الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.
وبعد:
قال المؤلف رحمه الله: [ باب: وجوب القراءة بأم القرآن في الصلاة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج -ثلاثاً- غير تمام، فقيل: لـ
هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه وتفرد به.
واستدل أهل العلم بهذا الحديث في مسائل:
الوجه الثاني من الدليل: أنه جعل قسماً بهذه السورة ثلاث آيات لله، وثلاث آيات للعبد، وآية بين العبد وبين ربه، فـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4]، هذه لله، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، هذا بين العبد وبين ربه، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، هذه آية: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، ثلاث آيات هي للعبد، هذا وجه الدلالة.
ذهب الحنفية والحنابلة إلى استحباب قراءتها سراً.
وذهب مالك إلى عدم استحباب قراءتها في حق الإمام والمنفرد، مستدلاً برواية ابن خزيمة : ( صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم و
والراجح هو استحباب قراءتها لعموم قوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، ولحديث أبي هريرة : ( أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم )، وأما جهره فإنما كان ذلك للتعليم.
أما الشافعي فإنه أوجب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأنه يراها من الفاتحة -وهذه فائدة أن كل حديث فيه جهر النبي صلى الله عليه وسلم بـبسم الله الرحمن الرحيم مرفوعاً فإنه لا يصح، وإنما هو من قول أبي هريرة وهو لأجل التعليم، والله أعلم.
كما ذكر ذلك أبو العباس بن تيمية و المنذري وغيرهم.
وهذا قول عمر بن الخطاب و زيد بن ثابت ، وهو مذهب الشافعي ورواية عند الإمام أحمد وهذا أقرب، والله أعلم.
وهو أن قراءة الفاتحة في حق المأموم واجبة إلا أنها تسقط مع العجز وعدم الإمكان، فالعجز مثلما لو جاء والإمام يقرأ سورة فلا يستطيع أن يقرأ إلا برفع صوته، فهذا عاجز فتسقط، أما عدم الإمكان فكما لو جاء والإمام راكع، هاتان حالتان، والله أعلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك السلام، ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا، علمني، قال: إذا صليت الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ) ].
هذا الحديث متفق عليه، وهو ما يسمى بحديث المسيء في صلاته.
ولكن الأقرب أن يقال: إنما ذلك في الأفعال وليس الأقوال؛ لأن الأقوال جاءت من حديث أبي هريرة ( لا صلاة.. ) خاص؛ لأنه لم يذكر.
نعم لو لم يكن يحفظ من الفاتحة شيئاً، فإن الحنابلة والشافعية قالوا: إن كان يحفظ قرآناً غير الفاتحة فيجب عليه أن يقرأ سبع آيات؛ لأن الفاتحة سبع آيات وهي السبع المثاني، فيقرأ سبع آيات من القرآن بدلاً من الفاتحة، فإن لم يكن عنده قرآن فإنه يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لحديث رفاعة بن رافع : ( فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله، وسبحه، وهلله، وكبره ).
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر أو العصر فقال: أيكم قرأ خلفي بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]؟ فقال رجل: أنا ولم أرد بها إلا الخير، قال: قد علمت أن بعضكم خالجنيها )].
هذا الحديث تفرد به مسلم في صحيحه.
وفيه فائدة وهي أن المأموم يقرأ سورة غير الفاتحة، وفيه دليل على أن المأموم لو رفع صوته أحياناً بالقرآن جاز، لكن لا ينبغي إذا كان ذلك سبباً في اختلاط قراءة المأمومين فيما بينهم، أو المأموم مع الإمام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( قد علمت أن بعضكم خالجنيها )، يعني: أدخل علي، والله أعلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )، قال ابن شهاب : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين )].
هذا الحديث متفق عليه.
وذهب الأئمة الأربعة؛ بل حكى أبو عمر بن عبد البر الإجماع على أن قول: آمين سنة، وهذا هو الراجح؛ وذلك لأن آمين إنما هي بعد القراءة، والذي وجب هو الفاتحة فقط، فهو استجابة لطلب الدعاء، والله أعلم.
وفيه فائدة وهي أن الجهر بآمين سنة، كما جاء في حديث حجر بن عنبس عن وائل بن حجر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: آمين ويمد بها صوته ).
عن سماك بن حرب قال: سألت جابر بن سمرة عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( كان يخفف الصلاة ولا يصلي صلاة هؤلاء، قال: وأنبأني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] ونحوها ) ].
هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.
وهو يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ (ق) في ركعتين، و (ق) هي أول المفصل على الراجح، والمسألة فيها أكثر من عشرة أقوال، لكن الراجح أن (ق) هي أول المفصل، وجاء في بعض الروايات أنه كان يقرأ (ق) في ركعة واحدة، والله أعلم.
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحياناً، ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ) ].
وهذا الحديث متفق عليه.
واستدل به بعض أهل العلم على مسائل منها:
ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب الاقتصار على فاتحة الكتاب في الركعة الثالثة والرابعة؛ بل قال بعضهم: ويكره قراءة سورة غير الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة، والراجح جوازه أحياناً لأمور:
الأمر الأول: ما جاء في حديث أبي سعيد الذي بعده: ( وكان يقرأ في الركعتين الأوليين في الظهر قدر ثلاثين آية، وفي الركعتين الأخريين قدر خمسة عشر آية )، فإذا قلنا: في الركعتين الأخريين قدر خمسة عشر آية فيكون الفاتحة سبع وثمان سورة أخرى.
فهذا يدل على الجواز.
الأمر الثاني: مما يدل على الجواز: ما صح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يقرأ في الركعة الثالثة من الظهر: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، فهذا يدل على الجواز، وقد حاول الطحاوي في شرح معاني الآثار أن يبين أن قراءة أبي بكر للآية إنما هو من باب القنوت؛ لأنه كان يقرأها في وقت الردة وهذا بعيد؛ لأن القنوت لا يكون في الركعة الثالثة، إنما يكون في الركعة الرابعة.
والمعروف أن القنوت يكون بعد الركوع وليس قبل الركوع؛ فلهذا الراجح أن قراءة أبي بكر تدل على الجواز أحياناً.
قال المؤلف رحمه الله: [ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية -أو قال: نصف ذلك- وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك )].
وهذا الحديث رواه مسلم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( إن
هذا الحديث متفق عليه.
وقد ذهب جماهير الفقهاء إلى أنه يستحب في الغالب قراءة قصار المفصل في صلاة المغرب؛ لحديث سليمان بن يسار أنه كان إمامهم يصلي بهم فكان يقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي الظهر والعصر والعشاء في أوساطه، والفجر في طوال المفصل، فكان أبو هريرة يقول: إنا صليت خلف هذا وإنه لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بقصار المفصل في المغرب، إلا أنه أحياناً يقرأ بأطول من ذلك، كما في حديث أم الفضل ، وكما في حديث زيد بن ثابت في صحيح البخاري و مسلم : ( لقد رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولي الطوليين )، يعني: الأعراف.
عن جابر قال: ( كان
هذا الحديث متفق عليه.
وقد ادعى الجمهور في هذا أن معاذاً لما كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي مع النبي النافلة، ثم يأتي قومه فيؤمهم الفريضة وهذا يحتاج إلى دليل، والله أعلم.
وبهذا نعرف أنه إذا أراد الإنسان أن يقطع صلاته فلا يلزم أن يسلم؛ بل مجرد النية كافية، وأما هذه الرواية فهي منكرة؛ وذلك لأنه لو سلم لانقطعت صلاته، والواقع أنه لم يقطع صلاته إنما أكمل صلاته وحده، فهذا يدل على أن رواية ( انحرف رجل فسلم ) منكرة، والله أعلم.
واستدل بهذا الحديث على أن الأفضل في قراءة صلاة العشاء أن يقرأ بأوساط المفصل.
عن أنس رضي الله عنه قال: ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: أيها الناس! إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام ولا بالانصراف، فإني أراكم أمامي ومن خلفي، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟! قال: رأيت الجنة والنار )].
هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.
استدل أهل العلم بهذا الحديث على عدم جواز مسابقة المأموم إمامه؛ لقوله: ( فلا تختلفوا عليه )، ومسابقة المأموم لإمامه في الصلاة لها أحوال:
الحالة الأولى: أن يسابق المأموم إمامه في تكبيرة الإحرام، فذهب عامة أهل العلم وحكي إجماع على أنه لا تصح صلاة المأموم؛ لأنه لم يدخل معه في الصلاة؛ لحديث علي : ( تحريمها التكبير )، وهو لم يشرع مع إمامه.
الحالة الثانية: أن يسابق المأموم إمامه في الركوع، فذهب الحنابلة إلى أنه إن سابق إمامه في الركوع جاهلاً أو ناسياً فإنه إن أدركه بأن قام من ركوعه ثم ركع مع الإمام فأدركه وهو راكع أجزأت صلاته، وما لا فلا.
إذاً: من ركع ثم قام والإمام راكع فلا يحسب شيئاً، وأما لو سابق إمامه في الركوع متعمداً فإنهم يقولون: لا تصح الصلاة.
وذهب جماهير أهل العلم إلى أنه إن أدرك الإمام في الركوع بعد سبقه بالقيام ولو متعمداً أجزأت صلاته، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة ولعله أقرب؛ لأن تصحيح الصلاة مطلوب ما أمكن، لكنه إن داوم وهو يسابق إمامه بطلت صلاته، والأحوط في هذا أنه إن ركع قبل الإمام وجب عليه أن يقوم بحيث لا يركع إلا بعد الإمام، فإن ركع قبل الإمام متعمداً وجب عليه أن يقوم ثم يركع بعد ذلك، فإن وافق إمامه في الركوع أجزأت وهذا هو الراجح.
أما لو تعمد دائماً بطلت صلاته.
الحالة الثالثة: أن يسابق المأموم إمامه في غير الركوع فذهب الجمهور إلى صحة الصلاة، وذهب الحنابلة إلى أن المتعمد تبطل صلاته والجاهل تصح.
وأقول: إنه إن تعمد في كل ركن فلا تصح صلاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فلا تختلفوا عليه )، فإذا تعمد المخالفة بطلت الصلاة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما يأمن الذي يرفع رأسه في صلاته قبل الإمام أن يحول الله صورته في صورة حمار )].
هذا الحديث متفق عليه.
وهو يفيد خطورة مسابقة المأموم إمامه.
عن الأسود و علقمة قالا: أتينا عبد الله بن مسعود في داره فقال: ( أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا: لا، قال: فقوموا فصلوا، فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة، قال: وذهبنا لنقوم خلفه فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، قال: فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا، قال: فضرب أيدينا وطبق بين كفيه ثم أدخلهما بين فخذيه، قال: فلما صلى، قال: إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها، ويخنقونها إلى شرق الموتى، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك فصلوا الصلاة لميقاتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة، وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعاً، وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم، وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليجنأ وليطبق بين كفيه، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراهم )].
الحديث رواه مسلم في صحيحه.
المسألة الثانية: هي أنه إذا كان المصلون ثلاثة فإنه يتقدم الإمام عن المأمومين، وأما ابن مسعود ومن معه فإنهم جعلوه صفاً واحداً الإمام وسطهم، وهذا في أول الإسلام؛ ولهذا ( عندما صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة، فجاء
عن مصعب بن سعد قال: ( صليت إلى جنب أبي قال: وجعلت يدي بين ركبتي، فقال لي أبي: اضرب بكفيك على ركبتيك، قال: ثم فعلت ذلك مرة أخرى فضرب يدي وقال: إنا نهينا عن هذا وأمرنا أن نضرب بالأكف على الركب )].
الحديث متفق عليه، لكن قوله: ( ثم فعلت ذلك مرة أخرى فضرب يدي )، هذه تفرد بها مسلم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن ) ].
هذا حديث متفق عليه.
ويستفاد منه أنه يستحب أن يكثر الإنسان بعد قول: سبحان ربي الأعلى في سجوده، وكذلك بعد قول: سبحان ربي العظيم في ركوعه، أن يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك رب اغفر لي.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف
هذا الحديث رواه مسلم بهذا اللفظ، ورواه البخاري و مسلم بلفظ: ( إنه لم يبق من النبوة إلا المبشرات؟ قالوا: وما المبشرات، قال: الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له ).
وقد جاء في الصحيحين من حديث علي أنه قال: ( نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً ).
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)].
هذا يفيد أن الإمام يقول بعد ربنا ولك الحمد هذا الدعاء، وهذا هو الصحيح، أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكذلك المنفرد، وقول عامة أهل العلم أن الإمام والمنفرد يقول: سمع الله لمن حمده، وأن ذلك من خصوصيات الإمام والمنفرد، خلافاً لـمالك و الشافعي فإنهما قالا: يقول المأموم: سمع الله لمن حمده، والراجح مذهب الحنابلة والحنفية.
المسألة الأخرى: أنه يستحب للإمام والمنفرد والمأموم أن يقول: كل واحد منهم ربنا ولك الحمد، وهذا مذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة خلافاً لـأبي حنيفة فإن أبا حنيفة قال: لا يقول الإمام والمنفرد ربنا ولك الحمد، والصحيح جوازه واستحبابه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد )، واستدل به الجمهور على أن المأموم يقول: ربنا ولك الحمد، واستدل الجمهور خلافاً لـأبي حنيفة على ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: ربنا ولك الحمد ملء السماوات )، بهذا الحديث الذي معنا.
حدثني معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة فقال: ( سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عليك بكثرة السجود لله عز وجل، فإنك لا تسجد لله عز وجل سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة )، قال: معدان ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال: لي مثل ما قال لي ثوبان ].
هذا الحديث رواه مسلم .
وهذا الحديث يفيد أن الإنسان ينبغي أن يكثر من السجود، وهل يسجد من غير صلاة، أم لا بد له من صلاة، وأن هذا من باب ذكر الجزء وإرادة الكل؟ الصحيح أنه لا يتقرب إلى الله بالسجود إلا في تلاوة القرآن وسجود الشكر، وأما ما عدا ذلك فإنه لا بد فيه من صلاة، هذا قول جماهير أهل العلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا الدعاء ) ].
وهذا رواه مسلم .
وقوله: (فأكثروا الدعاء) يفيد أن الإنسان لو دعا من خيري الدنيا والآخرة في صلاة فرض أو نفل جاز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم أنج
عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والرجلين وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب ولا الشعر ) ].
هذا الحديث متفق عليه.
وهو يفيد وجوب أن يسجد المصلي على هذه الأعضاء التي أشار إليها الحديث وهي سبعة، ولا بد أن يطمئن فيها، فيسجد ويبقى فيها مقدار ما يقول: سبحان ربي الأعلى، هذا يسميه العلماء الطمأنينة، فمقدرا الطمأنينة؟ ومقدار الطمأنينة أن يسجد مقدار ما يقول: سبحان ربي الأعلى.
واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أنه لا يجب السجود على الأنف؛ لأنه قال سبعة أعظم وقال: الجبهة وأشار إلى الأنف، والراجح أن السجود على الأنف واجب وليس بركن، والله أعلم.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب ) ].
هذا الحديث متفق عليه.
وفيه فائدة وهي أنه ليس كل ما نهي عنه يقتضي الفساد، فإن سجود المرء وهو باسط ذراعيه في سجوده منهي عنه، وليس كل عمل عمله الإنسان فهو مردود عليه؛ لأن حديث: ( كل من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، إما أن يكون رد من حيث العمل، وإما رد من حيث الثواب، وإما رد من حيث خلاف السنة، ويعرف هذا بالقرائن كما هي طريقة السلف، والله أعلم.
ونقول بضرورة السجود على الأنف لأمور:
أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم على ذلك.
الثاني: لما جاء عند الدارقطني ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يسجدوا على الأنف )، لكن هذا ليس بركن؛ لأن الركن هو السجود على السبعة، وهنا ذكر السجود وإنما هو السجود على الجبهة وليس الأنف؛ ولهذا فإن قول عامة أهل العلم أنه لو سجد المصلي على أنفه لم يعد ساجداً.
عن عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه) ].
هذا الحديث متفق عليه.
وهو يفيد أن الإنسان لا ينبغي له في سجوده أن ينضوي؛ بل يجافي عضديه عن جنبيه، هذا هو السنة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ولعل في هذا كفاية وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: إذا كان متعمداً فهو آثم، وأما إذا كان يقرأها من باب الدعاء، مثل أن يقول: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [البقرة:201] فلا بأس.
الجواب: ذكر الركوع والسجود مستحب عند جماهير أهل العلم، خلافاً للحنابلة الذين يقولون: قول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وقول: سبحان ربي الأعلى في السجود واجب.
والراجح هو مذهب الحنابلة وهو اختيار ابن تيمية أن قول: سبحان ربي العظيم في الركوع واجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوها في ركوعكم )، وقول: سبحان ربي الأعلى في السجود واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( اجعلوها في سجودكم )، وبالتالي فقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي لا يؤدي الواجب.
الجواب: يجهر بحيث يسمع نفسه ومن بجانبه، لكن لا يزعج الآخرين، الجهر المقصود غير رفع الصوت.
الجواب: ورد حديث يرويه سفيان الثوري و شعبة عن حجر بن العنبس عن وائل بن حجر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، قال: آمين، يقول سفيان : رفع بها صوته ويقول شعبة : ويمد بها صوته )، هذا في حق الإمام، والمأموم مثله، والعموم قول عطاء : صليت خلف عبد الله بن الزبير فكان يقول: آمين، فيقول من خلفه: آمين حتى يرتج المسجد بذلك، وهذا إسناده جيد، و عبد الله بن الزبير صحابي قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: أي دعاء وليس هناك مانع، هو يسأل ربه فقوله: آمين معناه: اللهم استجب، فأنت تقول: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، وتقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6].
الجواب: الركوع تدرك به الركعة، وهذه من الطرائف، وقد كنت أبحث في المسألة، وأذكر قول أهل العلم وخلافهم، ورحت لشيخنا ابن باز .
قلت: أحسن الله عملك، ما رأيك يا شيخ بالذي يسابق إمامه؟ قال: لا يصح.
قلت: يا شيخ! مذهب الجمهور يقولون: تصح مع الإثم؟ قال: ما هي فائدة الإمام! ما هي فائدة الإمام؟
نكتفي بهذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر