إسلام ويب

مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [5]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد وردت سنن كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي الاقتداء بها والمحافظة عليها، منها: القنوت في النوازل في جميع الصلوات، ومنها صلاة النافلة سواء كانت من الرواتب كركعتي الفجر التي يسن فيها التخفيف وقراءة سورة الإخلاص والكافرون، أو كانت من غير الرواتب كصلاة الضحى.
    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه! وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه! ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: القنوت في صلاة الصبح.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقول وهو قائم: اللهم أنج الوليد بن الوليد و سلمة بن هشام و عياش بن ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف، اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله. ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128] ) ].

    الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة ، وجاء أيضاً نحوه من حديث أنس رواه البخاري و مسلم ، والحديث رواه البخاري من حديث ابن عمر أيضاً.

    وفيه مسائل: ‏

    حكم قنوت النوازل

    المسألة الأولى: استدل به جمهور العلماء -خلافاً لـأبي حنيفة - على استحباب أن يقنت الإمام إذا نزلت بالمسلمين نازلة، شقت عليهم وآذتهم في دينهم وأموالهم. هذا القنوت في أي صلاة يكون؟ اختلف العلماء في ذلك، والراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أنه في كل صلاة؛ ( لأنه صلى الله عليه وسلم قنت شهراً بعد الفجر وبعد الظهر وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء )، وهذا ثابت من حديث البراء ومن حديث ابن عباس ، ومن حديث أبي هريرة ، وإن كانت هذه الأحاديث تختلف من حيث الصلاة، أما حديث ابن عباس فإنه يفيد غالب الصلوات، إلا يوم الجمعة فلم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت بعد صلاة الجمعة بعد الركعة الثانية؛ ولهذا فالسنة يوم الجمعة ألا يقنت فيها؛ لأنه حينما قنت شهراً لم يقنت يوم الجمعة.

    مدة قنوت النوازل

    المسألة الثانية: كم عدد المدة التي يقنت فيها؟ أو بالأحرى نقول: هل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم اختلاف في عدد قنوته؟

    الأقرب والله أعلم ( أنه قنت شهراً )، وفي رواية: ( ثلاثين يوماً ) من حديث أبي هريرة ، ومن حديث ابن عمر ، ومن حديث ابن عباس ، ومن حديث عبد الله بن مسعود ، ومن حديث أنس بن مالك : ( أنه قنت شهراً ) وفي رواية: ( أو قنت ثلاثين يوماً )، فهذا هو المحفوظ، وعليه فما جاء في حديث البيهقي وغيره من حديث أنس : ( أنه قنت أربعين، وفي رواية سبعة عشر )، فهي رواية ضعيفة، والمعول على ما جاء في الصحيحين من حديث أنس ومن حديث غيره: ( أنه قنت شهراً )، كما أشار إلى ذلك البيهقي وغيره، يعني: لم يختلف إسناد صحيح نقص أو زاد عن شهر، وما جاء أنه قنت أقل من ذلك أو أكثر فهي أحاديث منكرة.

    إذاً: الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من غير اختلاف بإسناد صحيح أنه قنت شهراً، وعليه فهل نقول: إن السنة ألا يزاد على شهر، ولو بقيت النازلة أم يقنت حتى تزول؟

    المعروف عند الجمهور -وإن كان ذلك ليس صريحاً على المذاهب- أنه يترك القنوت إذا رفعت النازلة زادت عن شهر أو نقصت، وهذا ظاهر قول أبي العباس بن تيمية رحمه الله.

    والقول الثاني في المسألة: وهو قول لبعض أصحاب الحنابلة: أن السنة ألا يزاد عن شهر، وإن زاد فهو جائز حتى ترفع، إذاً الجواز ما بعد الشهر، والاستحباب شهر، واستدل أصحاب هذا القول بأن قالوا: إن ثبوت القنوت ثبت بفعله، وعليه فما ثبت بفعله فإنه يوقف عند فعله، فإنه قنت شهراً بفعله، وما زاد فهو جائز، وهذا القول عندي أظهر والله أعلم؛ لأنه لم يثبت القنوت من قوله، وإنما ثبت بفعله، وقنت صلى الله عليه وسلم شهراً بفعله، فما ثبت بالفعل في الابتداء فليثبت الفعل في الانتهاء من حيث الاستحباب هذا الدليل الأول.

    الدليل الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم ترك القنوت لأجل نزول الآية كما في الحديث: ( ثم بلغنا أنه ترك ذلك حينما نزلت قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128] )، هذا هو المحفوظ، وأما ما جاء في بعض الروايات من حديث أبي هريرة قال: ( ألا تراهم قد رجعوا؟! ) فهذه ليست بمحفوظة؛ لأنه ليس كل المستضعفين رجعوا، فبعضهم ما زال على الكفر، فليس كل رعل أو ذكوان أو عصية عصت الله ورسوله كلهم رجعوا، لكن وجد من بعض القبائل من أسلمت، ووجد من القبائل أيضاً من ما زال على الكفر.

    الثاني: أن المسلمين المستضعفين الذين قتلوا لم يزد صلى الله عليه وسلم عليهم أن قنت لهم شهراً، وما جاء في بعض روايات الحديث أنه ترك ذلك لأنهم رجعوا بمعنى: أن النازلة قد رفعت، فهذا محل تأمل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما قنت لأمرين: قنت للمستضعفين الذين قتلوا، وقنت لبعض قبائل العرب التي عصت؛ وهي رعل وذكوان وعصية ومضر، ومن المعلوم أن هذه القبائل لم تسلم كلها في عهده صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن وقوفه صلى الله عليه وسلم ليس لأجل ارتفاع النازلة مطلقاً.

    الدليل الثالث: إن قلنا: إنه يزاد على شهر فإلى كم يقنت؟! لأن ذلك مدعاة لئن تزيد على أكثر من سنتين أو سنة، ففلسطين لها أكثر من خمسين سنة، ومثل ذلك بعض المصائب التي تحل بإخواننا مثلاً في سوريا لها أكثر من سنتين، ومن المعلوم أن قنوت النازلة عارض، خلافاً للشافعية فإنهم يجعلون القنوت دائماً بعد صلاة الفجر.

    ومسألة القنوت في الفجر محل نظر؛ لأن الشافعية يستدلون بحديث: (لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا) ويجعلونها أن الرسول عليه الصلاة والسلام قنت واستمر، والصحيح أنه لم يستمر؛ ولهذا فالذي يظهر لي والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أنه صلى الله عليه وسلم لما ثبت قنوته بفعله فإننا استحببناه، فإنما نستحب أيضاً قنوته برفعه وتركه وهو شهر، والمسألة فيها مسائل كثيرة، ويحسن لطالب العلم لو يبحث قنوت النازلة والأحكام المترتبة على ذلك، يوجد بحوث لكنها بحاجة إلى تأصيل أكثر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088563530

    عدد مرات الحفظ

    777354512