الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
وبعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: ترك الأذان والإقامة في العيدين.
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة ) ].
هذا الحديث بهذا اللفظ رواه مسلم ، وقد جاء من حديث جابر بن عبد الله و ابن عباس متفق عليه بلفظ: ( لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى ) أما حديث جابر بن سمرة فقد رواه مسلم.
يستدل بهذا الحديث أنه لا يشرع الأذان لأداء صلاة العيد، لكن هل يشرع أن يقول المؤذن: الصلاة جامعة؟ استحب ذلك بعض الفقهاء، كما ذكره بعض فقهاء الحنابلة قالوا: لأنها اجتماع مشروع لسبب فصارت كصلاة الاستسقاء فجاز أن يقال: الصلاة جامعة.
والقول الثاني في المسألة: عدم المشروعية؛ لأنه قد أتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة أعياد ولم يقل صلى الله عليه وسلم ذلك، والقاعدة: أنه إذا وجد المقتضي ولم يفعله صلى الله عليه وسلم دل على أن عدم فعله هو المشروع، وغير المشروعية لا يلزم منها البدعية، فبعض العلماء يقول: إذا وجد المقتضي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعل دل على أن فعله بدعة، وهذا ليس بجيد، فإطلاق البدعة محل نظر، ولكن الأولى أن يقال: غير مشروع، ثم ينظر بعد ذلك، فقد يكون بدعة وقد لا يكون.
أبو العباس بن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم عندما ذكر هذه المسألة إنما أشار إلى العبادات المحضة كالأذان والصلاة، أما الوسائل التي يحصل بها المقصود في العبادة، مثل: الخط في تسوية الصفوف فهذا ليس منها والله أعلم، خلافاً لبعض المشايخ الذين أدخلوا الوسائل في هذه القاعدة.
وعلى هذا فالذي يظهر أن قول المؤذن: الصلاة جامعة في صلاة العيدين غير مشروع.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( شهدت صلاة الفطر مع النبي صلى الله عليه وسلم و
هذا الحديث متفق عليه.
وفيه مسائل:
أقول: ومع أن من العلماء من قال: إن خطبة العيدين خطبة واحدة، لكني لم أر من قال: إن المشروع خطبة وليس خطبتين، وإنما الخلاف بتجويز خطبة عن خطبتين، والخلاف واضح.
القول الثاني: إن خطبة العيد واحدة، أقول: ما وجدت عند المتقدمين أنهم يقولون: إن المشروع خطبة واحدة، وإنما الخلاف في إجزاء الخطبة الواحدة وعدم إجزائها.
وبعض مشايخنا المعاصرين يقول: إن المشروع خطبة واحدة، فينبغي أن ينظر في المسألة أكثر وأكثر، هل هناك من المتقدمين من قال: إن المشروع خطبة واحدة ويجوز الخطبة الثانية، أم المشروع خطبتان ويجوز خطبة واحدة؟ والخلاف معروف، والله أعلم.
وذكر قول مخالف لبعض الشافعية، لكن الراجح أن الحجاب فرض في السنة التاسعة، نعم ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أنه فرض في السنة السادسة كما فرض الحج في السنة السادسة عند الشافعية، والصحيح: أن الحج لم يفرض إلا في السنة التاسعة، وأن الحجاب لم يفرض إلا في السنة التاسعة هذا الذي يظهر والله أعلم.
واستدل بعض العلماء بهذا الحديث أيضاً على أن لبس الذهب المحلق لا بأس به، ووجه الدلالة: ( فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب
الوجه الأول: أن الأحاديث منكرة وإن صححها المتأخرون كـالمنذري و الألباني .
الثاني: أنها منسوخة، والله أعلم.
وبعضهم يقول: إنه محل إجماع، لكن ليس في المسألة إجماع نقل عن بعض السلف كما أشار إلى ذلك ابن أبي شيبة ، لكن الأقرب أنها رواية منكرة، صححها المنذري وأشار إلى تصحيحها في الترغيب والترهيب، وصححها الألباني رحمه الله، والصحيح أن الأحاديث كلها منكرة، وعندي قاعدة: أن يكون عامة أهل العلم على قول وفيه حديث ظاهر المعارضة، هذا بعيد جداً، وهذا أصل عند مالك رحمه الله فإنه يرى أن الحديث الآحاد وإن كان ظاهره الصحة إذا خالف عمل أهل المدينة لا يعول عليه، وهذا الكلام معروف عند العلماء.
ولكن الراجح: أنه إذا أجمع العلماء أو هو شبه إجماع منهم على مسألة وجاء حديث يخالفه فإن الغالب أن هذا الحديث منكر ولم يتركه الأئمة عبثاً، ولو نقل عن بعضهم أنه يقول به، مثل حديث أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه
عن عبيد الله بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي : ما كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ فقال: ( كان يقرأ فيهما بــ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] و اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] ).
هذا الحديث رواه مسلم.
وفي هذا الحديث مسائل منها: أنه ليس عيباً أن يسأل الكبير من هو دونه، وليس في ذلك منقصة فـعمر رضي الله عنه وهو المحدث الملهم سأل أبا واقد ، وكان الصحابة بالذات كثر.
ومن المسائل أيضاً: أن الفقيه ليس هو الحافظ، فالحفظ شيء آخر، وإن كان من توابع الفقه أن يكون حافظاً، لكنه لا يلزم، فـعمر رضي الله عنه نسي ماذا كان صلى الله عليه وسلم يقرأ أو أراد أن يتثبت مع أنه هو الفقيه حقاً.
عن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم الأضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه
هذا الحديث متفق عليه، لكن ليس زيادة ( أو فطر ) رواها مسلم ، ( خرج يوم أضحى فصلى ركعتين )، هكذا الحديث أما زيادة ( فطر ) فقد تفرد بها مسلم.
والمؤلف في تبويبه (ترك الصلاة قبل العيد وبعده في المصلى) إشارة إلى تقويته لحديث أبي سعيد ( أنه كان إذا رجع صلى في بيته ركعتين )، فدل ذلك على أن المقصود هو أن الإمام لا يصلي قبل العيد ولا بعده في المصلى، أما المأموم فإن كان يذهب إلى مصلى وليس بمسجد فإن المشروع في حقه ألا يصلي، خاصة أنه ربما أتى في وقت نهي، وعلى هذا فلا يشرع له أن يصلي، وبعد الصلاة والخطبة أيضاً لم يكن السلف يصلون في المصليات، وعلى هذا فالسنة ألا يصلي المسلم في المصلى لا قبل الصلاة ولا الخطبة ولا بعدها.
وأما إذا كان في المسجد فينبني على الخلاف في مسألة الصلاة لدخول المسجد في أوقات النهي، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يصلي؛ لأن ذلك من باب تعظيم النواهي على المستحبات.
والقول الثاني في المسألة -وهو مذهب الشافعي ورواية عن أحمد واختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله- أنه لا بأس بركعتي دخول المسجد ولو في أوقات النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب، والنهي ليس محفوظاً من العام المخصوص، والأمر بالصلاة من العام المحفوظ، وإذا تعارض عام مخصوص وعام محفوظ فالمقدم هو العام المحفوظ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بركعتين حتى ولو كان يخطب على المنبر، فدل ذلك على جواز صلاة الركعتين، وهذا أصح، والله أعلم.
وأما بعد ذلك فإن المشروع أن ينشغل الناس بالتهنئة والسلام، والله أعلم.
عن أم عطية رضي الله عنها قالت: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها ) ].
هذا الحديث متفق عليه.
وفيه زيادة في رواية: ( فأما الحيض فيعتزلن المصلى، فيكن خلف الناس يكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم؛ يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته ).
أولاً: أنه كان يخرج بالعواتق وذوات الخدور، ولا يخرجن إلا لوجوبه عليهن مع أنهن لم يكن يخرجن في العادة.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنه ( من استقبل قبلتنا وصلى صلاتنا ) وهذا يدل على وجوب الصلاة.
أما جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة فإنهم يرون الاستحباب أوفر بالكفاية على الخلاف بينهم، ولعل هذا القول -أنه فرض كفاية- أظهر والله أعلم، هذا الذي يظهر لعمومات الأحاديث: ( هل عليّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع ) وأما تأويل ذلك بالذي يظهر وجوبه كل يوم وليلة فهذا تأويل بعيد.
وهنا قاعدة: كل أمر بالصلاة خالف الصلوات الخمس فلا يكون فرض عين، فإما أن يكون فرضاً على الكفاية، وإما أن يكون سنة مؤكدة، والله أعلم.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بالحديث المصلى ولهذا قال: ( فيكن خلف الناس ) فدل ذلك على أن المرأة لم تخرج عن المصلى، وإنما خرجت عن المكان الذي يصلون فيه لأجل اتصال الصفوف من عدمها، ولكنهن بقين في المصلى؛ ولهذا قال: ( يشهدن الخير ودعوة المسلمين )، فدل ذلك على أن المصلى له أحكام ليست مثل المسجد، وإن كان الراجح والله أعلم أن الحائض لا يجوز لها دخول المسجد إلا لحاجة، ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة ومن حديث أبي هريرة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ( ناوليني الخمرة من المسجد قالت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك ) ووجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر عائشة على أنه لم يكن من عادة الحيض أن يدخلن المسجد، ولكنه أشار إلى أن المناولة لا تقتضي الحرمة.
وقولنا: إلا لحاجة؛ لأجل ما جاء في صحيح البخاري من حديث عائشة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب قبة لامرأة أسلمت بسبب الحديا )، والقصة معروفة، وهي ( أن أمة سوداء كانت عند قوم، وكان هناك غطاء أحمر فجاءت الحديا تطير فظنت أنها لحمة، فجاءت مسرعة فأخذت هذه القطيفة فظنوا أن السارقة هي المرأة، قالت ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا على أنه من بلدة الكفر نجاني فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع لها قبة في المسجد فكانت فيه
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، فدخل
هذا الحديث متفق عليه بنفس اللفظ، رواه البخاري و مسلم.
واستدل أبو العباس بن تيمية بهذا الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يستمع وإن كان ذلك جائز يعني: وجوده، لكن السماع شيء والاستماع شيء آخر؛ ولهذا حول وجهه صلى الله عليه وسلم.
واستدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أنه لا بأس بالاشتغال في المسجد بغير الصلاة والدعاء وقراءة القرآن، فإن السودان كانوا يلعبون بالدرق والحراب، وأقول: ليس فيه دلالة على أن ذلك في المسجد، والله أعلم.
الجواب: غناء، نعم هذا جيد، الغناء هو تطريب الصوت وتحسينه من غير دف فيسمى هذا غناء، وقد وقع فيه خلاف عند العلماء ولو من غير دف، وهذا الخلاف عند الصحابة وغيرهم هو الذي جاء عن ابن مسعود و ابن عباس : إنه الغناء، فدل ذلك على أن غناء الرجل محرم، ولو لم يكن بالدف.
وقال بعض العلماء: إن الغناء المحرم هو ما كان عامة وقت الإنسان، أو ما كان فيه تشبيه غزل فاحش، وأما إذا كان ذلك ليس هو غالب وقت الإنسان إنما هو من باب التسلية فهذا هو نوع من الغناء، وهو الحداء، فقد كان أنجشة يحدو إذا كان في السير فيقول صلى الله عليه وسلم: ( رفقاً بالقوارير يا
أما الغناء باستعمال المزمار فلا أعلم خلافاً عند أهل العلم في حرمتها، نقل الإجماع ابن الصلاح وغيره على أنه لا خلاف عند العلماء في حرمة استعمال المزمار وغيرها من أنواع الطرب وإنما الخلاف في الدف، وأما الكوبة وهي الطبل فقد جاء من حديث أبي هريرة عند ابن جرير الطبري بإسناد جيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك)، وخاصة إذا كان مع الغناء.
وأما الدف للنساء فيجوز في العيدين بإجماع العلماء، لكن هل يجوز في غيره؟
نقل الحنابلة والشافعية أنه يجوز في الختان، وكانوا إذا ختنوا أولادهم يضعون لهم حفلة ويسمونها: حفلة الختان، فيذكر النووي وكذلك الحنابلة أنه لا بأس بضرب الدف للنساء في الختان.
أقول: والذي يظهر والله أعلم أنه يجوز للنساء ضرب الدف في كل اجتماع مشروع في حقهن، فلو اجتمعن في مناسبة زواج أو مناسبة عيد، أو مناسبة اجتماعية من اجتماع العائلة كل شهر ونحو ذلك، فلا بأس للنساء بأن يضربن بالدف؛ لأن هذا الاجتماع مقصود.
ومما يدل على أنه يجوز لهن ضرب الدف في الاجتماع قصة المرأة التي في حديث الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني نذرت إن ردك الله عليّ سالماً أن أضرب بين يديك بالغربال، قال لها: أوف بنذرك ) فهذا يدل على أن النساء لهن أن يضربن بالدف في كل اجتماع مشروع، وهذا سمعته من شيخنا عبد العزيز بن باز، والله أعلم.
وعلى هذا فإذا كانت الحفلة خاصة بالنساء فلا حرج أن يضربن بالدف، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فإن نساء الأنصار يعجبهن اللهو )، والمرأة مهما كانت بدينها وخوفها من الله فإن طبيعتها التي خلقها الله عليها تحب اللهو، هذا أمر طبيعي، بل إن وجوده في حقهن محمدة في الجملة.
الجواب: الخرص حلقة الذهب والفضة أو الحلقة الصغيرة من الحلي، والسخاب نوع من قلائد النساء.
الجواب: الغناء في العهد القديم كان دون المزامير؛ لأنهم ما كانوا يعرفون هذه المزامير، و الشافعي يقول: خرجت من العراق ورأيتهم أحدثوا شيئاً يدعى التغبير وهو عصا يضرب هكذا، يعني: ليس فيه طرب ولا شيء، والآن يقولون: إيقاعات موسيقية بالكمبيوتر، وهذا أشد حرمة من الطبل وكذلك الربابة وغيرها.
من الناس من يظن أنه لا بد أن يكون فيه آلة وجهاز بصوتك، فلو أردت أن تغني بصوتك وتضع آلات لهو بصوتك فهذا حرام، والحرمة ليست بالآلة، الحرمة فقط إنما هي بالصوت والطرب الحاصل فيه، الآن أصبحت الأناشيد لا تليق، أصبحوا يمشون حذو القذة بالقذة بالموسيقى وغيرها، حتى صار هناك كليب إسلامي وغيرها، وهذا لا يليق، حتى بدأ بعضهم يضع المكياج ويفتح صدره ويتغنج كما تصنع النساء وكما يصنع الممثلون وهذا مما لا يليق والله، ثم تجده في نشيده يقول: يا رب! أنا مؤمن بك، وأنا أفعل كل اللي تريد، فهذا لا يجوز، وينبغي أن نتمثل قول الله: فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا [الأعراف:145] أما تمييع فلا، الأمة كفاها تمييعاً.
وهناك شيء مهم جداً لا بد أن نعرفه في مثل هذه الأشياء، قد يخف الإنكار في وقت ضعف الأمة ما لا يخف في وقت قوتها ونشاطها، فوقت ترهل الأمة لا يستطيع الفقيه أن يوجب ذلك على آحاد الناس وجماعاتهم فيخفف في ذلك، وقد أشار أبو العباس بن تيمية رحمه الله إلى مثل ذلك حينما قال: إن الإمام أحمد رحمه الله سئل عن السلطان وقد دبج المصحف بالذهب، فقال: هذا أقل ما يفعل فيه، مع أنه أنكر وضع الذهب بالمصحف، ولكنه في حق السلطان الذي يلعب بالذهب في عهد بني العباس قال الإمام أحمد : إن كونه يوضع الذهب في القرآن أولى من أن يوضع في غيره، فكان ذلك من باب التخفيف، والله أعلم.
ولهذا نحن نقول: إنك ربما تأمر بعض البنوك ببعض المعاملات ما لا تأمره لأحد من الناس، وقد تمنعهم من أشياء لا تمنعها لأحد من الناس على حسب الديدنة الدائمة، فإن البنوك أحياناً إذا جوزت لها مسألة بديدنتها واستمرارها تكون كأنها تواطؤ وتعارف وشرط، في حين أنك ربما لو تعطي شخصاً مالاً، وتقول له: اشتر لي سيارة، ثم إذا اشتريتها باسمي بعها على نفسك، قد تجوز هذه الصورة، وتكون من باب تولي طرفي العقد من رجل واحد كما هو مذهب الحنابلة، لكن في البنوك تمنعها على مذهب مالك و أبي حنيفة ؛ لأنه لو جوزنا هذا بحجة أنه قول الحنابلة لصار في ذلك عين الربا، وصار ذلك ليس تورقاً بل هو العينة وأشد؛ لأن البنوك مع الاستمرار والديدنة فإنهم أحياناً يعطوك مالاً ولم يتم التعامل، فلا بد من ضبط الأمور، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر