الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لمرضاته، وأن يجعلنا من حملة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، الذابين عن عرضه وسنته وشريعته يا رب العالمين.
وقد وصلنا إلى حديث عائشة من أحاديث بلوغ المرام من باب الوضوء، وهو حديث عائشة المعروف: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في شأنه كله ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في كتابه بلوغ المرام: [ عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله ) متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم ) أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة .
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته، وعلى العمامة والخفين ) أخرجه مسلم .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( ابدءوا بما بدأ الله به ) أخرجه النسائي هكذا بلفظ الأمر، وهو عند مسلم بلفظ الخبر.
وعنه رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه ) أخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) أخرجه أحمد و أبو داود و ابن ماجه بإسناد ضعيف.
و للترمذي عن سعيد بن زيد و أبي سعيد نحوه، وقال أحمد : لا يثبت فيه شيء ].
وقد رواه البخاري و مسلم من طريق أشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة ، إلا أن مسلماً رواه بلفظ: ( كان يحب التيمن في شأنه كله في نعليه، وترجله، وطهوره )، وفي رواية عند البخاري : ( كان يحب التيمن ما استطاع )، وهذه أحفظها: ( كان يحب التيمن ما استطاع ).
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم للتيمن إنما هي لأمور:
أولاً: امتثالاً لأمر الله فيما فرضه الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ابدءوا بما بدأ الله به )، وقد بدأ في الوضوء بالميامن؛ امتثالاً لمجمل الأمر.
ثانياً: أنه من باب البركة، فإن التيمن واليمن يطلق على البداءة باليمين، ويطلق أيضاً على البركة، ولهذا جاء في الحديث: ( إن من يمن المرأة يسر خطبتها وتيسير صداقها )، وهذا يدل على البركة.
ثالثاً: أن في البداءة باليمين تكرمة لليمين نفسها، ولأجل هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: ( كل بيمينك قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت، ما منعه إلا الكبر )، وهذا تكرمة لليمين، ومن تكبر عن ذلك فقد باء بالخسران.
وأما قوله: (التنعل)، أي: لبس النعل، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا خلع فليبدأ باليسار، ولتكن اليمنى أولهما تنتعل وآخرهما تنزع).
وقوله: (الترجل) ومعنى الترجل: تقول: ترجل فلان إذا نزل من فرسه، ويطلق الترجل على تسريح الشعر، ولذا سمي المشط مرجل، وهذا هو المقصود في الحديث، وقال: ( وفي طُهوره ) بضم الطاء، والمراد: فعل الطهارة، أما بالفتح فالمراد الماء نفسه، وقد ذكر ابن الأثير عن سيبويه : أنه يجوز بالفتح إرادة المصدر وإرادة الفعل، فيشمل المعنيين، فيكون (طَهوره) يشمل على الماء نفسه ويشمل الفعل، والمقصود في هذا الحديث أصالة الفعل، فهو يحب التيمن باغتساله، وفي وضوئه، وفي شأنه كله.
وقوله: ( وفي شأنه كله ) يعني: في شأن كل أمره، وهذا الحديث ليس على عمومه، ولكن هذا العموم يفيد رغبته عليه الصلاة والسلام على فعل اليمين، وإن كان ما لم يكن فيه تكرمة لليمين فلا يفعل في اليمين، فالمقصود هو الدخول باليمين والأكل والشرب واللباس وغير ذلك، وكل ما له ميمنة وميسرة فالأفضل فعل اليمين، وهل هذا على عمومه؟ قلنا: الصحيح أن هذا ليس على عمومه، فإن الخلاء والتنظف وغير ذلك إنما يفعل باليسار، ولأجل هذا جاءت رواية حفصة وفيها: ( كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شماله لما سوى ذلك )، وهذا الحديث أخرجه أبو داود والإمام أحمد ، وإن كان في سنده رجل يقال له: أبو أيوب الأفريقي وهو ضعيف، ومثله حديث عائشة أنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل يده اليسرى لخلائه، وما كان من أذى )، وهذا الحديث رواه أبو داود من طريق إبراهيم النخعي عن عائشة ، والأئمة كـابن المديني وغيره يقولون: إن إبراهيم النخعي لم يسمع من عائشة ، وهذا الحديث فيه ضعف، ولكن معناه صحيح، وعلى هذا أكثر أئمة الدين، وأكثر شراح الحديث فذهب إليه ابن دقيق العيد و النووي و أبو العباس بن تيمية ، و ابن المنقب وغيرهم كثير كثير على أن اليسار تفعل في كل ما فيه تنظف أصالةً، وقولنا: أصالةً؛ لأن التنظف إن دخل تبعاً فإنه لا يفهم منه اليسار.
وزعم الفخر الرازي أن أحمد رحمه الله يقول -رواية عند الإمام أحمد- بوجوب البداءة باليمين، وهذا ليس بصحيح، فقد حكم الزركشي رحمه الله في شرحه للخرقي أن هذه الرواية منكرة شاذة، بل قال صاحب الإنصاف: بغير نزاع نعلمه، وهذا يدل على أن هذه اللفظة منكرة عن أحمد ، ونسبها أيضاً للإمام أحمد الرافعي الشافعي بشرحه للوجيه وليس بصحيح، وإن كان هذا قول الإمامية والزيدية كما نقل ذلك الشوكاني في السيل الجرار، ولكن أئمة الدين على أن البداءة مستحبة، والله تبارك وتعالى أعلم.
الذي في البلوغ بلفظ: (في الوضوء)، وهذا رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، وأما ( مع كل صلاة ) فهو متفق عليه من حديث أبي هريرة .
ذكرنا هذه المسألة وقلنا: إن القول الأول: استحباب اليسار نص عليه أحمد ، بل قال ابن تيمية رحمه الله: ولم أعلم إماماً خالف فيه، وهذا هو قول القرطبي رحمه الله في المفهم، و العراقي في طرح التثريب، بل قال القرطبي : ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بالسواك في المسجد ولا في محافل الناس؛ لأن هذا من باب الأذى والقذر والتنظف، فلم يكن من سنته أن يتسوك في المسجد، فهذا القول غريب.
قال ابن تيمية : وكان السلف يتسوكون في المساجد، فكيف يقال: إنه يكره؟ وهذا هو معروف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسوك بأبي هو وأمي إذا بدأ في الصلاة كما مر معنا، وكان السلف يصنعون ذلك، فكيف يقال: إن ذلك مكروه؟ أما إذا تسوك الإنسان بقصد التنظف من مأكله، فهذا ينبغي له ألا يفتح فمه؛ لأن هذا من غير المروءة مثل: إذا أكل الإنسان شيئاً من المكسرات وغيرها، وأراد أن يتسوك عند الناس بأن يبالغ في التنظف حتى ربما تقزز الناس من منظره فهذا ليس من السنة، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يشتد أن توجد منه الريح، وكان عليه الصلاة والسلام يحب أن يأتي إلى الناس بمثل ما يحب أن يأتوه به.
القول الثاني: قالوا باستحباب اليمين، وهذا هو قول المجد أبو البركات جد أبي العباس بن تيمية ، وقد استغرب كثير من العلماء أصحاب الحنابلة كيف يقول ابن تيمية : لا أعلم إماماً خالف فيه، وجده يقول باستحباب اليمين، والذي يظهر والله أعلم بلا تكلف أن الإنسان بشر مهما أوتي من علم، فقد تخفى عليه السنة، فـابن تيمية رحمه الله خفي عليه قول جده، ولا يقال: إن ابن تيمية إنما قصد إماماً ممن يسمى إماماً كالأئمة الأربعة، ولا يقصد من سماه الناس إماماً فإن المجد لم يكن له مذهب يقتدى به، فقد حاول بعضهم كـابن قندس في حواشي الفروع أن يقول ذلك، ولكن الذي يظهر أن ذلك وهم من أبي العباس ، ومما يدل على ذلك أنه نقل عن مالك أنه قال: الأمر فيه واسع، لكن هذا القول الثاني قالوا باستحباب ذلك، وله أدلة منها:
حديث ابن عمر كما في الصحيحين، و مسلم رواه معلقاً -يقال: لا يكاد يوجد أحاديث معلقة عند مسلم إلا خمسة، هذا منها- قال: ( رأيتني وأنا في المنام، وأنا أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، فدفعت السواك إلى الأصغر منهما، فقيل لي: كبر كبر، فدفعت للأكبر )، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يتسوك ثم دفعه دليل على أنه لم يكن يعطي بالشمال، فدل على أنه كان يتسوك باليمين، فلو كان يتسوك باليسار لقال: فأخذ بيده اليسرى إلى اليمنى كما قال في وضوئه: ( وأفرغ بيده اليمنى ) في الوضوء.
الدليل الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين في قصة وفاته عليه الصلاة والسلام ( إذ دخل
واستدل بعضهم على ذلك ( بأن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) فهو عبادة، ولو قيل كقول مالك : إن الأمر فيه واسع لم يكن ببعيد، فإن أي عبادة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبين لنا صفتها دل على أن صفتها جائزة على الإطلاق، وأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، ويبعد أن يكون الصحابة لم ينقل عن واحد منهم أنه يستحب اليمين أو الشمال، فلم ينقل عن واحد منهم، فيبعد أن يكون ذلك من الفاضل الذي يرغب فيه، فدل ذلك على أن الأمر فيه واسع، وقد جاء في رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يحب التيمن في ترجله، وتنعله، وطهوره، وتسوكه )، وهذا الحديث رواه ابن ماجه وفيه ضعف، وهو ضعيف، فاللفظة شاذة وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم أنه جائز، سواء باليمين أو بالشمال. والله تبارك وتعالى أعلم.
استحباب اليمين في شأنه كله، وهذا كما قلنا: في ما له ميمنة وميسرة، وهل يقال في ذلك: استحباب اليمين حينما يتنازع الناس في الدخول إلى البيت، أو الدخول إلى الغرفة، فبعضهم مجتمع هل يقدم اليمين أم ماذا؟ فنحن نمشي فإذا وصلنا إلى الباب قلنا: ( الأيمنون ) حديث أنس في الصحيحين، على التيمن أو يبدأ بالكبير، أو ليس فيه سنة؟
الذي يظهر والله أعلم في مثل هذه الصورة أنه ليس فيها سنة واضحة، ولم يبلغنا قصة عن الصحابة أو عن السلف في ذلك، إلا ما روي عن محمد بن نصر المروزي أنه كان مع إسحاق بن إبراهيم ومعهم جماعة فأراد أن يدخلوا البيت، فقال إسحاق: تقدم، يمن، فقال محمد بن نصر : بل كبر، فأنت أكبر مني سناً وأكبر مني علماً، وهذا من تواضع محمد بن نصر ، وهذا آخر ما وجدت، ولم أجد قصة في مثل هذا إلا هذه، والذي يظهر، والله أعلم، أن هذه مثلها، مثل ما لو جاء إنسان بماء إلى جماعة هل يقدم من في يمين المجلس أم يقدم الكبير؟ الذي يظهر والله أعلم أنه يقدم كبير القوم، فإن الرجل كما في الصحيحين من حديث سهل ( أنه جاء بقدح من لبن، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم -فالرسول بأبي هو وأمي أكبر علماً وأفضل مقاماً وأعلى شأناً- ثم دفعه النبي صلى الله عليه وسلم لمن هو عن يمينه، فاستأذن الأعرابي فقال: تأذن أن أعطي الشيوخ، قال: والله لن نؤثر بشربتك أحداً، فتلّه)، يعني: كأن الرسول غضب حينما لم يؤته، ونحن نقول: إن الأقرب والله أعلم أنه يكبر كما قال صلى الله عليه وسلم: ( كبر كبر )، إلا في حال واحدة وهي كلما كان فيه قربة؛ لأنه إذا كان فيه قربة، فإن الله يقول: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26].
النوع الأول: إذا قصد به الزهد، فإن هذا مكروه مثل أن يتقدم شخص إلى المسجد فيزهد أن يجلس في الصف الأول فيجلس في الصف الأخير، أو يبتعد عن قربه من الإمام، فينبغي له أن يتقدم إلى المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد : ( تقدموا وائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله )، وفي حديث مسلم من حديث أبي مسعود البدري : ( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ).
النوع الثاني: إذا قصد به تأليف القلب، يعني: مثل أن أمشي مع شخص فقلت له: تفضل، قال: لا، تفضل أنت، هذا من باب الكرم والتقديم وإدخال السرور، فإذا قصد إدخال السرور فلا حرج.
فلو قال قائل: هذا ليس فيه قربة قلنا: هناك أدلة تدل على ما ذكرت منها: قصة عائشة عندما جاءها رسول عمر فقالت: إن عمر يستأذنك أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: والله! لقد كنت أرغب في ذلك ولأوثرنه في ذلك.
وذكر ابن القيم في المجلد الثالث من زاد المعاد عندما ذكر هذه المسألة قال في قصة المغيرة بن شعبة حينما ( ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره خبر القوم في فتح مكة، فقال
وكان عمر رضي الله عنه إذا ( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بان على وجهه أثر الغضب قال: لأضحكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يدخل السرور، وإذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غضب يقول: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، يكررها حتى يسكن غضبه صلى الله عليه وسلم ) كما في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة .
وفي مرة من المرات ( رأى عليه الصلاة والسلام واجماً ساكتاً وأثر الغضب على وجهه، قال: فلما دخلت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده
ويستحب للإنسان أيضاً أن يقصد في أفعاله حتى الدنيوية البركة واليمن والفأل، ودائماً استشعر الفأل في حياتك، واستشعر الفأل في قراءتك للعلم، وفي حضورك، حتى حضورك للعلم وأنت مرهق وقد أذن العشاء أو أذن المغرب وتعلم أن عندك درساً، وتقول: الله المستعان أنا متعب لعلي أؤجل هذا، فاستشعر البركة التي أتت فيها، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( ما جلس قوم في مجلس من بيوت الله يتدارسون كتاب الله فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده ) استشعر هذا الأمر، واستشعر وأنت تطيع والدك أن ذلك من البركة التي تكون لك ولأولادك بعدك، واستشعر وأنت تطلب العلم أن ذلك نعمة من الله سبحانه وتعالى وبركة لك، فمن استشعر هذا الأمر صار علمه نعمة له.
ولهذا ( كان صلى الله عليه وسلم يسأل، فيقول: اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا )، فالعلم بركة، وهذا في شأنك، حتى في نومك، ولهذا قال معاذ : وإني أحتسب في نومتي كما أحتسب في قومتي، وهذا مهم جداً، حتى إن أحدهم لو أراد أن يأتي أهله يقول: ( اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يرزق ولد لم يضره الشيطان أبداً )، وهو يريد أن يفرغ شهوته، ومع ذلك يستشعر أن يحصل له ولد بسبب ذلك، فيبارك الله له.
ويقول لي أحد الرجال: والله! ما أتيت أهلي إلا تمنيت أن يولد لي أناس يجاهدون في سبيل الله، وهذا الفأل نعمة عظيمة، وقد رزق كما قال فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، فاستشعار هذه النعمة مطلب، والله أعلم.
ولفظة أحمد (بميامنكم)، وقد أشار إلى أن الترمذي لم يروه ابن الملقن رحمه الله، وإنما روى الترمذي والنسائي حديث أبي هريرة : ( كان إذا لبس قميصاً بدأ بميامنه )، والحديث يرويه عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، فما هو الفرق بين هذا الإسناد والإسناد الذي قبله الذي يرويه عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ؟
الفرق في سند هذا الحديث لم يذكر زهير بن معاوية ، وزهير بن معاوية يرويه عن الأعمش ، و شعبة يرويه عن الأعمش ، وأكثر تلاميذ شعبة لم يذكروا ( إذا لبس قميصاً ) بل رووه بلفظ آخر، وأما عبد الصمد بن عبد الوارث فأخطأ في هذا الحديث، والله أعلم، وعلى هذا فرواية مسلم ( إذا لبس قميصاً ) ضعيفة، ولكن المعروف: ( إذا لبستم وتوضأتم ) والله أعلم.
وقوله: ( إذا لبستم وتوضأتم فابدءوا بميامنكم أو بأيامنكم )، قلنا: إن الصحيح أن ذلك على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب، والذي قال بوجوب ذلك رواية عند الإمام أحمد نقلها الرازي و الرافعي ويقول بوجوبه الزيدية.
ينبغي أن نذاكر حتى نستحضر العلم، يقول ابن دقيق العيد جالست أبا العباس بن تيمية فكأن العلم بين عينيه يأخذ ما شاء ويدع ما شاء، كل واحد يحفظ، لكن الشأن في استحضار ما حفظ، فكثيرون الذين يحفظون المتون ويحفظون الأقوال ويحفظون كذا، ولكن مشكلتهم أنهم لم يعودوا أنفسهم طريقة الاستحضار، وهذا هو الفرق فالاستحضار أولى.
ولهذا تجد من هو قوي الاستحضار، فيستحضر بعض الألفاظ النبوية، وإن لم يكن حافظاً للحديث، يقول الدارقطني : ما رأيت مثل الإسماعيلي صاحب المستخرج على صحيح البخاري من شدة حفظه للمتون، واستحضاره الاستدلال في ذلك، يقول: ومرة كنا في مجلس فتناقشنا في مسألة التيمم بما له غبار أو ليس له غبار قال: فلم يجد حديث التراب، ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) قال: فدخل الإسماعيلي وهو يمسح الوضوء، قال: فسألناه، فقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن حذيفة ( وجعلت تربتها لنا طهوراً )، قال: فعجبنا لسرعة استحضاره!؛ لأنه حينما كان يقرأ في الحديث يستخرج الأحكام ويستحضرها، فإذا جاءت مسألة ولو لم يسأل يستحضر الأحاديث الواردة في هذا الباب، فشيئاً فشيئاً حتى يكون بإذن الله قد عود نفسه على الاستحضار.
ولهذا تجدون الشخص الذي يعود نفسه لا يمل من المذاكرة والمساءلة والمناقشة، والذي لم يعود نفسه مجرد أنه يناقش ساعة إلا ربع أو ساعة يحس رأسه أنه ثقيل؛ لأنه بدأ يتحرك وهو لم يتعود، وهذا مهم جداً لكم يا طلاب العلم! فالحفظ شيء والبحث عن الحفظ شيء آخر.
أما أن ينقل فما زال الأئمة ينقل بعضهم بعضاً، فـابن قدامة رحمه الله ينقل فصولاً كاملة من المهذب للشيرازي ، وينقل في الخلاف من ابن المنذر ، وينقل في تعليقة القاضي وكذلك ابن القيم رحمه الله في جزيرة العرب في الطرق الحكمية ذكر نقلاً تاماً من أبي محمد بن قدامة ولم ينسبه إلى ابن قدامة ، وهذا أمر معروف، ومعهود، والله أعلم، فلا ينبغي التستر، إذا طلب منك أن تثبت جميع ما تنقله، فهذا هو المقصود، والله أعلم.
وقد ذكره الحافظ ابن حجر في هذا الباب لأجل بيان أن من العلماء من قال بجواز مسح بعض الرأس دون كله؛ لأنه قال: ( فألقى الجبة على منكبيه ومسح وغسل يديه، ثم مسح برأسه وعلى ناصيته، وعلى العمامة والخفين ) الحديث، والناصية قال بعضهم: هو الشعر الذي بمقدم الرأس، وقال بعضهم: بل هو مقدم الرأس سواء وجد فيه شعر أم لا، وهذا هو الذي يظهر.
وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث على جواز الاقتصار على مسح بعض الرأس، وهذا هو مذهب الشافعي فيقول: يصدق عليه بأقل ما يطلق عليه مسح، وهذا هو قول الحسن البصري وقول الأوزاعي ورواية عند الإمام أحمد وهو قول لـمالك في بعض أقواله، وهو قول أبي حنيفة إلا أن أبا حنيفة قال: ربع الرأس، وهذا القول قوي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر الناس بأمر قال: ( فأتوا منه ما استطعتم ).
وقال العلماء: إن الأمر يصدق عليه إذا فعل مطلق الأمر لا الأمر المطلق، فالقاعدة عند الأصوليين أن الإنسان إذا فعل فإذا قال: أكرم فلاناً فإنه يصدق علينا أقل ما يسمى إكراماً، وإذا قال الله سبحانه وتعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، فيصدق عليه أنه أقل ما يطلق عليه الإقامة ولا يقال بوجوب فعل المستحبات؛ لأن المستحبات من الإقامة، وهذا مذهب الشافعي ، ورواية عند الإمام أحمد ، بل قال الإمام أحمد : وهل يمكن أن يعم الإنسان كل الرأس؟ فإن هذا من الصعوبة، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بمقدم رأسه حتى انتهى بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ولم يكن قد مسح كل الرأس؛ لأن هناك شعرات لم يمسحهن، فقال الشافعي بعدم وجوب ذلك، واستدل أيضاً بأن النبي مسح على مقدم رأسه.
والقول الثاني: هو مذهب الإمام أحمد في المشهور عنه، وهو قول لـمالك كما هو مذهب متأخري المالكية أنه يجب تعميم سائر الرأس، وهذا هو اختيار ابن تيمية رحمه الله، وهذا القول قوي أيضاً وهو أحوط، وقالوا: إن مسح الرأس جاء في السنة على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يمسح الرأس كله، كما في الصحيحين من حديث ابن عباس ، وكما في حديث علي ، وكما في حديث المقدام، وكما في حديث عبد الله بن زيد وغيره.
الثاني: أنه مسح بناصيته والعمامة، كما في حديث المغيرة بن شعبة .
والثالث: أنه مسح على العمامة ولم يمسح شيئاً من رأسه، وهذا كما في حديث بلال : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار )، وكما في حديث عمرو بن أمية الضمري كما في مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة وعلى خفيه ). هذه ثلاث مراتب.
وهذا القول الثاني كما قلت: هو الأحوط، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه اقتصر على مسح بعض الرأس، فهل يدل تعميمه على الاستحباب، أم يدل على الوجوب؟ الأقرب والأحوط أن الإنسان لا يترك تعميم سائر الرأس؛ لقوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [المائدة:6]، والباء كما قال علماء اللغة: إنها للإلصاق، فيدل على تعميم سائر الرأس وهذا الذي يظهر والله أعلم، ولكن لو جاءنا شخص وقد مسح على بعض الرأس، وسألنا بعد ذلك لم نلزمه بالإعادة، كذلك في حلق الرأس أو تقصير بعض الرأس بالحج لا نلزمه بذلك، ولكننا نقول له: لا ينبغي لك أن تصنع ذلك، وينبغي أن تخرج من عهدة الطلب بيقين، والله أعلم.
و الشافعي نفسه يقول: بما يصدق عليه، فالذين يفعلون بتقصير الرأس في العمرة أو الحج يأخذ جزءاً من الأمام ومن الخلف ومن الشمال ومن الجانبين، فكل ذلك مبني على الخلاف، هل يجب تعميم الرأس كما هو مذهب أحمد في المشهور و مالك أو يكفي الربع أو ما يطلق عليه أنه مسح أو قص الشعر كما هو مذهب الشافعي ، وقلنا: الأحوط ألا يخرج من عهدة الطلب إلا بيقين بأن يعمم سائر الرأس، والله أعلم.
القول الثاني: قول جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية قالوا: إنه لا يصح أن يمسح على العمامة إلا أن يمسح بعض الرأس، فالاقتصار على مسح العمامة لا يجزئ، وقالوا: لأن الأحاديث المتواترة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسح على رأسه، قالوا: وهذا ثبت في الكتاب والسنة، ولا يعول على حديث يحتمل بمخالفة ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال الشافعي ، قالوا: ولم يحفظ عنه أنه مسح على العمامة من غير مسحه على الناصية، وما جاء فيه أنه مسح على العمامة، فإن هذا اختصاراً اختصره بعض الرواة، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يمسح على العمامة، وقد فهمه الصحابة فقد مسح عمر ومسح أبو موسى ، ومسح أنس ، ومسحت أم سلمة ، ويبعد أن يكون هؤلاء خالفوا ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الراجح والله أعلم.
والقول بالمسح على العمامة من مفردات الحنابلة، بل إن أحمد في رواية يقول: يمسح على القلنسوة (الطاقية) الشديدة، فبعض الناس يصير عنده طاقية يصعب عليه أن ينزعها خاصة إذا كان الإنسان حالقاً رأسه ولبس طاقية قوية فإنه يصعب عليه أن ينزعها، فهذا على مذهب أحمد في رواية جواز أن يمسح على القلنسوة، وقد صح عن أنس وروي عن أبي موسى كما ذكر ذلك ابن المنذر في الأوسط، ولكن الأفضل والأحوط ألا يمسح خروجاً من الخلاف، ولكن لو مسح فلا حرج إن شاء الله.
هذه المسائل لا ينبغي أن تذكر للعوام؛ لأن بعض الإخوة في الحج حينما يأتي إلى هذا تجده يمسح ويقول: الحمد لله هذا ليس فيه بأس، فقد صح عن فلان وفلان وفلان، فالعوام يشكل عليهم هذه المسائل، ويقول: جاءوا بشرع ما عهدناه، والذي يحب المسائل الغرائب ويظهرها على الناس ينبغي أن يحاسب نيته، فأحياناً يقصد بها التكثر والتكاثر، وقد قال الله تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1]، فإن بعض العلماء في تفسيره لهذه الآية عندما قال تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] هو التكاثر في أمور الدنيا، وكل أمور طاعة يقصد بها التكاثر في الدنيا فهو داخل، فالذي يقول: أنا عندي كذا وكذا كتاب، ولا يوجد كتاب في السعودية إلا وعندي منه نسخة هذا تكاثر وإعجاب، أو يقول: أنا وأنا وأعوذ بالله من كلمة أنا، فإن هذا من المنهي عنه، كما قال تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1].
ومن المعلوم أن الرسول قال مرة واحدة، فهي إما أن نقول: نبدأ أو أبدأ، فلعله قالها صلى الله عليه وسلم: (أبدأ)، وقالها: (نبدأ)، يعني: جاء مرة رواها بهذا، ومرة رواها بهذا، وقد يقال: إنها أبدأ أو يقال: نبدأ، لكن رواية ابدءوا بالأمر، الذي يظهر والله أعلم -وإن صححها النووي و ابن الملقن كعادته- فإنه يظهر أن هذه الرواية شاذة.
و النووي رحمه الله و ابن الملقن أخذوا على قاعدة الزيادة من الثقة مقبولة، وقد تكلمنا على هذه القاعدة، وقلنا: إن الصحيح أن زيادة الثقة لا تقبل إلا إذا كان هذا الثقة ملازماً لشيخه أو عنده قرائن تدل على حفظه، وأما إذا خالف الثقات فلا يقبل، وقد حكم بشذوذ هذه الرواية ابن عبد الهادي و ابن حجر .
ومن المعلوم أن النسائي رواها عن مالك بلفظ: (نبدأ)، ولكن روى أيضاً (ابدءوا) بالأمر، وهذه الرواية يرويها إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير أبو إسحاق المدني القارئ عن جعفر بن محمد ، ولعل هذا الوهم منه، والله أعلم.
واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلازم على الترتيب، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي )، وقد تكلمنا في هذا الحديث، وقال بعضهم في رواية: ( فمن زاد على هذا أو نقص ) قالوا: النقص يكون نقص في الترتيب، ولكن رواية: (نقص) قلنا: إنها شاذة، كما ذكر ذلك الإمام مسلم في كتاب التمييز، والصحيح والله أعلم أن الترتيب واجب؛ لأن الله ذكر المسح بين المغسولات، ولا يكون ذلك بلاغة إلا لأمر الوجوب كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله وقول عند مالك باستحباب الترتيب، والذي يظهر والله أعلم أن الترتيب واجب، والأحاديث في هذا لا تصح.
استدلوا بحديث المقدام بن معد يكرب : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل وجهه، ثم غسل ذراعيه، ثم تمضمض واستنشق )، وهذا الحديث شاذ، وهذه اللفظة شاذة والله أعلم، وكذلك حديث الربيع بنت معوذ الذي يرويه عبد الله بن محمد بن عقيل : ( أنه مسح وجهه ثم تمضمض واستنشق )، قالوا: إن السنة المضمضة والاستنشاق، فكونه بدأ بالوجه يدل على عدم الترتيب، وهذا مبني على أن الوجه يدخل فيه المضمضة والاستنشاق، وهذا لا يلزم فيه الترتيب، وعلى هذا فالراجح وجوب الترتيب، والله أعلم.
الحديث ضعيف؛ لأن في سنده القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل عن جده عبد الله بن عقيل عن جابر ، و القاسم بن محمد متروك الحديث كما قال أبو حاتم ، وقال أحمد : ليس بشيء ولا يفرح بهذا الحديث، وإنما ذكره الحافظ رحمه الله إشارة إلى تعميم المرفقين في الغسل، وهذا يستغنى عنه بحديث أبي هريرة : ( فغسل ذراعيه حتى أشرع في العضد ).
وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: ما علمت أحداً خالف في ذلك، يعني: غسل المرافق واجب، وهذا قول عامة أهل العلم، فلم أعلم مخالفاً في أن المرافق مما تغسل، هكذا يقول الشافعي رحمه الله، وخالف في ذلك بعضهم وقال: إن (إلى) تفيد الغاية فلا تدخل، والصحيح أنها تدخل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان (إلى) هل تفيد دخول المغيا بمن قبله أم لا؟ الراجح والله أعلم أن (إلى) لا تفيد دخول المغيا إلا بقرائن، والقرائن إما فعله عليه الصلاة والسلام، وإما نص في ذلك، وإلا فإن لغة العرب تقول: أتيت من مكة إلى الرياض وتقصد بالرياض أول الرياض لا تقصد كل الرياض، هذا المعروف في لغة العرب إلا بقرينة.
يقولون: ولا يوجد (إلى) في لغة الشارع أنها تدخل في المغيا إلا في ثلاثة مواطن:
الأول: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6].
الثاني: هو التكبير المطلق عصر يوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، فإنه يصدق عليه أنه يكبر وغيرها.
وأما حديث أبي سعيد الخدري فيرويه ربيح بن عبد الرحمن بن سعد بن مالك ، المكنى بـأبي سعيد عن أبيه عن جده، و ربيح هذا ضعيف، وقال الإمام أحمد و إسحاق : أحسن شيء في الباب حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده، وقال أحمد : لا يثبت في هذا الباب حديث، إذاً: قولهم: أحسن شيء في الباب يفيد عدم الصحة، فإذا قلنا: لا يفيد الصحة يمكن أن يكون صحيحاً ويمكن أن يكون ضعيفاً، أما إذا قلنا: يفيد عدم الصحة إذاً الأصل فيه الضعف، وهذا ليس المقصود.
قال الإمام البخاري: أحسن شيء في الباب حديث ربيح بن عبد الرحمن عن جده، و إسحاق يقول مثل أحمد ، والحديث ضعفه الإمام أحمد و البخاري و الدارقطني و ابن المنذر وصحح الحديث جمع من المتأخرين يفوقون العشرة، صححه النووي ، و الألباني و ابن الملقن و ابن الصلاح و العراقي وغيرهم كثير، والذي يظهر، والله أعلم، أن الحديث ضعيف، وهذا يدلك الفرق بين طريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين، إذا أردت أن تعرف طريقة المتقدمين والمتأخرين، فعليك بثلاثة أحاديث ادرسها واعرف طريقتهم وهي:
الحديث الأول: حديث: ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله ).
الحديث الثاني: حديث: ( لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير )، فإن أكثر الحفاظ على تضعيفه.
الحديث الثالث: الحديث الذي يرويه معاذ بن جبل ( في جمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم )، فإن البخاري ضعفه رحمه الله، وإذا درسها طالب العلم عرف الفرق بين طريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين.
الرواية الأولى: الوجوب، وهي المذهب عند المتأخرين، كما في المنتهى والإقناع.
والرواية الثانية: واجبة تسقط مع النسيان.
والرواية الثالثة: أنها مستحبة.
فالأولى: واجبة فمن نسيها أعاد الوضوء، والثانية: واجبة تسقط مع النسيان، والثالثة: استحباب ذلك، وهذا هو المنصوص عن أحمد رحمه الله.
وذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب ذلك، وهذا اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله، بل روي عن مالك أنه قال: التسمية بدعة، نقلها فيما أحفظ المباركفوري في تحفة الأحوذي، وهذه من محفوظاتي القديمة، والذي يظهر لي والله أعلم أن مالكاً رحمه الله حينما يقول في الشيء: أنه بدعة في العبادات فالمقصود به البدعة اللغوية، وليست البدعة الشرعية، يعني: أنها محدثة، ولم تثبت، أما أنها بدعة في الشرع، فهذه مسألة أخرى، ومما يدل على ذلك حديث الوتر، فإن ابن القاسم قال: وكان مالك في خاصة نفسه يقرأ في الوتر بـ(قل هو الله أحد) و(قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس)، ولم ير فيه حديثاً يثبت، وكان يفعله في خاصة نفسه، ولم يأمر بها أحداً، فـمالك فعل الحديث الضعيف, إذاً: هذه طريقة مالك أنه يقول أحياناً: بدعة ولا يقصد البدعة الشرعية، ولكنه يقصد أنه لم يكن معروفاً عند السلف، ولا يلزم الشيء إذا لم يكن معروفاً ألا يفعل، فإن مالكاً يفعل مثل هذا.
لعل في هذا كفاية، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: هناك أحاديث كثيرة. منها:
الحديث الأول: حديث: ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله ).
الحديث الثاني: حديث أبي هريرة : ( لا يبرك أحدكم مثلما يبرك البعير ) فإنه يرويه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله الهاشمي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، فـالبخاري يقول: هذا حديث لا يتابع عليه، ولا يعرف سماع عبد العزيز من محمد ، ولا يعرف سماع محمد من أبي الزناد ، فضعفه البخاري .
الحديث الثالث: حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين، الذي يرويه النسائي قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال البخاري فقلت لـقتيبة : من كان معك حينما كنت تكتب هذا الحديث؟ قال: خالد المدائني ، قال: وكان خالد يدخل على الشيوخ، هذا تأليف من البخاري يعني: أن قتيبة وهو يكتب الحديث جاء خالد ، قال له: الإسناد بهذا فأخطأ، هذا لو تعطيها بعض المتأخرين فنقول: قتيبة ضعيف، وهذه طريقة الأئمة أنهم يلتمسون للحديث ضعفاً، ثم يقولون: بأي علة هذا سبب ضعفه، ومثلها أيضاً (من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)، فإن الأئمة على ضعفه، والمتأخرون يحسنونه.
الجواب: ذكر أبو العباس بن تيمية في مجموع الفتاوى أن بعضهم ينسب القول إليه، وكذلك ينسبونه من الصحابة ولا يعرف، يقول: إنه يلزم، فيبعد أن الصحابي يروي حديثاً فيخالفه، فيقولون: في كل حديث يرويه صحابي بأن هذا هو قوله، ولكن لا يلزم؛ لأنه ربما يكون الحديث ضعيفاً، وربما يكون منسوخاً وغير ذلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر