إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا يشريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علماً وعملاً يا كريم.
وبعد: فنسأله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الرشد والصواب! وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين! ولا إلى أحد من خلقه.
وقد وصلنا إلى الحديث العاشر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( طهور إناء أحدكم... ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتاب بلوغ المرام: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) أخرجه مسلم، وفي لفظ له: ( فليرقه )، و للترمذي : ( أخراهن أو أولاهن بالتراب ) ].
والحديث رواه عن أبي هريرة خلق كثير يصلون العشرة، منهم الأعرج و أبو صالح و أبو رزين وغيرهم كثير كثير، كلهم لم يذكر لفظة التراب.
وقد اختلف أهل العلم في صحة هذه الرواية، فقال بعضهم: إن الرواية بهذه الزيادة صحيحة، قالوا: لأن الحديث رواه مسلم في صحيحه، من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين ، وأصح الرجال عن محمد بن سيرين هو هشام بن حسان فدل ذلك على أن هشام مع كثرة ملازمته لـمحمد بن سيرين فإن الرواية حينئذ تكون صحيحة.
ومن المعلوم أن الحديث رواه البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة ، إلا أن البخاري لم يذكر لفظة التراب، والحديث رواه البخاري و مسلم بلفظ: ( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات )، وكذا رواه مالك في موطئه، فدل على أن هذه اللفظة تفرد بها محمد بن سيرين .
وهل صحيح أن هشام بن حسان تفرد بالرواية عن محمد بن سيرين في هذا؟ الواقع أن أيوب السختياني روى هذا الحديث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً وذكر فيه التراب، إلا أن بعض أهل الحديث رأوا أن أيوب السختياني اختلفت الرواية عنه؛ فرواها حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلا ذكر التراب، ورواها بعضهم عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بذكر التراب.
وهذا من المعلوم عند أهل الحديث كـالنسائي أن رواية حماد بن زيد عن أيوب أصح من رواية غيره، وإن كان حماد بن زيد قد أخطأ في بعض الأحاديث مثل زيادة: ( اغسل ذكرك وأنثييك )، رواها حماد بن زيد عن أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه، وقالوا: أن لفظة (أنثييك) تفرد بها حماد بن زيد ، فهذا يدلك على أن الراوي مهما بلغ من العلم، ومهما بلغ من الحفظ، ومهما بلغ من الاستحضار، إلا أنه يهم بكثرة محفوظاته؛ ولهذا تجدون أن أكثر الذين يحفظون يقعون في الخطأ، وأما الذين حفظهم قليل فإنهم ربما لا يخطئون، ولهذا تجدون أن الضعفاء ربما لم نعرف عن أحاديثهم إلا عشرة، ومع ذلك حكم الأئمة بأنهم ضعفاء؛ لأنه أخطأ في حديثين أو ثلاثة، فثلاثة أحاديث مع قلة مروياته حكم الأئمة بأن أكثر أحاديثه الوهم، لكن إذا جاءك مثل هشام بن حسان أو جاءك مثل أيوب السختياني أو جاءك مثل حماد بن زيد ، وقد رووا أحاديث كثيرة عن الأئمة، فإذا وهم الواحد بحديث أو حديثين أو عشرة أو بمقدار الأصابع فإنها لا تعد شيئاً، ولأجل هذا وجدنا من الأئمة من كان مع عظم حفظه وسعة محفوظاته لا يحدث إلا بكتاب، كالإمام أحمد رحمه الله، فإن الإمام أحمد رحمه الله لا يحدث إلا بكتاب، وكل ذلك من باب عدم الوهم وإن كانوا يحفظون الشيء حفظاً.
قال قتادة بن دعامة لأحد الرواة: خذ صحيفة جابر فإن حديث جابر معي، فوضعها عنده، قال: افتح المصحف، ففتح المصحف، فقرأ سورة البقرة لم يخرم منه حرفاً، كأنه يقرؤه من مصحف، فلما انتهى قتادة قال: إيه أتراني حفظت البقرة؟ يعني: ما أخطأ ولا مرة، قال: نعم، قال: والذي نفسي بيده لحفظي لأحاديث جابر أشد حفظاً من سورة البقرة، الله أكبر! فالمسألة تدل على أن الله سبحانه وتعالى حفظ دينه بهؤلاء، يترك الواحد طعامه وشرابه كل ذلك لحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، والباب في هذا يطول، لكن أحببنا أن نعرج كما ذكرنا لكم في مثل هذه الأشياء.
إذا ثبت هذا فإن المؤلف يقول: وفي لفظ له ( فليرقه )، هذه هي لفظة مسلم ، وقد أخرجها أبو عوانة وغيره بلفظ: (فليهرقه)، والحديث رواه مسلم في صحيحه من طريق علي بن مسهر ، قال: أخبرنا الأعمش سليمان بن مهران قال: أنبأنا أبو رزين و أبو صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه.
إذاً: علي بن مسهر رواه عن الأعمش أنبأنا أبو رزين و أبو صالح قالا: حدثنا أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات )، وهذه الزيادة تفرد بها علي بن مسهر عن جميع رواة الأعمش وهذا يعرف بما يسمونه بدراسة الأسانيد، تجمع طرق الحديث وتنظر، هذا مدار الحديث كلمة (فليرقه) على الأعمش ، الأعمش يرويه عن أبي رزين و أبي صالح كلاهما عن أبي هريرة .
إذاً: أنت لست بحاجة إلى أن تبحث عن الذين قبل الأعمش تقول: هل أبو رزين أصاب أم أخطأ؟ لأنهم لم يختلفوا عن الأعمش في هذا الحديث من غير زيادة: ( فليرقه )، فوجدنا علي بن مسهر رواه عن الأعمش بلفظ (فليرقه)، ثم وجدنا شعبة و أبا معاوية وخلق، تسعة أنفس رووه عن الأعمش بهذا الإسناد لم يذكروا (فليرقه)، إذاً أنت تكون مطمئناً على أن هذه اللفظة تجعل الإنسان يتوقف، علي بن مسهر ثقة لكن له غرائب يعني: له مفاريد، يعني: يخطئ.
طيب، كيف أنا أحكم أن هذه اللفظة منكرة؟ أنظر إلى مدار الحديث، إلى من؟ إلى الأعمش، ثم أنظر وأبحث عن كلام أهل العلم من أوثق الناس في الأعمش ، حتى أنظر هل أصاب علي بن مسهر فوافق أصحاب الأعمش أم لم يوافقه.
فقال يحيى بن معين : أثبت الناس في أصحاب الأعمش بعد سفيان يعني: الثوري و شعبة هو أبو معاوية الضرير وهو محمد بن خازم الضرير ، فإن أبا معاوية لا يكاد يخطئ في رواية الأعمش وإن كان يخطئ في رواية غيره، فوجدنا الحديث يرويه شعبة عن الأعمش ، ويرويه أبو معاوية عن الأعمش وخلق كلهم يروونه عن الأعمش عن أبي رزين و أبي صالح عن أبي هريرة من غير ذكر (فليرقه)، الآن صار عندي نوع اطمئنان أكثر، فإذا أردت أن أتكلم في هذه الزيادة فأقول: أبحث عن علي بن مسهر ، هل علي بن مسهر يخطئ في الحديث أم لا؟ هل هو ملازم الأعمش أم لا؟ فوجدت أن علي بن مسهر تكلم فيه الأئمة فقالوا: له غرائب، يعني: مفاريد، إذا قال المحدثون: فلان هذا حديثه فيه غرائب فاعلم أنها دلالة على الضعف، فأفهم أن علي بن مسهر حينما تفرد بهذه الرواية عن الأعمش ، ووجدت أن تسعة أنفس يروون على الأعمش من غير هذه الزيادة، ورأيت أن أصحاب الأعمش كـشعبة و أبي معاوية يروونه من غير هذا اللفظة. إذاً أنا عندي أربع قرائن تدل على أن لـعلي بن مسهر أخطاء:
القرينة الأولى: في علي نفسه أنه أحياناً يهم، وهذا لعله منها.
الثانية: أنه رواه عن الأعمش تسعة أنفس لم يذكروا هذه اللفظة، فهذه قرينة ثانية: وهي يسميها العلماء بكثرة المتابعات.
الثالثة: وجدت أن أصحاب الأعمش وأوثق الناس في الأعمش لا يذكرون هذه اللفظة كـشعبة و أبي معاوية .
الرابعة: أن الحديث تابع أبا رزين و أبا صالح محمد بن سيرين و الأعرج وغيرهم ولم يذكروا هذه اللفظة.
إذاً أجزم بأربع احتمالات قوية تجعلني أقول: إن رواية علي بن مسهر رواية شاذة.
ولأجل هذا قال الإمام النسائي : لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على قوله: (فليرقه)، وكذلك قال أبو عمر بن عبد البر و ابن مندة كما ذكر ذلك الحافظ في الفتح والتلخيص الحبير.
لكن بعض أهل العلم قوى هذه اللفظة، وهذه طريقة المتأخرين من أهل الحديث كـالعراقي و ابن الملقن صاحب البدر المنير قالوا: إن هذه الزيادة صحيحة؛ لأن علي بن مسهر ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة.
لكن المتقدمين كـالنسائي وغيره كـابن مندة و أبي عمر قالوا: إن هذه اللفظة منكرة.
إذاً: تعرف أن ثمة منهج عند متأخري أهل الحديث وعند متقدمي أهل الحديث؛ فالمتأخرون يرون أن في الرجل الثقة إذا تفرد بالرواية فالأصل في حديثه الثقة، وهذا ليس بصحيح، يقولون: ما لم يخالف، ولو جمعت الأحاديث التي يرويها الثقات ويتفردون بها عن الرواة الآخرين بمخالفة لرأيتها لا تعدو خمسة أحاديث، من ذلك رواية سفيان الثوري عن حجر بن العنبس عن وائل بن حجر في حديث قال: ( آمين ورفع بها صوته )، سفيان يقول: ( ورفع بها صوته )، وشعبة يقول: ( خفض بها صوته )، هذا دليل على المخالفة، هذا حديث واحد، وثلاثة أحاديث أخر.
إذاً: قول بعض المحدثين: إن زيادة الثقة مقبولة ما لم تخالف، قال: لن تجد مخالفات بهذا الاعتبار.
إذاً: المخالفة عند المتقدمين معناه أن يأتي الراوي بشيء لم يأت به غيره، وهذا يدل على معرفة بالقرائن وجمع الطرق حتى يتبين للإنسان هذا الأمر، هذه منهجية في دراسة الأسانيد، ولهذا نجد أن بعض المتأخرين يصححون أحاديث تكلم فيها الأئمة، بأجل هذا صححت بعض الأحاديث التي تكلم فيها أهل العلم.
قال المؤلف: (وللترمذي ( أخراهن أو أولاهن بالتراب ) )، المؤلف ذكر رواية: ( أخراهن أو أولاهن بالتراب )، كذا في البلوغ في جميع طبعات البلوغ أما عند الترمذي فإنه قال: ( أولاهن أو أخراهن بالتراب )، بلفظة غير اللفظة التي ذكرها المؤلف، قدم الأولى: ( أولاهن أو أخراهن بالتراب )، والحديث أخرجه الترمذي قال: حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أيوب السختياني يحدث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا ولغ الكلب في الإناء فليغسله سبع مرات، أولاهن أو أخراهن بالتراب ).
وهذا الحديث مداره على المعتمر بن سليمان ، وقد اختلف الرواة عنه؛ فرواه الترمذي عن سوار بن عبد الله العنبري عن المعتمر بهذا الإسناد يقولون: به، يعني: بهذا الإسناد، ما هو الإسناد؟ المعتمر عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة فبدل ما يذكرون هذا يقولون: المعتمر به، فرواه سوار بزيادة: ( أولاهن أو أخراهن بالتراب )، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار من طريق المقدمي عن المعتمر بهذا الإسناد ولم يذكر ( أخراهن أو أولاهن بالتراب ).
إذاً: تعلم أن هذه اللفظة ضعيفة.
نقول: أولاً: اختلف عن الرواية عن المعتمر ، المقدمي رواها من غير ذكر (أخراهن)، وسوار رواها بهذا اللفظة، والعجب أن الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح، ولو نظرنا على طريقة أهل الحديث لوجدنا أن المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي اختلف عليه، ثم وجدنا إذا جئت تتأكد انظر بعد المعتمر من هو؟
أيوب ، وأيوب يرويه عنه المعتمر ويرويه عنه حماد بن زيد ويرويه عنه خلق، لم يذكر كل الرواة عن أيوب هذه الزيادة، فدل ذلك على أنه تفرد بها سوار عن المعتمر .
ثم وجدنا أيوب يرويه عن محمد بن سيرين ، وقد رواه خلق كثير عن محمد من غير زيادة لفظ: ( أخراهن أو أولاهن بالتراب )، ثم وجدنا أبا هريرة وقد رواه عشرة أنفس لم يذكروا هذه اللفظة، هذه أربع قرئن أو خمس قرائن تجعلك تطمئن أن هذه اللفظة منكرة، وقد رواها البزار وغيره بلفظ: (إحداهن)، وهذه منكرة والدارقطني وهذه منكرة، نذكر هذه الروايات؛ لأن هذه الروايات فيها خلاف عند أهل العلم، في مسألة من المسائل الفقهية.
الحديث أصله له شواهد:
الشاهد الأول: حديث عبد الله بن مغفل الذي رواه مسلم في صحيحه و أحمد و أبو داود و النسائي و ابن ماجه كلهم من طريق شعبة ، حدثنا أبو التياح عن مطرف بن عبد الله الشخير عن عبد الله بن مغفل (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب، ورخص في كلب الصيد، وكلب الغنم )، ثم قال: ( إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب )، وهذا الحديث إسناده صحيح.
الحديث الآخر: حديث ابن عمر كما عند ابن ماجه بلفظ: ( إذا ولغ )، ولكن العلماء قالوا: إن الحديث في سنده ضعف؛ لأنه يرويه عبد الله بن عمر العمري المكبر عن نافع و عبد الله ضعيف.
وقوله: ( إذا ولغ الكلب )، الولوغ: من ولغ بفتح اللام والغين والواو من ولغ يلغ، ومعناه: تحريك لسان الكلب في الإناء، سواء شرب أم لم يشرب، فإذا حرك الكلب لسانه في الإناء قيل: إنه ولغ إذا كان في الإناء شيء، وأما إذا لم يكن في الإناء شيء فإنا نسميه اللحس، لحس الكلب الإناء إذا كان الإناء فارغاً.
وقوله: ( إذا ولغ الكلب )، تفيد الاستغراق، وهي قاعدة لغوية، أن الألف واللام إذا دخلت على المفرد أو اسم العلم دل على استغراقه، فيدخل في ذلك كل الكلاب كما أشار إلى ذلك أبو عبيد القاسم بن سلام ، فأنتم تعلمون أن الكلب يطلق على الكلب المعروف، ويطلق على كل ما يكلب،كما قال الله تعالى: مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ [المائدة:4]، فهذا يدل على أن كل ما ولغ فيه الكلب يعم، سواء كان كلب الصيد أم كلب الماشية أم كلب الزرع، وسواء كان الكلب مأذوناً فيه أم ليس مأذوناً فيه، فيعم كل أنواع الكلاب.
وهل يعم كل ما يكلب بدلالة الاستغراق؟ نقول: إن الحديث إنما أريد به الكلب المعروف بجميع أنواعه، بمعنى أنه كلب الزرع أو كلب الماشية أو كلب الصيد، وأما ما يكلب فإنه لا يطلقه الشارع إلا مقيداً، والله أعلم.
نقول: قوله صلى الله عليه وسلم إذا صح الحديث، وإلا فإن الراجح أن هذه لم يقلها رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأما في الحديث: ( فليرقه )، في رواية أبي عوانة كما مر ( فليهرقه )، وأهرقت الماء أو أرقت الماء أي: أفرغته مما فيه، يعني: أفرغت الإناء مما فيه.
وقوله: ( أولاهن بالتراب ) صفة لسبع مرات، ( سبع مرات أولاهن أو أخراهن بالتراب )، والباء للمصاحبة، يعني: مع التراب، وهذا قول جمهور أهل العلم؛ لأن التراب ليس غسلة زائدة على السبع كما سوف يأتي بيانه.
وأما قوله: ( وعفروه الثامنة بالتراب )، التعفير: تمريغ الشيء بالتراب، ولهذا تقول: فلان عفر وجهه، يعني: سجد على التراب.
المسألة الأولى: استدل بعض أهل العلم على نجاسة الكلب بهذا الحديث؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( طهور إناء أحدكم )، وقد اختلف العلماء في نجاسة الكلب، هل الكلب نجس كله حتى شعره وبوله وروثه؟ أم أن الكلب نجس كله إلا شعره؟ أم أن الكلب طاهر حتى بوله وعذرته كما يروى ذلك عن مالك ؟
اختلف العلماء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: هو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه ورحمه، ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو بكر عبد العزيز غلام الخلال و أبو العباس بن تيمية رحمهم الله جميعاً، فقالوا: إن الكلب نجس كله إلا شعره، فإن الشعر ليس بنجس.
والقول الثاني في المسألة: وهو مذهب الشافعية والحنابلة القائلين بأن الكلب نجس كله حتى شعره، استدلوا على نجاسة الكلب بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب )، قالوا: وجه الدلالة في هذا الحديث من وجوه:
الوجه الأول: قالوا: إن الشارع أمر بغسل الإناء سبع مرات، وقال صلى الله عليه وسلم: ( طهور إناء أحدكم )، والطهارة في الشرع لا تكون إلا لطهارة حدث أو طهارة خبث، ولا يتصور طهارة الحدث في الإناء، فلم يبق إلا طهارة الخبث وهي النجاسة، وبهذا ثبت هذا، ولا يمكن أن يقال: يحتمل هذا ويحتمل هذا؛ لأننا نقول: إن اللفظ مشترك؛ لأن (طهوراً) لفظ مشترك يعتمد طهارة حدث وطهارة خبث، إذا قيدها نص أو دلالة عرفية، أو دلالة عقلية فإنها تنصرف إليه، فإذا قيل: (طهور إناء أحدكم)، فلا يتصور طهارة عن حدث في هذا الإناء، وهذا رد على ابن العربي رحمه الله حينما ذكر أن ذلك ليس فيه دلالة.
الأمر الثاني: إن أمر الغسل سبعاً دليل على النجاسة، والأصل حمل الحكمة بأن تكون معقولة المعنى وليس تعبدياً.
الأمر الثالث: على فرض صحة الحديث أن الشارع أمر بإراقة الماء، ولا يراق إلا على نجاسة، وقالوا: قد صح عن ابن عباس كما ذكر ذلك الحافظ في الفتح عن محمد نصر المروزي أنه أمر بغسل الإناء وقال: من ولوغ الكلب وقال: إنه رجس، قال الحافظ : ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه، هذا دليل أصحاب القول الأول والثاني، إلا أن أصحاب القول الثاني القائلين بأنه نجس كله قالوا: فإذا أمر بالتطهير من ولوغ الكلب مع أن فم الكلب أطهر ما فيه، فإذا كان ذلك في فم الكلب فلأن يكون في غيره من باب أولى، وهذا يسميه علماء الأصول قياس الأولى، وقياس الأولى يسمى عند بعض علماء الحنفية مفهوم الموافقة، ويسمى أيضاً فحوى الخطاب، ودليل الخطاب يسمى مفهوم المخالفة، وأما مفهوم الموافقة فيسمى فحوى الخطاب.
أما القائلون بأن الكلب كله نجس إلا الشعر، فهم قالوا: إن الشعر لا تحله الحياة، والشعر والريش والصوف والوبر طاهر سواء أكان في جلد ما يؤكل لحمه أو في جلد ما لا يؤكل لحمه؛ لأنه لا تحله الحياة، والنجاسة إنما حكمنا بها لوجود ما تحله الحياة وهو الدم، فقالوا: إن ما لا تحله الحياة كما في ما ليس له نفس سائلة فإنه يكون طاهراً لأجل أنه لا تحله الحياة وهو الدم؛ لأنه ليس له نفس سائلة فطاهر، فقالوا: فكذلك الشعر، وأما نماؤه فنماء نباتي وليس نماءً حيوانياً، كما ذكرنا ذلك في السن والله تبارك وتعالى أعلم، وهذا القول قوي ولعله أعدل الأقوال.
أما القول الثالث فقد قال به مالك رحمه الله في المشهور عنه أن الكلب طاهر، والمالكية يرون أن كل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير يجوز أكله عند المالكية، وخالفوا في ذلك جمهور أهل العلم، وقالوا: إن الكلب طاهر، سبحان الله! ما دليلهم حتى نعتذر للأئمة؟ قالوا: إن الله سبحانه وتعالى يقول: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ [المائدة:4]، وجه الدلالة قالوا: من المعلوم أن الكلب في الصيد مع جريه ولهثه فإن لعابه يسيل على الصيد، فلما أباح الشارع صيد الكلب دل على أن لعابه طاهر، ويسمى هذا في علم الأصول بالدلالات الثلاث.
ومن أهم مباحث علم الأصول هذه الأشياء: دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام، وهنا دلالتها أي: بدلالة التزام.
ومن المعلوم أن دلالة الالتزام حجة ما لم يأت نص بخلافها، والجواب على هذا أن يقال: إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب تطهير الإناء من ولوغ الكلب دليل على تنجيس الإناء بالولوغ، وأما لعابه الموجود في الصيد فقد يقال: إنه يؤمر بغسله، وهذا بعيد، وإما أن يقال: إن ذلك مستثنى، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( طهور إناء أحدكم )، وأما في الصيد فليس فيه إناء فجاز ذلك للحاجة، وهذا أولى من رد أحاديث أو آية عن دلالاتها.
وقالوا -أي: المالكية- إن الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب إنما هو أمر تعبدي، بدليل أنه لو كان لأجل النجاسة لأمر بغسل الإناء من غير عدد؛ لأن النجاسة عين خبيثة متى ما زالت زال أثرها، قالوا: أرأيتم قولكم في غسل اليد إذا استيقظ الإنسان من نومه ثلاثاً، ألم تحكموا بأنه تعبدي؟ فكذلك هنا.
والجواب عليه أن يقال كما قال ابن دقيق العيد و ابن قدامة رحمهم الله جميعاً، قالوا: إن حمل الحديث على معقولية المعنى أولى من حمله على التعبد؛ لأن ما أمكن إدراكه فلا يصح تحميله على أنه تعبدي، لندرة التعبد في مثل هذه الأحكام.
وقالوا أيضاً: لو كان الأمر بالتعبد لما أمر بإرقة الماء، وهذا بناءً على صحة الرواية، ثم إنهم قالوا: إن التعبد إنما هو في غسل اليدين، أما الأواني والثياب فهذا لا يمكن حمله على التعبد، وجائز أن يكون الشارع إنما أمر بالسبع؛ لأن نجاسته ربما لا تدرك؛ فقطع الشارع السبع لاحتمالية وجوده في أقل من سبع، والحكمة إذا كانت ظنية أو الشيء إذا كان ظنياً أنيط الحكم به.
وهذا القول أصح، لكن ذكروا حديث عند البخاري من حديث ابن عمر يرويه ابن شهاب عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال: ( كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك )، هذا لفظ البخاري ، وفي بعض النسخ، كالنسخة التي شرحها الحافظ ابن حجر والنسخة التي شرحها العيني فيه: ( كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول )، وليست هذه في الطبعة الإسطنبولية، وقد ذكرها من رواة البخاري إبراهيم بن معقل النسفي ذكر هذه اللفظة عند البخاري ، وقد أشار البيهقي أنها ليست عند البخاري ، مع أن البيهقي قال: هذه لم يروها البخاري في صحيحه، وقال في بعضها: وفي بعض النسخ غير موجودة، فدل ذلك على أنها موجودة في بعض النسخ، وهي نسخة إبراهيم بن معقل النسفي وأما رواية أبي ذر و الأصيلي فليست فيها، وإن كان الحديث يرويه أبو داود في هذا اللفظة.
قالوا: إن هذا دلالة على أن بول الكلب ليس بنجس؛ لأن الكلاب كانت تبول في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك، وهذا دلالة على عدم التنجيس.
والراجح أن هذا ليس دلالة على عدم نجاسة بول الكلب لأمور:
أولاً: أن هذه الزيادة (تبول) الصحيح أنها ليس بمحفوظة عند البخاري وأن هذه اللفظة فيها نكارة.
الثاني: أنه على فرض صحة هذه الرواية، فليس فيه دلالة على أن بول الكلب طاهر، طيب: كيف ذلك؟
نقول: إن هذا دلالة على أن النجاسة متى زالت بأي شيء ولو بالماء، أو بالشمس، والاستحالة تطهر، وهو قول أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد اختارها ابن تيمية ، هذا تخريج، وهو أن يقال: إن هذا دلالة ليس على طهارة بول الكلب، ولكن دلالة على أن النجاسة -لأنها عين خبيثة- متى ما زالت زال حكمها بأي شيء؛ إما بالشمس، وإما بالريح، وإما بالاستحالة، وهذا دلالة على ذلك.
والذي يظهر والله أعلم أن تحمل هذه اللفظة على فرض صحتها، أن يقال: إن هذا دلالة على أن المرء إذا لم يعلم مكان النجاسة صح أن يصلي فيه؛ لأن الأصل عدم النجاسة، فقول الراوي: ( فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك )، لأنهم لم يعلموا المكان، فهذا يدل على دلالة التحري، وليس دلالة اليقين، عندما قال الحنابلة: وإذا اشتبه عليه ثياب نجسة بناء على اليقين ولم يتحر صح، وهذا دلالة على أنه له أن يتحرى، بدليل أنه رأى طهارة المكان، فالأصل الطهارة وليس النجاسة، وأرى أن هذا التأويل أولى، وإن كان القول بأن النجاسة عين خبيثة متى ما زالت زال أثرها قوي، لكن القول بأن هذا دلالة على أنهم لم يعلموا بمكان النجاسة أولى؛ لأن الشارع أمر بصيانة المساجد، حتى ( إنه عليه الصلاة والسلام رأى نخامة في قبلة المسجد فتغير وجهه، ثم أتي بخلوق فأزاله )، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإزالة المخاط في المسجد، وقال كما عند البخاري من حديث أنس : ( البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها )، فإذا كان ذلك في المسجد مع إجماعهم -ولا عبرة بالمخالف على طهارة المخاط- على أن يكون في البول من باب أولى، فهم لم يعلموا مكانه، ثم إن الراجح أن بول ما لا يؤكل لحمه نجس، فإذا أمر بغسل بول الآدمي، فلأن يؤمر ببول الكلب من باب أولى، هذا هو الراجح، والله أعلم.
ذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة وكذا الظاهرية على أن الأمر بغسل الإناء سبعاً؛ دلالة على وجوب غسله سبع مرات للأمر به، والأصل في الأوامر الوجوب، وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الأمر بغسله سبع مرات على سبيل الاستحباب، وقال: إن الدلالة على ذلك هو بما رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار، من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في ولوغ الكلب: يغسل ثلاث مرات، قالوا: فهذا أبو هريرة أمر بغسله ثلاث مرات، فهذا يدل على أن أبا هريرة فهم عدم الوجوب، والجواب على هذا بسيط؛ وهو أن رواية عبد الملك بن أبي سليمان ليست صحيحة؛ فهي لفظة منكرة، وقد خالف فيها الثقات، والرواية الصحيحة عن أبي هريرة يرويها حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ( أنه أمر بغسله سبع مرات )، ولهذا فإن الصحيح أنه يجب أن يغسله سبع مرات.
فإذا ثبت هذا، فهل يكتفى بسبع مرات أم لا بد أن يغسله ثمان والثامنة التراب؟
ذهب عامة أهل العلم إلى أن الواجب هو سبع مرات، وفي إحدى هذه السبع مرات فيها التراب، وذهب الحسن البصري إلى أنه يجب أن يغسله ثمان مرات، أولاً بالتراب، ثم سبع مرات بالماء، يقول أبو عمر بن عبد البر : ولا أعلم أحداً من المتقدمين يفتي بذلك غير الحسن ، وهذا القول من أبي عمر إنما قصد من التابعين وكبار التابعين، وإلا فإن أحمد بن حنبل رحمه الله له رواية بوجوب غسله ثمان، وإن كان الراجح والله أعلم هو السبع غسلات فقط.
لكن ماذا نقول في رواية عبد الله بن مغفل ( وعفروه الثامنة بالتراب )؟
الجواب على ذلك: أن جعل الغسلة بالتراب ثامنة؛ لأن التراب جنس غير جنس الماء، فجعل الشارع اجتماعهما في المرة التي يغسل فيها التراب مع الماء كأنها غسلة ثامنة.
قالوا: لأن التراب جنس غير جنس الماء، فكأن الشارع جعل غسلة التراب التي مع الماء في أول واحدة كأنها غسلتان.
الآن أنا سأغسل سبع مرات، الغسلة الأولى إذا وضعت فيها الماء سوف أضع فيها التراب، فهذه ما جرت غسلة واحدة لكن غسلة واحدة معها تراب، فسميت التي مع التراب كأنها غسلة؛ لأن التراب جنس والماء جنس آخر، وهذا أولى والله اعلم.
لكن كيف نصنع بالروايات؟ بعض الروايات: (أولاهن بالتراب)، وهي رواية مسلم عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة .
وهل رواها عن أبي هريرة أحد غير محمد بن سيرين ؟
لا، لم يتفرد محمد بن سيرين بالتراب.
أما الرواية الأخرى: ( إحداهن )، فقد أخرجها البزار وهي منكرة، ولا تخالف ( أولاهن ).
وأما الرواية الأخرى وهي: ( أولاهن أو أخراهن بالتراب )، فهي رواية الترمذي وفي سندها علي بن مسهر ( فليرقه ) علي بن مسهر عن الأعمش قال: أنبانا أبو رزين و أبو صالح عن أبي هريرة وهذه الرواية تفرد بها سوار بن عبد الله العنبري عن المعتمر بن سليمان ، وقلنا: إن المقدمي رواها عن المعتمر من غير ( أخراهن بالتراب )، وقلنا: إن أيوب رواها عنه الثقات من غير هذا التردد، وأن محمد بن سيرين رواها عنه الثقات ولم يذكروا هذه اللفظة، فدل ذلك على أن هذه اللفظة ضعيفة.
إذاً بقي معنا روايتين: (أولاهن ) و ( عفروه الثامنة بالتراب ) والذي يظهر أن قوله: ( عفروه الثامنة بالتراب )، إنما جعلها ثامنة -كما قلنا- لأنه جعل التراب جنساً غير جنس الماء، فجعل جمعهما في غسلة واحدة بمثابة غسلتين.
إذاً: ليس لها أثر في الابتداء والانتهاء، فتكون رواية مسلم ( أولاهن ) أولى.
ومما يدل على ذلك عقلاً: لو جعلنا الغسلة الأخيرة بالتراب سوف نضطر إلى أن نغسلها مرة ثانية فدل ذلك على أن ( أولاهن بالتراب ) أولى.
وذهب أبو حنيفة و مالك إلى عدم الوجوب، وأن رواية التراب تفرد بها محمد بن سيرين عن أبي هريرة ولهذا لم يروها البخاري في صحيحه، وقد رواها عن أبي هريرة عشرة أنفس لم يذكروا التراب، فدل على أن رواية التراب إما أن تكون منكرة أو إنها على سبيل الاستحباب؛ لأن الشارع ذكرها مرتين: مرة ( أولاهن ) ومرة بلا، فدل ذلك على أن من لم يذكرها إنما ذكر الواجب، ومن ذكرها فقد ذكر الاستحباب، والذي يظهر والله أعلم أن الأحوط الوجوب؛ لأن الكلام فيه وجيه، لو أن الحديث جاء من غير أبي هريرة ، أما وقد جاءت جميع الأحاديث عن أبي هريرة و عبد الله بن مغفل في الأمر بوجوب التراب فقد دل على أن التراب مقصود والله أعلم.
ذهب الحنابلة رحمهم الله إلى أن النجاسة المغلظة هي نجاسة الكلب ونجاسة البول والعذرة في الثوب، فإذا وجد بول وعذرة في الثوب قالوا: يجب غسله سبع مرات، هذا مذهب الحنابلة، يجب غسل الثوب سبع مرات إذا وجد فيه بول الإنسان أو عذرته، واستدلوا على ذلك بما ذكره صاحب المبدع ابن مفلح أن ابن عمر رضي الله عنه قال: ( أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً )، وهذا الحديث ليس له إسناد يصح، وعلى هذا فهذا خطأ والراجح هو قول عامة أهل العلم أن النجاسة عين خبيثة متى ما زالت زال أثرها، والله أعلم.
نقول: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذا عام في جميع أجزاء الكلب، على الخلاف في الشعر وغيره، فقالوا: إذا كان ذلك في فم الكلب فلأن يكون في روثه أولى، وذهب ابن حزم وقواه النووي و الشوكاني إلى أن الأمر بغسل الإناء سبعاً إنما هو في الولوغ، وأما بوله وعذرته فهو نجس لكن لا يجب غسله بسبع؛ لأنه لا يعلم الحكمة في ذلك، إلا لأن الولوغ ربما لا يدرك، فلأجل هذا قيل.
وهذا القول قوي حقيقة، يعني: لو أن بول الكلب أو عذرة الكلب تغسل سبع مرات لكان في حديث ابن عمر ( كانت الكلاب تقبل وتدبر ) على صحتها لكان فيه إشكال، فإذا كان البول والعذرة مثلها مثل سائر النجاسات متى ما زالت زال أثرها؛ دل على أن المقصود بغسل سبع إنما هو في اللعاب خاصة، خلافاً لجمهور أهل العلم. وبهذا نكون قد انتهينا، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: بعض أهل العلم قال: إذا ولغ الكلب (أل) للجنس، يعني: تعم كل أنواع الكلاب، فيدخل في ذلك غير الكلاب المعروفة، والراجح أن (أل) هنا للاستغراق في أنواع الكلاب ككلب الصيد، وكلب الماشية، وكلب الزرع وغيرها من الكلاب التي لم يؤذن بها، وأما غير الكلاب مثل: السباع والبهائم، فالصحيح أنها نجسة كما قلنا ولكن لا يجب غسلها سبعاً، مثل: النمر الأسد مكلب، لكنه لا يجب غسله سبعاً، والله تبارك وتعالى أعلم.
الجواب: بعض أهل العلم قال: إذا ولغ الكلب في إناء، قال: الكلب الذي لم يستثن، وأما الكلب المستثنى فهو من الطوافين علينا، الثلاثة: كلب الزرع، وكلب الماشية، وكلب الصيد، قالوا: يستثنى هذا، كما قال النبي في الهرة: ( إنها من الطوافين عليكم )، فإذا كان الكلب من الطوافين علينا الذي استثني فلا يدخل في هذا إنما هو في الكلب الذي لم يستثن، والصحيح أنه في المستثنى وغير المستثنى على الجميع.
الجواب: ذكر الشافعي في الأم أنه يستحب للإنسان في التشهد الأول أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قولوا: اللهم صل على محمد )، قالوا: فهذا يدل على أنه لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاتين في التشهد الأول والثاني، فدل على أنه أجمع العلماء أنه في التشهد، واختلفوا في الأول أو الثاني، فدل على استحبابه في الأول ووجوبه في الثاني، هذا مذهب الشافعي ، وهو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز ، والراجح والله أعلم أنه لا يستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول لأمور:
أولاً: لما رواه ابن خزيمة في مصنفه بسند جيد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان إذا جلس في التشهد الأول فقرأ التحيات ثم قام )، وهذا إسناده لا بأس به، وقد ذكرته لشيخنا عبد العزيز بن باز فقال: لا أعرفه، والحديث في صحيح ابن خزيمة .
الثاني: أن النسائي روى الحديث من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنه كان إذا جلس في التشهد الأول فكأنما كان على الرضو )، يعني: على الحجارة المحماة، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يطيل الجلوس في التشهد الأول، فلو استحب الصلاة على النبي لكان التشهد الأول طويلاً، وهذا الحديث وإن ضعفه بعض المتأخرين بناء على أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه، فإن الراجح كما قال علي بن المديني و يعقوب و ابن رجب و أبو العباس بن تيمية أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود وإن لم يسمع من أبيه فإنه لا يكاد يروي عن أبيه أو يحدث عن أبيه إلا عن كبار أصحاب ابن مسعود الذين ثبت صحة روايتهم عن ابن مسعود ، والراوي إذا علم الواسطة بينه وبين شيخه فإن الحديث يكون صحيحاً وهذا أصح.
الثالث: أن البيهقي روى بسند صحيح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان إذا جلس في التشهد الأول فكأنما هو على الرضو، فهذا سنة الخلفاء الراشدين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ).
الجواب: لا حرج إن شاء الله، وإن كان الأفضل أن يعدد، بل يجوز له ألا يصلي، فيدعو في التشهد الأخير أو في السجود أو في التطوعات، كل ذلك جائز، وإن جعل لكل استخارة صلاة فهو أولى؛ للاستكثار في العبادة وللدخول في ظاهر حديث جابر عند البخاري .
الجواب: الراجح والله أعلم أن الكلب نجس كله إلا شعره، كما هو مذهب أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو بكر عبد العزيز الخلال و أبو العباس بن تيمية رحمه الله.
الجواب: إذا كان الكلب لمسته وكان فيه عرق، فإنك تغسل يدك مرة ولا تغسلها سبعاً، وإذا لم يكن فيه عرق فإن الراجح والله أعلم أن شعره ليس بنجس، والله أعلم.
الجواب: إذا قلنا: إن المرأة تقطع الصلاة، فسواء مرت على امرأة أو مرت على رجل، وهذه المسألة مشكلة، وإن كان الأحوط أنه يقطع الصلاة وإن كان جمهور الصحابة لا يرون ذلك، وإذا ثبت أن جمهور الصحابة لا يرون ذلك فالقول قول الصحابة والله أعلم؛ لأنهم أعلم بمدارك النص وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: الصحيح أن رواية الحرم ليست صحيحة، ولكن الحرم وغير الحرم إذا وجدت المشقة سقط حكم المرور؛ لأن غاية ما يقال في المرور: إنه واجب، وغاية الواجبات تسقط مع العجز وعدم الإمكان والله أعلم، وعلى هذا فالذين يصلون في البناء ليس مثل الذين يصلون في المطاف في الصحن، والذين يصلون بعيداً يمكن ألا يمر أحد فليسوا مثل غيرهم، والله أعلم.
الجواب: المذر، سئل أبو حنيفة رحمه الله: ما علاج النسيان؟ فقال: المذر، والمذر زيت، فخرج الطلاب من حلقة أبي حنيفة فتقاتلوا على شراء المذر في الأسواق، حتى ارتفع سعر المذر، فظنوا أن شرب هذا المذر يزيد في الحافظة، و أبو حنيفة إنما قصد المذر يعني: سهر الليالي، تأخذ الزيت وتضعه في السراج وتسهر تطلب العلم، فهم ظنوا أنه يشرب، ودائماً طلاب العلم الذين فيهم نوع من الكسل يريدون خلطة كنتاكية أسرع للحفظ وهذا لا يتأتى. و البخاري رحمه الله عندما سئل عن علاج النسيان قال: مداومة المذاكرة، ولهذا تجد بعض العلماء لا يحفظ البخاري لكن من كثرة مراجعته للبخاري كأنه يحفظه وهذا كثير، فمراجعة العلم وعدم الانقطاع، وإذا مر بحديث راجعه، وإذا مر بمسألة فقهية راجعها، التي نحن نسميها قراءة الضبط أو قراءة التحصيل والتدقيق هي أنفع القراءات، وأما قراءة الاطلاع والجرد فهذه ليس فيها ثمرة كبيرة، نعم تنفع إذا كان الإنسان يريد أن يبحث مسألة معينة، أما أن يكون غالب وقته فلا فائدة فيها، وأعرف أن أحداً قرأ البداية والنهاية، قرأها اثنين وخمسين مرة، هذا لا يستفيد، وأحدهم يقول لي: قرأت تفسير ابن كثير في أربعة أيام، فقلت له بالعبارة اللهجة: أتحداك؟ كيف تقرأ تفسير مثل هذا السفر في أربعة أيام؟ قلت: إذا جاءك حديث وتكلم، قال: لا، اترك هذا الدليل، قلت: إذا جاءك أقوال؟ قال: اترك الأقوال، قلت: ما قرأته هذه ليست بقراءة.
الجواب: نقول: أيهما أطهر لعابه أم عرقه؟ لعاب الإنسان أو عرقه أيهما أنظف؟! اللعاب.
بول الإنسان أو لعابه أيهما أنظف؟! لعابه، وهذا مثله.
الجواب: سبق أن قلت: إن أبا عمر بن عبد البر تكلم فيه، كذلك بعض أهل الحديث، فهم يقولون في هذه الرواية: ( كان يغتسل بفضل
نقف عند هذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر