الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:
فقد وصلنا إلى الحديث الحادي عشر من أحاديث بلوغ المرام، ونسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا التوفيق والتسديد في القول والعمل، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا إلى أحد من خلقه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: [وعن أبي قتادة رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الهرة: إنها ليست بنجس؛ إنما هي من الطوافين عليكم )، أخرجه الأربعة وصححه الترمذي و ابن خزيمة ].
وقد صححه أيضاً الإمام الترمذي وأيضاً ابن خزيمة و ابن حبان و البيهقي و أبو عمر بن عبد البر و النووي و أبو العباس بن تيمية رحمه الله وكذلك العقيلي إلا أن بعض أهل العلم تكلم فيه، ومنهم الحافظ أبو عبد الله بن مندة فإنه قال في حميدة بنت عبيد بن رفاعة وفي كبشة قال: لا يعرف حالهما، ومحلهما الجهالة، ولا يثبت هذا الخبر، ولا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث، وسبيله سبيل المعلول.
إذاً: الإمام ابن مندة تكلم في هذا الحديث بسبب جهالة حميدة بنت عبيد وبسبب جهالة كبشة بنت كعب بن مالك ، وقال: حالهما الجهالة ولا يعرفان إلا في هذا الحديث، وسبيل الحديث سبيل المعلول.
وقد ذكر الإمام ابن دقيق العيد في كتابه الإمام كلام ابن مندة ثم علل للعلماء الذين صححوا هذا الحديث، فقال: ولعل تصحيح من صححه من الأئمة إنما نظر إلى رواية مالك لهذا الحديث، فإن مالكاً لا يكاد يروي إلا عن ثقة، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا روى مالك عن رجل فهو حجة، ثم قال يعني ابن دقيق العيد : وإذا لم نذهب إلى هذا فإن تعليل ابن مندة وهو الجهالة أضبط أو أكيد أو كلمة نحوها.
إذاً: ابن دقيق العيد عنده حالة تردد؛ لأنه رأى الأئمة صححوا الحديث ورأى أن في الحديث جهالة، يعني: جهالة حميدة وجهالة كبشة ، فيقول: لعل العلماء الذين صححوه نظروا إلى رواية مالك ، فإن مالكاً لا يكاد يروي إلا عن ثقة، فبسبب وجود مالك في هذا الحديث صححوه، والحقيقة أن مالكاً لم يرو عن حميدة وإنما روى عن إسحاق ، وعلى هذا فإن تصحيح الأئمة لهذا الحديث لم يكن لأجل وجود مالك فقط، وإنما لمنهج اقتفوه رحمة الله تعالى عليهم، حيث إنهم لم يأخذوا على منهج مطرد في ردهم لحديث المجهول، ولا في قبولهم لأحاديث المجهول. ومنهج المتقدمين في رواية المجاهيل لم تكن على وتيرة واحدة، وهي الرد مطلقاً كما هي طريقة المتأخرين، وليست القبول مطلقاً كطريقة الحاكم وطريقة ابن حبان في بعض كلامهم، وإنما طريقة الأئمة أنهم يفرقون في أحاديث المجهول، كما أشار إلى ذلك الإمام الذهبي و ابن رجب في شرحه للعلل الكبير للترمذي ، ولهذا قال الإمام الذهبي : والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح، وكلمة المشايخ يقصد بها: الذي لا يعرف عنه جرح ولا تعديل، وكان من كبار التابعين، قال الذهبي : والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح.
وقال أيضاً: المجهولون من الرواة، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ.
ثم قال: وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه، ثم قال: وتجربة وعدم تجربة ذلك، يعني: أننا عرفناه بموافقته لكلام الأئمة وهل خالف أم لم يخالف.
ثم قال: وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم فهو أضعف لخبره، لا سيما إذا انفرد.
إذاً: حال المجهولين عند الأئمة على ثلاث مراتب: الأولى: صغار التابعين فهذه لا يقبل حديثهم.
الثانية: إن كان الرجل من صغار التابعين يتأنى في حاله، إذا كان الراوي عنه من الأئمة الذين لا يكادون يروون إلا عن صحيح الأحاديث، فهذا يتأنى ويجرب في مخالفته أو موافقته.
المرتبة الثالثة: وهي أقوى وهي إذا كان من كبار التابعين أو أوساطهم ولم يأتِ بما يخالف الأصول أو ركاكة الألفاظ فيقبل حديثه.
إذاً: حميدة بنت عبيد قيل: إنه لا يعرف حالها إلا في هذا الحديث، وهذا ليس بصحيح، فقد روى عنها ابنها يحيى في تشميت العاطس، كما ذكر ذلك الإمام الترمذي ، وروى عنها ابنها عمر بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة .
إذاً: روى عنها ثلاثة: زوجها إسحاق وابنها يحيى وابنها عمر ، على الخلاف هل هو عمر أم يحيى كما ذكر ذلك الأئمة، لكن الشأن أن مالكاً إنما قبل حديث هذه المرأة؛ لأن الذي روى عنها إنما هو زوجها، وزوجها من المحدثين، فكأن مالكاً سأله عن ضبطها لهذا الحديث، فصارت هذه قرائن تدل على صحة حديث حميدة ، هذا الأول.
الثاني: أننا نظرنا إلى أحاديث وشواهد في هذا الحديث فوجدنا أنها توافق الأصول، فمنها حديث عائشة كما سيأتي وغيره، فوافقت الأصول، ولم يأت بما ينكر أو يدل على ركاكة الألفاظ.
إذاً: الأئمة كـالبخاري و الترمذي و الدارقطني و العقيلي إنما قبلوا هذا الحديث؛ لأنهم رأوا أن غاية ما يقال في هذا الحديث: هو جهالة حميدة ، لكن حميدة قد روى عنها من كان ضابطاً لحديثها، فإن الزوج أوثق الناس بزوجه، فقبل مالك رحمه الله قول إسحاق في زوجه، ولذا قبل الأئمة هذا الحديث.
ولهذا قبل أبو حاتم رواية ابن أكيمة عن أبي هريرة في حديث: ( مالي أنازع في القرآن )، قال: وقد ذكر هذا الحديث ابن أكيمة بين يدي سعيد بن المسيب ، فكون هذا الراوي يروي هذا الحديث عند إمام عالم جليل بل هو سيد التابعين وهو سعيد بن المسيب دليل على أنهم علموا أنه شيخ ومن أهل العلم، هذا هي القرائن التي تدل على صدق وصحة هذا الحديث.
أما كبشة بنت كعب بن مالك فإن ابن حبان ذكرها في الثقات، وأشار إلى أنها صحابية، ونقل أبو موسى بن المديني عن جعفر أنها صحابية، وقال ابن سعد : كبشة بنت كعب بن مالك أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهالة الصحابية لا تضر بإجماع أهل الحديث، وللحديث شواهده، ومن شواهده: ما رواه داود بن صالح التمار عن أمه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( إنما هي من الطوافين عليكم، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها )، وهذا الحديث رواه أبو داود و الطحاوي في مشكل الآثار، إلا أن الحديث لا يفرح به فإن داود بن صالح التمار تكلم فيه الحفاظ، والصواب أنه موقوف، ثم إن أمه مجهولة، والواقع أن جهالة أمه ينظر فيها إلى القواعد العامة، فهذه الأم هي من كبار التابعين؛ لأنها تروي عن الصحابة، ولم يرو عنها إلا داود ، وهي لم تخالف الثقات.
إذاً: الراوي عنها داود وهو ضعيف فلا يفرح به، ولكنا نقول: إنه شاهد لحديث الباب.
ومعلوم أن الأئمة إذا رأوا للحديث طرقاً ضعيفة تنجبر فإنهم يحتملونها ويعلمون أن الحديث له أصل، كما قال يحيى بن سعيد القطان يقول: بحثت لـعبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر عن نافع عن ابن عمر في حديث الولاء، قال: فوجدت له متابعاً وهو أخوه، يعني الثقة يتابعه، المكبر وهو عبد الله بن عبد الله العمري المكبر، وهو ضعيف والمصغر ثقة حجة، فهذا يدلك على أنهم يجمعون الطرق كي يعلموا أن هذا الحديث له أصل، هذا شيء، والشيء الآخر: أن من العلماء المعاصرين من رأى أن الرجل إذا لم نعلم حاله، ولم نر أحداً من المتقدمين حكم عليه بالجهالة، ولم نجد له جرحاً ولا تعديلاً، يقول: فإننا لا نقول عنه: مجهول الحال، هذه طريقة الإمام عبد الرحمن المعلمي حينما رد على الكوثري ، قال: وحكم الأستاذ له بالجهالة فإن أمثالنا إذا لم نجد كلاماً للأئمة في هذا الرجل فإننا لا نحكم عليه بالجهالة، وهذا من ورعه رحمه الله، والأفضل أن نقول: ذكره البخاري في التاريخ الكبير و ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكره بجرح ولا تعديل ونتوقف في حاله، أو نذكر القواعد العامة في قبوله من رده، فإذا رأينا أنه من كبار التابعين وقد وافق الأصول ولم يأت بركاكة لفظ، فإننا نقبله، خاصة إذا جمعنا له طرقاً تدل على أن الحديث له أصل، وكان الراوي له ليس من الضعفاء والله أعلم.
ومن الشواهد أيضاً: حديث أنس الذي رواه الطبراني في الصغير، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( إن الهر من متاع البيت لن يقذر شيئاً ولن ينجسه )، وهذا الحديث في سنده أيضاً ضعف؛ لأن في سنده عمر بن حفص لا يدرى من هو كما قال الذهبي ، وجاء الحديث من حديث جابر رضي الله عنه، وهو شاهد أيضاً رواه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، وفيه تدليس محمد بن إسحاق .
فهذه الطرق تدل على أن حديث أبي قتادة صحيح، وهذه طريقة للمتقدمين وهي أنهم يرون أن الحديث إذا تعددت طرقه، وكان بعضها أحسن حالاً من بعض، فإنهم يصححون الأقوى، وإن كان البعض من الأحاديث والشواهد يضعفونها، فطريقة الأئمة في التصحيح أنهم يقبلون حديثاً واحداً ويحسنونه، ويرون أنه لم يخالف.
المثال على ذلك: ما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله حينما سأله ابنه عبد الله في صيام أيام البيض، قال: إلى أي شيء تذهب؟ قال: إلى حديث عبد الملك بن قتادة بن ملحان عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يحث على صيام أيام البيض )، والإمام أحمد احتج بـعبد الملك هذا مع أن علي بن المديني حكم عليه بأنه مجهول، وإنما احتج به أحمد لأنه رأى أنه قد روى عنه جماعة وهو من كبار التابعين؛ لأنه روى عن صحابي ووافق الأصول، ورُوي الحديث عن أبي المليح عن أبيه، وروي من حديث أبي ذر ، وإن كانت هذه الأحاديث إلى الضعف أقرب ولم يذكرها أحمد مع أنها مشهورة، وترك ذلك وأخذ بحديث عبد الملك ، هذه هي طريقتهم رحمهم الله جميعاً.
وقال بعض علماء اللغة: إن الهر يقع على الذكر والأنثى، وقد يدخلون الهاء في المؤنث.
وقوله: ( إنها ليست بنجس )، بفتح الجيم كما ذكر ذلك أكثر أهل الحديث، كـالمنذري و النووي و ابن دقيق العيد وغيرهم.
وقوله: (نجس) يعني: عين النجاسة، يعني: أنها ليست نجسة الذات، وأما النجس بكسر الجيم فالمقصود به الشيء المتنجِس أو المتنجَس، كالثوب إذا وقعت فيه نجاسة فيقال: ثوب نجِس، وأما الكلب فإننا نقول: نجَس، والنجَس يمكن أن يكون نجاسته حسية، ويمكن أن تكون نجاسته عينية، كما قال الرب جل وعز: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [المائدة:90]، والرجس بعضهم يقول: هو النجَس كما حكى ذلك بعض علماء الحديث، وقد ذكر بعضهم أن الخمر نجس وهو قول الأئمة الأربعة, وقد تحدثنا عن هذا في مجالس عدة وقلنا: إن الراجح أن الخمر ليس بنجس.
وقوله: ( إنها من الطوافين عليكم والطوافات )، الطائف: هو الخادم، والغالب فيه أنه يخدم برفق وأناة، والطواف فعال يعني: كثير الخدمة والتطواف والدخول والولوج، كما قال الله تعالى في حق الإيماء: لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ [النور:58]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنها ليست بنجس )، جملة استئنافية قصد بها معنى التعليل، بعدم نجاسة الهرة، لكثرة دورانها ووجودها في البيت، ودخولها على أهل البيت مما يشق صون الأواني والأطعمة والمياه عنها.
المسألة الأولى: استدل بعض أهل العلم -وهو قول جمهورهم- على أن سؤر الهرة وفم الهرة طاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنها ليست بنجس )، وأن أبا قتادة توضأ من سؤرها، وعلى فرض صحة حديث أنس : ( إنها من متاع البيت وإنها لا تقذر شيئاً ولا تنجسه )، وهذا هو قول مالك و الشافعي و أحمد وقول أبي يوسف و محمد بن الحسن من الحنفية.
والقول الثاني في المسألة: هو مذهب أبي حنيفة حيث ذهب إلى أن سؤر الهرة نجس، إلا أنه خفف فيه فكره سؤره لعموم البلوى.
إذاً: أبو حنيفة يرى أن سؤره الهرة مكروه لعموم البلوى، وإلا فالأصل أنه نجس.
ودليل أبي حنيفة هو ما رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار، من طريق أبي عاصم عن قرة بن خالد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر أن يغسل مرة أو مرتين ).
وهذا الحديث يرويه أبو عاصم الضحاك عن قرة بن خالد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ، و قرة بن عبد الرحمن الضعيف وليس قرة بن خالد .
إذاً نقول: إن جميع الرواة الذين رووا عن محمد بن سيرين ، وهم: هشام بن حسان و أيوب السختياني وهم أوثق الناس في محمد بن سيرين كلهم لم يذكروا لفظة الهرة، وأن قرة بن خالد أخطأ فيها.
فدل ذلك على أن الحديث منكر، ثم إن أبا عاصم النبيل أخطأ فيه، فإن الرواة رووه عن قرة بن خالد في ولوغ الكلب مرفوعاً، وفي ولوغ الهرة موقوفاً على أبي هريرة ، وهذا هو الذي رجحه الإمام البيهقي و النووي رحمة الله تعالى على الجميع.
إذاً: الراجح والله أعلم أن سؤر الهر طاهر.
أما دليل النجاسة: فقد روى البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الهرة تقع في السمن، قال: ( ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم )، فدل على أن ميتتها نجسة، إذاً: لحمها نجس، وكذا روثها وبولها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنها ليست بنجس )، يعني: إنها من الطوافين.
إذاً: العلة بعدم نجاستها ليس في ذاتها، ولكن لأنها من الطوافين علينا والطوافات.
وذهب الشافعي إلى طهارة سؤر السباع إلا الكلب والخنزير، وذهب مالك إلى كراهة ذلك لا على سبيل التحريم، وذهب أبو حنيفة إلى الفرق بين سؤر سباع الطير وسؤر سباع الوحوش، فقال: إن سؤر سباع الوحوش نجس، وسؤر سباع الطير مكروه، قال: لأنها لا تلغ؛ لأن وجود المنقار الذي كأنه شيء ليس مثل اللسان واللحم، هذا قول أبي حنيفة .
والراجح والله أعلم أن جميع الأحاديث الواردة في طهارة سؤر السباع ضعيفة، ومنها حديث: ( لها ما في بطونها ولنا ما بقي طهور )، من حديث أبي سعيد وهو حديث ضعيف، وكذلك في قصة عمر بن الخطاب مع عمرو بن العاص حينما قال: ( يا صاحب الحوض! هل ترد فيه السباع؟ قال
إذاً: السباع الكلب والخنزير لا إشكال، والهرة وما دونها في الخلقة لا إشكال في طهارتها، وما عدا ذلك فإنه نجس.
ودليل ذلك حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمير بسرج ومن غير سرج، ومن المعلوم أنه كان يتعرق وهو راكب الحمار، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنهم كانوا يتقون ذلك، وهذا هو الراجح وهو مذهب الإمام الشافعي .
إذاً: الحمار والبغل سؤره طاهر على مذهب الشافعي ؛ لأنهم يرون طهارة سؤر السباع مطلقاً، وعلى مذهب الحنابلة يقولون: إن الطهارة إنما هي في الهرة وما دونها في الخلقة، والصحيح كما قال ابن قدامة : إن الحمار والبغل طاهران، والله أعلم.
وذهب ابن حزم و ابن القيم في إعلام الموقعين، وهو رواية عند الإمام أحمد وروي عن جابر و أبي هريرة أن بيع الهر لا يجوز؛ لحديث معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: زجر عن ذلك، أقول: والصحيح هو قول الأئمة الأربعة في المشهور عنهم: أن بيع الهر جائز؛ لأنها عين مباحة النفع من غير حاجة، ويجوز اتخذها فجاز بيعها؛ لأن فيها منفعة وهي أكل الخشاش من الأرض والفئران.
وأما حديث معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر وإن كان مسلم قد ذكره في صحيحه، فإن هذا الحديث مما تكلم فيه الحفاظ، فإن الإمام أحمد يقول: معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير لا يكاد يكون هذا الإسناد إلا وبينهما عبد الله بن لهيعة يعني: يقول: إن معقل بن عبيد الله لم يسمع هذه الأحاديث من محمد بن مسلم بن تدرس المكي إنما رواها عن عبد الله بن لهيعة .
يقول ابن رجب: في شرحه للعلل الكبير: وقد تأملت عامة أحاديث معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير فوجدت عامتها من طريق ابن لهيعة ، وهذا ربما لا يقبله بعض المتأخرين، ويقول: لا ترد الأحاديث باحتمالات، لو كان الاحتمال من عندنا لقلنا: صحيح، لكن الاحتمالات من أئمة كبار، ويبعد أن يكون عامة أهل العلم على جواز بيع الهر، ويكون الحديث الصحيح على خلافه، هذا مما يبعد والله أعلم.
وعلى هذا فالراجح جواز بيع الهر كما يجوز اتخاذه، وهذا يوجد الآن بخلاف الكلب، فإن الكلاب كما مر معنا لا يجوز بيعه، والله تبارك وتعالى أعلم.
إذاً: هذه الزيادة رواها ثابت البناني عن أنس ، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزرموه )، يعني: لا تقطعوا عليه بوله، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، ثم دعا بذنوب من ماء فأهريق عليه، فلما صلى قال الأعرابي في صلاته: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً أبداً، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد حجرت واسعاً ).
وقوله: (جاء أعرابي) مبهم لم يعرف، وقد حاول بعض العلماء أن ينظر ويعرف من هو، فقيل: إنه ذو الخويصرة اليماني حرقوص بن زهير الذي كان بعد ذلك من رؤوس الخوارج.
وقال بعضهم: إنه الأقرع بن حابس التميمي وقال بعضهم: إنه هو عيينة بن حصن ، والصحيح أن الصحابة رضي الله عنهم في غالب الأحاديث إذا كان الذي يفعل شيئاً مخالفاً للمروءة فإنهم لا يذكرونه، بل يقال: أن رجلاً من بني مدلج، أن رجلاً من بني جهينة، أن رجلاً.. لأنهم لا يريدون ذكر مساوئ الناس، ولم يكونوا يتلذذون بذكر أخطائهم، وهذا منهج أصيل كان عليه الرعيل الأول، واليوم ترى وتسمع ممن يكثر ذكر الثلب، حتى إنه ربما يضيق عطنه ولا يتحمل قلبه ولا يصبر فؤاده على ذكر المحاسن، بل جعل هجيراه ذكر المثالب والمساوئ، وكأنه خازن النار يخشى أن يدخل أحد الجنة بغير حساب ولا عذاب، فإذا قيل: ما رأيك بمعاذ؟ قال: أنعم به لكن فيه كذا، فلا ينتهي إلا من القدح، فتجد أن هذا غالبه، حتى إذا ذكر عنده العالم الذي شاخت لحيته في خدمة العلم قال: قليل العلم ليس مثل فلان، وقد كان الإمام أحمد يذكر معروف الكرخي و معروف له اجتهادات صوفية، إلا أنه أقبل على صفاء القلوب، وأقبل على محاسبة النفوس، فكان الناس يذكرون محاسن معروف ، فقال بعض صغار الطلبة: يا أبا عبد الله ! حسبك من معروف أنه قليل العلم، فقال الإمام أحمد رحمه الله: يا هذا! وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف ، والله دائماً أتعجب من إنصاف الأئمة، وأقول: أين نحن من هؤلاء، يعني: أتظن أن أحمد بن حنبل الذي يعلم دقيق السنن، ويعلم كثيراً من الأشياء خفيت عليه أخطاء معروف ؟ لا، لكنه أحب أن يذكر محاسن الناس، والإنسان إذا ألف ذكر المحاسن سهل عليه ذلك، وقيل: إن أبا بكر رضي الله عنه لم يحفظ عنه لفظة نابية يمكن أن يتأسف عليها إلا لفظة واحدة، كما عند البخاري و مسلم أنه غضب على ابنه عبد الرحمن حينما أمره أن يطعم الضيوف، وذهب هو ليطعم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء من آخر الليل ووجد الضيوف لم يأكلوا، فقال لهم: ما شأنكم ودخل على زوجه، فقالت: إن الضيوف أبوا إلا أن تأتي، قال: فبحث عن عبد الرحمن ابنه فوجده مختبئ، فقال: قم يا غنثر! وهذه الكلمة تقال، ومعناها: الذي لا يحسن التصرف، فهذه الكلمة قالها أبو بكر لابنه ثم أتى بالطعام ومن شدة غضبه رضي الله عنه قدم الطعام إلى الضيوف، وقال: كلوا لا هنيئاً من شدة غضبه، ثم تذكر رضي الله عنه فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر عن حاله، هذه التي وجدت لـأبي بكر . ومع أن بين أبي بكر وبين عمر خلافات أحياناً تكون، حتى قال مرة أبو بكر : والله ما أردت يا عمر ! إلا خلافي، قال عمر: والله ما أردت خلافك يا أبا بكر ! قال: والله ما أردت إلا خلافي، قال: والله ما أردت خلافك، فأنزل الله قوله تعالى في سورة الحجرات: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ [الحجرات:2].
فكان من أدبهم أنهم لا يبحثون عن الأخطاء ولا يتوسعون في ذلك، نعم الرد على المخالف والرد على المخطئ من جادة السلف، لكن ثمة فرق بين المبالغة في الردود، وبين ذكر أخطاء الناس وعقائدهم.
قوله في الحديث: ( فدعا بذنوب من ماء )، الذنوب هو الدلو العظيم الممتلئ ماء، وقوله: ( فأهريق )، يعني: أريق أو صب على البول.
الأول: عناية الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين في المساجد، ونظافتها والعناية بها، ولا أدل على ذلك من أنهم غضبوا رضي الله عنهم حينما وجدوا هذا الأعرابي يبول في المسجد: ( فزجروه )، والزجر: هو رفع الصوت والذم على الفعل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كما عند البخاري من حديث أنس : ( البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها )، ومما يدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن هذه المساجد لا تصلح فيها شيء من هذا البول ولا القذر )، وقد كان الإمام البخاري يوماً يحدث أصحابه فكان أحد الحضور يعبث بلحيته، فوقع في لحيته بعض القذر، وكان البخاري يراه قال: فأخذه وأزاله من لحيته وألقاه في المسجد، يقول الراوي: وكنت أبصر أبا عبد الله حتى إذا انتهى المجلس ذهب إلى مكان القذر فأخذه ووضعه في كمه.
وهذا دليل على حرصهم رضي الله عنهم أجمعين، وإذا رأيت الرجل يهتم في تطبيق السنة، ويحرص على الاقتفاء بها، فاعلم بإذن الله أنه على خير.
والقول الثاني في المسألة: مذهب أبي حنيفة رحمه الله حيث إنه فرق، فقال: إن كانت الأرض رخوة كالرمل فإنه يصب عليها الماء حتى يتشربه، وإن كانت الأرض صلبة منحدرة حفر في أسفلها بحيث يمكن أن تغسل، وإن كانت صلبة مستوية فلا بد من حفر الأرض حيث تدخل النجاسة وإبعاد التراب النجس، واستدل على ذلك بأحاديث كلها واهية، منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احفروا مكانه ثم صبوا عليه ذنوباً من ماء)، وهذا حديث منكر ولا يصح.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله وهو رواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله أن النجاسة عين خبيثة متى ما زالت زال حكمها، وأن النجاسة تطهر بالريح إذا زال أثر وعين النجاسة، كما قلنا في حديث ابن عمر في البخاري أنه قال: ( كانت الكلاب تقبل وتدبر )، وفي رواية أبي داود : ( وتبول في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك )، قالوا: إن هذا دليل على أن النجاسة إذا زالت زال أثرها، واستدلوا على ذلك فقالوا: إن هذا الحديث -يعني حديث الأعرابي- ليس فيه دلالة على أن النجاسة لا تطهر إلا بالماء، ولكن فيه دلالة على أن الماء أقوى مفعولاً لإزالة النجاسة.
قالوا: ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ثوب المرأة وذيلها، فقال: ( يطهره ما بعده )، وهذا من المعلوم أن الذي يطهره ليس الماء ولكن هو التراب، وقد روى أبو داود وغيره من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه فإن رأى فيهما أذى فليمرغهما بالتراب فإن التراب لهما طهور )، وهذا القول قوي كما ترى، وإن كان الأولى أن يطهر الإنسان النجاسة بالماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( حينما سئل عن الثوب يصيبه دم الحيض قال: تحته ثم تقرصه ثم تنضحه بالماء ثم تصلي فيه )، وهذا يدل على أنه لا ينبغي ترك الماء إلا لضرورة، والله تبارك وتعالى أعلم.
والخلاصة: أن المنكر إذا لم يستطع عامة الناس إزالته، فإن الواجب بيانه أنه منكر، فإذا بين أنه منكر فلا يلزم لكل عالم أن يبين أنه منكر بعدما ثبت أنه منكر، وبعدما ثبت شرع الله أنه منكر، أما إذا لم يبين فإنه يأثم من كان قادراً على الإنكار.
ولهذا كلما كان الإنسان عالماً بفقه الإنكار، كلما كان راحماً للخلق كلما وسعه أخطاء الناس في هذا الأمر.
والناس يخطئون فلا يرون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا شيئاً واحداً وهو إنكار المنكر، فإذا رأوا العالم قد نصب جميع وقته لطلاب العلم يبين لهم دين الله سبحانه وتعالى، ويبين لهم أحكام الله في العبادات وفي المعاملات وفي غيرها قالوا: قم أنكر المنكر ولا تكن مسائلك في الحيض والنفاس فقط، وهذا جهل؛ لأن وظيفة العالم هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأمر الأول هو الأمر بالمعروف؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، لكن النهي عن شيء ليس أمراً لضده، فالعالم إذا جلس لتعليم الناس فقد أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، والإنسان إذا أزال أو أنكر المنكر فقد أنكر المنكر، لكن لا يلزم أن يكون أمر بالمعروف، وهذه قواعد في إنكار المنكر نسأل الله أن يرزقنا الله وإياكم الفقه في الدين.
واليوم إذا كان العالم يبين بعض سلوكيات بعض الناصحين قالوا: سلم منك صاحب المنكر ولم يسلم منك الناصح، لا، الناصح قريب إلينا أكثر قرباً من المخطئ، ولكن لأجل حماية الدين، ولأجل حماية شرع الله سبحانه وتعالى، ولأجل تحبيب الناس في الدين لا بأس أن يبين بأسلوب هين بعض أخطاء الناصحين، لكني أقول: مع ذلك لا ينبغي المبالغة في بيان بعض أخطاء سلوكيات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وترك المنكر نفسه، فإننا نلاحظ أن الناس يعيشون في هذا الأمر على طرفين ووسط؛ فبعضهم تجد إذا وقع منكر فجاء بعض الناس فأنكر هذا المنكر وكان في إنكاره منكر أو خطأ، فتجده يعنف على الناصح أكثر من تعنيفه على صاحب المنكر، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الناصح ربما يخطئ في الإنكار فيغفر له، والمنكر إذا وقع في المنكر ربما لا يغفر له.
أرأيت قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين )، وقال الله تعالى في حق موسى حينما لم يفعل هارون ما أمره موسى قال الله: وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ [الأعراف:150]، فـموسى حينما أنكر المنكر هل تصرفه كان صحيحاً؟ لا، ولهذا اعتذر فقال: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ [الأعراف:151]، ولكن هذا مغتفر كما كان عمر رضي الله عنه إذا جاء بعض الصحابة باجتهاد ضربه بالدرة، أو أخذه بتلابيب ثيابه وحمله، كما صنع مع أبي هريرة حينما قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( يا
إذاً: عمر إنما حمل هذا الخطأ غيره، فلا ينبغي المبالغة في إنكار خطأ عمر أكثر من خطأ المخطئ أصلاً، وهذه مهم جداً بيانها، فإننا نلاحظ أحياناً أن بعض الناس يبالغ في مثل هذا.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: لا، الخنزير ليس من السباع، لكنه نجس.
الجواب: الحديث الضعيف على مراتب:
المرتبة الأولى: أنه ليس بصحيح، ولكن له طرقاً يدل على أن له أصلاً، بمعنى أنه ينجبر، مثل أن يكون الرجل ضعيفاً، فإذا جاء ضعيف أخر يكون حسن لغيره، فهذا يحتج به.
الثاني: أن يكون الحديث الضعيف مما لا ينجبر، مثل أن يكون فيه انقطاع، مثل: الشعبي عن عائشة فلم يسمع الشعبي من عائشة ، لكن هذا الحديث موافق للقياس، فنجد أن الأئمة يعملون بهذا الحديث وإن كان ضعيفاً لموافقة القياس.
وهذا أحمد رحمه الله حينما جاء المسجد فشرع المؤذن بالإقامة قال: فجلس الإمام أحمد ولم يصلِ ركعتي التحية فلما قال: قد قامت الصلاة، قام، وهذا الحديث روي عن بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صنع ذلك، والحديث ضعيف، لكن الإمام أحمد قال: لأجل أن يصدق عليه أنه يقول: قد قامت الصلاة، وهذا وإن كان محل بحث في هذا لكن هذه طريقة الأئمة في هذا، والله أعلم.
الجواب: قلنا: دليلهم على ذلك أنها عين مباحة، ويمكن الانتفاع بها بلا حاجة، فالأصل أن كل عين مباحة يجوز بيعها؛ لأن الأصل في المعاملات الحل، والله أعلم.
الجواب: الحكم العام يكون طاهراً مطهراً، والله أعلم.
الجواب: الحنابلة رحمهم الله يقولون: الهرة وما دونها في الخلقة؛ لأن الهرة إذا كانت من الطوافين فدونها من الخلقة من باب أولى، ونحن نقول: إن الراجح -والله أعلم- أن سبب الطهارة هي أنها من الطوافين علينا والطوافات، والكلب بهذا يكون طاهراً، إلا أنه نص على إخراجه، والله أعلم.
وعلى هذا فقوله: ( إنها من الطوافين عليكم)، عام مخصوص، خص بعض أفراده بحديث: ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات ).
الجواب: نعم أرأيت البلبل، أليس تشتريه لصوته، فكذلك الهر تشتريه لحمله، والله أعلم.
الجواب: ابن لهيعة حاله على مراتب:
المرتبة الأولى: إذا روى عنه العبادلة: عبد الله بن المبارك و عبد الله بن وهب و عبد الله بن يزيد المقرئ أو المقري هؤلاء إذا رووا عن ابن لهيعة فإن بعض أهل الحديث قال: إن حديثه حسن، والصحيح: أن حديثه أحسن حالاً من غيره، ولكنه مع ذلك ضعيف، وهذا هو الأقرب، وعلى هذا فإذا روى العبادلة عن ابن لهيعة في هذا، فإننا نقول: يجبر خبره إذا روى الحديث ضعيف مثله.
الجواب: نعم يصح سماع أبي الزبير من جابر فإن عطاء يقول: كنا إذا أردنا أن نحفظ حديث جابر قدمنا أبا الزبير المكي ، وأما القصة التي رواها ابن عدي في الكامل من طريق ابن أبي مريم عن الليث بن سعد أنه قال: قلت لـأبي الزبير : كل هذه الأحاديث قد سمعتها من جابر ؟ قال: لا، قال: أعلمني على ما سمعت فأعلمني، هذا لا يدل على أن أبا الزبير لم يسمع من جابر ، ولكن هذه الأحاديث فقط، وإلا فإن أبا الزبير من حفاظ أحاديث جابر .
والله أعلم، ولعلنا نقف عند هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر