إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه! وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه! ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد وصلنا إلى أحاديث باب الآنية, وسوف نشرح إن شاء الله حديثين: حديث حذيفة وحديث أم سلمة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: [ عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة ) متفق عليه.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) متفق عليه ].
أولاً: الآنية: جمع إناء، كأسقية جمع سقاء, وهي الأوعية، والمراد بها الأوعية والأواني التي يستخدمها الإنسان في الأكل والشرب والوضوء وسائر الاستعمالات, والأصل في الآنية هو الحل والطهارة, فإذا رأيت إناء فالأصل أنه طاهر, حتى يأتي شيء ينقل هذا الأصل إلى غيره؛ لقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29].
وقد جاء عن حذيفة من طريق عبد الله بن عكيم كما عند مسلم , ومن حديث أبي وائل , ومن حديث قتادة كلهم عن حذيفة بألفاظ مختلفة, بعضهم ذكر: ( فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة ), وهذه لفظ البخاري , وفي لفظ: ( ولكم في الآخرة ), كما رواه مسلم وغيره.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ولا تأكلوا في صحافها ), الصحاف: جمع صحفة؛ وهي الإناء التي تشبع الخمسة, وهي الصحفة ما بين القصعة والمئكلة؛ لأن المئكلة يأكلها الواحد والاثنان فهي أقل, والقصعة يأكلها العشرة, وأكبر منها الجفان. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا تأكلوا في صحافها ), هذا يسميه العلماء: ما خرج مخرج الغالب أو المثال, وإلا فإن كل إناء فيه ذهب أو فضة فإنه يحرم الأكل فيه؛ لعموم: ( فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة ), فيكون لفظ: الصحاف إنما خرجت مخرج الغالب؛ لأنها كانت عادة فعلهم.
والقاعدة عند علماء الأصول: أن كل ما خرج مخرج الغالب فإنه لا مفهوم له, فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا تأكلوا في صحافها ), مفهومه: أن غير الصحاف يجوز؛ لأنه يمكن يفهم معنى آخر منه, لكن هذا ليس مراداً عند علماء الأمة؛ لأن العلماء يقولون: إن هذا خرج مخرج الغالب, وما خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له. وهذا يدل على أن لغة العرب يؤخذ منها علم الأصول, فإن من موضوع علم الأصول علم العربية.
يقول صلى الله عليه وسلم: ( فإنها لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة ), وفي رواية: ( ولكم في الآخرة ), هذه بلا شك جملة تعليلية, وهي باعتبار الواقع, لا باعتبار الجواز لهم, فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإنها لهم في الدنيا ), ليس معناها: أنها تجوز لهم في الدنيا, ولكن معناها: أنها خرجت مخرج الاستعمال والواقع, وهي جملة تعليلية يعني: سبب المنع لأنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة, وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: ( أن من شرب في إناء الذهب والفضة لم يشربها في الجنة ولو دخل الجنة لم يشربها ), وهذه عقوبة له حينما فرط في ذلك, وهذا حرمان, والضمير في قوله: (لهم), يعني: للكفار, وهذا معلوم من السياق كما قال الله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26], فالضمير عائد على الأرض. وفي هذا الحديث مسائل:
والتمسوا أيضاً عللاً, قالوا: إن في ذلك كسراً لقلوب الفقراء, والواقع أن مثل هذه العلل ليست قوية, والذي يظهر والله أعلم أنها غير منضبطة, فالآن الألماس أغلى من الذهب والفضة, والبلاتين أغلى من الذهب والفضة, فهل معنى هذا أن الفقير إذا رأى عليك الألماس وانكسر قلبه, أن ذلك حرام عليك لبسه؟ لا؛ ولهذا فإن الراجح والله أعلم: أن العلة هي التشبه بالكفار؛ ولأنها حلية أهل الجنة, فأراد الله سبحانه وتعالى ألا يلبسها عباده في الدنيا؛ لكي يتنعموا بها في الآخرة, فمن شرب في إناء الذهب والفضة في الدنيا لم يشرب فيهما في الآخرة.
وذكر ابن القيم تعليلات أخرى, منها: أنها تخالف الهيئة التي مقصودها عبودية العبد لله سبحانه وتعالى, فإن العبد إذا استعمل آنية الذهب والفضة يأتيه من الفخر والكبر والعزة ما لا يكون في غيرها؛ لكن لو قيل بذلك لحرم على النساء. إذاً فالراجح والله أعلم -كما هو قول عامة أهل العلم- أن الحكمة من ذلك هي التشبه بالكفار؛ ولأن الله سبحانه وتعالى جعلها خالصة للمؤمنين في الجنة.
وعلى هذا فالذين كرهوا ذلك أخطئوا, وهذا مسلك عند بعض أهل العلم, وهذا طريقة بعض الذين اهتموا بالمقاصد, إذا جاءنا حكم عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يعلل هذا الحكم, فالتمس العلماء لهذا الحكم علة, فإن من الفقه ألا نعلق الحكم وجوباً أو استحباباً على وجود هذه العلة؛ لأن هذه العلة تسمى عن العلماء مستنبطة, والعلة المستنبطة لا يمكن أن يدور الحكم عليها وجوداً وعدماً.
إذا عرفنا ذلك فإن من الأخطاء أننا نقول: إنه إذا وجد كسر لقلوب الفقراء فإنه يمنع, وإذا لم يوجد فإنه يجوز, مع العلم أن هذه العلة مستنبطة, وهذا من الأخطاء.
والراجح والله أعلم: أنه كما قال الشاطبي فإن من أعظم مقصود الشارع امتثال المأمور, وهذا منها.
فعموم الحديث يفيد أن كل إناء فيه ذهب أو فضة، أو جزء من الذهب والفضة فإنه يمنع.
إذاً المطلي بحيث لو عرض على النار بقي منه شيء هو المحرم, وأما إذا لم يبق منه شيء فهذا لا حكم له، والله تبارك وتعالى أعلم.
أقول: في هذه المسألة أقوال:
القول الأول: ذهب عامة أهل العلم -وهو قول الأئمة الأربعة- إلى أن الحكم عام في جميع الاستعمالات, هذا هو مذهب الحنفية والمالكية, والصحيح عند الشافعية؛ لأن القول الثاني ضعيف, وهو قول الحنابلة، بل حكى النووي الإجماع على ذلك, فقال: انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب وسائر الاستعمالات في إناء الذهب أو الفضة, إلا ما حكي عن داود وقول الشافعي في القديم, ثم قال: فهذا مردود بالنصوص والإجماع, ثم قال: فحصل مما ذكرنا أن الإجماع منعقد على تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة والتجمر, والبول في الإناء فيهما, ومنها المكحلة والميل, وظرف الغالية -الذي هو الطيب- وغير ذلك, ولا شك أن في نقل الإجماع نظراً؛ فإن ثمة خلاف معروف عند أهل العلم, ولهذا كان القرطبي أدق في عبارته قال: وهو قول جمهور أهل العلم سلفاً وخلفاً, ثم قال: وروي عن بعض السلف الترخص بالاستعمال، وهذا مردود بالأحاديث العامة.
إذاً نحن نعرف أن قول الأئمة الأربعة أن الاستعمالات كلها حرام, مثل ما ذكرنا: الكباك أو القلم أو النظارة وغير ذلك, ما دليلهم؟ قالوا: لعموم الأحاديث الدالة على المنع من استعمال الذهب والفضة في الأكل والشرب, قالوا: فالأكل والشرب استعمال, وفي غير الأكل والشرب بنفي الفارق, إذ أن الحكمة التي منعت بالأكل والشرب موجودة في الاستعمال, إذ لا فرق, بل إنه أحياناً يكون الاستعمال أشد من الأكل والشرب؛ لأن في الغالب الذي يأكل ويشرب يكون في مكان ليس عاماً, بخلاف استعماله بالقلم واستعماله بالنظارة, واستعماله في بعض الحاجات, فإن إظهار ذلك على الملأ أكثر, فمنعه من باب أولى, فهذا يسميه العلماء: قياساً مساوياً, وكما قلت: إن هذا هو قول عامة أهل العلم, قالوا: كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10], ومن المعلوم أن أكل أموال اليتامى لا يقتصر على الأكل, بل بمجرد الأخذ والانتفاع به من غير الأكل داخل في هذا الحكم, فدل على أن ذكر الأكل والشرب إنما خرج مخرج الغالب, والقاعدة: أن ما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له.
القول الثاني: قالوا: إن التحريم خاص في الأكل والشرب, وأما سائر الاستعمالات فلا بد فيه من دليل، ولا دليل.
والغريب أن هذه المسألة نقل الإجماع عليها خلق كثير؛ منهم النووي و ابن القيم , بل قال ابن القيم : فيعم سائر وجوه الانتفاع, يقول: وهذا أمر لا يشك فيه عالم, هذا قول ابن القيم , والمسألة فيها خلاف, وممن خالف في هذه المسألة الصنعاني كما في سبل السلام, و الشوكاني كما في نيل الأوطار, وشيخنا محمد بن عثيمين كما في الشرح الممتع, وأما قول عامة أهل العلم فإنهم قالوا: لا يجوز الاستعمال.
ودليل أصحاب القول الثاني: قالوا: إن قياس الاستعمال على الأكل والشرب قياس مع الفارق, فثمة فرق بين الأكل والشرب والاستعمال, هذا قول الشوكاني , والذي يظهر والله أعلم: أنه لا يوجد فارق كبير, نعم فارق بأنك تأكل بالشيء أو لا تأكل به؛ لكن هذا الفارق غير مؤثر بدليل أن المقصود الأعظم من الاستعمال هو مشابهة الكفار, والكفار يستعملون في الأكل والشرب وفي غيرها.
واستدلوا أيضاً بما عند البخاري أن أم سلمة ( اتخذت جلجلاً من فضة, فيه شعرة من شعرات رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان إذا مرض المريض تأخذ من هذه الشعرات وفيها الماء, تصب على المريض فيشفى بإذن الله ), الشاهد: أن أم سلمة التي روت حديث الشرب والأكل هي التي اتخذت جلجلاً من فضة, هذا قول الشوكاني و الصنعاني وشيخنا محمد بن عثيمين .
والغريب أن الشوكاني قال: والوقوف على ذلك الأصل المعتضد بالبراءة الأصلية هي وظيفة المنصف الذي لم يخبط بصوت هيبة الجمهور, والبراءة الأصلية هي الحل, فيقول الشوكاني : إن هذا القول هو الذي يظهر, أما أن تدعي الإجماع فليس ثمة إجماع, والذي يظهر والله أعلم: أن القول بحرمة الأكل والشرب فحسب ظاهرية مخالفة لقول عامة أهل العلم, فمن أخذ بالاعتبارات والأقيسة وعدم الفارق, فليس ثمة فارق أصلاً بين الأكل والشرب؛ لأن العلة التي منعت من الأكل والشرب موجودة في غيرها, بل ربما تكون في الاستعمال أظهر وأكثر انتشاراً من الأكل والشرب؛ لأن الغالب أن الإنسان لا يأكل إلا في زواء وانطواء, لا يكون في الغالب على الملأ.
فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والأصح عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة وهو قول جمهور أهل العلم إلى أن المنع في الاتخاذ كالمنع في الاستعمال, وعلى هذا فلا يجوز اتخاذ الذهب والفضة.
وهذا القول -كما قلت- هو قول جماهير أهل العلم؛ قالوا: لأن كل ما لا يجوز استعماله لا يجوز اتخاذه, كآلات اللهو, فلا يجوز استعمال آلات اللهو فلا يجوز اتخاذها, ولا يجوز استعمال الخمر فلا يجوز اتخاذه, وقالوا: ولأن الاتخاذ وسيلة إلى الاستعمال, والوسائل لها أحكام الغايات, وقالوا: ولأن العلة الموجودة في الاستعمال موجودة في الاتخاذ, وفيه من ضياع المال ما لا يخفى, هذا قول الجمهور.
القول الثاني في المسألة: قول أبي حنيفة وقول عند الشافعية ورواية عند الحنابلة, قالوا: إن الاتخاذ ليس بحرام, وقالوا: إن النهي إنما ورد في الأكل والشرب, فيدخل في كل ما كان أكلاً أو شرباً أو استعمالاً, وأما الاتخاذ فهو ليس بأكل ولا شرب ولا في معنى الأكل والشرب.
وقالوا: لأن النص ورد بالأكل والشرب, فذكر الاتخاذ على أنه في عموم النص محل توقف, قالوا: ومما يدل على ذلك: أنه روي عن بعض السلف أنه اتخذ شيئاً من ذلك, كما أنه انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس فاتخذ مكانه سلسة من فضة, وقالوا: هذا يمكن أنه لا يكون مستعملاً؛ لأنه إذا انكسر واتخذه سلسلة ربما يصب الماء بالجوانب, فهذا نوع من الاتخاذ, وكذلك حديث أم سلمة . ولا شك أن الاتخاذ أخف بكثير من الاستعمال, ولكننا نقول: إنه يمنع لا لأنه محرم؛ ولكنه من باب ضياع الأموال, والله تبارك وتعالى أعلم. فالنهي للكراهة الشديدة, والإسراف.
ذهب عامة أهل العلم إلى أن استعمال إناء الذهب والفضة في الوضوء محرم والوضوء صحيح؛ قالوا: لأن النهي هنا ليس عائداً على ماهية العبادة, ولا على وصفها الذي لا ينفسخ عنها, إذ أن النهي محرم في الصلاة وفي الوضوء وفي غيرها, فيكون وضوء العبد صحيحاً مع الإثم.
وذهب الحنابلة رحمهم الله إلى بطلان هذا الوضوء, ونسبه بعضهم إلى ابن تيمية رحمه الله؛ لأن ابن تيمية رأى أن النهي إذا كان عائداً لحق الله فسدت به العبادة, وإذا كان عائداً على حق المخلوق توقف برضاه, وعلى هذا القاعدة فيكون ابن تيمية رحمه الله -كما نقل ذلك صاحب الإنصاف وغيره- يرى فساد العبادة, وإن كان له قول كما في مجموع الفتاوى نص على أن الصلاة صحيحة مع الإثم, وأن الوضوء صحيح مع الإثم, فلعله يكون له قولان في هذا, والله تبارك وتعالى أعلم.
جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون أن اللباس- لباس الذهب والفضة- محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هذان -وجعل في أحد يديه الحرير والذهب- حرامان على ذكور أمتي, حل لإناثهم ), وهذا الحديث ضعيف لا يصح, وقالوا: إن لبس الذهب والفضة محرم, ولا شك أيها الإخوة! أن الاستعمال في اللباس مثل الاستعمال في غير اللباس, وعلى هذا فالكبك والأزرة داخلة في العموم, وعلى هذا فقول جمهور أهل العلم داخل في عموم النهي, وأما حديث علي بن أبي طالب : ( هذان حرامان ), وحديث أبي موسى كلها أحاديث لا تصح.
القول الثاني في المسألة: هو تجويز الفضة, وأما الذهب فيجوز أن يكون تابعاً, وهذا هو اختيار ابن تيمية رحمه الله، ورواية عند الإمام أحمد .
استدلوا على ذلك قالوا: فأما الفضة فلحديث: ( فأما الفضة فالعبوا فيها ) -والراجح: أن هذا الحديث ضعيف- واستدلوا أيضاً بالفضة يقول ابن تيمية : فإذا جاز لبس خاتم فضة في حق الرجال, فإنه يجوز ما كان بمثله في غير الخاتم, يعني: إذا كان الخاتم وزنه مائة وخمسون جراماً, أو مائتان جرام، فإنه يجوز للرجل بمثل هذا, يقول: ومن فرق بينهما لم يصب, والواقع والله أعلم أن قول أبي العباس هنا قوي؛ لأنه إذا جاز لنا لبس الخاتم فإنما يجوز لنا أن نستعمل الفضة بمقدار الخاتم, فإذا كان هناك ساعة فيها فضة بمقدار مائة وخمسين جراماً, أو مائتين جراماً فضة, فإنه لا فرق بين الساعة وبين الخاتم, وإذا جاز لبس الخاتم فوجود القلم في استعمال الفضة مثله، والله أعلم.
وعلى هذا فاستعمال الفضة في اللباس أو المكحلة بمقدار جرامات الخاتم يجوز, إذ لا فرق بين الخاتم وغيره, كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية , هذا القول الثاني.
قالوا: وأما الذهب فإنما يجوز مقطعاً؛ لحديث معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن لبس الذهب إلا مقطعاً ), وهذا الحديث الراجح أنه حديث ضعيف, ثم إنه لو صح فقد اختلف العلماء في تفسير معنى (مقطعاً), مما يدل على أن الحديث مشكل؛ ولهذا فالراجح والله أعلم أن الحديث ضعيف, وابن تيمية جوز يقول: كالأزرة, واستدلوا: ( بأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم أقبية بين أصحابه, ولم يعط
والجمهور قالوا: أما حديث المسور بن مخرمة : ( مزرراً بذهب ), فقالوا: هذا كان في أول الإسلام, ثم إنه يحتمل أنه ليس للبس الرجال؛ إنما أعطاه لأجل ينتفع بها, كما: ( أعطى النبي صلى الله عليه وسلم
والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم: أن لبس الذهب في حق الرجال محرم, فلا يجوز للرجل أن يلبس الساعة التي فيها ذهب -وهناك ساعات كثيرة فيها ذهب- وأما على رأي ابن تيمية فإذا كانت الساعة أكثرها نيكل, أو أكثرها حديد ثم فيها شيء من الذهب فهو تابع, فيخفف فيها ابن تيمية , والجمهور على المنع, والأولى المنع, وأما إذا كانت ساعة كاملة فهذه ليست تابعة.
وأما الفضة فالراجح والله أعلم أنه يجوز فيها بمقدار جرامات الخاتم, إذ لا فرق بين أن يجوز النبي صلى الله عليه وسلم لبس الخاتم وبين أن يجوز ما كان مثله أو دون.
فرواه علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن زيد عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أم سلمة بلفظ: ( الذي يشرب أو يأكل في إناء الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ), وهذه الزيادة من علي بن مسهر أخطأ فيها قطعاً؛ لأن عشرة -منهم مالك بن أنس و يحيى القطان - لم يذكروا هذه اللفظة عن نافع . هذا أولاً.
ثانياً: أن يحيى بن سعيد القطان رواه عن عبيد الله من غير ذكر الأكل ومن غير ذكر الذهب, فدل ذلك على أن علي بن مسهر أخطأ فيها, ولأجل هذا أشار الإمام مسلم رحمه الله أن علي بن مسهر تفرد بها, وكذلك الإمام البيهقي و الحافظ ابن حجر رحمهم الله.
إذاً البخاري و مسلم كان فيهما من الدقة التي جعلتهم يذكرون هذا دون ذكر الأكل والذهب.
ومن المسائل أيضاً: دقة علماء الحديث, حيث أنهم إنما كانوا يذكرون ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم, فكونهم لم يذكروا الأكل دل ذلك على أنهم كانوا من الدقة بمكان.
ومن الفوائد أيضاً: أن بعض الأشياء مما يفعلها المرء في دنياه فإنه يعذب بها في الآخرة والعياذ بالله, فالذي يشرب في إناء الذهب والفضة يوم القيامة يعذب به؛ يجرجر في بطنه نار جهنم والعياذ بالله, عقوبة له على الاستعمال.
ومثل ذلك: ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ), فيعذب كعباه بسبب الإسبال. والذي يأكل أموال اليتيم يعذب به: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10], وهذا يدل -كما هو مذهب أهل السنة والجماعة- على أن الإنسان ربما يعذب جزء من بدنه دون سائر البدن, فليتق الله امرؤ عصى الله بسمعه, أو عصى الله ببصره, أو عصى الله بحاسة من حواسه, فلا يظن أنه لن يعذب بها, بل ربما عذب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: ( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا [الإسراء:97], قالوا: يا رسول الله! كيف يحشرون على وجوههم؟ قال: أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ), فهذا يدل والعياذ بالله على الإعراض, وأنتم تعملون أن الذي لا يؤدي الزكاة إذا سئل عن الزكاة أول الأمر يسأل فيقابل تلقاء وجهه, ثم يشيح بجنبه, ثم يسير خلفه فقال الله تعالى: فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ [التوبة:35]؛ لأنه أول ما يقال له: زك يا فلان! يكون قبال وجهه, ثم يعرض, فيكون عن جنبه, ثم يسير من خلفه ويترك السائل, يكون خلف ظهره فيعذب بذلك, نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة والعافية.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: بعض أهل العلم يقول: حديث أم سلمة : ( جلجلاً من فضة ), وجاء في بعض الروايات: ( من قصة ), وليس: ( من فضة ), لكن ذكر الحافظ ابن حجر أن الصحيح أنه: ( من فضة )؛ لكن الذي يظهر والله أعلم أن هذا نوع من الاتخاذ وليس من الاستعمال، والاتخاذ أخف من الاستعمال؛ لأنها وضعت الشعرات في هذا الماء, ثم إن هذا الحديث لعل أم سلمة رضي الله عنها قالت بذلك بمذهبها.
والجلجل: هو الجرس أخذ لسانه وحصاته وبقي, فبعضهم يقول: إنه لم يكن كاملاً, وهذا لم يكن ببعيد؛ لأن مثل هذه الأشياء لا يصنع بذهب أو فضة, لكن لا بد أن نعرف أن قضايا الأعيان لا يقاس عليها.
الجواب: الراجح والله أعلم: أنه إذا فاته الركوع الأول فقد فاته الركن من الصلاة, وحينئذٍ فإنه إذا سلم الإمام قام وصلى, ثم هو بعد بالخيار: إما أن يقضي على نحو صلاة الإمام -كل ركعة فيها ركوعان- أو يقضيها على نحو صلاة الفجر، وإن أتى بركوعين فهو الأفضل، والله أعلم.
الجواب: الله يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69], إذاً لا بد في أول الأمر أو العبادة, أو وقت الشباب لا بد أن يعتري الإنسان حظوظ دنيا, يعتريه بعض المشاغل, فلا بد أن يكون قوياً بإيمانه, بأن يلازم الطاعة ولو كان على كره, ولن يتلذذ بها, ثم شيئاً فشيئاً حتى يجد لذة ذلك, وقد أشار سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى أن الإنسان يغفل ويسهو في صلاته, عندما قال له ابنه: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5], ظن أن الساهي في صلاته, قال: يا بني! وأينا ذلك؟ وإنما المقصود أن يؤخر الصلاة عن وقتها, فأنا أقول: إذا استمر الإنسان في الطاعة؛ في قراءة القرآن, في تسبيح, في ذكر الأوراد الصباح والمساء, في الصيام شيئاً فشيئاً حتى يلين قلبه, وأنتم تعلمون أن الشيطان -كما قال ابن عباس - جاثم على قلب ابن آدم, فإذا غفل وسها وسوس, وإذا ذكر الله خنس.
الجواب: الصحيح والله أعلم: أنه لا بأس بالأحجار الكريمة, كالألماس, وكذلك لا بأس باستعمال المسبحة المصنوعة من الأحجار الكريمة, هذا هو الذي يظهر وهو قول الحنابلة والشافعية وغيرهم.
الجواب: والله أنا ما أدري, يعني: مثل المسائل هذه استفت قلبك, لا تكون هذه المسائل محل تنازع واختلاف, الحق أبلج, فكل من وقع منه محظور من محظورات أهل الإسلام, أو وقع ببدعة, فهذا نقول: هو آثم بالوقوع في البدعة, وإذا هو لم يقع ببدعة, أو لم يقع بخطأ شرعي عندنا فيه من الله برهان ودليل, فإننا لا نستطيع أن نحرم ما لم يكن عندنا فيه برهان.
أما الالتزام بعبادات غير مشروعة فنقول: هذا غير مشروع, أما أن نبطل كياناً, أو نبطل جماعة فهذا ينبغي أن يكون عندنا فيه من الفقه ما لا يخفى والله أعلم, فالآن بعض الإخوة الذين يذهبون جزاهم الله خيراً في توعية الجاليات وغيرها, فيهم خير, لكن هل نقول: كل الناس يذهبون معهم؟ لا, لا نقول ذلك، فليس معنى هذا أننا إذا أبحنا أو قلنا: إن فعلهم جائز أو غير ذلك أننا نقول: إنهم على سنة محمد صلى الله عليه وسلم, لا, لكن يقع منهم أخطاء لكنهم على خير, نسأل الله أن يرزقنا وإياهم التوفيق والتسديد.
الجواب: الجراد يجوز أكله على المحرم؛ الذي يظهر والله أعلم أن الجراد ليس صيداً, هذا الذي يظهر بادئ الأمر, فلا بأس بأكله, لكنه يؤكل خارج الحرم, يعني: ما يصاد في الحرم, إلا إذا كان آذى, فإذا آذى مثل الذي ينتشر في الأرض فيضطر الإنسان إلى أن يطأه فهذا لا حرج في ذلك, أما أن يصيده ليأكله فنقول: لا؛ لكن لو أخذه خارج الحرم, ثم أتى به فلا حرج إن شاء الله.
الجواب: نقول: الزكاة عليك أنت, أنا الآن دفعت كل شهر ألف ريال, فإذا حال الحول أزكي أموالي أنا فقط, ليس أموال الغير, والله أعلم.
الجواب: الدليل: أن كل ما كان طاهر اللحم فهو طاهر الروث والبول، كما هو قول عامة أهل العلم, واستدل العلماء بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلوا في مرابض الغنم ).
الجواب: جاء في بعض الروايات كما قلنا: حديث ابن عمر ( فإنه لا يشربها في الآخرة ), وهذا وعيد؛ لكن أن يتغمده الله برحمته فهذا غير ممتنع, كسائر أهل الوعيد، والله أعلم.
الجواب: يضع سبابتيه في صماخ أذنيه, وظاهر إبهامه على خلف الإبهام, خلف الأذنين هكذا, والله أعلم.
الجواب: نعم, هو نسبي؛ لكن إذا كان بعض الناس يأخذه من باب الإسراف والتبذير, أنا رأيت صوراً لقصر يقولون فيه كذا وكذا من الذهب, يعني: كذا كيلو, يعني: ما هو الآن جرامات فقط, كيلو, وهذا العمود كذا فيه من كيلو من الذهب أعوذ بالله! هذا لا يليق, هذا من الإسراف بلا شك.
الجواب: استعمال الذهب لا يجوز, وأما الفضة إذا كانت يسيرة, مثل: السبحة اليسيرة إذا كانت بمقدار الجرام فلا حرج، والله أعلم.
الجواب: إذا كان في طهر جامع فيه, تقع واحدة, هذا قول ابن تيمية رحمه الله، واختيار شيخنا ابن باز وشيخنا محمد بن عثيمين والله أعلم.
الجواب: الذهب الأبيض هو الذهب الأحمر؛ لكن يطلى بمادة بحيث تعجن مع هذا الذهب فيكون لونه أبيض, لكنه الأصل أنه أحمر, فهذا لا يجوز لبسه والله أعلم. وأما إذا كان ليس ذهباً أحمر, ولم يخالط بالأحمر فهذا جائز, ولكن لن يكون غالياً, إلا إذا كان فيه مادة بعض المعادن غالية الثمن.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر