الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم استعملنا في طاعتك، ووفقنا لمرضاتك إنك على كل شيء قدير، وبعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وعن أنس رضي الله عنه: ( أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض ) متفق عليه].
الحديث الأول حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد ذكره المؤلف رحمه الله مختصراً قال: ( إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ثم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه! فقام
والحديث رواه مسلم ، ولم يروه البخاري .
وهذا الحديث فيه مسألة وهي مسألة حكم الاستمتاع، وكيفية استمتاع الرجل بامرأته الحائض.
جاءت (بأربه)، وجاءت (بإربه) قراءتان، فأما ( أيكم يملك أربه )، يعني: حاجته، كما أشار إلى ذلك الخطابي ، وأما (إربه) بالكسر فالمقصود عضوه، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم يملك نفسه؛ وأيكم يملك نفسه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك نفسه، وهذان الحديثان -كما قلت- فيها مسألة، وهي كيفية وحكم استمتاع الرجل بامرأته وهي حائض، وهي على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: وطء الحائض وهذا محرم، كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله في حديث ابن عباس ، بل حكى الشافعي رحمه الله أن ذلك كبيرة من كبائر الذنوب، وإلا فإن التحريم مجمع عليه، وهو من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة؛ أن الحائض لا يجوز وطؤها.
المرتبة الثانية: المباشرة فوق السرة، ودون الركبة، وهذا أمر مجمع على إباحته، ولم يخالف في ذلك إلا ما نقل عن عبيدة السلماني أنه منع من ذلك، والصحيح أن ذلك جائز، وهو أمر مجمع عليه.
المرتبة الثالثة: وهو أن يباشرها دون السرة وفوق الركبة، وهذا وقع فيه خلاف عند أهل العلم، فذهب أبو حنيفة و مالك إلى أنه لا يجوز للرجل أن يباشر امرأته فيما دون السرة وفوق الركبة، وقالوا: ليس له إلا ما فوق السرة، واستدلوا على ذلك بأحاديث، كلها أحاديث ضعيفة لا تثبت، فالحديث الذي فيه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض قال: ما فوق الإزار )، وهذا الحديث رواه أبو داود من حديث معاذ بن جبل كما سوف يأتي إن شاء الله في شرحنا له، والحديث فيه ثلاث علل:
العلة الأولى: أن عبد الرحمن بن عائذ رواه عن معاذ وروايته عنه منقطعة، كما ذكر ذلك أبو حاتم .
العلة الثانية: أن في سنده بقية بن الوليد يرويه عن سعيد بن الأغطش عن عبد الرحمن بن عائذ عن معاذ ، و بقية أحاديثه ليست نقية، فكن منها على تقية، كما يقول مسعر بن كدام : أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية؛ وذلك لأن بقية يدلس تدليس الشيوخ، وهذا أصعب تدليس؛ لأنه حينما يقول: حدثنا فلان، فربما سمعه من شيخه، لكنه من وراء شيخه يدلس فيه، وهذا صعب جداً، فأكثر المدلسين يروي عن شيخ فيقول: عن أو قال، فيعلم أنه دلس أم لا؟
لكن الشأن إذا كان هذا من تدليس التسوية فيروي عن شيخه، وقد سمع منه، ثم يغير السماع أو التخبير من عدمه في روايته عن شيخه عن شيخ شيخه، فربما يكون شيخه رواه بالانقطاع، فيقول: عن، ولهذا كان الأئمة يتقون حديث بقية ، ولهذا فيه علة بقية وهو مع علته أنه مدلس تدليس التسوية، فإنه لم يصرح بالسماع.
العلة الثالثة: هو سعيد وفي بعض النسخ سعد الأغطش وهو مجهول، قال الحافظ في التلخيص: لا أعلم أحداً وثقه، وقال في التقريب: لين الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وروي من حديث حرام بن حكيم الأنصاري عن عمه حكيم الأنصاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقال: ما فوق الإزار )، وكل الأحاديث ضعيفة، وقد ذكر الإمام ابن رجب رحمه الله كما سوف يأتي قال: وكل الأحاديث الواردة في الاستمتاع بما فوق الإزار أحاديث ليست بذاك، والرواة فيهم لين، وليسوا من المبرزين في الحفظ، والأحاديث الصحيحة تخالفها، كما ذكر ذلك في فتح الباري للحافظ ابن رجب ، إذاً استدلال الحنفية والمالكية إنما هو بأحاديث ضعيفة.
القول الثاني في المسألة: هو مذهب الحنابلة والشافعية، قال النووي : وهو مذهب جمهور السلف، وكثير من التابعين، أن مباشرة الحائض فيما دون السرة أن ذلك لا بأس به، وعليه تدل الأحاديث الصحيحة، كما قال ابن المنذر رحمه الله، ومما يدل على ذلك: هو حديث أنس حديث الباب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، والمقصود بالنكاح الوطء.
وقالت عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض قالت: وأيكم يملك إربه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟ )، فهذا فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر دون السرة، وإلا لما كان معنى يملك إربه إلا الاقتراب من المحظور.
ومما يدل على ذلك أيضاً: ما جاء عند أبي داود وهو إسناده جيد، يرويه عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد من امرأته شيئاً وهي حائض ألقى على فرجها شيئاً ثم صنع ما شاء بعد ذلك )، وهذا الحديث رواه أبو داود وكذا البيهقي ، وقد حسن إسناده ابن رجب ، وكذلك ابن عبد الهادي وهذا إسناده حجة يعني أن هذا في أحاديث الباب حجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يمتنع من الوطء، وأما الوطء في الدبر: فإن عامة السلف والخلف على حرمة ذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
إذا ثبت هذا فإن الحديث الذي بعده هو حديث عائشة وهو قولها: فأتزر، استدل به أبو حنيفة و مالك على أن الاتزار هو أن يكون من السرة إلى الركبة، وهذا ليس بظاهر؛ لأنه مفهوم، والقاعدة: أنه إذا تعارض المفهوم مع المنطوق؛ فالمقدم المنطوق، والمنطوق: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، وحديث عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه إذا أراد من امرأته شيئاً وهي حائض ألقى على فرجها شيئاً ثم صنع بعد ذلك ما شاء ).
ومن المسائل: أن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي كان يأتي الحائض، وذلك جبراً لخاطرها، وتعويضاً عما أصابها من ذلك الذي يأتي كل النساء، وهذا يدل على تلطفه عليه الصلاة والسلام، وحسن أدبه، فإن بعض الأجلاف من الرجال إذا حاضت المرأة لم ينم معها، وربما قاست ما قاست ولم يقترب منها، وكل ذلك من الجفاء الذي نهينا عنه، وقد قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وهذا أدب نبوي كريم، ينبغي أن يقتدى به، عليه الصلاة والسلام.
والذي يظهر أن الأقرب فيه: أنه لا بأس به ما لم يأت بما ينكر، ولعل هذا منها؛ وذلك لأن التصدق لمن أتى الحائض أمر لا يعرف في الأحاديث الصحيحة، وهو أمر جديد يتطلب الأسانيد الصحيحة، ناهيك عن الاختلاف في وقفه ورفعه، وقد تحدث الأئمة مع كلامهم على مقسم وقالوا: إن الحديث فيه علتان:
العلة الأولى: الاختلاف في رفعه ووقفه، فإن بعض الرواة رواه عن شعبة عن الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس ، ثم إن شعبة رضي الله عنه ورحمه تراجع عن ذلك وبدأ يرويه موقوفاً، كما ذكر ذلك عبد الرحمن بن مهدي عنه قال: فقيل لـشعبة : إنك كنت ترفع، قال: كنت مجنوناً فصححت، يعني كيف أرفع هذا؟ وهذا علة في الحديث وأكثر الرواة يرويه على هذا، وقد سئل الإمام أحمد عن إتيان المرأة وهي حائض قال: لو صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لقلنا به، قيل له: فكأنك يا أبا عبد الله ! في نفسك من حديث ابن عباس شيئاً؟ قال: في نفسي من عبد الحميد بن عبد الرحمن ، لكن هذه النفسية من أبي عبد الله قد رجع عنها وبدأ يثبت الحديث ويصححه، كما هو الأقرب.
وهذا يدل أن بعض طلاب العلم يريدون من الشخص أن يفتي في المسألة منذ أن كان طالب علم إلى أن يكبر وهو على قول واحد، وهذا دلالة على قلة الإدراك، لا أقول: قلة علم، بل قلة إدراك، أنه ربما يكون عنده من الأقوال الكثيرة، لكن تأمله في مثل هذه النصوص ربما يكون ليس بذاك.
ولا تكاد تجد إماماً من أئمة السلف إلا وله قولان في الغالب، من الصحابة وممن جاء بعدهم، فالشافعي له قولان، و مالك له قولان، و أبو حنيفة له أكثر من روايتين و أحمد له أكثر من قول، وهذا يدل على أنهم يبحثون عن الدليل ولم ينتصروا لأنفسهم، واليوم تجد بعض طلبة العلم يقول: أنا كنت أقول به من أكثر من عشرين سنة وما زلت على ذلك، هذا ليس بدليل على قوة الحجة، هذا أحياناً يكون على ضعف؛ لأن عقلية الإنسان حال الكبر ليست مثل عقليته حال الصغر، فالإنسان يدرك معاني ربما لا يستطيع أن يعبر عنها، وهذا هو الاستحسان المقصود، أن عنده معان للأدلة قد لا يستطيع أن يعبر عنها من حيث إلزام الخصم، لكنه تنقدح في ذهنه أدلة قوية بمجموع طرقها يدل على معنى من المعاني الذي قد وفقه الله سبحانه وتعالى وقذف في روعه.
هذا الخلاف، وقد رجح وقفه كثير من أهل العلم، فممن ضعفه مرفوعاً: الشافعي رحمه الله والإمام أحمد كما قلت في رواية، و ابن المنذر و أبو عمر بن عبد البر و النووي بل بالغ رحمه الله وقال: اتفق الأئمة على ضعفه، ولا شك أن هذه ليست بصحيحة؛ وذلك لأن من أهل العلم من صححه، ونقل أبو علي بن السكن أن البخاري لا يصححه.
وممن صححه ابن القطان و ابن دقيق العيد و ابن حجر و ابن تيمية و ابن القيم و الألباني وشيخنا عبد العزيز بن باز ، بل قال ابن حجر عندما ذكر قول ابن دقيق العيد : وهو الصواب، يعني الصحة، فكم من حديث قد احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر مما هو في هذا الحديث، كبئر بضاعة وحديث القلتين ومع ذلك صححوه، الآن ابن حجر يريد أن يلزم الذين صححوا حديث بئر بضاعة وصححوا حديث القلتين مع كثرة الاختلاف فيهما يقول: إن هذا الحديث مع اختلافه فهو أقل من اختلافهم في بئر بضاعة، ومع ذلك فالتصحيح فيه أولى من التصحيح في بئر بضاعة.
والجواب على هذا: أن حديث بئر بضاعة قد يكون تصحيحه ليس لأجل وجود راو فيه فقط، وذلك لأن مياه بئر بضاعة كانت تتداول، ولو لم يرد فيه حديث، لكان فعل الصحابة فيها دلالة على الطهارة، فلما جاء حديث على أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فهذا لو لم يأت دليل، لكان التقرير والسكوت دلالة على جوازه، ( كنا نعزل والقرآن ينزل )، فهذا يسميه العلماء: التقرير السكوتي.
ثانياً: إن حديث بئر بضاعة تلقاه الأئمة بالقبول، وليس الاختلاف فيه إلا لأجل الراوي، وهو عبيد الله الراوي عن أبي سعيد ، أما حديث القلتين والاختلاف في محمد بن جعفر و محمد بن عباد بن جعفر وروايتهما في هذا الحديث فهذا نعم وقع فيه خلاف كثير، وبعضهم يحسنه وبعضهم يضعفه، ولا شك أن حديث القلتين فيه اختلاف كثير.
ولكن هذا الاختلاف لم يكن لأجل إسناد واحد أو على مدار رجل واحد، ولكنه على أربع طرق، والله أعلم، والأئمة رحمهم الله قد يرجحون الحديث مع وجود الاختلاف فيه، ويرون أن كلاهما صحيح، كما قال البخاري و علي بن المديني في حديث أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان و شداد بن الأوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أفطر الحاجم والمحجوم )، فجاء من طريقين، وكلاهما مداره على أبي أسماء الرحبي ومع ذلك قال البخاري : كلاهما عندي صحيح، إذاً هذه العلة الأولى وهي علة الرفع.
العلة الثانية قالوا: إن في متنه اضطراباً، فمرة يقول: دينار، ومرة يقول: نصف دينار، ولهذا فإن الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم: أن الحديث صحيح موقوفاً، كما ذكر ذلك أبو علي بن السكن وغيره، أن الصواب أن الحديث موقوف كما قال شعبة : كنت مجنوناً فصححت، هذا هو الذي يظهر والله أعلم، يعني أني كنت مجنوناً فرفعت الحديث، فالآن عقلت وأرى أن الحديث لا يصح رفعه.
وأقول: هذا الظن بابن عباس كيف؟ المتأمل لفتاوى ابن عباس يجد رحمه الله ورضي عنه أنه في المسائل التي يقع العبد فيها في محظور يأمره بالكفارة، وإن لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، خذ مثال على ذلك:
ابن عباس هو الذي روى حديث الحج، وإن كان ابن عباس أخذه عن غيره من الصحابة على الراجح، فهو قول عمر ، و عمر قال في الذي قد فاته الوقوف بعرفة أنه يتحلل بعمرة وعليه الهدي؛ لأنه ترك واجباً، وهو قول ابن عمر رضي الله عنه حينما قاس الذي لم يجد الهدي بمن لم يجد الدم المحصر، فجعلوا دم المحصر في حكم من ترك واجباً.
الثاني: أن ابن عباس سئل عن الرجل الذي أدرك رمضان الثاني، ولم يكن قد صام رمضان، فقد صح عنه كما روى عبد الرزاق : أنه يلزمه مع القضاء الكفارة عن كل يوم، وقد صح عن أبي هريرة .
الثالث: أن ابن عباس رضي الله عنه من باب الاحتياط يأمر الحائض كما سوف يأتي: إذا طهرت في آخر وقت الثانية، يأمرها أن تؤدي الثانية مع الأولى، فإذا طهرت في آخر العصر؛ صلى العصر والظهر، كل ذلك من باب الاحتياط، روى البيهقي أن امرأةً سألت ابن عباس وكان أعمى، فقالت: ما تقول في رجل أحرم هو وامرأته فطافا وسعيا، ثم إنه أراد أن يأتيها فقالت: إني لم أتحلل، قال: فجعل يقص شعرها بأسنانه؛ لأجل أن تتحلل، فقال ابن عباس رضي الله عنه: إنها لشبق، قالوا: إنها تسمع -والحديث عند البيهقي بإسناد صحيح- قال: أوما أخبرتموني؟ عليها الهدي، فقالت: أي الهدي رحمك الله؟ قال: أوتطيقين ذاك؟، قالت: نعم، قال: البدن، فـابن عباس كان من عادته رضي الله عنه أن يفتي بمثل ذلك.
ومن المسائل أيضاً: أن ابن عباس رضي الله عنه أفتى في من عليه كفارة اليمين بأعظم مما هو ثابت بالشرع، وهي إطعام عشرة مساكين، فقد أمر في بعض الروايات بالهدي، كل ذلك يدل على أن فقه ابن عباس يرى أن من فعل ذنباً يكفر علّ الله سبحانه وتعالى أن يتوب عليه، ومما يدل على ذلك أنه قال: دينار أو نصف دينار، أهم شيء أنك تكفر، هذا هو الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
المسألة الأولى: أجمع العلماء على حرمة إتيان الحائض، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، فإذا جامعها وهو مختار غير مكره فإنه آثم، كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر وغيره، وهل يعد فاعلاً للكبيرة؟ ذكر الشافعي رحمه الله: أنه فاعل للكبيرة، وهذا ظاهر مذهب الشافعية، واستدلوا على ذلك: بما رواه أبو داود و الترمذي و النسائي و أحمد عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد برئ من محمد صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية: ( فقد كفر )، وهذا الحديث فيه كلام كثير؛ وذلك لأن أبا تميمة لا يصحح حديثه، فروايته ضعيفة، ولا يعرف له سماع من أبي هريرة كما ذكر ذلك الإمام البخاري ، والمعروف وقفه على أبي هريرة وليس فيه: ( من أتى حائضاً ).
فلأجل هذا قال بعض أهل العلم: إن إتيان الحائض جاء النهي عنه، لكن لم يختم بلعنة ولا غضب ولا نار، فدل ذلك على أنه محرم وليس بكبيرة، والعلم عند الله جل وعلا.
القول الأول: هو مذهب الحنابلة، وهو مذهب الشافعي في القديم: أن عليه الكفارة، وهو اختيار ابن تيمية وذلك بناءً على صحة حديث ابن عباس ، وهذا القول هو منقول عن ابن عباس ، فقد صح عنه كما ذكر ذلك أبو علي بن السكن ، وهو مروي عن الحسن البصري ، وهو قول الأوزاعي ، وهو قول إسحاق بل قال: ثبت بالسنة الصحيحة أن غشيان الحائض فيه الكفارة.
والقول الثاني في المسألة: هو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية في الجديد وهو المذهب، وهو رواية عند الإمام أحمد رحمه الله، وهو قول جمهور أهل العلم، وهو قول ابن المنذر وقول ابن حزم قالوا: إن عليه التوبة والاستغفار، وأما الكفارة فلا تجب، قال ابن حزم : إذا لم يصح في إيجاب الكفارة أو في إيجاب وطء الحائض؛ فماله حرام، فلا يجوز أن يلزم حكماً لم يلزمه الله تعالى، وقال ابن المنذر قال: ولا يسوغ إشغال ذمة أحد إلا بنص من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أنهما لا يريان أحاديث الباب حجة، وكذلك هو قول أبو عمر بن عبد البر ، ولعل هذا القول أظهر.
لكننا نقول: الأحسن للإنسان إذا فعل ذلك أن يكفر، لكن القائلين بالكفارة اختلفوا؛ هل يكفر دينار أم نصف دينار؟ فقال بعضهم: إن أتاها في فور حيضتها؛ فعليه دينار، وإن أتاها في آخر حيضها؛ فعليه نصف دينار، وقال بعضهم: إن ذلك على سبيل التخيير له، إن شاء دينار، وإن شاء نصف دينار، وقال بعضهم: إن أتاها حال الدم؛ فعليه دينار، وإن أتاها حال انقطاع الدم وقبل الاغتسال؛ فعليه نصف دينار، وكل هذه الأقوال تحتاج إلى دليل ولا دليل.
إذا ثبت هذا: فإن القائلين بوجوب الكفارة اختلفوا: هل يجب على المرأة كفارة أو لا؟ على قولين:
القول الأول: أنه يجب عليها الكفارة، قالوا: لأنه وطء محرم أوجب الكفارة، ككفارة الإحرام، وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد ، فإنه سئل عن امرأة غرت زوجها، فأتاها وهي حائض؟ قال: عليها الكفارة والإثم، ما معنى غرت زوجها؟ يعني قالت له: إني طاهر، وهي بهذا آثمة وعليها الكفارة.
والقول الثاني: أنه ليس عليها شيء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم -على فرض صحة الحديث- إنما أوجب ذلك على الرجل، ولم يوجبه على المرأة، ولو كان ثمة أمر لبينه، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، والراجح كما مر معنا أن قلنا: إن الأصل أن النساء شقائق الرجال، ولا حاجة إلى أن يكرر ذلك، كما ذكر ذلك في القرآن، هذا هو الأصل.
ولا تخرج المرأة عن ذلك إلا بدليل، سواء كان كفارة الجماع في نهار رمضان، أو غيره من سائر الكفارات والله أعلم.
هذا الحديث يقول المؤلف: (متفق عليه)، والحديث رواه البخاري و مسلم إلا أن مسلماً -كما سوف يأتي- لم يذكر المتن، إنما روى الإسناد، والإسناد يرويه محمد بن جعفر قال: حدثنا زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في فطر أو أضحى إلى المصلى فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء! تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قلن: وبما يا رسول الله؟! قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا؟ قال صلى الله عليه وسلم: أليس شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل: قلن: بلى، قال: ذلك من نقصان عقلها، أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها )، هذا الحديث بهذا اللفظ رواه البخاري .
أما مسلم فروى إسناده قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد ، ثم أحال إلى أحاديث ابن عمر ، يعني: لم يذكر هذا المتن، إنما أحال على أحاديث ابن عمر، ولم يذكر من حديث ابن عمر إلا الشاهد، والشاهد قال: (أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين)، إذاً مسلم لم يرو هذا، فقوله: (متفق عليه) فيه تجوز؛ لأن الاتفاق إنما هو في الإسناد وليس في المتن كما هو معلوم.
المسألة الأولى: قوله: ( فإني رأيتكن أكثر أهل النار )، السؤال: متى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ الجواب: اختلف أهل الحديث في ذلك، فقال بعضهم: إنه صلى الله عليه وسلم إنما رأى ذلك في المعراج، وهذا ليس بشيء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رأى الجنة ورأى النار، لكن الأحاديث الصحيحة لم يحفظ عنه فيها أنه قال: إني رأيت أكثر أهل النار.
القول الثاني: وهو الذي صححه أكثر أهل العلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رأى ذلك في حديث ابن عباس وحديث غيره في قصة صلاة الكسوف: ( وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قال: فرجع، فلما سلم قال: يا رسول الله! رأيناك تقدمت وتقهقرت، ثم قال صلى الله عليه وسلم: وأما ما رأيتموني فلم أر منظراً كاليوم أفظع، رأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بما، قال: بكفرهن، قالوا: يكفرن بالله؟ قال: لا، يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط )، وهذه مدرسة ليعلم الرجال أن المرأة أحياناً تقول هذا ليس من قناعة، ولكن هو من باب الكيد الذي قد طبع الله ذلك في قلبها وتصرفاتها، ولهذا قال الله تعالى: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف:28].
فالمرأة تكيد من غير طلب، أما الرجل فلا يكيد إلا بطلب، لكنه إن طلبه بطش، ولهذا تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم منه فقال: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والكبر، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال )، فهذا هو قهر الرجال؛ لأنه إذا خاصم فجر، أما المرأة فهي طبيعتها الكيد فتكيد، ويختلف النساء في ذلك.
فقولها: (ما رأيت منك خيراً قط)، نوع من استفزاز عقلية الرجل الحازم، حتى تختلف أقدامه، وربما انهزم في مثل هذه المناظرة وهذا كثير، ونعم هذه الطبيعة؛ لأنه لو كان عقل المرأة مثل عقل الرجل، لكان الطلاق كثيراً، انظروا لو ذهبتم إلى رحلة وأنتم شباب لمدة عشرة أيام أو عشرين يوماً، ترجعون وبعضكم زعلان؛ لأن طبيعة الرجل تختلف عن طبيعة المرأة، المرأة خلقت من ضلع بطبيعتها تتمانع وتقبل وتدبر، أما الرجل إن أدبر أدبر وولى، فهذه حقيقة فلا يظن أن طبيعة المرأة بهذا هو سوء، بل هو نعمة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ).
القول الأول: هو مذهب الحنابلة، وقول عند الحنفية أنهم قالوا: إن أدركت أول الوقت ولو بمقدار سجدة، أنه يجب عليها أن تقضي الصلاة بعد طهرها، فإذا أذن الظهر ثم أدركت ولو بمقدار دقيقة، وجب عليها إذا طهرت أن تصلي الظهر، وإذا أذن العصر وقد حاضت ولو بمقدار دقيقة؛ وجب عليها أن تصلي إذا طهرت العصر، والظهر، هذا مذهب الحنابلة، واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك سجدةً من العصر قبل الغروب فقد أدرك، ومن أدرك سجدة من الفجر قبل الصبح فقد أدرك )، ورواه مسلم من حديث عائشة بنحوه، فقالوا: إن السجدة المقصود جزء من الوقت، فجاء بلفظ (سجدة)، وجاء بلفظ (ركعة) مما يدل على أن المقصود هو إدراك جزء من الوقت وليس إدراك الركعة بتمامها وسجودها ونحوه، هذا مذهب الحنابلة وهو ظاهر.
القول الثاني في المسألة: هو مذهب مالك رحمه الله ورواه زفر عن أبي حنيفة ، واختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله قالوا: إنه إن دخل وقت الصلاة ثم حاضت المرأة، فلا يجب عليها أن تصلي إلا إذا ضاق الوقت فلم يبق إلا مقدار ما وجب عليها من تلك الصلاة، فإن كانت الظهر فمقدار أربع، وإن كانت الفجر فمقدار ركعتين، وإن كان المغرب فمقدار ثلاث، دليلهم قالوا: لأن القضاء لا بد فيه من دليل، ولا دليل على القضاء، هذا دليل ابن تيمية ؛ لأنه لا يرى القضاء يحكي الأداء، وأما الجمهور فيرون أن القضاء يحكي الأداء.
والدليل الثاني قالوا: لأنها لو أخرت الصلاة عن أول وقتها لم تأثم، فدل ذلك على أنه لم يقع في ذمتها، فدل على أنها لو أخرته بمقدار أربع ثم وقع الحيض فإنها تكون آثمة؛ لأنها أخرته، واستدلوا على ذلك قالوا: مثل قضاء رمضان، فهو واجب موسع، فإنه لو مات الميت في أثناء الشهور قبل أن يضيق عليه الوقت فإنه لا يأثم.
الجواب على هذا: أنه ليس ثمة تلازم بين الإثم وبين وجودها في الذمة، فإن الذي أفطر في نهار رمضان إذا أخر ذلك قبل أن يضيق الوقت لم يأثم، ومع ذلك يجب عليه أن يقضي، إذاً ليس ثمة تلازم بين الإثم وبين القضاء، وهذا القول الرد عليه قوي.
القول الثالث: هو مذهب الشافعي رحمه الله فقال: إن أدركت الحائض مقدار عدد الركعات التي هي وقت الصلاة، فإنه يجب عليها أن تقضيه بعد ذلك، وإن أدركت أقل من ذلك الوجوب؛ فلا يجب عليها.
فلو أذن الظهر فأدركت مقدار ركعتين؛ فلا يجب عليها الصلاة، فلو أدركت مقدار أربع وجب عليها ذلك.
القول الثالث: نظر إلى أول الوقت، قال: إن أدركت مقدار أربع ركعات وجب عليها؛ لأنها قادرة على أن تؤديه فلم تؤده، فهي واجبة عليها وإن كانت لم تأثم، وهذا القول قوي وهو أرجح الأقوال، والله أعلم.
فالعصر مقدار أربع ركعات، والظهر أربع ركعات، والمغرب مقدار ثلاث ركعات، والعشاء مقدار أربع ركعات وهلم جراً.
أولاً نقول: إن الحائض إذا طهرت في أول وقت الصلاة، فإنه يجب عليها أن تؤدي الصلاة بلا خلاف عند أهل العلم، فلو طهرت في أول العصر وجب عليها أن تصلي العصر، ولو طهرت في أول الظهر وجب عليها أن تصلي الظهر، ولو كان أول الوقت لم تكن واجبة عليها.
ثانياً: هذا من باب تحرير محل النزاع، إن أدركت ركعة فأكثر، أو إن أدركت جزءاً من ركعة فهل يجب عليها؟ مثل أن تكون طهرت قبل غروب الشمس بدقيقة.
الجواب: ذهب الحنابلة والشافعية إلى أنه يجب عليها أن تصلي العصر؛ لأنها أدركت جزءاً من الوقت؛ لحديث: ( من أدرك سجدة )، وذهب مالك رحمه الله: إلى أن الواجب في حقها أن تدرك ركعة فأكثر؛ لحديث: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، وفي حديث الطبراني وقد قواه غير واحد من أهل العلم ( من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة )، والركعة هي الركوع بسجود وغير ذلك.
وهذا القول قوي، وهو الأقرب والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم؛ لحديث: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، فإن أدركت أقل فإنها لم تدرك الصلاة، والأحوط أن تقضيها، إذا ثبت هذا، فهل يجب عليها أن تصلي الصلاة الأولى حينما أدركت جزءاً من الوقت في وقت الثانية؟ هل يجب عليها أن تصلي الأولى كمن يجمع بين الصلاتين، مثل أن تكون طهرت في آخر العصر، هل يجب عليها الظهر؟ أو طهرت في آخر العشاء هل يجب عليها المغرب؟
إذاً: ذهب الحنابلة والشافعية: إلى أنه يجب عليها الأولى مع الثانية؛ لأن وقت الأولى هو وقت الثانية مع العذر، وقالوا: وهو قول ابن عباس كما رواه عبد الرزاق ، وفي سنده يزيد بن أبي زياد وليس ابن أبي سليم ولا يصح عن ابن عباس قالوا: وقد روي عن عبد الرحمن بن عوف ولا يصح، فقد رواه مولى ابن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن ومولاه مجهول، ورواه حرب عن أبي هريرة ولا نعلم له إسناد، ورواه الدارمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ولم أرجع إلى إسناده، وقد أخبرني بذلك بعض الطلبة وأحتاج إلى مراجعته، وأنا قلت له: إني أستبعد لأني لم أجد الأئمة كـأبي العباس بن تيمية و ابن المنذر وكل من ذكر الخلاف لم يذكروا إلا ثلاثة، وكذلك محمد بن إسحاق قال: ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة، يعني عبد الرحمن بن عوف و ابن عباس ، ورواه حرب الكرماني عن أبي هريرة لكن لم يذكر إسناده، وبهذا أحتاج إلى أن أرجع إلى إسناده والله أعلم.
أما القول الثاني وهو مذهب مالك يقول: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، وهل يجب عليه أن يصلي الثانية، عند مالك لا يجب عليه أن يصلي الأولى إلا إن كان في وقت العصر، فيقول: لا بد أن يدرك خمس ركعات، وإن كان في السفر لا بد أن يدرك ثلاث ركعات، هذا مذهب مالك ، وهو قوي.
أما القول الثالث: وهو مذهب أبي حنيفة و ابن حزم قالوا: لا يجب عليه صلاة العصر؛ لأن عائشة رضي الله عنها سئلت كما في حديث معاذة العدوية : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟ قالت: لست بحرورية ولكني أسأل، قالت: ( كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، قالوا: فهذه حاضت ودخل عليها الوقت حتى خرج وهي حائض فلا يجب عليها القضاء، وهذا القول قوي، لكني أقول: إن الأحوط هو الأخذ بقول جمهور السلف وهو قول الحنابلة.
فقد ذكره ابن تيمية في القواعد النورانية، ونسبه إلى جمهور السلف، وقال: لا يعلم لهما مخالف من الصحابة، فله حكم الرفع، والعلم عند الله، لكني أقول: إن قول أبي حنيفة و ابن حزم أقوى من حيث النظر، وقول الحنابلة أحوط والله أعلم؛ لأن الحنابلة يقولون: إذا أدرك جزءاً من أول الوقت، أو جزءاً من آخر الوقت؛ يجب عليه، هذا قول الحنابلة، ونحن ما وافقناهم عليه؛ لأن الحنابلة يقولون: مقدار سجدة، ويستدلون بأن حديث عائشة (سجدة) وحديث أبي هريرة (ركعة)، والركعة هذه تدل على جزء من الصلاة؛ لأن الركعة في لسان الشارع تختلف عن الركوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتمونا ونحن ركوع فاركعوا وعدوها شيئاً )، ففرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين الركوع وبين الركعة، فالركعة في لسان الشارع هي كاملة، وأن في الركوع ليس هو إلا الركعة التي هي ميلان بعد قيام، هذا هو الأقرب.
ذهب الحنابلة والشافعية إلى وجوب الكفارة في حقها، كما هو مذهب ابن عباس و أبي هريرة ، وذهب مالك إلى استحباب ذلك ولا يجب، وذهب أبي حنيفة إلى عدم استحبابه، والأقرب قول مالك : أن ذلك مستحب وليس بواجب، وهو أولى، فإن تصدقن فهذا حسن منهن والله أعلم.
واستدل بعض أهل العلم بحديث أبي سعيد الخدري : ( أليست إذا حاضت لم تصل ولم تصم قال: فذلك نقصان دينها )، على جواز قراءة الحائض القرآن، قالوا: لأنه لو كانت الحائض لا تقرأ القرآن لذكر في نقصان دينها، وهذا فيه تكلف، لكننا نقول: الأقرب أن الحائض تقرأ القرآن، لكن تجعل بينها وبين القرآن حائل؛ لأن الأصل هو عدم الدليل والله أعلم.
والغلظة على العامة ( عندما خرج عليهم وهم يختلفون في القرآن قال: فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان وقال: أبهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه في بعض؟ اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا )، أما الذي لا يعرف حاله، أو أنه من غير الصالحين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يغلط عليه، ( لا تزرموه وأهريقوا على بوله ذنوباً )، أما أننا ما نغلظ أبداً، فهذا ليس من هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان الغالب عند كثير من الناس أنه يغلط حتى في النصيحة، حتى في النصيحة يغلظ فيها، وهذا أثر في النفس لا أثر في اتباع منهج محمد صلى الله عليه وسلم.
قولان عند أهل العلم، والقول بأنها تؤجر إن شاء الله لم يكن ببعيد، خاصةً إذا كانت تنوي وتتمنى أن تؤدي ذلك، من رأى النساء في العشر الأواخر وهن يبكين على ترك العبادة؛ علم أن الله سبحانه وتعالى لن يضيع أحداً، وقد قال صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الخيل، قال: ( قالوا: يا رسول الله! فالحمر؟ -يعني: في الحمير- قال صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه [الزلزلة:7-8] ).
فإذا تمنت الحائض أنها طاهر لتؤدي العبادة، فلها على قدر نيتها، وأما إذا لم يخطر ذلك ببالها، فلا تؤجر على ذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبيا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر