الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: قضاء صلاة العصر بعد الغروب.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: ( أن
هذا الحديث متفق عليه، وكان ذلك قبل نزول آية: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].
وذهب جمهور أهل العلم إلى أن صلاة الترتيب لا يجوز إسقاطها إلا بعذر، على اختلاف بينهم ما هذا العذر؟ أصحها وأحسنها: هو مذهب الإمام مالك وبعض الحنفية ورواية عند الإمام أحمد : وهو أن العذر يسقط بالجهل والنسيان وخوف فوت الثانية، ومعنى خوف فوت الثانية يعني: يخشى أن يخرج وقت العصر، فيصلي العصر في وقتها؛ لأن صلاة الظهر فاتت، وخوف فوت الثانية وخوف فوت الجمعة، هذا هو الراجح.
وأما خوف فوت الجماعة: مثل أن يأتي المسجد ولم يصل المغرب فوجد الإمام يصلي العشاء، فهل نقول: يدخل مع الإمام بنية العشاء ثم بعد السلام يصلي المغرب ويسقط الترتيب خوف فوت الجماعة؟ هذا جوزه أبو العباس بن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى، ولعل في بعض النسخ خطأ، حيث قال: يصلي معهم بنية العشاء باتفاق الفقهاء، وهذا النقل قطعاً خطأ، ويبعد أن يكون ابن تيمية قاله، ولعله خطأ من النساخ؛ لأن الخلاف معروف وقائم، فالذي يظهر -والله أعلم- أن الجماعة للثانية ليست بأولى من الجماعة للأولى إذا قلنا: بجواز اختلاف نية الإمام عن المأموم، فمثلاً أنا جئت فوجدتهم يصلون العشاء، فأقول: ليس الحظ لأن أصلي الجماعة للعشاء بأولى من أن أصلي الجماعة للمغرب إذا جاز اختلاف نية الإمام عن المأموم، والله أعلم.
وكان المالكية ورواية عن الإمام أحمد يشددون حتى في الجهل، إذا كان وقت الثانية قائماً، فلو صلى العصر ثم تذكر أنه لم يصل الظهر، قالوا: فإنه يصلي الظهر، وهل يعيد العصر؟ يقول مالك : إذا كان في وقت الثانية فيصلي العصر، كل ذلك لأجل شدة الترتيب، وهذا القول له حظ من النظر لكننا نقول: إن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين.
عن مختار بن فلفل قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن التطوع بعد العصر، فقال: ( كان
هذا الحديث رواه مسلم.
واستدل به بعض أهل العلم على أن هذا من السنن الرواتب أي: الركعتين اللتين قبل المغرب، لحرص الصحابة على فعلهما؛ ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن المغفل : ( صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب لمن شاء ) والحديث متفق عليه، وهناك حديث آخر متفق عليه: ( كان المؤذن يؤذن لصلاة المغرب، فنبتدر السواري ) وهذا يدل على الحرص على أداء الركعتين اللتين قبل المغرب، ويدل أيضاً على العجلة في الصلاة.
والذي يظهر -والله أعلم- أن ورود ذلك على التطوع المطلق وهو قوله: ( وكان
وأما حديث عائشة : ( ما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي بعد إلا صلى ركعتين ) فهذا كما قلنا: من خصوصياته، والله أعلم.
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ) ].
والحديث متفق عليه.
يفيد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبادر لأداء صلاة المغرب، وقد كان أهل الطوائف يصلونها إذا ظهرت النجوم يعني: اشتدت الظلمة، والسنة في المغرب الإبكار؛ ولهذا قال أنس : ( كان المؤذن يؤذن لصلاة المغرب، فنبتدر السواري قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهذا يدل على استحباب التبكير في صلاة المغرب، والله أعلم وهذا هو الظاهر؛ ولهذا قال: ( كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ) يعني: ولو كان ثمة إصفار، والله أعلم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى، فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ) ].
هذا الحديث رواه البخاري و مسلم من حديث ابن عباس بدون قوله: ( حتى ذهب عامة الليل ) لكنه بلفظ: ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي )، والحديث: ( إنه لولا أن أشق على أمتي ) هذا متفق عليه من حديث ابن عباس .
واستدل ابن المنذر بهذا الحديث على أن صلاة العشاء لا يخرج وقتها لعذر بعد منتصف الليل، وأن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( ووقت صلاة العشاء إلى منتصف الليل ) أن ذلك على سبيل الاختيار، ووجه الدلالة عند ابن المنذر يقول: فلما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه خرج على أصحابه حتى ذهب عامة الليل ثم صلى ) دل على أن النبي صلى بعد منتصف الليل، وقال: ( إنه لوقتها )، فلما جاز أن يصلي بعد منتصف الليل وقال: ( إنه لوقتها )، دل على أنه ليس ثمة تحديد إلا الفجر.
وهذا القول هو قول عامة أهل العلم، خلافاً لـابن حزم ورواية عند أحمد ، وقالوا: إن العشاء لضرورة يبقى إلى الفجر، وقد روي عن عبد الله بن عباس و عبد الرحمن بن عوف أنهما قالا: إذا طهرت الحائض قبل الفجر صلت المغرب والعشاء، والحديث عنهما فيه ضعف، فإن حديث عبد الرحمن بن عوف في سنده مولى عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف وهو مجهول.
وأما حديث عبد الله بن عباس فإن في سنده يزيد بن أبي زياد عن ليث بن أبي سليم وهما ضعيفان، يقول ابن خزيمة : ولا أعلم خلافاً عنهما من الصحابة، لكن الحديثين فيهما ضعف، وهذا القول هو اختيار ابن تيمية يعني: أن الفجر يجمع لها، وأن العشاء يتأخر بها إلى الفجر لضرورة، هذا هو الراجح والله أعلم، وقد كنت أقول بقول ابن حزم حتى وجدت كلام ابن المنذر وكلام أبي العباس في القواعد النورانية، ولا يعلم عن الصحابة في هذا خلاف.
فعلى هذا فالأحوط أن يصليها، خاصة إذا كان يخل بأركان الصلاة، مثلاً إذا خرجوا من عرفة إلى مزدلفة وهم في الباصات وتأخر الباص حتى منتصف الليل، فهل يصلون كيفما اتفق بناء على حفظ الوقت، أم ينتظرون ولو كان بعد منتصف الليل شريطة ألا يخرج أو يطلع الفجر؟ الأولى أن ينتظروا، وهذا قول عامة أهل العلم.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله العشاء، وإنها تعتم بحلاب الإبل ) ].
هذا الحديث رواه مسلم.
وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم تسمية العشاء بالعتمة، مع أنه قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء) لكن جاء في بعض الروايات: (العتمة) فقال أهل العلم كـأبي العباس بن تيمية قال: وإنما الكراهة أن يغلب اسم العشاء على العتمة، وأما أن تذكر مرة أو مرتين فلا حرج، فدل هذا على أن النهي إنما هو للغلبة.
وهذا يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مشابهة أجلاس العرب في الأعراب، وأقول: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مشابهة أجلاس العرب فإن مشابهة ما خالفوا أهل الحق وطريقة أهل الحق من الذين يسمون أنفسهم: الحداثيون والليبراليون وغير ذلك أولى بمحبة المخالفة؛ لأن هؤلاء إنما كرهوا لأجل طبائعهم، فلأن يكون ذلك لأجل سلوكياتهم المخالفة للشرع من باب أولى، خاصة وأن النهي عن مشابهة اليهود والنصارى ثابتة، والله أعلم.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة -ولم يذكر
هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.
وهذا الحديث يفيد أن ثمة قوماً يأتون فيصلون الصلاة لكنهم يؤخرونها، ومعنى التأخير: أنهم يصلون في آخر الوقت، فدل ذلك على استحباب الصلاة مبكراً ولو أدى إلى أن يصلي منفرداً، وهل يؤخرونها عن ميقاتها يعني: عن خارج وقتها؟ الجواب: لا، ليس هذا هو المراد، والله أعلم.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها، قال: قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فما تركت أستزيده إلا إرعاء عليه ) ].
الحديث متفق عليه، لكن قوله: ( فما تركت أستزيده إلا إرعاء عليه ) هذا من لفظ مسلم ، وأما لفظ البخاري و مسلم : ( ولو استزدته لزادني ).
وهذا يفيد على استحباب الصلاة في أول وقتها، وهذا في الأعم الأغلب، ما عدا ما جاء الدليل لتأخيرها مثل صلاة الظهر وقت شدة الحر على الراجح، وهو مذهب جمهور أهل العلم، وأما حديث: ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا ) الراجح في تفسيره: أن بعض الصحابة لم يعلم بالنسخ، فحفظ ذلك ولم يعلم بالتأخير.
الثاني: أنهم أرادوا الرغبة في التأخير أكثر، فلم يشكهم النبي صلى الله عليه وسلم يعني: لم تزل شكواهم في المطالبة.
وكذلك العشاء، أحياناً يؤخرها وأحياناً يعجل، وأما ما عدا ذلك فإن التبكير أفضل، والله أعلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) ].
الحديث متفق عليه، وفي رواية لـمسلم : ( من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة )، يعني: تقديم وتأخير، وجاء عند البخاري من حديث أبي هريرة : ( من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل طلوع الصبح فقد أدرك الصبح )، ورواه مسلم من حديث عائشة : ( من أدرك سجدة ).
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافاً طويلاً، ولو شرحنا هذا الحديث ومسائله لطال بنا المقام، لكني أذكر بعض المسائل، فأقول:
وذهب الشافعية إلى أنها إن أدركت مقدار الصلاة التي أدركتها، يعني: أدركت من وقت العصر مقدار أربع ركعات، أو أدركت من وقت الفجر ركعتين فيجب عليها القضاء؛ لأنها أدركت وقتاً يمكن أداء العبادة فيه، فإن أدركت أقل من ذلك لم يجب عليها، وهذا مذهب الشافعية وهو أظهر دليلاً، على قاعدة الواجب الموسع.
فإننا نقول: من أفطر في نهار رمضان ثم أدرك وقتاً يستطيع معه القضاء فلم يقض ثم مات، فإن جماهير أهل العلم يقولون: يجب على وليه أن يطعم عنه، لأنه أدرك وقتاً يمكن أداء العبادة فيها من غير عذر؛ لأنه واجب موسع، فكذلك الوقت واجب موسع من هذا، وهذا القول قوي.
وذهب مالك رحمه الله ورواية عن أبي حنيفة : أنه لا يجب عليها إلا إذا ضاق عليها الوقت فلم يبق منه إلا مقدار أربع ركعات من آخر الوقت، فلو أنها لم تحض أول الوقت ولا وسط الوقت ولكنها حاضت في آخر الوقت، يقول مالك : فإن أدركت آخره بمقدار لم يبق إلا أربع ركعات فقد وجب عليها؛ لأنه يجوز لها التأخير، فإذا ضاق عليها الوقت ولم يبق إلا أربع ركعات وجب عليها أداء العبادة، فكذلك أن يبقى في ذمتها في هذا الوقت، وهذا هو اختيار ابن تيمية . وأنهم يقولون: لأن القضاء لم يثبت، وليس القضاء يحكي الأداء ولم يثبت، والذي يظهر والله أعلم أن الراجح هو مذهب الشافعي .
وذهب مالك إلى أنها إن أدركت ركعة بركوعها وسجودها وحب عليها، وهو رواية عند أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية فهذا هو الراجح وهو القول الثاني.
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجب عليها أن تؤدي الأولى مع الثانية إن أدركت جزءً، وذهب مالك إلى أنه لا يجب عليها إلا أن أدركت خمس ركعات، أربع عن الثانية وركعة عن الأولى في الحضر، وثلاث ركعات في السفر: ركعتين للثانية وركعة للأولى، وهذا القول قوي، والله أعلم.
القول الثاني: لا يجب عليها أن تصلي الأولى بل يجب عليها أن تصلي العصر إذا أدركت ركعة، لكن هل يجب عليها مع العصر أن تصلي الأولى؟ يقول مالك : لا يجب عليها إلا إذا أدركت أربع ركعات للعصر زائداً ركعة للظهر؛ لأن ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، فهي لم تدرك الظهر إلا بأقل من ركعة فلا يجب عليها، فإن أدركت ركعة زائدة على صلاة العصر جاز لها ذلك، وهذا مذهب مالك رحمه الله، ويقول: فرق بين الحضر والسفر، رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة.
أما ابن حزم و أبو حنيفة فإنهم يقولون: لا يجب صلاة الأولى، لقول عائشة رضي الله عنها: ( كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، وجه الدلالة: أن قضاء الصلاة سواء كان مما يجمع لها أو مما لا يجمع لها لا يؤمرون بقضائها، وهذا القول قوي، إلا أن قول مالك أحوط، لفتوى ابن عباس و عبد الرحمن بن عوف .
أقول: قول ابن حزم قوي، لكن الأحوط أن يؤديها، والله أعلم.
وأما مالك فإنه يقول: إن أدركت ركعتين من صلاة العصر فلا تجب عليك صلاة الظهر؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) فإذا أدرك ثلاث ركعات فركعتين للعصر وركعة للظهر، فيكون قد أدرك ركعة من الظهر وقد جاء عن ابن عباس أنه يقول: الحائض إن طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر، فيظهر أن قول ابن عباس يميل إلى مذهب الحنابلة والشافعية أقرب، ولهذا استدل الشافعية والحنابلة بهذا الأثر، ولا يعرف في المسألة إلا عن الثلاثة من الصحابة كما قال أحمد : لا يعرف عن الصحابة في هذه المسألة إلا عن ثلاثة، عن أبي هريرة رواها حرب ولا يعرف له إسناد، وعن ابن عباس رواها البيهقي و عبد الرحمن بن عوف رواها عبد الرزاق وغيره.
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله غداً، فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد، قال
هذا الحديث حديث عظيم، وهو من مفردات الإمام مسلم .
يقوله: (إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة الأخرى)، على أن صلاة العشاء لا يخرج وقتها حتى يطلع الفجر، قالوا: وهذا عام لا يخرج إلا بدليل، وقد أجمعوا على أن بين الفجر والظهر وقت فاصل بينهما، فيبقى الباقي على عمومه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: أولكلكم ثوبان؟ ) ].
هذا الحديث متفق عليه.
ويفيد على أن الفقراء كانوا فقراء، فكانوا يصلون في ثوب واحد، واستدل عامة أهل العلم على أن الصلاة في الثوب الواحد تصح، ولو صلى وكتفاه مكشوفان.
وذهب الحنابلة إلى أن الصلاة مع كشف الكتفين باطلة، هذا المذهب عند الحنابلة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه -وفي رواية- ليس على عاتقه منه شيء ).
والراجح والله أعلم: أن الصلاة صحيحة على كل حال لحاجة أو لغير حاجة، فإن كان لحاجة صحت الصلاة من غير إثم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن كان ضيقاً فاشدده على حقوك )، وإن كانت لغير حاجة فهي منهي عنها، هل للكراهة أم للتحريم؟ التحريم أقرب، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملاً به في بيت
الحديث متفق عليه من حديث عمر ومن حديث جابر ، لكن حديث جابر ليس بهذا اللفظ، بل حديث جابر : ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الثوب الواحد مشتملاً به ).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في خميصة ذات أعلام، فنظر إلى علمها، فلما قضى صلاته قال: اذهبوا بهذه الخميصة إلى
الحديث متفق عليه من حديث عائشة.
وفيه فائدة: وهي أن الصلاة في التصاوير التي ليست هي من ذوات الأرواح مكروهة؛ لأنها تشغل، هذا مذهب جماهير أهل العلم.
فإذا كانت تشغل المصلي فهي مكروهة، وصلاتنا الآن على الفرش المزخرفة التي تلهي، لكن إذا تعود الناس بحيث لا ينشغلون بها فإن الصلاة عليها تزول عنها الكراهة، وإن كانت السلامة مطلب وتركها أولى، فيكون الشيء من غير زخرفة أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإنها ألهتني آنفاً في صلاتي ).
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن جدته
الحديث متفق عليه.
وفيه فوائد:
عن سعيد بن يزيد قال: قلت لـأنس بن مالك رضي الله عنه : ( أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين؟ قال: نعم ) ].
والحديث متفق عليه.
وهذا الحديث يفيد كما قلنا مراراً وتكراراً أننا إن وافقنا أهل الكتاب في العبادة استحب لنا المخالفة في الصفة، فوافقناهم في صيام عاشوراء فاستحب لنا أن نخالفهم في صيام يوم قبله أو يوم بعده، ووافقناهم في الصلاة فاستحب لنا مخالفتهم في لبس النعال، هذا في العبادة، وإن وافقناهم في الطبيعة والجبلة مثل الشيب استحب لنا المخالفة في الصفة بأن نصبغ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في المتفق عليه: ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ).
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ( قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد ) ].
الحديث متفق عليه إلا زيادة ( فهو مسجد ) وهو من مفردات مسلم ، و ( وأينما أدركتك الصلاة فصل )، وفي رواية: ( فإن الفضل فيه )، وفي رواية: ( فأينما أدركتك الصلاة فالأرض لك مسجد ).
وهذا الحديث يفيد أن المسجد الحرام بني أولاً ثم المسجد الأقصى، والله أعلم.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم إنه أرسل إلى ملأ بني النجار، فجاءوا متقلدين بسيوفهم، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، و
الحديث متفق عليه لكن بدل: فانصر (فاغفر للأنصار والمهاجرة).
وهذا يدل على أن المقابر إنما نهي عن الصلاة فيها خوف فتنة الشرك، وليس لأجل النجاسة خلافاً للشافعي ، وهذا يدل على ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبش قبور المشركين، ولم يحفظ أنه أزال التراب الذي كان قريباً منه، فهذا الراجح والله أعلم.
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: قال أبي: ( دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله! أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا لمسجد المدينة، قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره ) ].
الحديث رواه مسلم.
وهذا يدل على أن قوله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى [التوبة:108] نزلت في قباء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هو مسجدكم هذا ) يعني هذا من باب أولى، والله أعلم.
عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إن امرأة اشتكت شكوى، فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرئت ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسلم عليها، فأخبرتها ذلك فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت، وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة ) ].
الحديث رواه مسلم .
وذهب عامة أهل العلم من السلف والخلف إلى أن المضاعفة إنما هي للحرم كله؛ لقوله سبحانه وتعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، والمسجد الحرام الذي هو: الحرم، وأما هذا الحديث فليس فيه ما يدل على ذلك، يعني: على اقتصاره على بناء المسجد؛ وذلك لأن قوله صلى الله عليه وسلم: ( إلا مسجد الكعبة ) هو المسجد الحرام؛ لأن المسجد الحرام يطلق عليها الكعبة، كما قال الله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95]، ومن المعلوم بالإجماع أنه لو ذبح في غير المسجد في منطقة الحرم أجزأ بالإجماع، فدل ذلك على أن المقصود بالكعبة إنما المقصود به المسجد الحرام.
ومن الأدلة أيضاً أننا نقول: إن هذا ليس من باب الخاص والعام؛ لأن شيخنا محمد يقول: ذكر الخاص بحكم لا يخالف العام يدل على التخصيص، فالمسجد الحرام مطلق، يقول الشيخ: هذا مطلق وهذا مقيد فقيد، والأقرب أن هذا ليس بمطلق أو مقيد بل إن هذا نوع من ألفاظ التسمية، بأن نقول: إن هذا مسجد الكعبة والمسجد الحرام وغيره، فهذا نوع من ألفاظ التسمية. والله أعلم.
ولعل في هذا كفاية، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجواب: الجلوس أوسع واللبس أضيق؛ لأن كون الإنسان يلبس الشيء مخالطته له أكثر؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع والجلوس عليها، فالنهي لأمرين: اللبس أشد، والجلوس أخف.
الجواب: إذا طاف لا بد أن يستر عاتقه الأيمن، أو يستر عاتقيه، ولا ينبغي أن يتركه مكشوفاً، فالاضطباع أن يغطي عاتقه الأيمن ويستر الآخر، فلا بد أن يغطي الأيمن أو أن يغطيهما فأقول: كوني أغطي الاثنين أفضل من أن أكشف الاثنين، فهو إما أن يضطبع وإما أن يغطي، فلا يكشفها كاملاً، هذا في الطواف، وأما إذا صلى فلا بد أن يغطي.
نكتفي بهذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر