إسلام ويب

مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [7]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للجمعة أحكام متعددة، منها ما يتعلق بالخطبة، ومنها ما يتعلق بالصلاة، فمن ذلك استحباب تقصير الخطبة ورفع الصوت بها وإطالة الصلاة، وحسن الاستماع إليها، ويستحب كذلك صلاة ركعتين أو أربع بعدها، وأن يفصل بين الفرض والنافلة بكلام أو خروج.

    1.   

    باب رفع الصوت في الخطبة وما يقول فيها

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    وبعد:

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: رفع الصوت بالخطبة وما يقول فيها.

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه؛ السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    وهذا الحديث يفيد مسائل:

    استحباب تأثير الخطيب في المستمعين

    المسألة الأولى: أنه ينبغي للخطيب أن يؤثر في مستمعيه، وألا تكون خطبته كحديثه؛ (ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب -وهو الذي على خلق عظيم وعلى سمت جليل- احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه)، فهذا يفيد أنه ينبغي للخطيب أن يؤثر في الناس بأسلوبه وتأثيراته.

    ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر المسيح الدجال فخفض فيه ورفع )، يقول الراوي: ( حتى ظننا أنه في طائفة النخل )، يعني: نريد أن نلتفت وننظر هل المسيح الدجال هل هو خلفنا أم لا؟ من شدة تأثر النبي صلى الله عليه وسلم في كلامه عن الدجال حتى كأنه ينظره: ( وذكر النار ثم أعرض وأشاح )، يعني: كأن النار بين يديه، فهذا يدل على أنه ينبغي للخطيب أن يؤثر في الناس، حتى كأنهم يرون ما يتحدث عنه رأي عين.

    مدى اشتراط قراءة آية والصلاة على النبي في الخطبة

    المسألة الثانية: استدل بعض العلماء بهذا الحديث على أنه لا يجب قراءة آية، ولا تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة، وذلك لأن الراوي لم يذكر هذا، وإنما ذكر أن النبي كان يستفتح بالحمد لله، والمسألة محتملة.

    فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب قراءة آية، وأن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

    وذهب الحنفية ورواية عند الإمام أحمد، اختارها ابن سعدي و أبو العباس بن تيمية أن الواجب أن يحمد الله وأن يذكر الناس بالله، هذا هو أصل الخطبة، فأصل خطبة الجمعة هو حمد الله، وتذكير الناس بالله، فمتى حصلت هذه الأشياء فإنها تكون خطبة، والله أعلم، وهذا القول قوي والله أعلم؛ ذلك أن اشتراط الصلاة على النبي واشتراط قراءة آية، لا يمكن أن يستدل به على الشرطية من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

    كيف وهو لم يأت عنه صلى الله عليه وسلم لفظ يدل على وجوب أخذ ما فعل، كما قال في النسك: ( خذوا عني مناسككم )، وقال في الصلاة: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )؟! فهذا لا يمكن أن يستدل به على الشرطية، ولهذا قول أبي حنيفة قوي، والله أعلم.

    حكم خطبة الحاجة في خطبة الجمعة والمداومة عليها

    المسألة الثالثة: هل قول: إن الحمد ... فإن خير الهدي كتاب الله يقولها في كل خطبة، أم أحياناً؟ الذي يظهر والله أعلم أن ذلك غالب فعله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن كل فعله.

    ومثل ذلك: حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، فإن من العلماء من قال: فإنه ينبغي أن يقول في دعاء الحاجة أو خطبة الحاجة: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه.

    فهل يداوم على ذلك أم لا؟ يعني: هل السنة المداومة على (إن الحمد لله) أم لا؟

    أقول: أما أن يخطب أحياناً بـ ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا )، الحديث، فهذا حسن عند عامة أهل العلم، بل هو سنة أحياناً، لكن هل يداوم عليه أم لا؟ الذي يظهر لي والله أعلم أنه لو داوم عليها فإنه حسن، والله أعلم.

    أما ما يفعله بعض الخطباء، وهو قلة ما يبدأ بخطبة الحاجة فهذا خلاف السنة، أكثر الخطباء الآن تجدهم يأتون بمقدمة فيها سجع تناسب الخطبة، وهذا لا بأس به أحياناً، لكن ينبغي أن يكثر من خطبة الحاجة، والله أعلم.

    1.   

    باب الإيجاز في الخطبة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الإيجاز في الخطبة.

    عن أبي وائل قال: خطبنا عمار رضي الله عنه فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان ! لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة، وإن من البيان سحراً ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وقد رواه البخاري و مسلم من حديث ابن عمر بلفظ: ( وإن من البيان لسحراً )، وأما الحديث عن فقه خطبة الجمعة فقد رواه مسلم .

    وفي الحديث مسائل:

    من هذه المسائل: استحباب أن يقصر الإنسان الخطبة وأن يطيل الصلاة، ومعنى إطالة الصلاة؛ من المعلوم أن قراءة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]، هي السنة، لكن يطيل الركوع والسجود، ولا يلزم أن تكون الخطبة أقصر من الصلاة، ليس هذا المراد، ولكن المراد أن تقصر الخطبة كما تقصر خطب العادة، وأن يطال في الصلاة كما يطال في العادة، لا أن تكون الصلاة أطول من الخطبة، فإن قوله: ( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه )، يعني: أن يطيل الصلاة مما يعرف إطالتها في العادة، وأن يقصر في الخطبة مما يقصر فيه في العادة، هكذا.

    وقد كان صلى الله عليه وسلم أحياناً يطيل الخطبة؛ لدعاء الحاجة واقتضاء الأمر، فقد روى البخاري و مسلم من حديث عمرو بن أخطب ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم بعد الفجر حتى الظهر، ثم نزل فصلى بهم الظهر، ثم قام فخطب حتى أذن العصر -يقول الراوي- فكان أحفظنا أعلمنا )، وهذه المدة الطويلة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم أطال الخطبة، وهذا يدل على أنه متى ما وجدت الدواعي إلى الإطالة، والناس لا يسأمون ذلك في الغالب فلا حرج من الإطالة، وينبغي ألا يكون ذلك على سبيل الدوام.

    وأما الاستدلال في هذا الزمان على قصر الخطبة مطلقاً، حتى تكون عشر دقائق أو خمس دقائق، أنا أقول: في هذا نظر؛ وذلك لأن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه كانت تذكيراً، وقد كان الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم وحوله في كل صلاة، أما اليوم فإن الناس لا يكادون يسمعون الخير، ولا الخطب إلا يوم الجمعة، فكون الإمام يتقي الله في خطبته ويختار المواضيع التي تهم الناس، ويذكرهم بالله سبحانه وتعالى فهذا مطلب، ولا مانع من الإطالة، لكن لا تكون كثيرة، بحيث تكون الصلاة والخطبة نصف ساعة، وأنا أرى أن هذا جيد، وليس ثمة إطالة فإذا كانت الخطبتان ثلث ساعة فليس ثمة إطالة، والله أعلم.

    1.   

    باب ما لا يجوز حذفه من الخطبة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ما لا يجوز حذفه من الخطبة.

    عن عدي بن حاتم رضي الله عنه ( أن رجلاً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس الخطيب أنت! قل: ومن يعص الله ورسوله )، قال ابن نمير : ( فقد غوي ) ].

    هذا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه.

    في هذا الحديث أن الخطيب جمع لفظ الجلالة مع مقام النبوة بضمير، فقال: ( ومن يعصهما فقد غوي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس الخطيب أنت! قل: ومن يعص الله ورسوله )، وقد اختلف العلماء، في سبب الكراهة، فقيل: إنه جمع بين مقام الربوبية والألوهية مع مقام النبوة، ولا شك أن مقام الألوهية والربوبية أعظم، فينبغي أن يفصل بينهما، فلا يجعل مقام النبوة بمقام الألوهية.

    ويشكل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه مثل ذلك، فقد قال طلحة بن عبيد الله في حديث: ( إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الإنسية )، فكيف ذاك؟ الذي يظهر والله أعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك من باب التواضع، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، ثم إن الخطيب لحظ منه أنه يكثر من جمع الضمائر، فإذا كان غالب حال الإنسان كهذا قيل له: بئس الخطيب أنت! وأما إذا كان يجمع أحياناً فلا حرج، وعلى هذا فيكون هذا من باب أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع منه هذا الأمر مراراً، (فقال له: بئس الخطيب أنت!) فينبغي أن يفرق، وعندي أن ذلك إنما قاله: -( بئس الخطيب أنت! )- لأنه قال : ( من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوي، فقال: بئس الخطيب أنت! )، وذلك لأن العصيان ليس سواء، ( ومن يعص الله ورسوله فقد غوي )، فليس عصيان الله كعصيان رسوله، فلهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( فقد غوي )، ولو كان غير العصيان لكان أخف، فكأن ذلك هو الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي يقول: ( بئس الخطيب أنت! قل: ومن يعص الله ورسوله )، والله أعلم.

    1.   

    باب قراءة القرآن على المنبر في الخطبة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: قراءة القرآن على المنبر في الخطبة.

    عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها قالت: ( لقد كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً سنتين أو سنة وبعض سنة، ما أخذت ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    هذا الحديث يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قراءة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1]، قالت: ( ما أخذت ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرؤها كل جمعة على المنبر )، وقد أشكل على بعض طلبة العلم كيف كانت قراءته بسورة (ق)، هل كان يقرأها فقط، ثم ينزل فيخطب الخطبة الثانية؟ أم كان يخطب ويذكر الناس بينهما؟

    الذي يظهر أن كل ذلك جائز، فيبعد أن يكون صلى الله عليه وسلم كل خطبة يذكر (ق) ويقرؤها قراءة تامة، مما يدل على أنه كان يقرأ ويذكر ويفسر أحياناً، وأحياناً يقرأ كل السورة، فهذا جاء وهذا جاء، والله أعلم.

    1.   

    باب الإشارة بالإصبع في الخطبة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الإشارة بالإصبع في الخطبة.

    عن حصين عن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه قال: رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال: قبح الله هاتين اليدين ( لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبحة ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    رفع اليدين أثناء الخطبة

    المسألة الأولى: أن عمارة بن رؤيبة الصحابي المعروف رأى بشر بن مروان -من أمراء بني أمية- رافعاً يديه حال الدعاء فقال: ( قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بيده المسبحة )، المسبحة: هي السبابة، ويفيد عدم استحباب رفع اليدين حال الخطبة إلا حال الاستسقاء؛ لما جاء في صحيح البخاري من حديث أنس قال، وفيه: ( ولا والله ما في السماء من سحابة ولا قزع، فرفع يديه فقال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا )، والمأموم مثل الإمام، فإذا كان يستحب للإمام أن يرفع حال الخطبة استحب للمأموم كذلك، وما لا يستحب للإمام أن يرفع في الخطبة فلا يستحب للمأموم كذلك، وعلى هذا فإذا شرع الإمام في الدعاء فإنه لا يرفع.

    الدعاء في الخطبة

    المسألة الثانية: قل أن يستدل بها من هذا الحديث، وهو أنه صلى الله عليه وسلم أحياناً كان يدعو في الخطبة، فلما قال بشر : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد بأن يقول هكذا )، فهذا يفيد أنه كان أحياناً يدعو ولا يرفع؛ لأنه حينما رفع بشر بن مروان اليدين، أنكر عليه الرفع ولم ينكر عليه الدعاء، مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو أحياناً.

    وكتب الفقه حينما تتحدث عن الدعاء لا تذكر هذا الحديث، بل إن بعض الفقهاء المالكية أشار إلى أن الدعاء في الخطبة بدعة، كما روي عن الشاطبي وغيره، والصحيح أنه لا بأس به، فما دام أنه من مقام الإجابة فإن الدعاء فيه حسن، والله أعلم.

    رفع السبابة عند الدعاء أثناء الصلاة وخارجها

    المسألة الثالثة: هل ترفع السبابة أثناء الدعاء في الصلاة؟

    فإن بعض الناس إذا دعا وهو يصلي رفع السبابة، وهذا خطأ، السبابة في الصلاة لا ترفع إلا في موطنها، وهو التشهد الأول والثاني.

    وأما رفع السبابة أثناء الدعاء خارج الصلاة لا حرج في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أحد أحد، فو الذي نفسي بيده إنها لأشد على الشيطان من جبل أحد )، والحديث إسناده لا بأس به، لكن في الصلاة لا يرفع السبابة إلا في موطنها.

    1.   

    باب التعليم للعلم في الخطبة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: التعليم للعلم في الخطبة.

    عن أبي رفاعة رضي الله عنه قال: ( انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، قال: فقلت: يا رسول الله! رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، قال: فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي، فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديداً، قال: فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    في هذا الحديث فوائد منها:

    على الرغم أنه لا يجوز أن يلغو الإنسان في الخطبة فإنه لا حرج أن يتحدث الإمام مع أحد المأمومين أو يتحدث أحد المأمومين مع الإمام، فـأبو رفاعة قال: ( يا رسول الله! رجل غريب جاء يسأل عن دينه، ما يدري ما دينه )، فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ بل نزل: ( وأتي بكرسي حسبت أن قوائمه حديدا )، وهذا يفيد أنه صلى الله عليه وسلم حدث من حدث بأن يأتي بكرسي، أو أن بعضهم قام وأتى بكرسي، وهذا يفيد فائدة، وهو أن الحركة لمصلحة شرعية لا بأس بها، ولا يكون لغواً.

    وأما حديث: ( ومن مس الحصى فقد لغا )، فهذا لا فائدة فيها، ومثل ذلك ما رواه البخاري : أن أبي بن كعب رأى رجلاً يتحدث، فأشار إليه أن اصمت، فلما انتهت الخطبة ذكره بأن الحديث لغو، وهذا يفيد أنه لا حرج على المأموم أن يشير إشارة بيده تفيد السكوت أو غير ذلك، وهذا كله لمصلحة.

    ومثل ذلك حينما تحرك أحد الصحابة فأتى بكرسي، فهذه حركة للمصلحة التي تقتضي تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الغريب، والله أعلم.

    وأذكر أني أول ما صليت مع شيخنا محمد بن عثيمين صلاة الجمعة، فخطب، وكان في وقت حر وهو على المنبر، فنادى: يا فلان! فرفع يده، فقال: افتح المراوح، وأكمل خطبته، وكان أول مرة أسمع هذا فتعجبت، وكان الشيخ يحب أن يبين الأحكام الشرعية بفعله كثيراً، والله أعلم.

    1.   

    باب في الجلسة بين الخطبتين في الجمعة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في الجلسة بين الخطبتين في الجمعة.

    عن جابر بن سمرة رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائماً، فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة ) ].

    هذا الحديث جاء من حديث جابر عند مسلم، وروى البخاري و مسلم من حديث ابن عمر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين يقعد بينهما )، وأما حديث جابر هذا فرواه مسلم ( كان يخطب قائماً ثم يجلس، يقوم فيخطب قائماً ).

    وقد استدل بهذا الحديث جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على أن الخطبتين في الجمعة شرط، فمن لم يخطب خطبتين فإنه يجب عليه أن يخطب مرة أخرى، ومن لم يخطب فإنه يجب عليه أن يصلي أربعاً.

    وذهب أبو حنيفة إلى أنه لو خطب خطبة أجزأ؛ لأنه غاية ما فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، ومداومته صلى الله عليه وسلم لا تدل على الشرطية؛ لأن غاية ذلك أنه فعل، والفعل لا يؤخذ منه شرطية، كيف ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على وجوب الأخذ من فعله؟ وأقول: هذا القول حسن إذا لم يتقصد ذلك الإمام، وأما إذا تقصد الإمام أن يصلي خطبة من غير نسيان فأرى أنه ينبغي أن يعيد، والله أعلم.

    فإن قال قائل: ما دليل ذلك؟ قلنا: إن مداومته صلى الله عليه وسلم على الخطبتين هي دليل ذلك، بخلاف عدم ثبوت ما يدل على مداومته للصلاة عليه وقراءة القرآن، أما الخطبتان فإنهما ثابتتان عنه صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذكر، فكان لفظ قوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، فذكر الله يجب السعي إليه، وقد بينه صلى الله عليه وسلم بخطبتين.

    أقول: إن الوجوب يؤخذ من أنه صلى الله عليه وسلم داوم على ذلك مداومة، ولم يحفظ أنه خطب أقل من خطبتين، وهذا هو الذكر الذي يجب سماعه، وهو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، فذكر الله هما الخطبتان، فيجب سماعهما، ويجب الإتيان بهما، وأما حال النسيان فإنه يغتفر في ذلك، بخلاف ما لو قلنا بأن ذلك شرط، فالشرط لا يسقط بجهل ولا نسيان، هذا لعله أظهر، والله أعلم.

    فلا يصح من متعمد، ويصح من جاهل أو ناس، وقولنا: يصح إذا طال الفصل وخرج الناس، أما إذا كان قريباً فينبغي أن يعيدوا حتى ولو كان بعد الانتهاء من الصلاة، يقوم ويكمل ويعيد صلاته؛ لأنه يمكن إدراك تلك العبادة التي سقطت.

    وقد ذكرنا في شرحنا للروض الفرق بين بعض الأشياء التي تجب في الخطبة، وبعض الأشياء التي لا تجب استدلالاً بقوله: بما ثبت عن مداومته، وأنه عموم داخل في تفسير عموم ذكر الله. وهل تعاد الصلاة؟ نقول: نعم، فلو أنه خطب خطبة واحدة ثم صلوا، فذكرهم شخص وقال: لا؛ بل يجب أن تخطب خطبتين، فعليه أن يخطب ثانية ثم يعيدوا الصلاة بخلاف العيدين، فإنما قلنا إنها يجب الإلقاء، ويستحب الاستماع، وهي خطبة واحدة.

    والحاصل؛ نحن ذكرنا صلاة العيد، وقلنا: جمهور أهل العلم يرون أنهما خطبتان، ويستدلون بحديث جابر : ( ثم أتى النساء فخطبهن )، فهذا هو الأفضل، أن تخطب خطبتين؛ ولهذا قال ابن عباس : ( فخطب كما يخطب الجمعة ).

    وذهب بعض العلماء إلى أن السنة في خطبة العيد خطبة واحدة.

    أقول: أما السنية فإني لم أجد أحداً من العلماء قال بالسنية، وإنما قالوا بالإجزاء، وشيخنا محمد يقول: خطبة واحدة كافية، والذي يظهر أنه إذا كانت خطبة واحدة كافية، فهي السنة، ولم أجد أحداً من المتقدمين من يقول بالسنية، أما المتأخرون فشأنهم آخر، لكن الخلاف في الإجزاء من عدمه، والإجزاء شيء والسنية شيء آخر، والله أعلم؛ ولهذا فالأفضل الخطبتان.

    1.   

    باب تخفيف الصلاة والخطبة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: تخفيف الصلاة والخطبة.

    عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ( كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً ) ].

    وهذا رواه مسلم في الصحيح.

    هذا الحديث يفيد ما ذكرناه في حديث أبي اليقظان : أنه ليس معنى قصر الخطبة أن تكون أقصر من الصلاة، ولا أن إطالة الصلاة أن تكون أطول من الخطبة، ولكن المعنى أن تكون الخطبة قصيرة أقصر من الخطب، وأن تكون الصلاة طويلة أطول من الصلاة، هذا المراد والله أعلم.

    1.   

    باب إذا دخل والإمام يخطب يوم الجمعة يركع

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: إذا دخل والإمام يخطب يوم الجمعة يركع.

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر، فقعد سليك قبل أن يصلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أركعت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فاركعهما ) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    قد استدل بهذا الحديث بعض أهل الظاهر على أن الركعتين اللتين للمسجد واجبة.

    وذهب الأئمة الأربعة في المشهور عنهم إلى عدم الوجوب، وهو الراجح، وأما الاستدلال بأن الركعتين لو كانت سنة لتركت لأجل استماع الخطبة الذي هو واجب فالجواب: أن الاستماع غير السماع، فالواجب هو السماع، فالله يقول: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، فالواجب هو السماع, فلا نقول: يحرم على المرء ألا يستمع؛ لأن السماع لا يلزم منه التأني والتروي والتأمل، لكن السماع هو السكوت، وعدم الحديث، فهذا هو الواجب، وعليه فإذا صلى ركعتين لم يخالف الوجوب.

    الثاني: أن القاعدة الشرعية: أن ما كان من ذوات الأسباب فإنه يفعل ولو كان في وقت أعظم منه، فإن وقت النهي أعظم من الاستحباب، إذا تعارض محرم ومستحب فالمقدم المحرم، ومع ذلك فإن الإنسان إذا جاءت ذوات الأسباب فإنها تفعل ولو كان وقت نهي؛ لأنها لم تفعل لوقت النهي، ولكنها فعلت لسبب معين، فكذلك الركعتان، فهي صليت بسبب المسجد، وليس معنى ذلك أنك تركت سماع الخطبة، والأحسن في الرد هو الرد الأول؛ أن ثمة فرقاً بين السماع والاستماع، والله أعلم.

    1.   

    باب في الإنصات للخطبة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في الإنصات للخطبة.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ) ].

    الحديث متفق عليه، وزاد الإمام أحمد ( ومن لغا فلا جمعة له ).

    هذا الحديث يفيد أن اللفظ والكلام هو اللغو، وأما الإشارة فلا تدخل، والله أعلم.

    وبعضهم يقول: الإشارة ليست كلاماً إلا في حق الأخرس، والذي يظهر والله أعلم أنها ليست كلاماً حتى في الأخرس.

    1.   

    باب فضل من استمع وأنصت يوم الجمعة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: فضل من استمع وأنصت يوم الجمعة.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل، ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام ) ].

    هذا اللفظ رواه مسلم، وقد رواه البخاري ومن حديث سلمان بلفظ: ( لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهن أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ثم ينصت حتى يفرغ الإمام، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى )، وأما زيادة ( وفضل ثلاثة أيام )، فقد رواها مسلم فقط من حديث أبي هريرة ، والله أعلم.

    وقوله: ( ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته )، فهذا يدل على أن الإنصات عبادة يؤجر عليها صاحبها.

    1.   

    باب في قوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً)

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة:11].

    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة:11] ) ].

    هذا الحديث متفق عليه.

    قد استدل بهذا الحديث بعض العلماء على أن التجميع للجمعة يجزئ فيه اثنا عشر رجلاً، وهذا محل نظر، وذلك لأنه لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً، دليل على أنه وقعت اتفاقاً، وليس فيه دلالة.

    وقد ذهب الحنابلة ومن وافقهم إلى أن أقل العدد في الجمعة أربعون، وذهب أبو العباس بن تيمية إلى أنه ثلاثة: خطيب ومستمعان، وهذا القول أظهر، والله أعلم.

    ثم إن من المسائل الغريبة أن جمهور الفقهاء قالوا: إن الخطبتين واجبة أو شرط، وقالوا: إن الحمد والصلاة وقراءة آية في الخطبة واجبة أو شرط فيها، على الخلاف عندهم، مع أن كل ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، لكنهم حينما تكلموا على القيام إلى الخطبة قالوا : إن ذلك مستحب، ولا أدري لماذا، إلا أن يقال: إن القيام من باب رؤية الناس له أظهر، وإلا فلو جلس فقد أدى كل ما عليه، وأرى أن عدم القول بالوجوب في القيام يقوي أن الفعل لا يدل على الوجوب، خلافاً لجمهور الفقهاء، وقد رأيت بعض الفضلاء يخطب على كرسي، والسنة الخطبة قائماً، والله أعلم.

    1.   

    باب ما يقرأ في صلاة الجمعة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ما يقرأ في صلاة الجمعة.

    عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]، قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين ) ].

    وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    هذا الحديث يفيد استحباب قراءة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1]، في العيد والجمعة، وقد جاء ما يدل على استحباب قراءة الجمعة والمنافقين، واستحباب قراءة الجمعة و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1].

    1.   

    باب الصلاة بعد الجمعة في المسجد

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الصلاة بعد الجمعة في المسجد.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً )، وفي روايته: قال سهيل : ( فإن عجل بك شيء فصل ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    قد استدل بهذا الحديث العلماء على أن السنة في الجمعة بعدية، وليست قبلية، ثم إن البعدية هل السنة أربع أم السنة اثنتان؛ لحديث ابن عمر : (وأما الجمعة فصليت معه في بيته بعدها ركعتين).

    أبو العباس بن تيمية له جمع كما تعرفونه، يقول: إذا صلى في المسجد صلى أربعاً، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين، وبعضهم قال: يصلي أربعاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب أصحابه وفعل، فدل فعله على الخصوصية؛ لأنه داوم على الفعل، كما هي طريقة الشوكاني في إرشاد الفحول، والذي يظهر هو القول الثالث أن السنة تفعل أحياناً أربع، وأحياناً ركعتان، والله أعلم؛ لكن لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى في المسجد؛ ولهذا قال ابن عمر : ( أما الجمعة فصليت معه ركعتين )، يقول: ( حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة )، وهذا الذي يجعل الإشكال قائماً، وإلا فإن القول بهذا قوي، بعضهم قال: يصلي ستاً أربعاً في المسجد وركعتين في البيت، لكن لم يحفظ أنه فعل ذلك.

    1.   

    باب الصلاة بعد الجمعة في البيت

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الصلاة بعد الجمعة في البيت.

    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك ) ].

    بل جاء في لفظ البخاري : ( كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين )، فهذا يفيد على أنه إن صلى أربعاً في بيته أو صلى ركعتين كل ذلك جائز.

    وأما التفريق بين من صلى في المسجد ومن صلى في البيت فهو رأي ابن تيمية وهو محل تأمل؛ لأنه ليس هناك ما يدل على هذا، الرسول خاطب الصحابة: صلوا بعد الجمعة أربعا، بعضهم يحب أن يصلي في بيته أربعاً، هل يقال: لا؟ أنا أقول: كلاهما سنة، ثم إن ابن عمر حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم أول وقت الجمعة، فجاز أن الرسول صلى أربعاً بعد ذلك.

    1.   

    باب لا يصلي بعد الجمعة حتى يتكلم أو يخرج

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: لا يصلي بعد الجمعة حتى يتكلم أو يخرج.

    عن عمر بن عطاء أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية رضي الله عنه في الصلاة، فقال: ( نعم صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك؛ ألا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    وفيه مسائل:

    المسألة الأولى: أن الحديث يفيد (ألا نصل صلاة بصلاة)، يعني: فرضاً بنفل، وأما نفل بعد نفل فلا بأس؛ لقول عائشة كما في الصحيحين: ( يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهم وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهم وطولهن )، فهذا يفيد على أن المقصود في الحديث هو ما بين الفرض والنفل.

    المسألة الثانية: أنه لا بأس بالصلاة في المسجد ولو لم تتصل الصفوف، ويكون مقتدياً بالإمام، وقد ذكر العلماء ذلك إجماعاً، فمن صلى في المسجد خلف الإمام ولو لم تتصل الصفوف فإن الصلاة صحيحة على خلاف المنفرد، يعني: إذا صلى اثنان فأكثر ولو كان بينهم وبين الصف مفاوز تجزئ، وذلك لأن معاوية كان يصلي في المقصورة، والمقصورة حجرة بنيت لـمعاوية بعدما أراد رجل من الخوارج أن يضربه فوضعت المقصورة حماية له، ولو لم تتصل الصفوف، وقد نقل القاضي إجماع العلماء على ذلك، والله أعلم.

    1.   

    باب التغليظ في ترك الجمعة

    قال المؤلف رحمه الله: [ باب: التغليظ في ترك الجمعة.

    عن الحكم بن ميناء أن عبد الله بن عمر و أبا هريرة رضي الله عنه حدثاه أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله عز وجل على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ) ].

    هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

    هذا الحديث يفيد التغليظ على من ترك الجمعة من غير عذر، وهل يدخل فيه من يخرج إلى البراري ويجلس الأيام الطوال ولا يحضر الجمعة، كما يفعل أصحاب الصيد: يجلسون شهراً، أو شهراً ونصف شهر في البر ولا يصلون الجمعة، أو الذين يضربون الخيام في وقت الشتاء فيبتعدون عن البلد، فيكون بينهم وبين البلد أكثر من مسافة فرسخ، ولا يسمعون الخطبة ولا الأذان، فهل يدخلون في هذا الوعيد؟ أقول: إذا كان من غير حاجة فهم على خطر عظيم، فينبغي ألا يترك الإنسان ثلاث جمع كما جاء ذلك في حديث ابن مسعود : ( من ترك ثلاث جمع طبع على قلبه )، وهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يترك الجمعة من غير عذر، والله أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم صلاة الجمعة على المسافر كل أسبوع للنزهة

    السؤال: هل المسافر الذي يترك صلاة الجمعة يدخل في التغليظ في ترك الجمعة؟

    الجواب: أنا ما أقول إنه يدخل، المسافر طلب السفر مرة، أما أنه كل أربعاء وخميس وجمعة يذهب للبر، ويضرب خياماً ولا يصلي الجمعة هذا محل نظر، والله أعلم.

    وهذا يفعله بعض الإخوة في وقت الشتاء ما يصلي الجمعة ثلاثة شهور.

    حكم صلاة الجمعة في البر لغير مستوطنيها

    السؤال: وهل يشرع لمن يخرجون إلى البر أن يصلوا في البر؟

    الجواب: لا، ما يشرع هذا إلا على قول ابن حزم ، وهذا يفعله بعض الإخوة أصحاب المراكز الصيفية، يذهبون من الرياض إلى أبها فيجعلون أحداً يخطب بهم فهؤلاء لا تصح صلاتهم باتفاق الفقهاء الأربعة؛ لأنهم لم يستوطنوها، إلا أن يوجد أربعون على مذهب الحنابلة أو ثلاثة على رأي ابن تيمية من أهل أبها يصلون معهم فحينئذٍ تكون صحيحة، أما هؤلاء فإنهم يعيدون الصلاة ولو بعد ثلاثين سنة، إذا ذكروا بهذا عليهم أن يعيدوا الصلاة.

    حكم صلاة الجمعة على المسافر

    السؤال: هل تجب صلاة الجمعة على المسافر؟

    الجواب: يجب على كل من سمع الأذان أن يحضر الجمعة سواء كان مسافراً أم غير مسافر.

    فمثلاً الذين يذهبون إلى بعض القرى التي لا تتعدى ثمانين كيلو يجب أن يصلوا إن سمعوا الأذان.

    حكم صلاة المأموم إن كان لا يرى الإمام ولا الجماعة

    السؤال: ما حكم صلاة المأموم إذا كان لا يرى الإمام ولا الجماعة؟

    الجواب: اختلف العلماء في ذلك، فذهب الحنابلة إلى عدم الصحة؛ لأنهم يرون من شرط الائتمام رؤية الإمام أو رؤية من خلفه أو اتصال الصفوف، وهذا لا يرى الإمام ولا يرى من خلفه، ولم تتصل الصفوف.

    وذهب الشافعية إلى أنه إذا كان قريباً من المسجد ولم يكن بينه وبينه طريق فإنه تصح الصلاة متى ما أمكن الائتمام ولو بالصوت.

    و ابن تيمية يقول: إن ذلك يصح للحاجة، مثل صلاة التراويح فإنها تضرب خيمة للنساء، فهذا ليس بمسجد، وليس هناك طرقات، ولا يرين الإمام، ولا يرين من خلفه، فيرى ابن تيمية أنه إذا كان هناك حاجة فلا حرج، وأنا أرى أن قول ابن تيمية جيد، أما من غير حاجة فلا، مثل أن تكون المرأة في بيت الإمام أو المؤذن، فلا تتابع الإمام، والخلاف في المسألة قوي.

    نكتفي بهذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767952177