الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:
فقد وصلنا إلى باب الوضوء، وقد أنهينا باب إزالة النجاسة ونحن عند أحاديث باب الوضوء:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتاب بلوغ المرام كتاب الطهارة: باب الوضوء: [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ) أخرجه مالك و أحمد والنسائي وصححه ابن خزيمة وذكره البخاري تعليقاً ].
والذي يظهر والله أعلم وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله -فيما أحفظ- أن الوضوء بهذه الصفة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه، وبينها لنا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته من خصائص سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أما أصل الوضوء فإنه من سنن الأنبياء، فإن في بعض شرائع الأنبياء تجد وضوءهم غسل اليدين فقط، كما جاء عند الترمذي (من سنة الأكل الوضوء قبله والوضوء بعده)، يعني بذلك غسل اليدين.
قال: ولما يدل عليه اللفظ؛ لأن أبا هريرة حينما يقول: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم)، هل يمكن أن يقول أبو هريرة : أمتي؟ هل يمكن لـأبي هريرة -أمر آخر- أن يقول: لأمرتهم؟ فهذا مما يدل على أن مالكاً -كما قلنا مراراً- ربما ينشط فيذكر الحديث موصولاً، وربما يذكره موقوفاً، وهذا دائم موجود عند مالك ، فغالب ما في الموطأ يرويها موقوفة، وقد رواها الجماعة والحفاظ عن مالك نفسه أنه رواها موصولة.
واعلم أن الحديث (مع كل وضوء) كذا رواه الجماعة عن مالك ، وقد رواه عبد الله بن وهب الإمام الحافظ الثقة من أصحاب مالك فأخطأ فرواه عن مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بلفظ: (مع كل صلاة)، وهذا وهم منه رحمه الله؛ ذلك أن عبد الرحمن بن مهدي و إسحاق الطباع ، و إسماعيل بن أبي أويس وغيرهم رووه عن مالك عن الزهري عن حميد بلفظ: (عند كل وضوء)، وأما الجماعة في البخاري و مسلم فرووه عن مالك بلفظ آخر وبإسناد آخر، فرواه البخاري و مسلم عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: ( لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )، فأخطأ عبد الله بن وهب ، فذكر إسناد هذا بلفظ هذا، وهذا يدل على أنه مهما بلغ الإنسان من العلم ومن الحفظ فإنه يهم إذا كان يروي من حفظه، وقد قلت لكم: إن بعض طلاب العلم حينما يأتيهم حديث أبي داود الطيالسي قالوا: يهم وتنتهي، أبو داود الطيالسي ذهب إلى البصرة ولم يكن معه كتب، فطلبوا منه طلاب العلم في البصرة أن يحدث لهم، فحدث لهم ستين ألف حديث من حفظه! ستين ألف حديث فوهم في بعض الأحاديث، فتجد بعض طلاب العلم يقول: أبو داود الطيالسي يهم، طيب! لكن في كم يهم؟ ستين ألف حديث، وهذا يدل على أنهم كانوا يتقون أحاديث الحفظ؛ لأن المدعاة إلى الوهم طبيعي، فكان الإمام أحمد على حفظه يحدث من كتاب، وكان إسحاق يحدث من حفظ، ومرة من المرات حدث فقال بعضهم: لعله كذا، قال: لا، أبيت، فقال: نعم، قال لغلامه: اذهب فأحضر الكتاب من الصندوق، وافتح صفحة كذا سطر كذا -انظر الحفظ- فذهب ففتح الصفحة وفتح السطر فوجده كما قال إسحاق ! وهذا نعم الله سبحانه وتعالى، قتادة بن دعامة طلب من شخص فتح المصحف، وقال له: امسك لي سورة البقرة، فقرأ سورة البقرة لم يخرم منها حرفاً ولا كلمة، ثم لما انتهى من السورة قال له: إيه أحفظت؟ يعني: أيش رأيك؟ قال: نعم بارك الله فيك، قال: لأنا لحديث جابر أشد حفظاً من سورة البقرة! الله أكبر.
على هذا فإن الحديث صحيح، وقد رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم بلفظ: ( عند كل وضوء )، ورواه في صحيحه هو و مسلم وغيرهما عن طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ).
واعلم أن البخاري يرويه معلقاً، والمعلقات في صحيح البخاري وصحيح مسلم إلا أن المعلقات الموجودة عند مسلم تعد بالأصابع فهي لا تكاد تتجاوز خمسة أحاديث معلقة، وأما البخاري فهي كثيرة، و البخاري له تفنن فيها، فيرويها مرة بصيغة الجزم ومرة بصيغة التمريض.
والمعلق أن يحذف المصنف الذي هو البخاري مثلاً الرجل أو الرجال الذين أخذ عنهم إلى الصحابي أو من دونه، فيقول: قال ابن عباس فيحذف ما بينه وبين ابن عباس ، أو يقول: قال مجاهد بن جبر عن ابن عمر ، فيحذف الرجلين الذين بينه وبين مجاهد بن جبر فهو يقول لك: ما حذفته من الرجال فقد كفيتك المئونة فهم ثقات، ويبقى النظر في الرجل الذي ذكرته هل سمع من فلان أم لم يسمع من فلان؟ وهذا لا يدل عليه، فأقول: المعلقات في صحيح البخاري على نوعين: معلقات ذكرها بصيغة الجزم أو التمريض وأسندها في موضع آخر، فهذه لها حكم شرط البخاري .
النوع الثاني: معلقات لم يوصلها ويسندها في مواضع من كتابه، فهذا القسم الثاني على نوعين:
القسم الأول: معلقات بصيغة الجزم بأن يقول: قال ابن عباس : إنها لقرينة الحج في كتاب الله، يعني: العمرة مع الحج، وقال ابن عمر : الحج والعمرة فريضتان، هذا ذكره بصيغة الجزم، فحكمه عند بعض أهل العلم أن المعلق بصيغة الجزم في صحيح البخاري يفيد الصحة عنده وإن لم يكن على شرطه، وذهب بعض أهل العلم قال: إن المعلقات بصيغة الجزم منها ما هو على شرطه، ومنها ما هو على غير شرطه وهو صحيح، ومنها وهو قليل ما يفيد الضعف، ولكن هذا قليل، وهذا أظهر، فنقول: إن البخاري إذا رواه معلقاً بصيغة الجزم فالغالب أن الحديث صحيح عند البخاري وإن لم يكن على شرطه ما لم يذكر ضعفه، يقول: قال ابن عباس كذا ويذكر فلان أنه لم يسنده إلا فلان، فهذا تضعيف له، لكن الغالب أن البخاري إذا رواه معلقاً بصيغة الجزم فهو صحيح عنده، ويمكن أن يكون على شرطه، وممكن ألا يكون على شرطه.
أما ما ذكره بصيغة التمريض، ويذكر عن الحسن البصري أنه قال: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم، فهذا يمكن أن يكون ضعيفاً ويمكن أن يكون حسناً أو صحيحاً، وهو إلى الضعف أقرب، والله أعلم.
وعلى هذا فإذا روى البخاري حديثاً معلقاً بصيغة التمريض فلا يدل على ضعفه مطلقاً لكن البخاري لم يرتضيه له، والله أعلم.
والسواك يستحب في مواضع، ذكر الحافظ منها موضعين:
الموضع الأول: مع كل وضوء.
والثاني: عند كل صلاة، كما سوف نذكر إن شاء الله تفصيلاً في ذلك.
والثالث: حينما يدخل الإنسان بيته، كما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك).
والرابع: في الليل حينما يتهجد كما جاء في الصحيحين من حديث حذيفة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك)، وبعضهم يقول: إذا تغيرت رائحة الفم كما إذا قام من النوم.
والخامس: إذا قرأ القرآن، فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد إذا صلى فإن الملك ليضع فاه على موضع فيَّ القارئ، فما خرج من فيِّ القارئ دخل في فيِّ الملك، ألا فطيبوا أفواهكم بالسواك أو بالقرآن )، وهذا الحديث رواه البزار ، وقال: لا نعلمه روي بإسناد صحيح مثل هذا، وبعضهم يرويه موقوفاً وهو أصح، ولكن له حكم الرفع، فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يكاد يروي عن أخبار بني إسرائيل.
ومن الأشياء أيضاً المستحبة في السواك عند قراءة القرآن، وعند دخول المنزل، وعند الوضوء، وعند الصلاة، وعند تغير الرائحة، فتغير الرائحة جعل بعضهم يقول: إذا قام من النوم مطلقاً بناءً على حديث حذيفة ، نحن قلنا: إذا قام من الليل، وبعضهم يقول: إذا قام من أي نوم، وبعضهم يقول: إذا تغيرت رائحته بأن أكل شيئاً وهذا من باب أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ).
واعلم أنه ليس في شريعة الإسلام تكليف كما يقول ابن تيمية رحمه الله، يقول: لا كما يقوله بعض المتفقهة إن الشريعة تكليف، أو إن بعض الأعمال الصالحة فيها نوع أو إن الشريعة إنما وجد فيها التكليف لامتحان القلوب وخلاف هوى النفس، يقول: فإنه ليس في الكتاب ولا السنة، وليس في كلام السلف ما يدل على أن الشريعة تكليف، وإنما جاء التكليف في النفي، كما قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7]، فهذا يدل على أنه ليس في الشريعة تكليف.
ثم يقول رحمه الله: بل غالبها غاية السرور والبهجة والراحة والطمأنينة، يقول: وإن جاء التكليف والمشقة ضمناً وتبعاً ولكنها ليست مقصودة في الشرع، فـابن تيمية ينكر أن يقال: الشريعة فيها كلفة يقول: ليس فيها كلفة، بل إن الله منع عن الأمة ما يفرضه عليهم لوجود الكلفة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( لولا أن أشق على أمتي لأمتهم بالسواك )، وإن كان ثمة مشقة ضمنية ليست مقصودة كما قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:120]، وقوله صلى الله عليه وسلم لـعائشة كما في الصحيحين: ( إن أجرك على قدر نصبك )، فهذه المشقة جاءت ضمنية، أما أن يكون الأجر مقصوداً للمشقة فلا، فلو أن شخصاً بيته بعيد فأراد أن يركب السيارة يقول: لا أريد أن أتعب، وشخص يريد أن يمشي، فنقول للذي يمشي لماذا؟ فإذا قال: لأكثر خطاي، قل له: أنت أفضل من الذي ركب السيارة، أما الآخر يقول: أنا أريد أن أتعب، سأذهب إلى الحج مشياً، نقول: لا، ليس المشي مقصوداً هنا؛ لأنه لم يأت فيه فضل، فلو ركبت فهو أفضل والله أعلم.
وقوله: (لأمرتهم) أي: لأوجبته عليهم، ولألزمتهم به، كما جاء ذلك صريحاً عند النسائي أن أبا هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( لفرضت عليهم السواك )، بلفظ الفرض، ومن المعلوم أن الفرض في الشرع يطلق على الوجوب، والله أعلم.
وقوله: (بالسواك) بكسر السين، والسواك اسم للعود الذي يتنظف به، وهو إما أن يكون من الأراك، أو من البشام أو من كل ما يجلو الأسنان كما ذكر أبو عمر بن عبد البر ويطيبها، وعد بعضهم أن من السواك أن يكون بالأصبع وذكروا في ذلك أحاديث، كما روى ذلك الطبراني وغيره من حديث عثمان وغيره، ولكن الصحيح أن ذلك لا يصح، والله أعلم، إلا ما جاء عن علي أنه قال: (فمضمض قال: فرأيته يدخل أصبعه في فيه)، وهذا الحديث تكلم فيه الحفاظ أيضاً، وقال بعضهم: يكفي الأصبع في السواك، والذي يظهر والله أعلم أن ذلك لا يكفي.
وهل يكفي الخرقة؟ فنقول: الذي يظهر أن الخرقة يؤجر عليه الإنسان من باب التنظف لا من باب فضل السواك والله أعلم، وإلا فإن السواك اسم للعود الذي يتنظف به الإنسان ولا يؤذيه، وإلا لو تنظف بعود يؤذيه فإنه لا يؤجر على ذلك؛ لأنه آذى نفسه، والله أعلم، إلا إذا كان من الأراك وهو لم يحسن أداءه واستعماله، فبعض الناس يكون سواكه يابساً ولا يرطبه، فإنه معروف أن الصحابة والسلف يرطبونه، والدليل على ذلك ما جاء في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءته الوفاة، تقول
وقوله: (مع كل وضوء)، وفي لفظ: ( عند كل وضوء )، وهذا المعنى واحد يفيد الظرفية لهما جميعاً، وجاء في الحديث الآخر: ( مع كل صلاة )، وهذا كما سوف يأتي إن شاء الله، والحديث فيه مسائل وفوائد:
ثم إن قوله: ( مع كل وضوء )، أو ( عند كل صلاة ) يفيد أن ذلك من باب ذكر الخاص وإلا فإن النفي إنما هو لوجوب السواك مطلقاً، فإذا كان مشروعية السواك عند كل صلاة وعند كل وضوء حث النبي صلى الله عليه وسلم عليها حثاً شديداً، ومنع القول بالوجوب لمشقتها فغيرها من باب أولى، ثم إن حديث أبي سعيد : ( غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ) فإن في لفظ الشارع -إذا قلنا: في لفظ الشارع أي: الكتاب والسنة- لم يرد لفظ الوجوب بمعنى الواجب في المصطلح الفقهي أو الأصولي، وإنما وجب بمعنى لزم، أو سقط، كما قال تعالى: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا [الحج:36]، يعني: سقطت، والله أعلم، ولهذا قال أبو عمر بن عبد البر في وجب يعني: تأكد، ولا يلزم في ذلك الوجوب، والله أعلم.
والذي يظهر والله أعلم أن الأصل في الأمر هو الحتمية والوجوب، وإن كان لا مانع من خروج هذا الأمر إلى الاستحباب بدليل، ولا يلزم من هذا الدليل أن يكون نصاً في الكتاب والسنة، فيمكن أن يكون ظاهر القرآن أو ظاهر السنة أو بدلالة الإيماء، أو بدلالة اللغة، أو بدلالة الواقع التي هي فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يلزم من ذلك أن يكون نصاً، ومنه تعلم أن العلماء كما حكى ذلك ابن عبد البر أن الأصل في باب الآداب الاستحباب، فهذا التفريق لم يكن مقصود الآداب إلا لأن الأصل في الفعل الاستحباب، فإذا كان في الفعل الاستحباب، فكيف يكون صفة الفعل واجباً؟ هذا باب الآداب، فهذا هو المقصد من ذلك أنهم إذا قالوا: باب الآداب من باب المستحبات فالأوامر في باب الآداب من باب المستحبات؛ لأنه أصل مشروعية الفعل يدل على الاستحباب، فكيف يكون صفة الفعل يدل على الوجوب، فهذا بعيد، والله أعلم.
واستدلوا على ذلك بما جاء من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خير خصال الصائم السواك )، وهذا الحديث لا يفرح به، فإن في سنده مجالد بن سعيد يرويه عن الشعبي عن مسروق عن عائشة ، و مجالد يقولون: فإن مجالداً لا يكاد يحدث لك حديثاً إلا قال لك: عن الشعبي عن مسروق عن عائشة يعني: إنه ما يضبط، فهو دائماً هذا الإسناد على لسانه، مثل بعض الإخوة إذا بدأ يخرج الحديث قال: رواه الإمام أحمد ؛ لأنه يمكن أن الذي يغلب على ظنه أن الإمام أحمد رواه، فإن مجالداً لا يكاد يحدث لك حديثاً إلا قال عن الشعبي عن مسروق ، وهذا يدل على أن مجالداً ليس من أهل الإتقان، ومن أهل الحفظ، ولكننا نقول: عموم النص يفيده.
وأما حديث عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يستاك وهو صائم)، فهذا الحديث ضعيف؛ إذ أن عاصم بن عبيد الله ضعيف في الحديث، ولا يكاد يقبله الأئمة.
وذهب الحنابلة والشافعية إلى أن السواك بعد الزوال يكره، وأما قبل الزوال فيستحب إلا أن الحنابلة قالوا: يستحب قبل الزوال بيابس ويباح برطب رحمهم الله، وأما بعد الزوال فيكره.
واستدلوا على ذلك بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي )، وهذا الحديث ضعيف؛ لأن مداره على رجل يقال له: كيسان أبو عمر يرويه عن يزيد بن بلال عن علي رضي الله عنه، واختلف في رفعه مرة، وفي وقفه مرة، وهو ليس بالقوي كما قال الدارقطني ، وعلى هذا فالحديث ضعيف موقوفاً ومرفوعاً، وبعضهم استدل بقوله صلى الله عليه وسلم: ( لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) قال: فدل على أن تغير رائحة الفم للصائم مقصودة، والسواك الرطب أو غير الرطب يغيرها ويزيلها، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر خبر الرائحة لا مشروعية وجودها، وثمة فرق، فالرسول إنما أخبر بأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله، ولم يقل: إن وجوده أفضل؛ لأنه لو كان وجوده أفضل لتقصدها الصائم بحيث يكون تسحره مبكراً لأجل حصول هذه الرائحة وليس بصحيح.
الثاني: أنه في رواية مسلم : ( لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة )، فهذا يدل على أن رائحتها تنقلب يوم القيامة في فمه طيباً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة اللون لون دم والريح ريح مسك )، فهذا يوم القيامة، والله أعلم.
وعلى كل فالراجح والله أعلم كما قلت: أنه لا بأس بالسواك، بل يستحب للصائم السواك، وهو قول أكثر الصحابة كما كان عمر بن الخطاب يصنع: ما رأيت أحداً أدأب للسواك وهو صائم من عمر رضي الله عنه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر