الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل.
وبعد:
قال جابر رضي الله عنه: ( حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة, فقام
الفائدة الأولى: أن المستحب في حق المحرم الذي طاف بين الصفا والمروة في آخر طواف على المروة ألا يقول شيئاً، لا يدعو ولا يستقبل القبلة، وهذا بخلاف آخر شوط من الطواف بالبيت، فإنه يستقبل الحجر ويستلمه أو يشير إليه كما مر معنا، أما على المروة فإنه لا يدعو؛ لأن ظاهر الحديث أنه إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: ( لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ).
فنقول: إن كان وقع بأهله، أو حلق من غير نية، أو طال الفصل بأن جلس شهرين أو ثلاثة أشهر، فإنه يجبره بدم، وإن كان الوقت قريباً فإننا نأمره أن يخلع ثياب المخيط ثم يقصر أو يحلق، ويكون بذلك قد تحلل، فإن فعل محظوراً من محظورات الإحرام جاهلاً أو ناسياً، سواء كان وطئاً أو غيره، فإنه لا حرج عليه، وهذا هو الأقرب، وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله.
ومذهب الشافعي: أن الوطء إذا فعله الإنسان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجه وغيره: ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ).
وقوله عليه الصلاة والسلام: ( وقصروا وأقيموا حلالاً ), مع أنه قال: ( اللهم اغفر للمحلقين، اللهم اغفر للمحلقين، اللهم اغفر للمحلقين ), قال أهل العلم: إذا كان بين العمرة والحج وقت قصير فإنه يستحب أن يقصر؛ لقوله: ( وقصروا وأقيموا حلالاً ), وإذا كان بين العمرة والحج وقت طويل بحيث ينبت شعر رأسه، فإن الأفضل في حقه الحلق؛ لعموم الأحاديث الدالة على أفضلية الحلق، هذا هو الأقرب والله أعلم.
هذا يسمى عند العلماء فسخ القران والإفراد إلى عمرة، وهذا الفسخ ذهب المالكية والشافعية ومن وافقهم إلى أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإلا فمن أحرم بحج أو قران فلا يسوغ له أن يفسخه إلى عمرة، واستدلوا بما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: ( كانت العمرة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ), يعني بذلك: فسخ الحج والقران إلى عمرة.
والقول الثاني في المسألة، وهو مشهور مذهب الحنابلة أنه يجوز فسخ الإفراد أو القران إلى عمرة قبل الطواف بالبيت، فإن طاف بالبيت على أنه قارن أو مفرد قالوا: فلا يسوغ له أن يفسخه بعمرة، واستدلوا على ذلك بحديث جابر رضي الله عنه قال: ( حتى إذا قدمنا البيت قال: طوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، وأقيموا حلالاً ), قالوا: فأمرهم بالفسخ قبل طوافهم بالبيت.
القول الثالث في المسألة، وهو الأقرب والله أعلم: أن فسخ القران والإفراد مستحب بأن يجعلها عمرة، وهذا هو مذهب أهل الحديث، وهو الذي نص عليه الإمام أحمد ، بل حينما قيل له: إن أبا ذر يقول: إنها لأصحاب النبي خاصة، قال: أو يقول هذا أحد, وهذا من غرائب الإمام أحمد أن يقول هذا، إلا أنه متأكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متمتعاً، بل إن سلمة بن شبيب من تلامذة الإمام أحمد قال: يا أبا عبد الله! كل أمرك عندي حسن، إلا أنك قويت أهل الرفض؛ تقول بالمتعة، أو تقول بفسخ الحج إلى العمرة، فغضب الإمام أحمد وقال: يا سلمة ! كان الناس يقولون عنك: إنك أحمق، وكنت أدافع عنك، وما علمت أنك أحمق إلا هذه الساعة، عندي أحد عشر حديثاً عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتراني أدعها لقولك.
وهذه فائدة لطالب العلم أن أهل البدعة لو وافقونا في سنتنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فلا ضير، فما يدريك لعلهم يهتدون، فالإمام أحمد رحمه الله لم يبال بخلاف أحد حينما علم أن السنة واضحة في هذا.
قال أصحاب هذا القول: إنه يستحب الفسخ سواء كان قبل الطواف أو بعده، قالوا: أما قبل الطواف كما في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أمرهم أن يتحللوا مرتين، قبل أن يطوفوا وبعد أن طافوا وسعوا ), أما قبل أن يطوفوا قال: (حتى إذا قدم إلى البيت قال: طوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا), هذا حديث رواه مسلم من حديث أبي موسى ، ورواه مسلم أيضاً من حديث جابر أنه قال: ( حتى إذا كان آخر طواف على المروة ), هذا يدل على أنه بعد الطواف والسعي، خلافاً لـابن قدامة رحمه الله حيث منع الفسخ بعد الطواف والسعي، قالوا: وهذا يدل على استحباب فسخ الحج أو القران إلى عمرة, إلا إذا خشي فوات الحج وهو عرفة, فإذا أمكن أن يتم عمرة قبل فوات عرفة، أو استحباب وقوفها في النهار أو بعد الزوال، فإنه يستحب له أن يفسخ.
القول الرابع: هو قول ابن حزم و ابن القيم ، ونسبوه إلى ابن عباس ، وفي نسبة القول إلى ابن عباس نظر كما سوف يتبين لك، قالوا بوجوب الفسخ وأن التمتع واجب، وقال ابن القيم في المجلد الثاني: ونحن نشهد الله على أنفسنا أنا لو أحرمنا بحج، لرأينا أن فرضاً علينا أن نفسخها إلى عمرة؛ تفادياً من غضب الله وغضب رسوله, فوالله ما نسخ الفسخ ولا جاء عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا القول قوي من ابن القيم رحمه الله، وإن كان الصواب هو جواز الأنساك الثلاثة كلها كما مر معنا, إلا أنا لم نذكر الخلاف هل هو واجب أو لا، وعلى هذا: فالصواب هو القول الثالث وهو اختيار ابن تيمية , أنه يستحب الفسخ قبل الطواف وبعد الطواف، وأن الأنساك الثلاثة كلها جائزة، خلافاً لـابن حزم و ابن القيم وبعض العلماء المعاصرين كالشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله.
ومما يبين لك أن الأنساك الثلاثة جائزة كلها:
أولاً: قول عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم : ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من شاء منكم أهل بعمرة، أو بعمرة وحج، أو بحج ), قالت عائشة : ( فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بعمرة وحج، ومنا من أهل بحج بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ).
الدليل الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم ), يعني: عيسى عليه الصلاة والسلام ( ليهلن ابن مريم بفج الروحاء, حاجاً أو معتمراً، أو ليثنينهما ), قوله (حاجاً) يعني: مفرداً (أو معتمراً), يعني: متمتعاً، (أو ليثنينهما), يعني: قارناً، ومعلوم أن عيسى بن مريم إذا نزل سوف ينزل بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على بقاء التشريع النبوي.
أما نسبة هذا القول لـابن عباس , فـابن عباس رضي الله عنه يرى أن كل من طاف بالبيت فقد حل شاء أم أبى، فالمفرد والقارن لو أتيا البيت قبل عرفة فواجب عليهم أن يتحللوا من قرانهم أو من إفرادهم ليكونوا متحللين، أما لو أفردوا الحج أو صاروا قارنين ولم يأتوا البيت إلا بعد عرفة، فإنهم يكونون قارنين أو مفردين، وهذا هو الأقرب والله أعلم، فـابن عباس إنما منع أن يطوف الإنسان طواف القدوم فيجب عليه أن يتحلل؛ ولهذا قال: شاء أم أبى، وهذا القول لـابن عباس أظهر من تفسير ابن حزم و ابن القيم له، حيث إنهم يوجبون الفسخ مطلقاً.
معنى هذه العبارة ما قاله ابن القيم يعني: وجوب الفسخ، وقيل المعنى هو: ( أرأيت عمرتنا هذه ألعامنا هذا أم لأبد الأبد ), فدل ذلك على أن السؤال: أرأيت مشروعية العمرة هنا لعامنا أم لأبد الأبد، فشبك بين أصابعه وقال: ( لأبد الأبد ), فهذا يدل على أن العمرة صارت شريعة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين، (بل لأبد أبد), فدل ذلك على استحباب الفسخ لا على وجوبه.
فإن قال قائل: ما تقولون في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة )؟
نقول: كل من ساق الهدي يجب عليه أن يبقى على إحرامه حتى يتحلل منه يوم العيد؛ لما جاء في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما سألته حفصة : ( ما بال الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر ), وعلى هذا فلو أهل بعمرة وقد ساق الهدي فيجب عليه أن يجعلها قراناً.
ولو أهل بإفراد وساق الهدي هل يكون قارناً أو مفرداً؟ الأقرب والله أعلم أنه يكون مفرداً.
أما قول بعض الشافعية وبعض الحنابلة: إن من ساق الهدي وهو متمتع جاز أن ينحر هديه قبل يوم العيد، فإن في هذا نظر، وإن كانوا قد استدلوا بأدلة منها: إذا جاز لمن لم يجد الهدي أن يصوم قبل يوم، فلأن يجوز أن ينحره من باب أولى؛ لأن البدل يأخذ حكم المبدل، والراجح: أنه لا يسوغ له أن ينحر هديه إلا إذا بلغ محله كما قال الله: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33], وهو يوم العيد، هذا هو الراجح.
القول الثاني: قول الشافعية والمالكية لا يصوم حتى يحرم بالحج؛ لأن الله يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]، فلا بد أن يكون صيامه في الحج. قالوا: وإذا كان كذلك فإذا لم يكن معه هدي فإنه يهل بالحج من اليوم الأول من ذي الحجة، أو يوم السابع قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة، هكذا قال المالكية والشافعية، ولا شك أن هذا القول ليس بقوي كما قال ابن تيمية :
إن عامة الصحابة كانوا ليس معهم هدي، وأمروا بالصيام فصاموا، وإنما أهلوا بالحج يوم الثامن، فدل على أن صيامهم كان قبل إهلالهم بالحج.
عرفنا أن بداية الصيام من حين إحرامه بالعمرة، ومتى ينتهي؟
الأقرب والله أعلم هو قول الشافعية أن آخر يوم هو يوم التروية.
وإن كان الحنابلة يقولون: آخر يوم هو يوم عرفة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أصبح يوم عرفة مفطراً؛ لأنه أدعى لتورعه وإخباته وانكساره بين يدي الله.
نقول: الأقرب والله أعلم أنه يجوز للمرأة أن تلبس ما شاءت من أنواع الثياب، كما روى محمد بن إسحاق قال: حدثنا نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي موقوفاً عليه: أنه قال: ( ولتلبس -أي المحرمة- ما شاءت من خز وحلي ومعصفر وسراويل وخف ), فهذا يدل على أن المرأة لها أن تلبس أي شيء شاءت، وكذا رواه ابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( لا تتبرقع المحرمة، ولا تنتقب، ولا تتلثم, ولتلبس ما شاءت من معصفر وخز وحلي ), ولكن لا ينبغي للمرأة أن تلبس لباس زينة، لا لأنه محظور ولكن لأنه مكروه، فالأولى ألا تلبسه، ودليله هو قول علي : ( ولبست ثياباً صبيغاً ), يعني: متجملاً، فأنكر ذلك عليها، فقالت: ( أبي أمرني بذلك ), تعني: بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل على أن المحرمة كانت ممنوعة من أن تتزين.
نقول: ينقسم الكحل إلى أقسام:
القسم الأول: ألا يكون بإثمد ولا بزينة يعني: ألا يكون كحلاً فيه طيب ولا يكون فيه زينة؛ بل يكون للدواء، وقد كانوا في الأول يضعونه بأن يضمدهما بالصبر يعني: للعلاج، يضع قطرة أو أي شيء على العين، هذا يسمى كحلاً، لكن ليس بلازم أن يصير كحلاً أسود، بل يمكن أن يكون أحمر، فهذا لا بأس به، كما روى عن عمر بن عبيد الله أنه اشتكى عينيه، فذهب إلى أبان بن عثمان فأمره أن يضمدهما بالصبر، وأخبره أن عثمان رضي الله عنه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( في المحرم يشتكى عينيه أن يضمدهما بالصبر ), وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وإن كان أبو حاتم أنكر سماع أبان بن عثمان من عثمان رضي الله عنه.
القسم الثاني: أن يضمدهما بالإثمد، فالإثمد إذا كان مطيباً فيمنع منه المحرم؛ لأن فيه طيباً، وإذا لم يكن فيه طيب فإن ذلك مكروه على الراجح.
القسم الثالث: إذا كان ليس فيه طيب ولكن فيه زينة، فإن ذلك أيضاً مكروه، ودليل الكراهة:
أولاً: أن علياً رضي الله عنه أنكر على فاطمة رضي الله عنها، والرسول صلى الله عليه وسلم صدقه، قال: ( فأنكرت ذلك عليها ... ), وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لـفاطمة أن تكتحل بعد ما تحللت، فهذا دليل على أن الأولى أنها لا تصنع هذا.
الثاني: (أن
وقال الحنابلة: إنه لو أحرم من غير تعيين أحد الأنساك صح إحرامه؛ لكن لو طاف قبل أن يعين فلا يصح طوافه؛ لأنه لم يحدد، هكذا قالوا.
والأقرب والله أعلم صحة ذلك؛ وذلك لأن الصحابة طافوا طواف القدوم وهو سنة في حقهم، فلما كان آخر طواف على المروة أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا هذا الطواف طواف ركن عمرة، فدل ذلك على صحة أن يحرم الإنسان من غير نية حتى لو طاف، فله أن يقربه بعد ذلك.
الحال الأولى: إذا لم يكن قد أهل زيد أصلاً، يعني قال: اللهم إني أهللت بما أهل به زيد، وكان زيد لم يحج هذا السنة، فنقول: يجوز أن يجعلها أي شيء شاء.
الحال الثانية: أن يقول: اللهم إني أهللت بما أهل به زيد, فوجد زيداً ممن ساق الهدي وهو لم يسق الهدي، فنقول: يجوز أن تجعلها قراناً ويجوز أن تجعلها تمتعاً؛ لأنه يجوز أن تقلبها تمتعاً، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( بم أهللت؟ قال: اللهم إني أهللت بما أهل به رسولك، قال: فإني قد سقت الهدي ) يعني: وأنت لم تسق الهدي, ( فطف بالبيت، واسع بين الصفا والمروة، ثم قصر، وأقم حلالاً ).
الحال الثالثة: أن يقول: اللهم إني أهللت بما أهل به زيد، فكان زيد متمتعاً، فهل له أن يكون مفرداً؟
نقول: لا، ليس له أن يكون مفرداً؛ لأنه أخذ بالأعلى، فيجب عليه أن يكون متمتعاً، نعم يجوز أن يدخل الحج على العمرة إذا عجز عن الوصول إلى البيت كما صنعت عائشة رضي الله عنها.
هذا الكلام فيه مسائل:
ولا ينبغي للحاج أن يؤخر إحرامه ضحى يوم الثامن، وبعض الحجاج هداهم الله يؤخرون هذا الإحرام، ويقول: ما دام أنه سنة فلي أن أؤخر، ونقول: حرمت نفسك خيراً كثيراً لأمور:
الأمر الأول: أن صلاتك الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر وأنت محرم خير من صلاتك من غير إحرام.
الأمر الثاني: أنه يشرع لك عبادات وأنت محرم ما لا يشرع إذا كنت غير محرم.
الأمر الثالث: أنك لو مت, مت وأنت محرم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً ), أما لو مت قبل الإحرام فقد مت ولك أجر نيتك, لكنك لا تبعث يوم القيامة ملبياً.
الأمر الأول وهو الأشهر: أن الناس كان يتروون الماء يوم الثامن لحاجتهم إليه في منى وعرفة.
الأمر الثاني: قيل: لأن إبراهيم رأى أنه يذبح إسماعيل يوم الثامن، فلم يعلم هل هي رؤيا أم حلم، فلما كان يوم عرفة عرف أنها رؤيا, فسمي يوم التاسع يوم عرفة، ويوم الثامن يوم التروية من الرؤيا.
القول الأول: قول الحنابلة وهو من مفاريد الحنابلة، من مفردات المذهب الحنبلي، قالوا: يبدأ الوقوف بعرفة من طلوع الشمس يوم التاسع إلى طلوع الفجر يوم العيد، واستدلوا على ذلك بحديث عروة بن المضرس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه ), قالوا: وقوله: ( ليلاً أو نهاراً ), دليل على الإطلاق.
القول الثاني: قول جمهور الفقهاء من الأحناف والمالكية والشافعية: أن بداية الوقوف بعرفة يبدأ من بعد الزوال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت عرفة إلا بعد زوال الشمس؛ لقوله: ( حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب بالناس ).
والأقرب والله أعلم هو قول الحنابلة؛ لأن حديث عروة نص في المسألة، ولكننا نقول: النبي صلى الله عليه وسلم إنما ابتدأ الدعاء بعد الزوال، فلو اشتغل قبل الزوال بقضاء شيء من حوائجه, أو أخذ قسطاً من الراحة فهو حسن، حتى يتفرغ بعد الزوال للدعاء.
وأصح شيء في الباب ما رواه ابن خزيمة من طريق أبي الزبير عن أبي معبد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ارتفعوا عن بطن عرفة, وارتفعوا عن بطن محسر ), ورواه ابن خزيمة من طريق ابن جريج قال: حدثني أبو معبد عن ابن عباس أنه قال: كان يقال: ( ارتفعوا عن بطن محسر، وارتفعوا عن عرنة ), ولو فرض ضعف هذا الحديث فقد ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وقفت هنا وعرفة كلها موقف ), ومن المعلوم أن عرنة ليست من عرفة، كما قال ابن القيم : إنما هي برزخ بين عرفة وبين مزدلفة.
ذهب الإمام أحمد إلى أنها ثلاث خطب، الأولى يوم عرفة، والثانية: يوم العيد بعدما رمى جمرة العقبة، والثالثة: يوم القر يوم الحادي عشر؛ لأن الناس تقر في منى.
وذهب الشافعية إلى أنه خطبهم يوم السابع مع هذه الأيام الثلاثة؛ ولكن خطبته في يوم السابع لم ينص أحد بإسناد صحيح على ذلك.
وخطبة النبي صلى الله عليه وسلم هذه فيها فوائد عظيمة، ولا يسعنا أن نذكر إلا نتفاً منها وإن كنت أحب من الدعاة وطلبة العلم الذين يذهبون مع الحملات أن يركزوا على هذه النقاط، والرسول صلى الله عليه وسلم ركز على نقاط كثيرة:
وليعلم المسلم أن هذا مزلة قدم، ومزلة هفوة أفهام، وليتق الله يوم تنصب الموازين وترفع الحقوق، فيؤخذ للشاة الجلحاء حقها من الشاة القرناء، والويل ثم الويل ثم الويل لمن هتك هذا الأمر بأي مسوغ كان؛ ولهذا من الله سبحانه وتعالى على قريش أن آمنهم من خوف، ولا شك أن الدين لن يثبت، والعقيدة لن تستقر في ظل وضع أمني مشوب، لا يعلم مدى اختلاله إلا علام الغيوب.
والناظر في هذه الأيام يرى تساهل كثير من المسلمين بأموال المسلمين، فكم هي الشركات ذات النصب والاحتيال التي تدعي زوراً وبهتاناً أنها تضارب على موافقة الشريعة، فيتبين بعد زمن ليس بالطويل أنها كلها شركات نصب واحتيال، فالويل ثم الويل، والثبور ثم الثبور لمن أخذ أموال الناس يريد إتلافها، فإن مآله أن يتلفه الله, كما قال صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة.
وبين عليه الصلاة والسلام حرمة وعظم الربا، وكأنه بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام حينما يقرر هذه القواعد, كأنه يعلم ما سيحصل للأمة من هتك للأعراض والدماء، وسرقة للأموال والنصب والاحتيال, واستسهال للربا بأي شكل من أشكاله، فلم يجوز الحبيب عليه الصلاة والسلام يوماً من الأيام ولا أحد من الصحابة درهم رباً بأي مسوغ، سواء كنت لا تأكله أو تأكله، والواقع اليوم يبين لنا استسهال كثير من المسلمين والعياذ بالله بأمر الربا، وأن الناس تكالبوا على الربا وهم لا يشعرون، فتش عن قلبك، هل كنت تستسهل الربا أم لا؟
فتش عن جيبك، فلربما فيه بطاقة ماستر كارد، أو أمريكان إكسبرس، أو فيزا فيها شرط ربوي وأنت لا تشعر أنك قد وقعت في الربا والعياذ بالله، وإني لأعجب حينما أسمع من يقول: إن نسبة الربا في الشركة الفلانية يسيرة.
وأسألكم سؤالاً: لو أن شركة من الشركات جاءت إلينا، وأنشأت شركة عقارية ورأس مالها مليار، وقالت: ثلاثمائة مليون منه هي فندق اسمه كذا يقوم على الدعارة؛ على الزنا وعلى شرب الخمر، ونسبة العائد منه للشركة ثلاثة في المائة فقط، لا يجوز الدخول في شراء أسهم هذه الشركات والذي منعنا من هذه الشركة أنها شركة دعارة وخمر, مع أن الربا أعظم عند الله سبحانه وتعالى من هذه: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15]، وبعض الناس يقول: نحن لا نقول: إن الربا -معاذ الله- حرام، نقول: ليس الخلاف بيننا وبينكم أن الربا حلال أو حرام، الخلاف في الدخول في عقد الربا، ثم بعد ذلك من باب التسهيل يقولون: إذا كنت مضارباً فلا بأس أن تشتري أسهم الشركات المختلطة، وإذا كنت مستثمراً أخرج نسبة الربا، فأنا أقول: المستثمر أهون عند الله من المضارب؛ لأن المستثمر إذا أخذ الربح سوف يخرجه تخلصاً، فهو استطاع أن يتخلص من هذا السهم، أما المضارب فإنه يشتري السهم الذي فيه حرام ثم يبيعه على غيره الذي فيه حرام، فأصبح المضارب أعظم إثماً عند الله سبحانه وتعالى من المستثمر، فينبغي للمسلم أن يشجع الشركات القائمة على عدم القرض والاقتراض، وأن يعلم أنه يمتحن في دينه وفي أمانته وفي ماله، وقد بين الله أنه يمتحن الإنسان في أحب شيء إليه، والصحابة قدموا إلى مكة وكانوا جوعى عطشى وهم محرومون، فقال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [المائدة:94]، فدل على أن المسلم ينبغي له أن يحتاط، وأن يعلم أن هذه الأزمنة أزمنة مزلة قدم, وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة : ( يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء أمن الحلال أخذ أم من الحرام ), وبين عليه الصلاة والسلام: ( أنه من لم يسلمه الربا في آخر الزمان أصابه من غباره ), وغباره مثل هذه الشركات المختلطة كما تسمى، فينبغي للمسلم أن يحتاط، وليعلم أنه إذا استقر في ذهنه أن هذه الشركة فيها نسبة حرام فعليه أن يبتعد، والحمد لله هنالك الشركات المباحة فهي غنية وغنيمة باردة لمن اتقى الشبهات: ( ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه).
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: أخذ المال للحج ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: من حج ليأخذ، فهو لم يرد الحج إلا لأجل أن يتكسب، فهذا يقول ابن تيمية رحمه الله: ليس له في الآخرة من خلاق؛ لأنه جعل الدين عرضاً للدنيا.
القسم الثاني: من أخذ ليحج, فهو ناوٍ إما عن نفسه وإما عن غيره، فلأجل قلة ذات اليد أخذ؛ لأنه يحب أن يحج ولو عن غيره، فنقول: هذا جائز، أو شخص يريد أن يحج فجاءه شخص وقال: حج عني وخذ هذا المال، فهذا لا بأس به أيضاً؛ لأنه وقع اتفاقاً، أما أن يقول: أنا ما أنا بحاج إلا بنقود، فإذا قال: خذ خمسة آلاف، قال: لا، أريد عشرة، إذا قال: خذ عشرة، قال: لا، أريد خمسة عشر، فهذا ليس له في الآخرة من خلاق.
الجواب: المتمتع والقارن وكل من أراد أن يهدي في البيت لا يحرم عليه شيء إلا أن يدخل في نسك الحج أو العمرة، فإذا نوى أن يكون متمتعاً أو قارناً فله أن يأخذ من شعره أو من بشرته ما دام لم يدخل في النسك، وكذلك من أراد أن يبقى في الرياض مثلاً لا يريد أن يحج ولا يعتمر ولكن أحب أن يذبح في منى، فيطلب من أحد الأشخاص يسوق له الهدي فيذبحه في منى، فهذا يجوز له ذلك، ولا يحرم عليه شيء أبداً، كما قالت عائشة رضي الله عنها: ( أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، ولم يحرم عليه شيء كان له حلاً), كما روى مسلم في صحيحه.
الجواب: اختلف العلماء في الزعفران إذا طبخ، هل يبقى ممنوعاً منه المحرم أم لا؟
فذهب المالكية والحنفية إلى أن الزعفران إذا طبخ خرج عن مسمى الطيب، وأرى أن هذا القول قوي.
القول الثاني: مذهب الشافعية والحنابلة قالوا: إن الزعفران إذا طبخ لا يخرج عن مسمى الطيب إذا بقي طعمه، أو طعمه ورائحته، أما إذا لم يبق إلا لونه فلا بأس به، مثل الصفار الذي يوضع فوق الأرز، فهذا لون, يسميه العوام: كروم، أو صفار البيض، أو صفار اللحم، فهذا لا بأس به؛ لأنه لم يبق طعمه ولا رائحته، فإذا كانت القهوة فيها زعفران لون فقط من غير طعم ولا رائحة، فلا بأس منه، أما إذا كان فيه طعم أو طعم ورائحة فالأولى والأحرى أن يجتنبه المحرم.
الجواب: الخروج من عرفة قبل الغروب لا يجوز، وقد ذهب عامة الفقهاء إلى أنه لا يجوز له أن يخرج حتى تغرب الشمس، أما لو خرج وعاد إليها قريباً قبل الغروب فلا حرج في ذلك خاصة إذا كان في حاجة إن شاء الله، أما إذا خرج ولم ينو الرجوع فإن عامة الفقهاء قالوا عليه دم؛ بل بالغ المالكية وقالوا يفسد حجه ويتحلل بعمرة؛ لأن البقاء إلى الليل عندهم ركن. وذهب الشافعية في قول: إلى أنه لو خرج قبل الغروب فلا حرج عليه ولكن يجبره بدم.
ولكن الأقرب قول عامة الفقهاء: إنه لا يسوغ له, فإذا خرج وجب عليه أن يرجع قبل الغروب، فلو رجع بعد الغروب فذهب الجمهور إلى أنه عليه دم، وقال بعضهم: لو رجع بعد الغروب, وجمع بين الليل والنهار، جاز له ذلك، والعلم عند الله.
الجواب: ذهب الحنابلة والشافعية وهو اختيار ابن حزم إلى أن الأضحية مشروعة لكل مسلم حاجاً أو معتمراً أو غيرهما، وهذا القول أقرب والله أعلم، ومما يدل على ذلك ما رواه البيهقي وأصله عند مسلم من حديث ثوبان : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( يا ثوبان! أصلح لنا لحم هذه الشاة ), في رواية البيهقي : ( لحم هذه الأضحية ), قال: ( فما زلنا نأكل منها حتى قدمنا المدينة ), ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى هدياً، وبعضهم يشكك في هذه الرواية، لكننا نقول: الأصل أن الأضحية مشروعة لكل مسلم، ومن فعل مثل الرسول بحيث ينحر مائة من الإبل هدياً، فهذا خير له من الأضحية.
وقد ذهب ابن تيمية و ابن القيم إلى أنه لا يشرع في حق المحرم الحاج أضحية، والأقرب والله أعلم أنه يسوغ له ذلك، وهذا اختيار شيخنا ابن باز ، والله أعلم.
الجواب: أولاً: أما المسافر فإن الأفضل في حقه أن يصلي في منى قصراً من غير جمع، وأما عرفة فالأفضل أن يصليها قصراً جمع تقديم.
وفي مزدلفة اختلف العلماء فيه:
فذهب عامة الفقهاء إلى أنه يصلي المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء، وهو الأفضل، نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر و ابن قدامة و ابن المنذر و ابن تيمية و النووي و ابن حجر و الخطابي وغيرهم, واستدلوا بما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما -صلاة المغرب والعشاء- فلا يقدم الناس جمعاً حتى يأتموا، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر إلى غير ميقاتها ) يعني: في أول وقتها، ولكن لو صلى من أول وصوله فلا حرج إن شاء الله، وبعض مشايخنا كشيخنا ابن باز يفتي بذلك، وبعض الإخوة هداهم الله من أول وصولهم قبل أن يجتمع أصحاب الحملات تجدهم يصلون ولم يتوضأ بعضهم فأرى أن هذا من التكلف، فصلاة الرجل مع الرجلين خير من الصلاة وحده، ومع الثلاثة خير من الاثنين، والله أعلم.
الثاني: وأما المكي، فالأقرب والله أعلم وهو مذهب الحنابلة والشافعية أن المكي يستحب له أو يجب عليه أن يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء وجميع الصلوات في منى متماً، وأما في عرفة فإنه يتم ويجمع جمع تقديم، وفي مزدلفة يتم ويجمع، هذا الأقرب والله أعلم، وأما من قال: إنه يقصر لأنه نسك، فنقول: يلزم من هذا أنه من حين إحرامه أن يقصر ولو كان في بيته، ولا قائل بهذا، ومما يدل على أن القصر إنما هو خاص في السفر ما رواه الترمذي و ابن خزيمة بسند صحيح من حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله وضع على المسافر شطر الصلاة والصوم ), فخص ذلك بالمسافر، فدل ذلك على أن غير المسافر لا يسوغ له أن يقصر الصلاة.
الجواب: إذا أخر المحرم أو الحاج طواف الإفاضة، ونواهما إفاضة ووداعاً جاز له ذلك، ولو طاف بعد ذلك بين الصفا والمروة، فيصدق عليه أنه جعل الطواف آخر عهده بالبيت، ومما يدل على ذلك ما بوب عليه البخاري في صحيحه قال: باب العمرة أو طواف الوداع، وذكر حديث عائشة رضي الله عنها: أنها اعتمرت ثم خرجت, فجعلت عمرتها مكتفية عن طواف الوداع، وبعضهم يقول: إن عائشة بعدما اعتمرت طافت طوافاً آخر كما في رواية البخاري ، ولكننا نقول: يصدق عليه أنه كان آخر عهده بالبيت الطواف، والرسول صلى الله عليه وسلم طاف للوداع ثم صلى الفجر، وبعضهم يشكك في هذا، والعلم عند الله.
الجواب: المسعى -الصفا والمروة- ليس من المسجد، وكونه يكون قريباً لا يدل على ذلك؛ لأن الله جعله مشعراً حراماً فلا يسوغ لأحد أن يدخله المسجد، مثله كمثل بيت لك قريب من المسجد، فأراد المسلمون أن يوسعوه فأبيت، فجعلوا المسجد حوالي بيتك وتكون بيتك خارج المسجد، فكذلك الصفا والمروة، ومثله حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فليست من المسجد, والعلم عند الله.
الجواب: أما الحج في حق المدين فهو يصح بإجماع الفقهاء كما قال ابن عبد البر ، أما أنه يأثم أو لا يأثم؟ نقول: هذا يختلف فالدين أنواع.
الأول: إذا كان الدين مقسطاً وهو يستطيع أن يسدد، فلا بأس أن يحج ولا حرج في ذلك.
الثاني: إذا كان الدين مؤجلاً لا يحل وقت الحج، فنقول: يجوز له الحج.
الثالث: إذا كان عليه دين حال وعنده ما يفي به, فنقول: يجوز له ذلك، حتى لو لم يطالبه المدين.
الرابع: إذا لم يكن عنده شيء أصلاً وعليه دين ولا يستطيع أن يفي، فجاءه شخص وقال: حج معنا متبرعاً ولا نريد منك شيئاً، أو حج عن الغير فله أن يحج عن الغير ولا حرج في ذلك، والله أعلم.
الخامس: إذا كان عليه دين ولم يطالب به، فله أن يحج، والله أعلم.
الجواب: وضع المشابيك في الإحرام في الرداء لا بأس به على الأقرب والله أعلم، وهو اختيار ابن تيمية بشرط ألا يجعله على صفة لبس المخيط، مثلما يفعله بعض الإخوة بحيث لو فتح يديه كأنه مخيط، وكذلك يضعون قبقاب إلى الصدر، فهذا ممنوع؛ لأنه في حكم لبس المخيط، أو يضعون الرداء ويخرقونه من الوسط ويدخلون رءوسهم فيه, فهذا ممنوع؛ لأنه في حكم المخيط.
أما الإزار فله أن يضع شبابيك يمنع من فتحه، أما أن يلبس إزاراً على هيئة السراويل من الأعلى بأن يكون له تكة فهذا منعه عامة الفقهاء وقالوا: لا يسمى هذا سروالاً في لغة العرب, بل يسمى نقبة، وقالوا: النقبة هي سراويل في أعلاها إزار في أسفلها، مثلما يفعله بعض الإخوة الذين يلبسون إزاراً مخيطاً غير مفتوح كهيئة التنورة كما يسميها العوام، فهذا ممنوع منه المحرم، وهذا قول عامة العلماء من أهل اللغة والفقهاء، وشيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله جوز ذلك بناء على أنه يسمى إزاراً في لغة العرب، غير أن ابن الأثير و الفيروزأبادي و ابن منظور وهم أئمة اللغة قالوا: يسمى نقبة ولا يسمى إزاراً.
الجواب: الله سبحانه وتعالى يقول: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح:27], فيجب تعميم الرأس، ومعنى تعميم الرأس: أن يقصر جوانب الرأس كله لا أن يأخذ من كل شعرة، فهذا من المتعذر، وأما ما يفعله بعض الإخوة بأن يأخذ شعرات ذات اليمين وشعرات ذات الشمال، وشعرات من أمام وخلف ووسط, فهذا جوزه الشافعية ومنعه جمهور الفقهاء، وأرى أنه لا ينبغي أن يصنع هذا بل يعمم سائر رأسه, بأن يأخذ مقصاً ومشطاً ثم يمشط شعره ذات اليمين وذات الشمال, والمقص يمشي، ومع هذا فنقول: يجزئه إن شاء الله، ولا يلزم أن يكون القص شعراً طويلاً أم قصيراً.
يبقى مسألة تسأل عنها كثير من النساء: يكون شعرها مدرجاً فماذا تصنع؟ نقول: هي بالخيار، إما أن تجمعه حتى يكون آخره فتقص بقدر الأنملة، وإما أن تأخذ من الأعلى قليلاً ثم الذي فوقه قليلاً, ثم الذي فوقه قليلاً فيكون فيه نوع من الانضباط، والعلم عند الله.
الجواب: أما حديث جابر فقد ذكرنا في أول الكلام أن ابن المنذر ألف فيه جزءًا وذكر مائة وخمسين مسألة، وكثير من المعاصرين لهم شروحات بعضها موجز وبعضها طويل، وبعضها بأشرطة وبعضها بمذكرات، فلا أعلم كتاباً حوى جميع المسائل؛ لأن غالب من يشرحها يشرحها في دورات مثل دورتنا هذه، فلا يستطيع أن يعم جميع هذه المسائل، ولو يوجد عالم يذكر حديث جابر في كل مسألة، ثم ينقل مقولات الأئمة وكلام الفقهاء فيها، فلعله يكون قد حوى واستوعب.
الجواب: ذكر ابن تيمية رحمه الله أن الأصل في الأنساك القران لمن ساق الهدي ولم يقل القران مطلقاً، ذكر ذلك في مجموع الفتاوى، المجلد السادس والعشرين، وقال: وهو مذهب أحمد رحمه الله.
الجواب: أما الرمي ليلاً لجمرة العقبة فهو يجوز، وقد روى مالك في موطئه: أن صفية بنت أبي عبيد كانت قد جلست في مزدلفة تنفس امرأة, فذهب ابن عمر وتركها في مزدلفة, حتى إذا كان ليلة الحادي عشر قال لها: الآن حين قدمت، قالت: نعم، قال: فارم الجمرة، وهذا يدل على أن ابن عمر جوز الرمي.
وأما الحديث الذي رواه أبو يعلى : ( الرعاة يرعون في النهار ويرمون في الليل ), فهذا حديث ضعيف لا يصح، ولا يصح في الرمي حديث صحيح إلا ما رواه مالك : أن ابن عمر جوز ذلك. وأما ( رميت بعدما أمسيت ) فهذا ليس دليلاً كما أشار إلى ذلك الحنابلة؛ لأن في معنى المساء يدخل ما بعد العصر، والراوي: جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الحادي عشر يوم القر، فسأله عن ذلك.
لكننا نقول: يجوز الرمي ليلاً لعدم الدليل المانع من ذلك.
أما أيام رمي الجمار فإن يوم الحادي عشر يبدأ من بعد زوال الشمس، ولا يسوغ ولا يجوز أن يرميه قبل ذلك، أما اليوم الثاني فإنه يبدأ أيضاً بعد زوال الشمس. وهل له أن يرمي في اليوم الثاني قبل الزوال؟ محل بحث وتأمل، وأما جمهور الفقهاء فإنهم يمنعون الرمي قبل الزوال، وأنا أرى أن المنع قبل الزوال أولى، نعم ثبت عند عبد الرزاق قال: حدثنا ابن جريج قال: حدثنا ابن أبي مليكة قال: [رأيت
الجواب: إذا لم يدخل الإنسان في النسك حتى تعدى الميقات، فإنه يجب عليه أن يرجع إلى الميقات الذي تعداه فيحرم منه، فإن شق عليه ذلك فإنه يحرم من مكانه وعليه دم، كما أشار إلى ذلك أهل العلم كـابن قدامة وغيره.
وقمت بدورة مصغرة للحج، ولكني إذا حضرت الدروس عرفت أنه ليس عندي علم، فهل أستمر أم أتوقف، فقد أعطاني ربي أسلوباً وحفظاً وإقبالاً من الناس ولله الحمد؟
الجواب: اجمع بين الأمرين: احضر دروس طلاب العلم وأهل العلم، واشرح إذا كنت تستطيع، لكن لا ينبغي للإنسان أن يتصدر للعلم والتعليم وبضاعته مزجاة، وكما قال سفيان بن عيينة عندما طلب منه أن يحدث وكان صغيراً، وكان قد حوى علم الأولين، فلما جلس على كرسيه بكى ثم قال:
خلت الديار فسدت غير مسود ومن البلاء تفردي بالسؤدد
فالأولى بالإنسان أن يحصل العلم وأن يكون اهتمامه بالعلم والتحصيل أكثر من اهتمامه بالتعليم؛ لأنه إذا علم سوف يتفرغ كثيراً ولا يحصل، وربما يفهم مسائل يستغرب منها الكبار والصغار بسبب سوء فهمه، مثلما حصل لبعض طلاب العلم الذين تشيخوا على الصحيفة، أحدهم يقول في حديث أبي سعيد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثم يخرج الله أقواماً لم يعملوا خيراً قط ), قال: (خيراً) نكرة في سياق النفي، فتعم أي خير، فيجوز للإنسان أن يدخل الجنة ولو لم يعمل خيراً قط.
أعوذ بالله! وهذه كلها من الأغلاط، وبعضهم في حديث جابر الذي معنا، في مثل طبعة دار المعارف كثيرة التصحيفات يشرح لطلابه الموجود في النسخة، قال: (وأهل الناس بمثل الذي يهلون به، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته)، هو يقرأ في نسخة: بيته، قال: ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته، ويستحب للمحرم أن يبقى في بيته، وهذا خطأ تصحيف؛ فلهذا ينبغي للطالب أن لا يتعجل في التدريس حتى يرى أنه قد حصل، فإذا جمع وقرأ ودرس على مشايخه في الفقه، وفي الحديث، وفي اللغة، حتى جمع شيئاً ما فلا بأس، والحمد لله.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يمنحنا وإياكم رضاه والعمل بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والتقوى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر