الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.
وبعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: من ترك من مواضع الوضوء شيئاً غسله وأعاد الصلاة.
عن جابر رضي الله عنه قال: أخبرني عمر بن الخطاب : ( أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى ) ].
هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وقد تفرد به عن الإمام البخاري .
ودليلهم على هذا ما جاء عند الإمام أحمد من حديث خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد ترك موضع ظفر لم يصبه الماء، فقال: ارجع فأعد وضوءك ). وقد نقل الأثرم عن الإمام أحمد أنه يحسنه؛ وذلك لأن بقية بن الوليد رواه بالتصريح بالسماع عن بحيرة عن خالد بن معدان ، و بقية إذا صرح بالتحديث في كل طبقة من طبقات الإسناد فالحديث حسن، والله أعلم.
عن أنس رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ) ].
هذا الحديث متفق عليه.
ويفيد استحباب عدم الإسراف في الماء، والمبالغة في الإسراف فيه على سبيل الاعتياد تدل على الكراهة الشديدة، وقد جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن: ( سيكون في آخر الزمان قوم يعتدون في الطهور والدعاء ) وأما حديث: ( ولو كنت على نهر جار ) فهذا حديث ضعيف عند عامة أهل العلم.
ومن الاعتداء في الطهور المبالغة في الماء؛ ولهذا جاء في الحديث الذي رواه البخاري و مسلم من حديث جابر أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع، فقال رجل من الحاضرين: هذا لا يكفيني، فقال
عن همام قال: ( بال
والحديث متفق عليه.
وقول إبراهيم النخعي : (وكان يعجبهم هذا الحديث)؛ لأن فيه رداً على أهل البدع الذين قالوا: إن المسح على الخفين إنما كان قبل فرضية الوضوء، فكان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن آية الوضوء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6] في سورة المائدة، وكان إسلام جرير بعد نزول سورة المائدة، وهو الذي روى المسح على الخفين، والمسح على الخفين من الأحاديث المتواترة.
مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتاً واحتسب
ورؤية شفاعة وحوض ومسح خفين وهذا بعض
كما يقول الحافظ ابن حجر، وهذا منها، والله أعلم.
وأيهما أفضل أن يمسح أو يغسل؟
في هذه المسألة ثلاثة أقوال: أحسنها ما اختاره أبو العباس ابن تيمية : أنه على حسب حال قدمه فإن كانت قدمه فيها الخفان مسح، وإن كانت قدمه ليس فيها شيء غسل، فلا يتكلف خلع الخف ليغسل قدمه، ولا يتكلف اللبس ليمسح.
هذا الحديث متفق عليه إلا قوله: ( فمسح على خفيه ) فإنها لم يروها البخاري.
والحديث يفيد عند أهل العلم أن ما عمت به البلوى ويشق التحرز منه فإنه يغتفر من النجاسات وغيرها، فكان أبو موسى يشدد في البول ويبول في قارورة خوفاً من تراش هذا البول على ثيابه، فكان حذيفة يقول: ( لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد، فلقد كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتى سباطة قوم ) يعني: مكاناً يجتمع فيه ذلك الشيء، (فبال قائماً) صلى الله عليه وسلم، ووجه الدلالة: أن من عادة من يبول قائماً أن بعض البول ربما يتراش إلى ثيابه.
وهذا الحديث ليس فيه مخالفة بينه وبين حديث ابن عباس كما في الصحيحين، حينما قال: ( أما إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما إنه لكبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله )، ومعنى الاستتار: لا يتوقى من البول، فربما يكون فيه بقع ظاهرة، هذا لا إشكال فيه؛ لأنه يجب فيه الغسل، ولكن كما يقول ابن القيم : على مقدار رأس الإبرة فهذا مغتفر، يقول العلماء: وهذا مما عمت به البلوى.
وقد أشار أبو العباس بن تيمية إلى أن بعض الصحابة أصحاب حرف، ولربما علق تحت أظفارهم بعض الأوساخ، فتحبس هذه الجلدة بشيء من التراب، ومع ذلك فمثل هذه التي لم يصبها الماء مما عمت به البلوى فيغتفر، ومثل صاحب العجين إذا كان يعجن، فإنه لو توقى ما توقى فلا بد أن يبقى بعض الأشياء التي يصعب التحرز منها فتكون مغتفرة، ومثل ذلك في واقعنا المعاصر ما تصنعه بعض النساء من الطلاء على أظفارها فإنها مأمورة بإزالته، وأما ما يعلق تحت الجلد فإن ذلك مما يخفف فيه إذا صعب إزالته، والله أعلم.
هذا الحديث متفق عليه.
وفيه فائدة وهي: أنه يستحب الاستتار عن أعين الناس عند قضاء الحاجة، كما أنه يستحب التستر، فالستر شيء والتواري شيء آخر، ففي حديث حذيفة : ( حتى توارى عني في سواد الليل )، وفي حديث جابر : ( حتى أبعد ) فهذا يستجب عند قضاء الحاجة.
الثاني: الستر، ( وكان أحب ما استتر به صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل )، كما رواه مسلم من حديث عبد الله بن جعفر .
عن شريح بن هانئ قال: ( أتيت
هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.
وفيه دلالة على وجوب التوقيت في المسح على الخفين للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال كثيرة، أصحها: هو مذهب أهل الحديث وفقهاء أهل الحديث خلافاً لـمالك ، فإن مالكاً لا يرى في هذا وينقل عن عمر بن الخطاب كما في قصة عقبة بن عامر : أنه جاءه مع البريد فقال: ( ما كنت تصنع بخفيك؟ قال: لم أزل أمسح حتى وصلت، قال: أصبت السنة ). والصحيح أن رواية (أصبت السنة) منكرة، وعلى هذا فالراجح وجوب التوقيت إلا لخائف، فمن المعلوم أن الإنسان إذا خاف على نفسه ترك بعض الأركان والواجبات، فترك الركوع والسجود خوفاً من العدو، فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، وأما ما عدا ذلك فالأصل وجوب التوقيت في المسح على الخفين.
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: ( تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلفت معه، فلما قضى حاجته، قال: أمعك ماء؟ فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يده من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه، وغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه، ثم ركب وركبت فانتهينا إلى القوم وقد قاموا في الصلاة يصلي بهم
هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.
والراجح: هو مذهب جمهور الصحابة أنه مسح على العمامة، وهو قول عمر و أبي موسى و أنس و ابن عمر ، وقد حكى هذه الأقوال عنهم ابن المنذر في الأوسط.
عن بلال رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار ) ].
هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.
ومعنى (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار) أي: أذن بالمسح على الخمار، وقد روى البيهقي و ابن المنذر عن أم سلمة : أنها كانت تمسح على الخمار.
والمقصود بالخمار أي: خمار المرأة التي ربطت رأسها بغلالة، ولا بد أن تكون هذه الغلالة محكمة في الرأس شبيهة بالعمامة، وأما أن تكون مربوطة كيفما اتفق مثل أن تلوي على رأسها فهذا لا يكفي، فلا بد أن يكون محكماً بحيث يشق نزعه أو لنزعه كلفة، والله أعلم.
وهذا مذهب الحنابلة خلافاً للجمهور، وهذا يحصل مثل ما لو وضعت المرأة على رأسها غلالة بعد الحناء فإن لها في هذه الحالة أن تمسح.
وهل يشترط الطهارة في ذلك؟ ذهب بعض الحنابلة إلى ذلك، والراجح أنه لا يشترط لها الطهارة؛ وذلك لأن الطهارة إنما هي في حق من ينتقل فيه هذا العضو من غسل إلى مسح، وأما من مسح إلى مسح كالرأس فهذا لا يشترط فيه الطهارة، أما المسح على الخفين فإن الأصل في الرجل الغسل، فإذا انتقل إلى المسح بلبس الخفين فلا بد فيه من طهارة؛ لحديث المغيرة بن شعبة : ( فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما ).
وأما إذا كانت الأذن قد غطيت بالعمامة فلا تمسح، وإذا كانت لم تغط فإنها تمسح.
أما لماذا خالف الجمهور الحنابلة فلأنهم يقولون: إن هذا إنما هو في مسح العمامة إذا وجدت فيه الناصية، وهذا اختصار من بعض الرواة، والصحيح أن الرسول مسح على العمامة مع خروج ناصيته ومسح على العمامة من غير خروج الناصية، والله أعلم.
عن بريدة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه، فقال له
الحديث رواه مسلم في صحيحه.
وهو يفيد جواز أن يصلي الإنسان بأكثر من فرض بطهارة الأول، وإن كان الأفضل أن يتوضأ لكل صلاة؛ لقوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6].
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ( كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يحدث الناس، فأدركت من قوله: ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة. قال: فقلت: ما أجود هذه؟ فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا
الحديث رواه مسلم في صحيحه.
وفيه فائدة: أنه يستحب للإنسان إذا رأى من نفسه ضيقاً أو شيئاً أن يتوضأ فيصلي ركعتين، وفي هذا قد جاء نصاً في صلاة التوبة الذي رواه علي بن أبي طالب عن أبي بكر .
وفيه فائدة أيضاً وهي: أن الإنسان يستحب له إذا توضأ أن يقول: ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله )، ولم يصح رفع الأصبع ورفع البصر حال ذلك، فقد رواه الترمذي وفي سنده عبد الملك بن أبي الشوارب وهو ضعيف.
عن علي رضي الله عنه قال: ( كنت رجلاً مذاءً وكنت أستحيي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت
هذا الحديث متفق عليه.
وفيه فائدة وهي أنه يدل على أن المذي نجس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذكر، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم على ذلك، وفي المسألة خلاف ولكنه غير معتبر، وقد ذكره المجد أبو البركات في كتابه المحرر في الفقه، والأقرب أن ذلك محل إجماع، إلا أنه يخفف في الثوب فينضح، كما في حديث سهل رضي الله عنه: (انضح فرجك وثوبك).
وفيه فائدة أيضاً: أن الواجب على من أمذى أن يغسل ذكره أي: رأس الذكر، وأما الأنثيان فإن غسلهما فحسن لكنه ليس بواجب، وأما حديث: (اغسل ذكرك وانثييك) فالصواب أن ذلك مدرج من قول عروة.
عن أنس رضي الله عنه قال: ( أقيمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نجي لرجل ) وفي حديث عبد الوارث : ( ونبي الله صلى الله عليه وسلم يناجي الرجل فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم ). وفي حديث شعبة : ( فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه, ثم جاء فصلى بهم ) ].
وفي نسخة ( حتى نام الصحابة ).
الحديث متفق عليه، وفي رواية مسلم : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة حتى تخفق رءوسهم، فيخرج صلى الله عليه وسلم فيقول: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ).
وفيه فائدة: وهي أن الصحيح أن النوم ليس ناقضاً بنفسه، ولكنه مظنة نقض الوضوء.
وفيه فائدة: أن خفقان الرأس أو وجود الغطيط ليس هو النوم الذي ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقض الوضوء أن يخرج الإنسان إلى عقله الباطن، كما أشار إلى ذلك الخطابي و أبو العباس ابن تيمية ، ولا أثر لحالة الإنسان؛ ولهذا جاء في حديث أنس : ( ولهم غطيط ) فوجود الغطيط ليست دلالة على التعمق في النوم، ولكن التعمق في النوم هو أن يحدث له مثل أن يرى رؤيا وغير ذلك.
وفيه فائدة: أنه لا بأس بأن تقام الصلاة ثم يتأخر، وسوف يأتي ذكر المؤلف لحديث أبي هريرة : ( أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشار بيده، ثم ذهب فخرج وإن رأسه لينطف ماء ).
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: ( أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا ) ].
هذا الحديث إسناده صحيح، رواه مسلم في صحيحه، وقد صححه الإمام أحمد ، والسبب في قولي صحيح؛ أن الحديث يروى من طريق جعفر بن أبي وحشية عن جابر ، وقيل: إن جعفر هذا فيه جهالة، والصحيح أنه قد روى عنه أكثر من رجلين، وقد جاء من حديث عبد الله بن عبد الله الحبلي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب ، وقد جاء في ذلك سبع طرق عن الصحابة كما ذكر ذلك الإمام أحمد.
فالحديث في نقض الوضوء من لحم الإبل جاء من حديث جابر بن سمرة وحديث البراء ، فالأول من طريق جعفر بن أبي وحشية عن جابر بن سمرة ، والثاني: عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء .
وقد توقف الشافعي عن القول به؛ لأنه لم يعلم صحته، فقال: إن صح حديث نقض الوضوء من لحم الجزور قلت به.
ومن الطرائف أن الإمام البيهقي عندما ذكر هذه المسألة قال: وهذا قول الشافعي ؛ لأنه قال: إن صح الحديث قلت به.
وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك، ولعلهم لم يبلغهم هذا الحديث والله أعلم، وقالوا: إن سبب الوضوء هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( توضئوا مما مست النار ) وهذا حديث ضعيف، بل قال بعض أهل العلم: ليس هناك حديث أصلاً بهذا اللفظ وإنما روي بالمعنى.
عن عمر بن عبد العزيز أن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أخبره: أنه وجد أبا هريرة يتوضأ على المسجد، فقال: إنما أتوضأ من أثوار أقط أكلتها؛ لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( توضئوا مما مست النار ) ].
هذا الحديث رواه مسلم.
وقوله: ( توضئوا مما مست النار ) نسخ، أنا قلت: ليس بحديث: ( كان آخر الأمرين من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ) فهذا حديث ضعيف، والله أعلم.
وأما ( توضئوا مما مست النار ) فقد جاء نسخه بفعله صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الذي بعده وهو حديث جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، والحديث هذا رواه مسلم في صحيحه، والله أعلم.
والأقط: معروف وهو البقل.
عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه قال: ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة فأكل منها، فدعي إلى الصلاة فقام وطرح السكين وصلى ولم يتوضأ ) ].
هذا الحديث متفق عليه من حديث عمرو بن أمية الضمري ، ورواه أيضاً ابن عباس و ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حديث ابن عباس : ( فألقاها والسكين ).
وفيه دلالة على أن هذا الذي أكله من كتف الشاة وقد كانت مطبوخة ومع ذلك لم يتوضأ، فدل ذلك على أن: ( توضئوا مما مست النار ) هذا في أول عهد الإسلام، وأما اليوم فإن الوضوء منه رفع، وليس بسنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: لا ) ومن المعلوم أن كلمة: لا، سواء كان مطبوخاً أو غير مطبوخ، فدل على أن قوله: (لا) للنسخ، ولا يقال: إنه رفع الوجوب؛ لأن الوجوب قد رفع بفعله، والله أعلم.
قال المؤلف: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً، ثم دعا بماء فتمضمض وقال إن له دسماً ) ].
هذا الحديث متفق عليه، وفيه فائدة وهي: أنه ينبغي للإنسان إذا أراد الدخول في الصلاة أن يتعاهد نفسه بالنظافة بأن يتأكد حتى لا ينشغل في الصلاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم تمضمض حتى لا يبتلع ريقه وقد علق على فمه شيء من الطعام.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) ].
حديث أبي هريرة رواه مسلم ، ورواه البخاري و مسلم من حديث عبد الله بن زيد في: ( الرجل يخيل إليه أنه يجد شيئاً في الصلاة، فقال: لا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ).
وفيه فائدة وهي: أن اليقين لا يزول بالشك، ولا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الوساوس، وقد جاء من طريق يذكر عند الإمام أحمد من حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يأتي الشيطان أحدكم فينزع من مقعدته شعرة فيخيل إليه أنه أحدث، فإذا وجد ذلك فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) والحديث في سنده بعض الضعف، لكن أصله ثابت.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر