الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما جئت سرف حضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) متفق عليه ].
والحديث مر معنا مثله، وهو حديث: ( لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ) وقلنا: إن الحديث ضعيف، فإن أفلت بن سليمان هذا ليس بذاك فهو مجهول.
وأما جسرة بنت دجاجة ، فإن لها أعاجيب, وتروي الأباطيل خاصة هذا الحديث، فإنها مرة روته عن عائشة ، ومرة روته عن أم سلمة و لـجسرة حديثان: هذا الحديث، والحديث الآخر ترويه عن أبي ذر رضي الله عنه، في قصة تكرار الآية: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]، كررها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح )، وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده جسرة بنت دجاجة .
القول الثاني: أن العلة في ذلك هي لأجل الطهارة ليصح الطواف، وهذا هو قول مذهب عامة أهل العلم من السلف والخلف؛ أن العلة إنما هي لأجل الطهارة، والله تبارك وتعالى أعلم.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وهو قول جمهور السلف والخلف، أن النهي إنما هو لأجل الطواف بالبيت، وقالوا: إنه من المعلوم أن الخلاف في دخول الحائض المسجد خلاف مشهور، وقد تناقل الأئمة من الصحابة ومن جاء بعدهم الخلاف في ذلك، فلو كان العلة لأجل الدخول في المسجد لما أجمعوا على حرمة الطواف وهي حائض، فدل ذلك على أن العلة ليست هي الدخول للمسجد وإنما العلة هي الطهارة، وقد قال الله تعالى: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة:125].
وذكر بعضهم أن العلة هي بمجموع العلتين، وليست أحداهما بأولى من الأخرى، فكأن العلة مركبة، وقد أشار إليها أبو العباس بن تيمية في مجموع الفتاوى لكنه لم يرجح، ولما جاء إلى علة المنع فقال: وليس هذا ظاهر في الطهارة؛ لأن العلة هل هي لأجل دخول المسجد، أم هي لأجل الطهارة في المسجد، أم لأجل العلة بمجموع العلتين فتكون علة مركبة؟ والأقرب -والله أعلم- أن العلة المركبة لا يصار إليها إلا بشيء ثابت، ولهذا فالذي يظهر -والله أعلم- أن العلة لأجل الطهارة في الطواف.
المعروف والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، أن جماهير أهل العلم من الأئمة الأربعة يرون أن العلة إنما هي لأجل مطلق الطهارة، وليست الطهارة من الحدث الأكبر، وقد استدلوا على ذلك بأدلة.
الآن نتحدث عن مطلق الطهارة ولم نتحدث عن شرطيتها ولا عن وجوبها، حتى نعرف درجات الخلاف، فذهب الأئمة الأربعة إلى أن العلة هي مطلق الطهارة، واستدلوا على ذلك بأدلة.
الدليل الأول: حديث الباب الذي هو حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري )، وفي رواية لـمسلم: ( حتى تغتسلي )، ووجه الاستدلال من هذا الحديث أمور:
أولاً: لو كانت العلة النجاسة أثناء الطواف لما علقها صلى الله عليه وسلم بالاغتسال؛ لأنه من المعلوم أن الحائض إذا جف دمها، فإنها لا تنجس المكان، فلما قال صلى الله عليه وسلم: ( حتى تغتسلي )، دل على أن المقصود هو: رفع الحدث، ومن المعلوم أنا الحائض إذا اغتسلت فقد ارتفع حدثها الأصغر والأكبر.
ثانياً: قول النبي صلى عليه وسلم: ( حتى تطهري )، ورواية مسلم : (حتى تغتسلي ) من اللفظ المشترك، واللفظ المشترك إذا أمكن حمله على جميع معانيه من غير تضاد، فإن جمهور الأصوليين والفقهاء على جوازه، وقولنا: من غير تضاد كالقرء، فلا يمكن حمل القرء بمجموع معنيين؛ لأن القرء إما الطهارة، وإما نقيضها وهي الحيض، فدل ذلك على أن الأصل أن اللفظ المشترك إذا أمكن حمله على جميع معانيه فإنه يحمل.
ثالثاً: قوله صلى الله عليه وسلم: ( حتى تطهري ) و ( حتى تغتسلي )، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم على الطهارة، ومن المعلوم أن الطهارة لو ارتفعت، فإنما يرتفع حدث أصغر، وحدث أكبر، ولا يمكن أن يقال: إن هذا لفظ مجمل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، وقد عقل الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، فدل ذلك على أن الصحابة إنما فهموا مطلق الطهارة.
ومما يدل على هذا ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنه أنها قالت: (إن أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توضأ ثم اغتسل)، قال أهل العلم: إن هذا الوضوء إنما خرج مخرج التفسير لمجمل القول، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)، وقد ذكر هذا الدليل الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان، فيكون هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم إنما خرج مخرج بيان مجمل قوله: ( خذوا عني مناسككم )، وهذا الدليل ليس ظاهراً في هذا الأمر.
ولعل أقرب دليل على هذا هو: أن العلماء أجمعوا على عدم جواز أن تطوف الحائض، وهذا الإجماع لأجل حيضها، وقد استدلوا على هذا بما جاء عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، روي مرفوعاً، وموقوفاً، والصواب أنه موقوف على ابن عباس ولا يصح رفعه، هذا القول الأول.
وقال بعض أهل العلم: إن النهي حصل لأجل الطهارة من الحدث الأكبر، وقد روى ابن أبي شيبة بسند لا بأس به عن سليمان بن حرب و الحكم ، و حامد ، أنهم سئلوا عن الطهارة في الطواف فقالوا: لا بأس، وهذه الآثار استدل بها بعض أهل العلم على أن من السلف من يقول: إن الطهارة مستحبة.
وهذا الأثر الذي ذكره ابن أبي شيبة ليس صريحاً ولا ظاهراً؛ لأن تقييده بالحدث الأصغر محل نظر؛ لأن اللفظ ليس فيه دليل ظاهر على أنه حدث أصغر، وإنما سئلوا عن الطهارة فقالوا: لا بأس، فهذا يصدق عليه أنه للحدث الأكبر، ويصدق عليه أنه للحدث الأصغر، ومن المعلوم أن الحدث الأكبر مجمع عليه، ولا يمكن أن يقال: هذا مجمعٌ عليه فيحمل على الحدث الأصغر، والذي يظهر والله أعلم، أن ذلك إنما كان حال النسيان، وليس حال العلم والذكر.
ومن المعلوم أن الآثار التي يذكرها ابن أبي شيبة ليس فيها قصة السؤال، وحدث الإجابة، فإن ابن أبي شيبة في الآثار التي يذكرها أحياناً لا يذكر طريقة السؤال، حتى يمكن إدراك كنه الإجابة، ولهذا نجده أحياناً يبوب رحمه الله أبواباً على أثر ليس فيه ما يدل على هذا الباب، مثل ما قال عندما ذكر حديث ابن عباس أنه سئل عن الطواف بين الصفا والمروة، قال: إن شاء سعى وإن شاء لم يسع، قال: باب من نسي السعي بين الصفا والمروة، فجعل ذلك في حق من نسي ثم تذكر، ومن المعلوم أن الأحكام تختلف، فدل على أن أخذ الحكم بالاستحباب من هذا الأثر محل نظر.
ومما يدل على هذا أن أبا العباس بن تيمية رحمه الله حينما أفتى بأنه يجوز للحائض إذا صعب عليها الانتظار، أو امتنع أهلها من انتظارها أنها تطوف، قال: وأنا أقول ولا حول ولا قوة إلا بالله وإن لم أجد أحداً من أهل العلم قال بذلك، ولكن هذه المسألة مما يجب علمها وتعليمها، فعلل أبو العباس لم يجد أحداً يقول بهذا الأمر، نعم وجد بعض فقهاء المالكية لكنه ليس من أهل العلم المشهورين، فدل ذلك على أن إطلاق الاستحباب كما يقال ويتداول عند طلبة العلم في هذا الزمان محل نظر ظاهر، ولهذا أقول: إنه لا يعرف هذا القول ظاهراً بمثل هذه الفتاوى التي تصدر اليوم عن واحد من السلف، لأننا لو قلنا باستحباب ذلك، لكان الإجماع ليس له معنى.
وأما تقييد ذلك بالحدث الأكبر، فإنه من المعلوم أن العبادات في حق الحائض لا يفرق فيها بين حدث أصغر وحدث أكبر، نعم الجنب فيه فرق، يعني: الطهارة من الجنب من حدث أصغر وأكبر، أما الحائض فإنه لا يفرق، ولهذا ذكر من ذكر من أهل العلم: أن جمع الجنب والحائض بأحكام واحدة محل نظر، فالجنب يمنع من قراءة القرآن، والحائض لا تمنع على القول الراجح، وهو مذهب مالك ورواية عند الإمام أحمد واختارها أبو العباس بن تيمية أن الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن، وغير ذلك من المسائل.
ولهذا أقول والله أعلم: إن القول بأن أبا العباس بن تيمية يرى استحباب الطهارة بهذا الإطلاق محل نظر؛ لأن هناك فرقاً بين أن يناقش ابن تيمية رحمه الله أدلة الخصوم، وبين أن يقرر قولاً يختاره، فإن ابن تيمية رحمه الله لم يقل: إن الطهارة مستحبة، إنما تحدث عن أثر ابن أبي شيبة ، وكلام أهل العلم بأنه شرط، والذي يظهر والله أعلم، أن ابن تيمية لا يرى أن الطهارة شرط، كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنهم، وهذا أمر معروف، والخلاف فيه مشهور، أن الطهارة هل هي شرط أم واجبة.
ومما يدل على أن ابن تيمية لا يرى أن الطهارة مستحبة أن قال في حق الحائض: إذا حبست وعجزت عن البقاء، وامتنع الرفقة من انتظارها يقول: فإن عجزت عن البقاء واضطرت إلى الطواف من غير اختيار، فإنها تطوف من غير دم، فإن طافات مع إمكانية البقاء، فإنها تجبر ذلك بدم، والسؤال: لماذا أجاب أبو العباس بن تيمية بأنها تجبرها بدم؟ إلا لأنه يرى أن الطهارة ليست مستحبة، فإن أبا العباس بن تيمية لم يقل بوجوب الدم إلا لمن ترك أمراً مأموراً به شرعاً، إما على سبيل الشرطية وإما على سبيل الوجوب، وأظهر أنه يرى أن ذلك واجب، ثم قال: وإن كانت قد عجزت، فإنه لا يلزمها شيء؛ لأن غاية ما في ذلك أن الواجب عن العبد يسقط مع العجز في جميع التكاليف، فدل على ذلك على أنه يرى أن الطهارة مستحبة، ولكنه ليس بشرط؛ لأن العبادة حال فقد الشرط بجهل أو نسيان أو تعمد كعدمها؛ لأن العبادة إذا فعلت وهي مخالفة للشرط سواء فعلت بجهل أو نسيان أو تعمد فإنها تعد باطلة، ولهذا يقولون: الشرط الذي لا يسقط بجهل ولا نسيان فهو شبيه بالركن، إلا أن الركن داخل الماهية، والشرط خارج الماهية، والشرط قبل العبادة، والركن أثناء العبادة، ولم يستفصلوا في ذلك إلا في شرط واحد وهي النية.
أنا أطلت في هذه المسألة؛ لأن القول: بأن ابن تيمية رحمه الله يرى استحباب الطهارة، بهذا الإطلاق محل نظر، قد تقول: إن ابن تيمية ذكر في المجلد الخامس والعشرين في صفحة كذا وكذا هذا العبارة، نقول: فرق بين التقرير والمناقشة، وكثير الذين يخطئون في ابن تيمية حينما ينسبون له قولاً فيقولون: له قولان، والوقع أن هذا القول أحياناً يكون مناقشة، ومن أمثلة ذلك أنه عندما ذكر مسألة بيع الغائب، ويريد أن يناقش مذهب الشافعي قال: ولهذا كان أعدل الأقوال هو مذهب مالك وأحمد : إن باعه بصفة صح، وإن لم يبعه بصفة لم يصح، هذا أعدل الأقوال بين القولين: بيعه بصفة، أو بيعه بلا صفة، لكنه رجح رحمه الله في قاعدة في العقود مذهب أبي حنيفة وهو أن بيع المبيع من غير صفة ولا رؤية جائز بشرط أن يكون الخيار للمشتري، وهذا يحصل كثيراً من أبي العباس بن تيمية رحمه الله، وهذا إنما يتأتى لمن دوام على طريقة مناقشته وترجيحه للمسائل.
إذاً أستطيع أن أقول: إن القول باستحباب الطهارة للطواف بهذا الإطلاق محل نظر ظاهر، ولا يعرف بهذا الإطلاق، والفتوى التي يفتي بها بعض الناس له سلف عند أهل العلم، ولهذا هؤلاء يقولون: يجوز للمرأة أن تطوف وليس عليها شيء، ولم يقل به أحد، حتى ابن تيمية بهذا الإطلاق لم يقل به؛ لأن ابن تيمية يقول: إن كانت مضطرة إلى الطواف، وامتنع الرفقة من انتظارها، ولا تستطيع البقاء فتطوف لأجل فعل العبادة، وقد تركت مأموراً به وهي الطهارة.
ولكن لا يجب عليها الدم؛ لأن غاية ما في ذلك أن الواجبات تسقط مع العجز، وعدم الإمكان.
فالقول الأول في المسألة: ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد : أن الأمر هنا يدل على الشرطية، وأن الطهارة شرط، قالوا: لما صح عن ابن عباس من قوله أنه قال: الطواف بالبيت صلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، قالوا: فجعل ابن عباس الصلاة والطواف بمقام واحد، ومن المعلوم أن الطهارة للصلاة شرط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ).
والقول الثاني في المسألة: هو مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد ، كما رواها عنه محمد بن عبد الحكم وذكرها الخطابي في معالم السنن، ولم يذكرها ابن قدامة : أن الطهارة واجبة وإن لم يطف طاهراً جبره بدم، فيقال: إنه إن طاف، وهو قريب من البيت فيجب عليه أن يعيد، فإن رجع ولم يعد فإنه يجبره بدم، هذا هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية، وهو اختيار ابن تيمية نصاً في الحائض إن طافت من غير عذر.
وهذا القول قوي -وهو كما قلنا في مسألة إزالة النجاسة-: إن غاية ما فيه هو الأمر بالطهارة لكن لم يدل دليل على أنه في حال فقد الطهارة لا تصح العبادة كالصلاة، وإلا فإننا قلنا أيضاً: إن غاية ما في اجتناب النجاسة هو: الأمر باجتناب النجاسة حال الصلاة يعني: اجتناب البقعة، لكنه لو صلى فإن الصلاة تصح مع الإثم، كما هو مذهب مالك .
وأقول: لا فرق عند أهل العلم في الأحكام في الطواف بين الحج وبين العمرة، إلا ما ذكره ابن العربي في عارضة الأحوذي، والطحاوي في شرح معاني الآثار حينما ذكروا خلاف أهل العلم في السعي بين الصفا والمروة فقال الطحاوي : وأعلم أنهم لا يختلفون أن السعي بين الصفا والمروة في العمرة مستحبة، وعندما ذكر الخلاف قال: الخلاف في الحج، ثم قال: واعلم أنهم لم يختلفوا في أن السعي بين الصفا والمروة مستحب.
وبالعكس ابن العربي عندما ذكر الخلاف في الحج قال: واعلم أنهم لم يختلفوا أن السعي بين الصفا والمروة في العمرة واجب، وهذا يدل على أنه مهما بلغ العالم من العلم فإنه يهم، وهؤلاء هم العلماء الكبار، واليوم يطالب طالب العلم ألا يخطئ ألبتة، وهذا خطأ، ولهذا يقول يحيى بن معين : ليس العجب ممن يخطئ، ولكن العجب ممن إذا بين له الخطأ أصر، هذا هو الشأن، وإلا فإذا بين الحق للواهم فيجب عليه أن ينصاع، والله أعلم.
وأقول: إن هذا القول أظهر، وعلى هذا فلا يجوز طواف الحائض إلا إذا كانت معذورة، مثل ما لو حبست وشق على أهلها البقاء، مثل: أن تكون خارج المملكة، فالبقاء إلى أخذ حج مرة ثانية أو عمرة سوف يتطلب وقتاً ليس بالسهل، خاصة وأنها لو رجعت إلى أهلها فإن رجعوها إلى البيت الحرام مرة ثانية فيما لو تيسر لها موسم آخر فإن هذا يكلفها الأموال الكثيرة جداً، وهذا في حكم الإحصار عن ترك هذا الأمر، فلو طافت مع الاستغفار فإنه يجزئها، وهذا كما قلت: هو مذهب أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد لكن يجب أن تجبره بدم، والله أعلم.
ولا فرق بين المعذورة وغير المعذورة إلا بالإثم، فالمعذورة ليست بآثمة، وأما غير المعذورة فإنها تجبرها بدم ولكن تأثم، والله أعلم.
خلافاً لـأبي العباس بن تيمية ؛ لأن الطهارة الأمر بها شيء، وجبره بدم شيء أخر؛ لأن ابن تيمية يقول: غير المعذورة طوافها صحيح وتجبره بدم.
واستدللنا على ذلك بقصة عائشة أن امرأة سوداء، وضع لها النبي صلى عليه وسلم خباء في المسجد، قالت عائشة : فكانت تأتيني وتقول:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر نجاني
ومن المعلوم أن المرأة إذا وضع لها خباء في المسجد، وهذا هو دائم فإنها قطعاً سوف تحيض، وهذا إذا كانت معذورة.
وابن تيمية رحمه الله يقول في حق المرأة التي حاضت وهي معتكفة: تجلس في باحة المسجد.
ولهذا نحن نقول للمرأة الحائض التي تحيض في المسجد الحرام: لا حرج أن تجلس في باحة المسجد مثل المسجد النبوي تجلس في باحته، أما الساحة التي يسمونها الساحة الشمالية في المسجد النبوي، أو الذي بعد باب الملك عبد العزيز، أو بعد باب الملك فهد في المسجد الحرام، فهذا ليس من المسجد وإن كان هو من الحرم، والله أعلم.
لكن أعمال الحج تختلف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت ). أما قوله: ( ولا تصلي )، هو أمر معلوم أن الحائض لا تصلي فأمرها هنا أو عدمه سيان.
لكن أن نجعل الصلاة والطواف من هذا فليس بصحيح؛ لأن العمل بدلالة الاقتران لا يكون إلا إذا كان العامل اثنان فكل واحد له حكم، فالآن الحائض لا تصلي عامل، ولا تطوف عامل آخر، إذاً هنا عاملان إذاً دلالة الاقتران هنا ليست بحجة ومثله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]،كلوا وآتوا فهذا له حكم وهذا له حكم، أما إذا كان العامل واحداً، فالحكم واحد، مثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه )، فسواك وطيب وغسل عاملهم واحد وهو الواجب، إذاً هذا الذي يسمى دلالة الاقتران، وقد ذكرنا هذا الخلاف والمسألة في شرحنا في قواعد الأصول، وقلنا: إن ابن القيم بعدما قررنا هذا وجدنا الشيخ سلطان هو الذي ذكرنا هذا، قال سلطان : وجدت ابن القيم يقول نفس هذا التفريق، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. هذا الحديث الأول.
العلة الأولى: هو بقية بن الوليد، فإن بقية بن الوليد قد دلس في هذا الحديث، وبقية لو صرح بالتحديث فلا بد أن يصرح في كل طبقة من طبقات الإسناد؛ لأن بقية متهم بتدليس التسوية، ولا بد أن يصرح بسماعه من شيخه، ولكن شيخ شيخه لا يصرح، فهذا من أخطر أنواع التدليس، ناهيك أن بقية أتى بحكم خالف فيه الثقات، فلهذا قال أبو داود : وليس بالقوي، يعني: بقية .
العلة الثانية: هو سعيد أو سعد بن عبد الله الأغطش فإن أهل العلم لم يعرفوا عنه جرحاً ولا تعديلاً، ولهذا ذكره ابن حبان في الثقات، ومن المعلوم أن ابن حبان إذا ذكر الرجل في الثقات من غير جرح ولا كلام، فإنما يدل على أنه مجهول، على الخلاف هل هو مجهول حال أم مجهول عين؟
ولهذا فالذي يظهر -والله أعلم- أن سعيد الأغطش هذا لا يعرف حاله، كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص، ولهذا نكارته نكارة عينية، وليست فقط نكارة حال، فإن مجهول العين أشد.
العلة الثالثة: عبد الرحمن بن عائذ لم يسمع من معاذ بن جبل، وهنا فائدة وهي أن: معاذ بن جبل أثنى النبي صلى الله عليه وسلم عليه بعلمه وقال: ( يأتي
إذاً الحديث فيه ثلاث علل.
وللحديث شاهد عند أبي داود ، يرويه حكيم بن حرام بن سعد الأنصاري عن عمه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: لك ما فوق الإزار ).
إذاً: الفرق بين الحديثين، كلمة: ( لك ما فوق الإزار )، (لك) هذه، والحديث ضعيف، فإن حكيم بن حرام ضعيف والله تبارك وتعالى أعلم، وهو مجهول، وقد ضعفه ابن حزم وقال ابن القطان : لا أدري ما سبب تضعيفه، وإنما هو مجهول، يعني: ما يضعف الحديث يقال: مجهول، لكن لا يقل: فلان ضعيف.
على كل حال يقول ابن رجب رحمه الله: وكل الأحاديث الواردة في منع الاستمتاع بالحائض بما فوق الإزار، فإنه ليس رجالها بالمبرزين في الحفظ، ولهذا الروايات الأخرى أصح، والروايات الأخرى: هي ما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كانت إحدانا إذا كانت حائضاً أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتزر في فور حيضتها ثم يبشرها، وأيكم يملك إربه كما كان صلى الله عليه وسلم يملك إربه ).
وقالوا: إن الإزار في لغة الفقهاء هي إلى الركبة، وأما في لغة العرب فهي: ما يغطي السوأتين، هذا هو المعروف والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وفي رواية: ( أنه إذا كانت حائضاً ألقى على فرجها شيئاً ثم صنع ما شاء )، والحديث رواه أبو داود و البيهقي وإسناده جيد، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم مباشرة الحائض كما مر معنا، ولعلنا نذكر هذا على عجل.
وهذا الحديث يستدل به الجمهور على المنع، ولكنه لا يصح في الباب حديث كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله.
إذاً هي أربعين يوماً، أو أربعين ليلة.
وياليت ياليت لو تنشط همة الطلبة المتخصصين في قسم الحديث، خاصة في بحث الماجستير، فإن هذا بحث يصلح في هذا، فإن ابن حبان رحمه الله ينفرد بعلل لم يوافقه عليها الثقات، وهذا كثير، ويصل أحياناً إلى أكثر من خمسين رجلاً، أن ابن حبان أحياناً ينسب لهذا العالم وهذا الراوي قولاً لم يقل به أحد من المتقدمين، فأحياناً يقول: يقلب عليهم، وهذا كثير إذا قال: يقلب فانتبه فإن ابن حبان أحياناً ينسب لهذا العالم شيئاً لا يعرف عن الأئمة أنهم ضعفوه، أو تكلموا في هذه العلة التي أشار إليها ابن حبان ، فلو جمع بحاث هذا المسائل ودرسوها دارسة دقيقة، فإن فيها نفع عظيم، والله أعلم.
وهذا الحديث ضعفه العلماء رحمهم الله، ولهذا قال ابن رجب : فيه نكاره، وقد حسنه ابن الملقن ، وهو من أهل الفقه، وكثير ما يحسن أحاديث تلكم فيها الحفاظ الكبار الجهابذة الأعلام، وهو رحمه الله عنده مكتبة عظيمة جداً، فإذا تحدث المؤرخون في مكتبة الحافظ ابن حجر ، فإن مكتبة ابن الملقن أكثر، فكثيرة هي المسائل التي ينقل الحافظ ابن حجر من ابن الملقن ولا ينسبها إليه، لا من حيث نقول التضعيفات، ولا من حيث المسائل الفقيه.
ولهذا عندما حقق الشيخ بكر أبو زيد كتاب شرح عمدة الأحكام لـابن الملقن ، وجد نقولات للحافظ ابن حجر أخذها من ابن الملقن فقال الشيخ بكر أبو زيد في مقدمته قديم العهد: يا ليتني ما دريت وما تليت، ولكن والله لا نشهد إلا من وجدنا صاعه قد وجد في متاعه، فهذا يدل على أن الشيخ: بكر استثقل أن يكون الحافظ ابن حجر أخذ من ابن الملقن ولا ينسبه.
أقول: إن هذا بناء على المصطلح الذي تعارف الناس عليه فيما يسمى بحق الملكية الفكرية، ولهذا ليس من المستحسن أن نخاطب الأئمة الكبار، بأنهم أخذوا ولم ينسبوه؛ لأن هذا مصطلح تداولناه ويسمونه: السرقة المغلفة، وهذا الكلام لا بد أن يستبعد في حق الأئمة الكبار، فـابن القيم في الطرق الحكمية، أخذ فصولاً كثيرة من أبي محمد بن قدامة ، ولم ينسبها إليه، سمعتها من شيخنا عبد الله بن غديان ، وأن ابن قدامة أخذ فصولاً أو بعض الفصول من المهذب للشيرازي ، ثم يذكر أقوال المذهب فيها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وأقول: إن ابن الملقن قال: إنها حسن الحديث، وقال: إن البخاري أثنى على حديثها يعني: حديث مسة ، وذكره أيضاً الخطابي ، ولم أجد من أين ذكروا أن البخاري أثنى عليها، بل وجدت كثيراً من أهل من العلم من خطأ الخطابي في هذا الأمر، وقالوا: إن كلام البخاري قد نقله الترمذي في علله، وقال: إن البخاري وثق أبا سهل كثير بن زياد ، ولكنه قال: لا أعلم لـمسة حديثاً غير هذا الحديث والله أعلم، وليس فيه ما يفيد أن البخاري أثنى عليها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الأولى: متى تعد نفاساً؟ والثانية: ما أكثر مدة النفاس؟ والثالثة: ما أقل مدة النفاس؟
المسألة الأولى: وفيها مسائل: أول المسائل: متى تكون المرأة نفاساً؟ المرأة تكون نفساء بنزول دم الولادة سواء كان ذلك حال وضعها للولد، أو قبل ذلك بيوم أو يومين مع وجع الطلق، وأما ما تجده المرأة الحامل من دم من غير طلق، فهذا لا يعد حيضاً، وهذا قول عامة أهل العلم خلافاً لـأبي العباس بن تيمية فإنه يرى أن الحامل يمكن أن تحيض، وطبياً يقولون: لا يمكن.
وأنا أتعجب حيث أجد أن بعض طلاب العلم يرجح قول ابن تيمية ، وطبياً لا يمكن كما سوف يأتي، و ابن تيمية ليس برسول، مهما كان العالم فإنه يخطئ ويصيب، و أبو العباس بن تيمية ذكر بعض الأدلة لكن لا يلزم من ذكر استشهاد بعض الأئمة ببعض الأحاديث ترجيح قولهم، وأنها ليست ظاهرة، نعم المناقشة قوية، لكن الآن طبياً يقولون: إن الحامل لا يمكن أن تحيض؛ لأن دمها يكون غذاء للجنين. وأما إذا وجد الدم من غير طلق فليس بنفاس.
ثاني المسائل: أنها إن وضعت جنيناً قد تخلق بأن ظهر له يد أو رجل أو رأس صغر أم كبر، فإنها تعد نفساء، وأما لو ألقت نطفة أو علقة فيما لها ثمانين يوماً فأقل فإنها لا تعد نفساء، بل يكون الدم دم فساد، تتوضأ معه لكل صلاة، وعلى هذا فلو ألقت المرأة ما في بطنها فوجد فيه لحمة فيها التخلق فإنها تعد نفساء، وأما إذا لم تر شيئاً إنما وجدت علقة أو نطفة فإنه ليس بنفاس، والله أعلم.
ثالث المسائل: لو وضعت ولداً ولم يخرج منها دم، هل تعد نفساء أم لا؟ الذي يظهر والله أعلم وهو قول عامة أهل العلم أنها لا تعد نفساء، وقد ذكروا في ذلك حديثاً أن امرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولدت مولوداً من غير دم فكانت تسمى ذات الجفوف، ما معنى ذات الجفوف؟ جافة ما فيها شيء، وهذا الحديث منكر ولا يصح.
إذا ثبت هذا فإننا نقول: في نفس المسائل الأخرى، المسألة الأولى: أن المرأة إذا وضعت ولدين توأمين، فأي النفاس يكون في الولد الأول أم في الثاني؟ الأقرب والله أعلم أنه يكون في الأول؛ لأنه تعلق به حكم.
المسألة الثانية: إذا قلنا بتحديد النفاس بأربعين، فلو وضعت جنين في يوم وبعد ثلاثة أيام وضعت الآخر، أو أسبوع أو يوم وضعت الآخر، فهل لو انتهى مدة نفاس الأول -إذا قلنا: بالتحديد بأربعين- هل ينتهي نفاسها؟ أم تعتد بالنفاس الثاني؟ قولان عند أهل العلم.
فذهب الحنابلة: إلى أنها تعتد بالأول، والذي يظهر والله أعلم هو: القول الثاني، بأنها تعتد بالنفاس الثاني؛ لأن كل واحد تعلق به حكم، والله أعلم. هذي مسائل متى تعد نفاساً.
اختلف العلماء في أكثر مدة النفاس على أقوال تصل إلى خمسة، أشهرها: ثلاثة وإن شئت فقل: أربعة.
القول الأول: أن أكثر مدة النفاس ستين يوماً، وهذا قاله الحسن البصري ، وهذا إحدى الروايتين عن مالك ، وهو قول الشافعي في المشهور عنه.
والقول الثاني: سبعين يوماً، وقال به طائفة من السلف.
والقول الثالث: لا حد لأكثره، وهذا هو قول عند مالك , واختيار أبي العباس بن تيمية , وهو قول لـعطاء في إحدى الروايتين عنه، وهو قول لـقتادة .
يقول ابن تيمية : فإن المرأة النفساء تبقى نفساء ما إن انقطع عنها الدم، فلا حد لأكثره، يمكن أربعين، يمكن خمسين، يمكن ستين، يمكن سبعين، يمكن ثمانين، يقول: تبقى نفساء ما انقطع عنها الدم، فإن لم ينقطع فإنه يكون الحد أربعين وما زاد فهو استحاضة، فعلى هذا فيلزمها على رأي ابن تيمية ، أن تعيد الصلوات، والله أعلم، وإن كان لم ينص على هذا، هذا قول ابن تيمية .
والقول الرابع في المسألة: هو مذهب جماهير السلف والخلف، وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب الحنابلة، وهو مذهب الصحابة، وهو أن أكثر مدة النفاس أربعين يوماً.
بل قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر : وما كان هذا شأنه يعني: لم يرد فيه نص من كتاب ولا سنة، فلا موضع فيه للتقليد والاتباع إلا ما جاء عن الصحابة، وقد أجمعوا على أن أكثر مدة النفاس أربعين يوماً، فالحافظ أبو عمر بن عبد البر ذكر إجماع أهل العلم، أو إجماع الصحابة، روي عن عمر و ابن عباس و أم سلمة و عائشة و عبد الله بن عمرو بن العاص و عائذ بن عمرو ، وكل الأحاديث الواردة عنهم، أو الآثار الواردة عنهم فيها ضعف، وأحسن شيء في الباب أثران:
الأثر الأول: وهو صحيح كالشمس: وهو ما راوه ابن المنذر و البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:( تنتظر المرأة النفساء أربعين يوماً ).
والأثر الثاني: أثر أم سلمة الوارد في هذا؛ لأنه روي موقوفاً وفيه مسة كما هو معلوم.
وأقول: إن الأرجح والأحوط هو قول الجماهير، وأنا أقول هذا لأن الأطباء يقولون: إن النفساء السوي، التي يجبر رحمها خلال ستة أسابيع فزيادة، ستة أسابيع يعني اثنين وأربعين يوماً يقول: فاليومان إنما هو لجبر المشيمة والرحم، يقول: وما زاد على ذلك فهو غير سوي، إما أن تكون المشيمة داخل الرحم فليس هذا بسوي.
فدل هذا على أن الأطباء الآن وافقوا الصحابة وجمهور أهل العلم، ولهذا نقول: الأقرب والله أعلم، أن المرأة النفساء تعتد بأربعين ما لم يوافق عادة حيضها في العادة فتعتد بأنه حيض، فربما زاد عن الأربعين؛ لأنه وافق الحيض والله أعلم، هذا هو الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وأما أقل مدة النفاس فقد ذهب عامة أهل العلم على أنه لا حد لأقله، وروي عن أبي حنيفة أنه أحد عشر يوماً، والراجح أنه لا حد لا أقله، والله أعلم.
أجمع أهل العلم على أنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي وتصوم، خلافاً للعوام، والغريب والعجيب أن هذا منتشر حتى مع بعض الداعيات، يعني: لم ينبهن على هذا، وأقصد بالداعيات اللاتي يحفظن القرآن، يظنون أن المرأة إن طهرت حال الأربعين مثل أن يكون بعد خمسة عشر يوماً، يقولون: هذا الطهور الكاذب، يقولون لها: لا تغتسلين؛ لأن الدم سوف يأتي، وهذا خطأ، فمتى حصل الجفاف، أو زيادة على ذلك القصة البيضاء، فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي، فإن عاد فإنه يكون حيضاً، والله أعلم، وهذا أمر مجمع عليه.
اختلف أهل العلم على قولين: القول الأول: كره الحنابلة رحمهم الله أن يأتي الرجل امرأته النفساء التي طهرت قبل الأربعين حتى يتم لها أربعين، وقد ذكر ذلك أحمد وقال: وكان عثمان بن أبي العاص يعتزل نساءه حتى يكون لهن أربعون، وعثمان بن أبي العاص ذكر حد ذلك ولكن في سنده ضعف.
والقول الثاني: هو مذهب جماهير أهل العلم وهو ظاهر قول ابن عباس أنه سئل عن ذلك فقال: أليست تصلي، يعني: ما دام أنه جاز لها أن تصلي جاز لزوجها أن يأتيها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، لعل في هذا كفاية.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر