت فإنه يجب على أهل الإسلام أن يقولوا له: احكم بالشريعة، فإن أبى وجب على أهل الإسلام مقاتلته، فإن قاتل أهل الإسلام لأجل عدم الحكم بالشريعة فإنه يكفر بالمقاتلة، لكن لا يكفر ابتداءً لماذا؟ لأنه قاتل لما هو معلوم من الدين بالضرورة من الواجبات والفرائض، وأما غير ذلك فيصير من البغاة مثل ترك الأذان، ومثل ترك الصلاة جماعة، فإن أهل الإسلام قالوا: يقاتل، فهذا ليس مثل حكم الزكاة، وتحكيم الشريعة وغير ذلك، فهذا هو الفرق، لكن بعينه لا يكفر إلا بالمقاتلة لأهل الإسلام.
فإذا قاتل أهل الإسلام لأجل امتناع ما هو معلوم من الدين بالضرورة، من الفرائض التي أوجبها الله من تحكيم الشريعة والزكاة والصيام والحج، فهذا بالمقاتلة يكفر، هذا إذا لم يقل: أنا أجحد، إنما قال: أنا لا أجحد لكني أتركها تهاوناً وكسلاً، أنا لا أرى أن تحكيم القوانين أفضل من تحكيم الشريعة، لكنه يحكم بالقوانين، فهؤلاء يقاتلون؛ لأنه الآن لم يجعل الشريعة أقل من أهل الكفر والله أعلم.
ونحن نقول هذا فرضية، وإلا أين أهل الإسلام الآن، فهذا الكلام لا يكون إلا إذا اجتمعوا على راية واحدة وهذا لا يوجد، لكن في السابق عندما كان الفقهاء يقررون هذا أنه يجب على ولي أمر المسلمين التي كل بلاد الإسلام تحت رايته فإذا كان إقليم أو بلدة متمكنة بجيشها وقادتها امتنعوا، فهؤلاء يجب على أهل الإسلام أن يقاتلوهم، وهذا في مثل عهد العباسيين وفي عهد العثمانيين وغيرهم.
قال المؤلف رحمه الله: [ قوله: (وحسابه على الله) أي: الله تبارك وتعالى هو الذي يتولى حساب الذي يشهد بلسانه بهذه الشهادة، فإن كان صادقاً جازاه بجنات النعيم، وإن كان منافقاً عذبه العذاب الأليم، وأما في الدنيا فالحكم على الظاهر، فمن أتى بالتوحيد ولم يأت بما ينافيه ظاهراً والتزم شرائع الإسلام وجب الكف عنه.
قلت: وأفاد الحديث أن الإنسان قد يقول: لا إله إلا الله ولا يكفر بما يعبدون من دون الله فلم يأت بما يعصم دمه وماله كما دل على ذلك الآيات المحكمات والأحاديث.
قوله: وشرح هذه الترجمة وما بعدها من الأبواب قلت: وذلك أن ما بعدها من الأبواب فيه ما يبين التوحيد ويوضح معنى (لا إله إلا الله)، وفيه أيضاً: بيان أشياء كثيرة من الشرك الأصغر والأكبر، وما يوصل إلى ذلك من الغلو والبدع مما تركه من مضمون (لا إله إلا الله) فمن عرف ذلك وتحققه تبين له معنى (لا إله إلا الله)، وما دلت عليه من الإخلاص ونفي الشرك، وبضدها تتبين الأشياء، فبمعرفة الأصغر من الشرك يعرف ما هو أعظم منه من الشرك الأكبر المنافي للتوحيد، وأما الأصغر فإنما ينافي كماله، فمن اجتنبه فهو الموحد حقاً، وبمعرفة وسائل الشرك والنهي عنها لتجتنب تعرف الغايات التي نهي عن الوسائل لأجلها، فإن اجتناب ذلك كله يستلزم التوحيد والإخلاص بل يقتضيه.
وفيه أيضاً من أدلة التوحيد إثبات الصفات وتنزيه الرب تعالى عما لا يليق بجلاله وكل ما يعرف بالله من صفات كماله وأدلة ربوبيته يدل على أنه هو المعبود وحده، وأن العبادة لا تصلح إلا له، وهذا هو التوحيد، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله].
نكتفي بهذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر