الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, اللهم انفعنا بما علمتنا, وعلمنا ما ينفعنا, وزدنا علماً وعملاً يا كريم!
وبعد:
فسوف نشرح إن شاء الله أربعة أحاديث, كلها لا تخرج عما سبق أن شرحناه, لكنها تفيد كيف يتعامل طالب العلم مع الأحاديث التي هي متعارضة في نظر الرائي وإلا فإن سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا تتعارض بينها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: [ وللسبعة عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: ( ولا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا ) ].
الحديث الثاني حديث ابن عمر : ( ولقد رقيت يوماً على بيت
وفي الباب أيضاً هو حديث جابر بن عبد الله وهو ما رواه محمد بن إسحاق , قال: حدثنا أبان بن صالح , قال: حدثنا مجاهد عن جابر بن عبد الله ( أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى أن تستقبل القبلة ببول أو غائط, قال: ثم رأيته قبل أن يقبض بعام مستقبل القبلة ), وسوف نتحدث عن هذا الإسناد وأنه إلى الضعف أقرب.
الحديث الرابع حديث يرويه عراك بن مالك عن عائشة رضي الله عنها, ( أن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل عن أناس يتنزهون عن استقبال القبلة؟ فقال: أوقد فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة ), وهذا الحديث ضعيف, كما ضعفه الإمام أحمد و البخاري ؛ وذلك لأن عراك بن مالك لم يسمعه من عائشة .
هذه من أحاديث الباب, ولأجل هذا اختلف أهل العلم فيها اختلافاً كثيراً, والقاعدة أنه حال اختلاف أهل العلم, أو حال اختلاف الأحاديث, فإننا أولاً: نجمع طرق الأحاديث, ثم نتحدث عنها من حيث الصحة والضعف في الأسانيد, أما أن نختار قولاً ثم نبحث عن هذه الأحاديث فإننا لا نكون قد تجردنا من حيث الصحة والضعف, بل نجمع الطرق ونتحدث عنها, ثم بعد ذلك ننظر أيها أوفق وأقرب إلى الحق, فنحن هنا جمعنا هذه الأحاديث, ورأينا أصح شيء في الباب هو حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه, وهو أنه قال: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول ), إذاً: عندنا نهيان: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), وحينما ينظر طالب العلم في المسألة يجب أن يفرق بين استقبال القبلة وبين استدبارها؛ لأنه من المعلوم أن استقبال القبلة ليس مثل الاستدبار؛ ولأجل هذا فإن العراة إذا لم يكن معهم حال الصلاة, إلا قطعة صغيرة لا تستطيع أن تستر إلا أحد السوءتين, فيقدم القبل, مما يدل على أن القبل أغلظ من الدبر, إما لأجل الانكشاف والظهور, وإما لأجل اعتبار آخر.
القول الأول: هو قول جمهور أهل العلم؛ وهو أنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها في الفضاء, ويجوز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان, وهذا مذهب مالك و الشافعي والمذهب عند الحنابلة, واستدلوا فقالوا: إن حديث أبي أيوب الأنصاري وهو حديث الباب عام في النهي عن استقبال القبلة وعن استدبارها, ( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ), قالوا: فهذا نهي عن أن يستقبل الإنسان القبلة بغائط أو بول في الفضاء أو في البنيان, ثم جاءنا حديث آخر وهو حديث ابن عمر : ( رقيت يوماً على بيت
ولو تأملت فالجواب على هذا أن حديث ابن عمر لو كان مخصوصاً بحديث أبي أيوب فإن القاعدة تقول: إن الخاص يبقى على خصوصه لا على عمومه, فيقال: إنه خاص في البنيان في الاستدبار لا في الاستقبال, ولكن الجمهور لم يأخذوا بذلك؛ لأنهم لم يفرقوا بين الاستقبال ولا بين الاستدبار؛ لأنهم يقولون: إذا جاز حال الاستدبار فإن الاستقبال مثله, وإن كان أحدهما أغلظ من بعض.
هذا هو الحديث المشهور عن الجمهور, واستدلوا أيضاً بفعل ابن عمر رضي الله عنه, كما رواه مروان بن الأصفر أن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا أراد أن يقضي حاجته وهو في الصحراء أناخ راحلته واستقبلها, ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي أيوب وقال: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), فمن المعلوم أن ذلك كان في الفضاء, ولم يكن عامة الناس يتخذون الكنف, فكان الأصل هو عدم اتخاذ الكنف ولو قلنا: إن اتخاذ الكنف كانت موجودة, لكن الأصل عند العرب لم تكن موجودة؛ ولهذا ذكر في حديث الإفك وقد كان في غزوة بني المصطلق في السنة السادسة, قال في الحديث: ( وكان الناس إذ ذاك لم يتخذوا الكنف ), فدل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), على الأصل وهو أن ذلك الخطاب كان في الفضاء, وكذلك في البنيان عند بعضهم, فتقييد حديث ابن عمر على أن ذلك في البنيان محل نظر, إلا أن يقال: في البنيان والفضاء بشرط أن يكون في الاستدبار.
القول الثاني في المسألة: هو عموم التحريم, في الاستقبال والاستدبار, في البنيان وفي الفضاء, وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس ابن تيمية و ابن القيم و ابن حزم , وقد نصرها ابن تيمية , وابن القيم في تهذيب السنن وغيره من كتبه, قالوا: لأن الأصل هو حديث أبي أيوب , وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), قالوا: وكل الأحاديث الواردة في الاستقبال أو في الاستدبار كحديث عائشة الذي يرويه عراك بن مالك عن عائشة : ( أوقد فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة ), قالوا: هذا حديث ضعيف, إذ أن عراك بن مالك لم يسمع من عائشة , وبالمناسبة الإمام أحمد قال في هذا الحديث: عراك بن مالك عن عائشة مرسل, وبعض المتأخرين من أهل الحديث قالوا: وليس هذا بمرسل ولكنه منقطع, وهذه طريقة المتقدمين, أنهم يرون أن المرسل نوع من أنواع الانقطاع, وإن كان المتأخرون يرون أن المرسل ما يرويه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم, وأما المنقطع فما يرويه الراوي عن شيخ لم يسمع منه, ولكن الصحيح أن هذا يطلق عليه.
وأما حديث ابن إسحاق قال: حدثني أبان بن صالح , قال: حدثني مجاهد عن جابر فإن أهل العلم تكلموا فيه فقالوا: إن ابن إسحاق وإن كان قد صرح بالتحديث في إحدى رواياته فإن محمد بن إسحاق لا يؤخذ منه ما كان مخالفاً للثقة, وهذا مهم لطالب العلم أن يعرف أن الراوي روايته في الأحاديث على حالات, فـمحمد بن إسحاق إن صرح بالتحديث في المغازي فهو ثقة حجة, وإن صرح بالتحديث في غير المغازي مما لم يتفرد به فهو حسن الحديث، هاتان حالتان لـمحمد بن إسحاق .
والحال الثالثة: أن يروي حديثاً في المغازي ولم يصرح بالتحديث فيه, فهو قابل للتحسين؛ لأنه حجة في المغازي, ويعرف من أين يروي أحاديث السير والمغازي.
والحال الرابعة: ما لم يصرح بالتحديث فيه وهو في أحاديث الأحكام فإنه لا يقبل منه؛ لأنه مدلس.
الحال الخامسة: وهذه مهمة, أن يصرح بالتحديث في غير أحاديث المغازي ويتفرد فيه, فإن هذا الراجح أنه لا يقبل, وهذه طريقة المتقدمين من أهل الحديث, فإنهم لا يقبلون أحاديث محمد بن إسحاق ولو صرح بالسماع إذا أتى بما ينكر واستنكر, ويخالف أحاديث الثقات, وقولنا: أحاديث الثقات, لا يلزم أن يكون أحاديث الرواية, ولكن المتون, أن يأتي بمتن منكر, فحديث جابر رضي الله عنه قال: ( ثم رأيته قبل أن يقبض بعام مستقبل القبلة ), يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة, ومعنا حديث محفوظ وهو حديث أبي أيوب فهذا يدل على أن الحديث فيه نكارة. وابن حزم رحمه الله و أبو عمر بن عبد البر تواردت خواطرهما فضعفا أبان بن صالح , والصحيح أن أبان بن صالح متفق على ثقته كما ذكر ذلك الحافظ ، أو غالب الأئمة يوثقون حديثه.
إذاً: أنتم تلاحظون أنهم قالوا: الأصل حديث أبي أيوب , فلما جيء بحديث ابن عمر قال: ( رقيت يوماً على ظهر بيت
القول الثالث: رواية عن أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد وهو أن فعل ابن عمر دليل على الجواز, والنهي دليل على الكراهة, قالوا: للقاعدة: أنه إذا تعارض مأمور ومحظور دل على أن المحظور للكراهة, والفعل إذا عارض القول فهذا يدل على الكراهة, وهذا محل نظر؛ وذلك لأن إطلاق الكراهية حتى في الاستقبال لحديث ابن عمر محل نظر؛ وذلك لأن حكاية الفعل أضعف من حكاية القول, والمعلوم في أصول الفقه أن الفعل لا عموم له، فإذا قلنا: إن حديث ابن عمر إنما هو في الاستدبار فكيف نجعله في الاستدبار والاستقبال؛ لأن الفعل لا عموم له, نقول: أبقه على الفعل وهو الاستدبار فقط.
القول الرابع: هو قول عروة بن الزبير ، وروي عن داود الظاهري أن ذلك على سبيل الجواز, وأن النهي قد نسخ؛ لحديث عائشة الذي يرويه عراك بن مالك : ( أوقد فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة ), والثاني حديث جابر بن عبد الله , وهذا القول إنما نظر إلى الأحاديث الضعيفة وترك الأحاديث الأصول! فلا يعول عليه.
القول الخامس: يجوز الاستدبار ويحرم الاستقبال, قالوا: لأن تحريم الاستقبال محفوظ, وهو حديث أبي أيوب : ( لا تستقبلوا القبلة ), وكل الأحاديث الدالة على جواز الاستقبال ضعيفة, كحديث عائشة وحديث جابر , قالوا: ولم يبق معنا إلا حديث ابن عمر : ( ولقد رقيت يوماً على ظهر بيت
القول السادس: وقد نسب إلى بعض فقهاء الحنابلة وهو مثل القول الخامس, إلا أنهم قالوا: يجوز الاستدبار في البنيان فقط, وقد سبق لك أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر هذه الأحاديث لم تكن الكنف إذ ذاك هي الأظهر وهي مشهورة.
وعلى هذا فالذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم: أن الراجح هو جواز الاستدبار ويحرم الاستقبال, سواء كان الاستدبار في البنيان أو غيره.
أما حديث ابن عمر فـابن تيمية عنده قاعدة, يقول: عندنا أصل يجب أن نعتمد عليه, فيأتي حديث آخر فيؤوله بما لا يخالف حديث الباب, وأحياناً ابن تيمية ما يؤوله بل يبقيه, وهذا أدب من أهل العلم, ترى مشكلة طلاب العلم خاصة في الرسائل الجامعية إذا جاءت أحاديث متعارضة من الأدب إنك ترجح, وإن وجدت بعض أهل العلم يذكر هذه الاحتمالات ولو قلت: إنها بعيدة, ما يلزم أن كل حديث ترده, يقول ابن القيم في شفاء العليل: ولا يلزم المجتهد أن يرد على كل شبهة.
الثاني: أن الإمام أحمد أحياناً يرجح أحد الأقوال, فيقولون: ما تقول في كذا؟ فيقول: ما أدري! فيقول لك ترجح؛ لأنه رأى أن هذا أقوى فيبقيه, وأنتم تعرفون قصة الإمام أحمد في طلاق السكران: كنت أقول في طلاق السكران ثم تأملته, فإني إن أوقعته وقعت في محذورين, وإني إن لم أوقعه وقعت في محذور, وهذا من الفقه.
حديث ابن مسعود : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة, ثم أربعين يوماً علقة, ثم أربعين يوماً مضغة, ثم ينفخ فيه الروح, فيؤمر بكتب رزقه ), إذاً: كتب رزقه بعد مائة وعشرين, جاءنا حديث حذيفة بن أسيد عند مسلم : ( إن النطفة إذا بلغت اثنين وأربعين ) فيؤمر بكتبه, يقول ابن تيمية : فهذا الحديث يحمل بما لا يخالف حديث ابن مسعود وإلا فالأصل حديث ابن مسعود ، هذا من الأدب, فالأصل حديث ابن مسعود ولا نتكلف في الرد ونقول: والله أعلم, وهذا من الفقه.
لكن على الجمع الذي رأيناه لعله أظهر والله أعلم.
ومسألة بنيان وعدم بنيان لم يكن لها ذكر عند الصحابة, يعني: كلمة بنيان لها أثر؛ لأنه كونه يوجد جدار في مسافة متر, أو جدار في مسافة كيلو كلها واحد؛ لأنك أنت ما تستقبل القبلة حقيقة, إنما بينك وبينها جدر, وذلك مفاوز وصحراء تنقطع، فليس هناك فرق بين أن تجعل بينك وبينه جدار قريب أو جدار بعيد.
[ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى الغائط فليستتر ) رواه أبو داود ].
والحديث صححه ابن حبان و الحاكم , وحسنه النووي و الحافظ ابن حجر في فتح الباري, وقال: حسن الإسناد, والواقع أن الحديث فيه علتان:
العلة الأولى: حصين الحبراني فإن كثيراً من أهل العلم جهلوا أمره, ذكره أبو زرعة وقال: شيخ, وذكره الذهبي وقال: لا يعرف في زمن التابعين, وكذلك ذكره الحافظ ابن حجر وقال: إنه مجهول.
العلة الثانية: وهو أبو سعيد الحبراني , وهو الراوي عن حصين الحبراني وأخطأ بعض أهل العلم فظنه أبا سعد الخير , كما قال أبو داود رحمه الله: أبو سعيد هذا هو أبو الخير , وأبو سعد الخير صحابي وهذا ليس بصحابي, ولهذا ذهب أكثر أهل العلم على أن أبا سعيد هذا ليس هو أبا سعيد الخير , ولكنه أبو سعيد الحبراني وهو مجهول لا يعرف, كما ذكر ذلك الذهبي وغيره, وعلى هذا فالحديث ضعيف, ولكن سبق لك أن الاستتار لقضاء الحاجة مشروع ومستحب؛ للأحاديث السابقة ومنها: حديث عبد الله بن جعفر ( وكان أحب ما استتر لحاجته هدف أو حائش نخل ), كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن جعفر , وأيضاً حديث المغيرة بن شعبة : ( قال: ثم ذهب حتى توارى عني ).
وهكذا حديث جابر : ( كان إذا أتى الغائط أبعد ).
والحديث الرابع: ( من أتى الغائط فليستتر ), وقلنا: إن الحديث في سنده ضعف.
السنة الأولى: الإبعاد.
والسنة الثانية: الاستتار, وكثير من الناس ينظرون لسنة الاستتار ولا ينظرون إلى البعد, فالسنة أيضاً البعد, وهذه سنة تخفى على كثير من الناس, فتجده قريباً من السيارة ويقضي حاجته, أو وهو في البر, إنما ينظر إلى بعض الرمل المتجمع, والسنة هو أن يبتعد عن الناس والله أعلم.
وعلى كل حال: صحح الحديث الحاكم وقال: هذا حديث صحيح لم نجد له علة, و يوسف ثقة من آل أبي بردة والله أعلم, وصححه ابن خزيمة و ابن حبان و ابن الجارود و النووي و ابن حجر , وقد أشار الحافظ الدارقطني رحمه الله إلى التفرد في هذا الحديث, وقال: تفرد به إسرائيل بن يونس عن يوسف بن أبي بردة , وتفرد يوسف بن أبي بردة عن أبيه أبي بردة , وأبوه تفرد به عن عائشة .
إذاً: الحديث مسلسل بالتفرد, ولهذا أشار البزار بقوله: لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه, وهذا يدل على التفرد, والأصل في التفرد أنه ليس علة مطلقاً, ولهذا حديث عمر بن الخطاب : ( إنما الأعمال بالنيات ), فرد, وهو في الصحيحين, فإذا كان هذا الحديث له ما يعضده من الشواهد فيدل على أن له أصلاً فلا حرج, وهذا منها.
وفي الباب أحاديث كلها لا تصح, منها: ( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ), فإن الحديث يرويه ابن ماجه وقد تفرد به عن الكتب الستة, وفي سنده إسماعيل المكي متفق على ضعفه, أو يكاد يتفق الأئمة على ضعفه, ضعفه الإمام أحمد و ابن المديني .
والحديث الآخر: ( الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وآخره ), وهو حديث منكر, وكذلك حديث: ( الحمد لله الذي أذهب عني ما يبديني, وأمسك علي ما ينفعني ), وهذا الحديث مرسل, يرويه طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الحكمة الأولى: أشار إليها الإمام البغوي و الخطابي ونقل عنهما الإمام النووي فقال: إن الإنسان حال قضاء الحاجة لا يشرع له ذكر الله, ومن المعلوم أن ترك ذكر الله تقصير, فهو إذا قضى من قضاء حاجته فيستغفر الله عن هذا التقصير وهذا فيه تكلف؛ وذلك لأن التقصير إنما يكون إذا كان الإنسان مفرطاً أو قاصداً للأمر, وأما إذا كان مشروعاً له أن يصنع ذلك فلا يعد تقصيراً.
الحكمة الثانية: قالوا: إن الإنسان إذا قضى حاجته فإنه يتذكر أن الله سبحانه وتعالى يسر له الأكل, ويسر له المضغ, ويسر له الإخراج, فهذه نعم يتقلب فيها الإنسان ولم يحقق شكر الله عليه, فلأجل هذا يقول: غفرانك كأنه نوع من التقصير عن شكر الله, وليس التقصير عن ذكر الله, ولكن التقصير عن شكر الله, وهذا أحسن من الأول.
الحكمة الثالثة: وهي أحسن مما سبق: ما ذكره ابن القيم رحمه الله: أن الإنسان حال قضاء الحاجة فإن ما يوجد في بطنه يثقله ويؤذيه, كما أن الذنوب إذا دخلت القلب تثقله وتؤذيه, فإذا ذهب إلى قضاء الحاجة وأزال النجو وتخفف من ذلك بقي التخفف من الأمور المعنوية وهي الذنوب, يعني: كأنه يقول: اللهم إني أستغفرك أن تغفر لي ذنبي, وهذا ملحظ جيد وهذا لا يتأتى, إلا لمن يتأمل الحكم وفلسفة التشريع لمراد الله ومراد رسوله, ولا يتحقق هذا لكل أحد, أقولها بحق, لا يتحقق لكل أحد إلا أن يكثر الإمعان في النظر والتأني والتروي والتأمل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: يوسف بن أبي بردة الذي يظهر لي والله أعلم أنه حسن الحديث, وإن كان ابن أبي بردة أحسن منه, لكنه إن شاء الله لا بأس به، والله أعلم.
الجواب: لا, لا, سعيد بن أبي بردة الظاهر إنه يختلف, الظاهر إن أبا بردة هو ابن أبي موسى الأشعري , فـابن أبي بردة هو المغيرة بن أبي بردة صاحب أول حديث في الكتاب: ( وهو الطهور ماؤه ).
ويروى الحديث بلفظ آخر من طريق أبي إسحاق عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه, وقد ذكر بعض أهل العلم أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله بن مسعود وهذا قول أكثر أهل العلم, وهو صحيح، وهذا سبق معك, لكن الراوي إذا لم يسمع من شيخه, وبدأ يحدث عنه فلا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: ألا يحدث عن هذا الذي لم يرو عنه إلا إذا علمنا الواسطة, فإذا علمنا أنه ما يرويه عن فلان إلا بواسطة ثقة فإننا نقبل ذلك, فإذا روى إبراهيم بن يزيد النخعي عن عبد الله بن مسعود فإنه قال: أما إذا حدثتكم عن عبد الله بن مسعود فقد سمعته عن غير واحد من أصحابه الكبار, إذاً: النخعي سمع عن أربعة من أصحاب ابن مسعود , فإذا علمنا الواسطة عرفنا أن الحديث إذا رواه النخعي عن ابن مسعود يقبل مع أنه منقطع، لكننا علمنا أنه لا يروي عن ابن مسعود إلا بأحد الأربعة, وهم: علقمة بن قيس و الأسود بن يزيد و أبو وائل والرابع نسيته.
القول الأول: أنه يجزئ إذا حصل النقاء, ولو كان أقل من ثلاثة أحجار, وهذا مذهب المالكية والحنفية.
والقول الثاني: هو مذهب الشافعية والحنابلة واختيار ابن تيمية أنه لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتى أحدكم الغائط فإنه يجزئ إذا استجمر بثلاثة أحجار )؛ ولحديث سلمان : ( وألا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار ), فهذا يدل على أنه مأمور ومنهي عنه في آن واحد, وهذا هو الراجح, وأيضاً حديث ابن مسعود الذي قرأناه والذي فيه الروثة.
القول الأول: قول الحنفية والمالكية واختيار ابن تيمية ورواية عند الإمام أحمد على أنه إن كان العظم والروث مما يؤكل لحمه, والعظم ليس بنجس فإنه يصح مع الكراهة, أو مع التحريم على الخلاف, والصحيح أنه على التحريم.
والقول الثاني: مذهب الشافعية والحنابلة قالوا: إن ذلك لا يجزئ؛ لأن النهي يقتضي الفساد, وقلنا: إن الراجح أن ذلك من باب المحظورات, والقاعدة في باب المحظورات تصح مع الإثم, ويقوي مذهب الشافعية والحنابلة حديث أبي هريرة الآتي ذكره.
قلنا: إن الروث والعظم إذا كان نجساً فلا ينقي, وهذا حتى على القول الأول, لكنه إذا كان روث ما يؤكل لحمه، أو عظم قد ذبح وسمى الله عليه، فهنا مسألة وهي ما حكم روث وبول ما يؤكل لحمه؟
اختلف أهل العلم على قولين: ذهب الحنفية والشافعية إلى أن ذلك نجس, وإن خفف من باب العلاج كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم في شرب البول, أي: بول البعير.
والقول الثاني في المسألة: هو مذهب الإمام مالك و الإمام أحمد نصر وقواه ابن تيمية رحمه الله أن روث وبول ما يؤكل لحمه طاهر وهو الحق, والله أعلم.
بهذا نكون قد انتهينا من شرح خمسة أحاديث, نسأل الله التوفيق والتسديد والله أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر