إسلام ويب

حديث جابر في صفة حج النبي [4]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يسن للحاج إذا وصل إلى عرفة أن يصلي بها الظهر والعصر جمع تقديم بأذان وإقامتين حتى يتفرغ للدعاء، ثم يقف بعرفة حتى تغرب الشمس، ثم يدفع إلى مزدلفة، ويصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير ويبيت بها، ثم يتجه إلى منى قبل شروق الشمس لرمي جمرة العقبة، ثم ينحر هديه، ثم ينطلق إلى مكة لطواف الإفاضة.

    1.   

    الوقوف بعرفة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً وعملاً يا كريم, اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, اللهم لا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    وبعد:

    تحدثنا أيها الإخوة عن الخطبة وما فيها من فوائد، ثم وقفنا عند قوله: (ثم أذن ثم أقام).

    قال جابر رضي الله عنه: (ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر, ثم أقام فصلى العصر, ولم يصل بينهما شيئاً، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف, فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات, وجعل حبل المشاة بين يديه, واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس, وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص).

    الجمع بين الروايات المختلفة في الإقامة لصلاتي الظهر والعصر بعرفة

    يقول: (ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر, ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً).

    في هذه العبارة فوائد:

    الفائدة الأولى: أنه يستحب لمن أراد أن يصلي صلاتين مما يجمع لها في وقت إحداهما أن يؤذن أذاناً واحداً ويقيم إقامتين؛ وذلك لأن الأذان هو الدعاء إلى المسجد لأداء الصلاة, وأما الإقامة فهي الدعاء للصلاة نفسها؛ فلهذا استحب أن يعيد الإقامة مرتين, وأما الأذان فلا يعيده إلا مرة واحدة, هذه هي أصح الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم وأرجحها, ما جاء عند مسلم من حديث ابن عمر أنه جمع في مزدلفة بأذان واحد وإقامة فهذا محمول على أن ابن عمر رضي الله عنه ورحمه لم تبلغه الإقامة الثانية ولم يسمعها.

    الجمع بين صلاتي الظهر والعصر بعرفة

    ومن السنن التي أجمع أهل العلم عليها أنه يستحب صلاة الظهر والعصر في عرفة جمع تقديم, بل ذهب الأحناف إلى أنه لو صلاها في غير عرفة لم يصح, ووجب أن يعيدها كما ذكر ذلك المرغيناني الحنفي وغيرهم؛ وذلك أنهم يرون أنه لا يجوز الجمع بين الصلاتين إلا في عرفة ومزدلفة, وما عدا ذلك فهو جمع صوري, ومعنى الجمع الصوري أن يؤخر صلاة الظهر مثلاً إلى قبيل خروجها, فيصليها, فإذا سلم يكون قد دخل وقت العصر فيصلي العصر في وقتها والظهر في وقتها, وكذلك يقال في المغرب والعشاء, هذا يسمونه الجمع الصوري.

    والصحيح والأقرب والله أعلم أنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر في إحداهما وكذلك المغرب والعشاء في إحداهما, ولا أعلم دليلاً صحيحاً صريحاً في جواز أن يجمع المسافر بين الصلاتين وقد أقام غير جمعه عليه الصلاة والسلام في عرفة ومزدلفة, وما جاء في حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان في تبوك فأخر الظهر ثم صلى العصر والظهر جميعاً ثم دخل ثم خرج بعدما خرج المغرب, ثم صلى المغرب والعشاء فهذا الحديث ضعفه الإمام البخاري رحمه الله وإن كان أصله في مسلم.

    التعليق على ما اعتقده ابن حزم من كونه عليه الصلاة والسلام صلى الجمعة بعرفة

    الفائدة الثانية: أبعد ابن حزم رحمه الله فظن أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هنا إنما هي صلاة جمعة وليست صلاة ظهر, فاستحب الجهر بها, ورأى أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت خطبته لأنها خطبة جمعة, وقد أبعد رحمه الله, حيث إنه يرى أنه يجب على المسافر أن يصلي الجمعة, والذي عليه عامة أهل العلم من الصحابة وغيرهم أنه لا جمعة على مسافر, ولو صلى مسافرون الجمعة ما صحت في حقهم, إلا أن يصلي معهم مقيمون في البلد، يعني: لو أن شباباً ذهبوا رحلة إلى أبها مثلاً, وقالوا: ما دمنا الآن مائة شخص فإننا نقيم جمعة ونجعل واحداً يخطب بيننا, ما صحت صلاتهم؛ لأنه يشترط فيها الاستيطان, وهم لم يستوطنوا هذا البلد, وأما ابن حزم فقد أبعد, فقد نص جابر رضي الله عنه أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هنا صلاة ظهر وليست صلاة جمعة.

    الواجب على من دخل عليه الظهر يوم عرفة وهو بمكة

    ويجب أن يعلم أنه لا يستحب للإنسان أن يصلي الظهر والعصر إلا بعرفة, ولا ينبغي له أن يخالف السنة بأن يجمعهما جمع تأخير, فمثلاً لو أن شخصاً جاء إلى البيت, فطاف وسعى وقد أذن الظهر في الحرم، فهل له أن يصلي في الحرم أم يذهب إلى عرفة فيصلي الظهر والعصر في عرفة؟

    عامة الفقهاء قالوا: يصلي الظهر والعصر في عرفة, إذا كان وقت الظهر ما زال, أما إذا خشي خروج وقت الظهر فهل له أن يصليها في عرفة جمع تأخير, أم يصليها خارج عرفة جمع تقديم؟ محل بحث وتأمل, وأنا لم يتبين لي أي القولين أظهر, وإن كان في الذهن قول, لكني لم أتبينه بعد.

    صفة وقوف النبي عليه الصلاة والسلام بعرفة

    يقول جابر : (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف).

    يعني: حتى أتى الموقف الذي وقفه, وإلا فإن عرفة كلها موقف, والموقف الذي وقفه النبي صلى الله عليه وسلم بينه جابر, فقال: (فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات, وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة), حبل المشاة هم الجموع من الناس, وقيل: حبل المشاة هو مجمع الرمال الذي يكون تحته طريق يمر فيه المشاة, والعبارتان محتملتان, والأقرب أن حبل المشاة هو الجموع من الناس, كي يراه الناس وليقتدوا به.

    البقاء بعرفة حتى غروب الشمس

    يقول: (واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس).

    وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للمسلم ألا يضيع وقته في القيل والقال, وكثرة السؤال, وإضاعة الوقت بالأحاديث الجانبية أو الأكل والشرب؛ لأنه وقت عظيم يباهي الله بك ملائكته, فإياك إياك! أن تضيع دقيقة من عمرك في مثل هذا الموطن العظيم الذي يباهي الله فيه بالحجيج ملائكته.

    وأما قوله: (فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس), مر معنا أن من دخل عرفة قبل غروب الشمس وجب عليه على قول عامة الفقهاء أن يبقى إلى غروب الشمس, وقلنا: هو مذهب الحنابلة والحنفية والمالكية وقول عند الشافعية, بل قلنا إنه حكي عن مالك أنه من خرج من عرفة في النهار ولم يحصل على شيء من الليل فحجه فاسد، قال ابن عبد البر : ولا يصح عن مالك والعلم عند الله, لكن المالكية يأخذون به.

    وذهب الشافعي رحمه الله في قول, وهو قول عطاء إلى أنه ينبغي له ألا يخرج من عرفات حتى غروب الشمس, فلو خرج من عرفات قبل غروب الشمس لم يلزمه شيء, واستدلوا على ذلك بما جاء في السنن كــ أبي داود و النسائي وغيرهما من حديث عروة بن مضرس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى نبدأ, وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه ), قالوا: فإذا وقف بعرفة نهاراً فقد تم حجه فلا يلزمه شيء.

    ولكننا نقول: الأقرب والله أعلم أنه لا يخرج حتى تغرب الشمس, فلو فعل ألزمناه أن يذهب فيرجع, فإن لم يرجع فنقول: أساء ولا عليه شيء, ولو قيل بالوجوب وأن عليه دماً إن خالف كما هو مذهب الجمهور فهو أحوط وأولى؛ وذلك لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فقد تم حجه وقضى تفثه ), لا يقصد به أنه فعل الواجبات والأركان, لأننا أجمعنا نحن والشافعية -يعني: أصحاب القول الأول والشافعية- أن عليه واجبات لم تحصل بعد, مثل رمي جمرة العقبة, وأيام الجمار والمبيت بمنى, وطواف الإفاضة, فقول النبي: ( فقد تم حجه وقضى تفثه ), يعني: أنه أدرك الحج؛ لأن الحج عرفة, وهذا القول أظهر؛ أن بقاءه إلى غروب الشمس واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ولم يخرج حتى غربت الشمس, وقال تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199], وكلمة: مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199], لها معنيان, يعني: من المكان الذي أفاض الناس غير الحمس فيكون مكاني, أو من حيث أفاض الناس من وقت إفاضة الناس معك يا محمد صلى الله عليه وسلم! فيكون زمناً.

    صفة خروجه صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة

    يقول: (وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام, حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله, ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة, السكينة, كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد, حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين, ولم يسبح بينهما شيئاً, ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر, وصلى الفجر حين تبين).

    يقول: (وأردف أسامة خلفه).

    النبي صلى الله عليه وسلم من حكمته بأبي هو وأمي أنه يقيم معه بعض الصحابة الأفذاذ النبلاء النجباء حتى ينقلوا لمن جاء بعده ما صنع, فأردف الفضل من مزدلفة إلى منى, وأرف أسامة من عرفات إلى المزدلفة, قال الراوي وهو جابر : (وأردف أسامة خلفه), وصنع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مسائله كما روى لنا أسامة قال: ( فأتى الوادي الذي ينيخ الناس فيه للمغرب, فبال وتوضأ وضوءًا بين الوضوئين فقلت: يا رسول الله! الصلاة, قال: الصلاة أمامك ), قال عروة قلت لـأسامة : (كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حين خروجه من عرفة إلى مزدلفة, قال: كان يسير العنق), ومعنى العنق يعني: الرويد, (فإذا وجد فجوة -يعني: مكاناً وفرجة- نص), يعني: أسرع, وهذا هو السنة في الذهاب والخروج من عرفة إلى مزدلفة, أن الإنسان يكون حين خروجه عليه السكينة.

    والواقع يا إخوان! أن كثيراً من الحملات لا تطبق هذا الأمر, بل إننا نشاهد أن كثيراً من الحجاج يبالغون في أهمية وصولهم إلى مزدلفة كيفما اتفق, بغضب أو غير غضب, المهم أن يصل إلى مزدلفة مبكراً, بل إن بعضهم يتمدح بأن الحملة الفلانية وصلت الساعة الفلانية, والحملة الفلانية وصلت الساعة الفلانية, لكنهم لم يسألوا: كيف وصلت؟ ولهذا ينبغي للإنسان أن يلتزم توجهه صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري من حديث ابن عباس يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بيده: ( أيها الناس! السكينة السكينة, إن البر ليس بإيضاع الإبل ), يعني: ليس بسرعة الإبل, ليس البر أن تصل مبكراً أو تصل متأخراً, البر أن يكون سمتك وهديك وطريقتك وفعلك على هدي محمد صلى الله عليه وسلم, فانظروا إليه بأبي هو وأمي (وقد شنق للقصواء الزمام -يعني: شد زمامها- حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله عليه الصلاة والسلام, وهو يقول بيده: أيها الناس! السكينة, السكينة).

    فينبغي أن يلحظ الحاج هذا المعنى سواء عند خروجه من عرفات إلى مزدلفة, أو في ذهابه ووجود مشقة زحام وغير ذلك، كما قال قدامة بن عبد الله : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة لا ضرب ولا طرد, ولا إليك إليك ), وهذا يحس به الإنسان حينما يمشي وعليه السكينة ويستشعر أنه يطبق سنة محمد صلى الله عليه وسلم, وأنه يذكر الله بمشيه, حتى لو لم يذكر الله فهو يذكر الله؛ ( إنما جعل الطواف بالبيت ورمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله ), كما رواه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها وإن كان في سنده بعض الكلام, والصواب وقفه على عائشة.

    1.   

    المبيت بمزدلفة

    الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء

    يقول: (حتى أتى مزدلفة).

    المزدلفة تسمى المزدلفة, وتسمى أيضاً جمعاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع فيها بين المغرب والعشاء, وتسمى المشعر الحرام.

    قال: (فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين).

    يستحب للإنسان إذا وصل مزدلفة أن يصلي بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين, ولا يفصل بينهما شيئاً, وما جاء في بعض الروايات أن ابن مسعود دعا بعشاء بينهما فهذا محل نظر, والأقرب والله أعلم هو رواية جابر و أسامة.

    والسؤال: هل الأفضل أن يصلي المغرب والعشاء من أول وصوله, أم ينتظر حتى يدخل وقت العشاء فيصلي المغرب والعشاء جمع تأخير؟ المسألة لا تخرج عن كونها سنة, والذي أراه والله أعلم وإن كان يشق ذلك على أصحاب الحملات أنه يصلي المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء؛ وذلك لأمور:

    منها ما روى البخاري في صحيحه من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما, صلاة المغرب وصلاة العشاء, فلا يقدم الناس جمعاً حتى يعتموا ).

    و(صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر إلى غير ميقاتها ), فقوله: ( إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما ), يفيد أن السنة هو جمع التأخير, بل ذهب ابن عبد البر كما في الاستذكار وغيره في قول النبي صلى الله عليه وسلم لـأسامة حين قال له: (يا رسول الله! الصلاة, قال: الصلاة أمامك), قال: في هذا دلالة على أنه يشرع الصلاة في مزدلفة جمع تأخير.

    قال الإمام الشافعي رحمه الله: والسنة للحاج في وقت جمع أن يصلي المغرب والعشاء بجمع في وقت العشاء, فلو صلى المغرب في وقتها والعشاء في وقتها, أو صلى المغرب والعشاء في وقت المغرب, أو صلى المغرب والعشاء في غير جمع ترك السنة وخالف, فهذا يدل على أنه يرى جمع التأخير.

    قال أحمد بن حنبل : السنة للإمام في الحج أن يصلي في عرفة جمع تقديم, وفي مزدلفة جمع تأخير, وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم, منهم ابن المنذر و الخطابي و ابن عبد البر و ابن حجر و ابن تيمية و النووي و ابن قدامة على أن السنة للحاج أن يجمع جمع تأخير, وأما قول جابر رحمه الله: (حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء)؛ لأن صلاة العشاء في أول وقتها, وهذا هو قول النبي: ( إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما), صلاة المغرب والعشاء, فالعشاء من سنته أن يؤخرها, والمغرب من سنته أن يقدمها, فأخر المغرب إلى أول وقت العشاء فجمع بينهما, وهذا الذي يظهر والله أعلم، والمسألة لا تعدو أن تكون مسألة استحباب، والله أعلم.

    التسبيح بعد العشاء

    يقول جابر: (ولم يسبح بينهما شيئاً ثم اضطجع).

    لا يشرع التسبيح بين الصلاتين, يعني: بين المغرب والعشاء, أما بعد العشاء فلا بأس بذلك؛ لأمور:

    الأول: لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصنعون ذلك, أما عائشة فقد قالت: ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر والوتر في حضر ولا سفر ).

    الثاني: أن أسماء بنت أبي بكر كما روى ابن جريج و عطاء كلاهما عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء , أنها قالت لغلامها عبد الله مولى أسماء : يا غلام! هل غاب القمر؟ قال: لا, فصلت ساعة, ثم قالت: هل غاب القمر؟ قال: لا, فصلت ساعة, ثم قالت: هل غاب القمر؟ قال: نعم, قالت: فارتحل بنا .. الحديث.

    الثالث: أن بعض أهل العلم ذهب إلى أنه لا يشرع الوتر في ليلة جمع؛ بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصنع, قلنا: ما دليلكم؟ قالوا: دليلنا هو أنه قال: ( ثم اضطجع ), وهذا فيه نظر؛ لأمور:

    أولاً: لأن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي أن يوتر آخر الليل وليس أول الليل فإنه يضطجع.

    ثانياً: أن جابراً رضي الله عنه لم يستطع أن يبين كل فعل النبي صلى الله عليه وسلم, فقد حصل للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمع أشياء فعلها النبي في آخر الليل لم يعلمها جابر .

    كإذنه لضعفة أهله أن يخرجوا بعد منتصف الليل, يعني: بعد الغلس, ومن المعلوم أن الرسول كان قائماً, فاستأذنته أم سلمة فأذن لها, وجاءت سودة فقالت: يا رسول الله! إني امرأة ثبطة -والثبطة الثقيلة- فأذن لها, ثم أمر بعض أغلمة بني عبد المطلب فبعثهم في ثقل النبي صلى الله عليه وسلم, وكل هذا يحتاج إلى وقت قبل الفجر, فهذا يستدل به أنه عليه الصلاة والسلام كان قائماً, ومعاذ الله أن يغفل محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي بين لنا أنه ( ليغان على قلبه وإنه ليستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة ), بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

    حكم المبيت بمزدلفة وبيان المقدار الواجب فيه

    وقوله: (حتى طلع الفجر, وصلى الفجر حتى تبين له الصبح).

    فيه أنه يستحب للحاج أن يبقى في مزدلفة حتى قبل طلوع الشمس؛ بل بالغ بعض الأحناف فأوجبوه وجعلوه ركناً, وذهب الأوزاعي إلى: أن البقاء قبل طلوع الشمس ركن، وبالغ أيضاً ابن حزم رحمه الله وأغرب، بل ذهب إلى أنه لو لم يصل مع إمام لم يصح حجه! رحمه الله وغفر الله لنا وله.

    المبيت بمزدلفة اختلف العلماء فيه على أقوال:

    القول الأول: قول جمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة والمالكية, قالوا بوجوب المبيت بمزدلفة, واستدلوا على ذلك بما جاء في حديث عروة بن مضرس الذي مر معنا: (من شهد صلاتنا هذه وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد صح حجه وقضى تفثه).

    وذهب الأوزاعي و ابن حزم إلى أنه ركن وهذا فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث عروة : ( وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه ), فإذا وقف آخر ساعة من الفجر فسوف يطلع الفجر ولم يصل مزدلفة إلا بعد الفجر, وهذه مسألة سوف نتحدث عنها، وهذا الاستدلال للجمهور محل نظر عندي كما سوف يأتي.

    وذهب بعضهم إلى سنيته.

    والأقرب هو القول بالوجوب؛ لفعله عليه الصلاة والسلام وقوله: ( خذوا عني مناسككم )؛ ولقوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198], والمشعر الحرام هو مزدلفة, وأقل ما يقال فيه الوجوب, وذكر الله يصدق عليه البقاء لأنه من ذكر الله، وصلاة المغرب والعشاء لأنها من ذكر الله، وكذا التسبيح أو التهليل أو التكبير أو التلبية يصدق عليها أنها من ذكر الله, وهذا القول أظهر, أعني به قول الجمهور.

    وأما قول ابن حزم فقد أجمع أهل العلم على أنه لو لم يصل مع الإمام لصحت صلاته وصح حجه, وقول النبي: ( صلى معنا صلاتنا هذه ), لم يكن على ظاهره, و ابن حزم استدل به على ركنية مزدلفة.

    قال ابن قدامة: ومعلوم أن دليلهم ليس على ظاهره, بدليل أنه لو لم يصل مع الإمام صح حجه, بل بالغ بعض أهل الظاهر فقالوا: لو صلى مع الإمام وهو محدث ما صح حجه؛ لأنه سيعيد صلاته, وهذه ظاهرية نسأل الله أن يتجاوز عنهم.

    إذا ثبت أن قول الجمهور قوي فما هو الواجب؟

    ذهب الحنابلة والشافعية إلى أن من أتى مزدلفة قبل منتصف الليل وجب عليه أن يبقى إلى منتصف الليل, ومن أتاها بعد منتصف الليل فجائز ولكنه أساء، وكذلك أن يخرج ولكن بقاءه إلى قبيل طلوع الشمس أفضل, وذهب المالكية إلى أن مزدلفة إنما هي حط رحال, لو مر عليها وبقي ثم خرج جاز له ذلك, فالمالكية يرون أنهم لو جاءوا بالباصات وصلوا المغرب والعشاء ثم خرجوا من مزدلفة جاز لهم ذلك؛ لأنهم يقولون إنما هي حط رحل.

    ولعل من أدلتهم في ذلك: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفة بأن يخرجوا بليل, كما جاء في الصحيحين: (أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للضعفة إلى منى بليل), قالوا: وكون النبي يرخص لهم من غير تحديد وقت فهذا دليل صريح على أن الأصل البقاء, وأن يذكر الله ما شاء, وكلما بقي كلما كان أفضل, وهذا القول محتمل, وأحسن منه أنه يجب عليه أن يبقى إلى غلس, أو إلى مغيب القمر, وغلس كما في لسان العرب هو آخر ظلمة الليل, قال: وقيل: هو الثلث الأخير من الليل, أو أول الثلث الأخير من الليل, وقد جاء من حديث أسماء :( أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها بعد غياب القمر ), وغياب القمر هذه السنة يوم التاسع ليلة العاشر لعام 1426هـ، في الساعة الثانية عشرة وخمس وأربعين دقيقة تقريباً, وهذا هو وقت الغلس تقريباً؛ لأنه في الثانية عشرة ونصف يبدأ الغلس الذي بعد منتصف الليل, فأصحاب الحملات إذا كان معهم نساء فينبغي لهم ألا يخرجوا إلا هذه الساعة.

    خروج غير الضعفة من مزدلفة قبل منتصف الليل

    وهل للقوي أن يخرج بعد غياب القمر أو بعد منتصف الليل ولو لم يكن معه ضعفة؟

    نقول: الأولى أن يبقى, ولا ينبغي له أن يخرج؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن وقوفه إلى قبل طلوع الشمس فيه امتثال له ومخالفة للمشركين, ولكن لو أساء فخرج أرى والله أعلم -وهو مذهب الحنابلة والمالكية والشافعية واختيار شيخنا ابن باز و ابن عثيمين رحمة الله تعالى على مشايخنا- أنه لا بأس بذلك, ولكنه أساء, وأرى أن هذا القول قوي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما رخص للضعفة أن يخرجوا دل على أن وقت الخروج من مزدلفة قد ابتدأ, ولكنه لا ينبغي أن يخرج القوي.

    خروج الضعفة من مزدلفة وأدلة جواز رميهم لجمرة العقبة بعد منتصف الليل

    ويستحب للضعفة أن يخرجوا كما قال بعض أهل العلم, وأرى أنه لو قيل: ويجوز لكان خيراً؛ وذلك لأدلة منها:

    الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لكل نسائه بأن تخرج من مزدلفة إلى منى, إنما أذن لـسودة وأذن لـأم سلمة , وأما عائشة ومن معها من أزواجه فقد بقين رضي الله عنهن أجمعين, قالت عائشة : ( استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدفع قبل حطمة الناس وقبل دفعه فأذن لها وكانت امرأة ثبطة, فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة أحب إلي من مفروح به ), فهذا يدل على الجواز لا على الاستحباب, والاستحباب هو البقاء إلى قبيل طلوع الشمس, والدليل على الجواز هو حديث ابن عمر في الصحيحين كما رواه سالم عن ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام, فيذكرون الله ما بدا لهم قبل أن يدفع الإمام، فمنهم من يقدم منها لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك, فإذا قدموا رموا الجمرات, فيقول ابن عمر : ( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أولئك ), وهذا يدل على أنه يجوز لهم بعد منتصف الليل وغياب القمر أن يرموا جمرة العقبة ولو كان قبل الفجر. هذا هو الدليل الأول.

    الدليل الثاني: حديث ابن جريج و عطاء عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها قالت بعدما رمت الجمرة، قالت: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن ).

    الدليل الثالث: ما رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ( أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بـأم سلمة فرمت الجمرة قبل الفجر ), وهذا الحديث إسناده جيد, وقد ضعفه الإمام أحمد كما نقل ابن القيم وغيره, والأقرب أن تضعيف أحمد ؛ لأن في رواية أبي معاوية عن الأعمش : ( وأمره أن توافيه في البيت ), قال: وإنما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منى ولم يذهب إلى مكة, قال الراوي: فذهبت إلى يحيى بن سعيد القطان , فأخبرته بقول أحمد وتضعيفه فقال: الذي أحفظه: ( وأمرها أن توافي البيت عند الفجر ), وليست: توافيه, وبينهما فرق، لأن رواية ( وأمرها أن توافي البيت عند الفجر ), يعني: أنها ترمي قبل الفجر وتذهب, قال يحيى بن سعيد : اذهب إلى عبد الرحمن بن مهدي فسل, يمكن أن أكون مخطئاً أو أحمد , فذهب إلى عبد الرحمن بن مهدي فقال: ( فأمرها أن توافي البيت عند الفجر ), فصار القول قول يحيى , فذهب الراوي إلى أحمد , قال: رحم الله يحيى بن سعيد , ما أشده وحذره في الحديث, يعني: رجع الإمام أحمد , فهذا يدل على أن تضعيف أحمد لعله رجع عنه رحمه الله.

    الدليل الرابع: أن الأحاديث الواردة في عدم جواز الرمي قبل طلوع الشمس من يوم العيد كلها ضعيفة, وإن كان قد ذهب إليها ابن المنذر و مالك و أبو حنيفة , حيث ذهبوا إلى أنه لا يسوغ للضعفة ولا لغيرهم أن يرموا جمرة العقبة قبل طلوع الفجر أو قبل طلوع الشمس على خلاف بينهم, والأقرب الجواز؛ لأن الحديث الذي رواه أبو داود و النسائي وغيرهما من طريق سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن عباس , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ترموا قبل طلوع الشمس ) حديث ضعيف, حيث إن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس كما يقول أبو حاتم وغيره, وكذلك الحديث الآخر الذي رواه أبو داود من حديث حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ترموا قبل طلوع الشمس, فجعل يلطخ أفخاذنا وقال: أي لا ترموا إلا بعد طلوع الشمس ) ضعيف, أنكره ابن حزم ، والأقرب أن حبيب بن أبي ثابت يرسل أحياناً وهذا منها, فرواه عن عطاء من غير تصريح بالسماع, وعلى هذا قوى الإمام البخاري رحمه الله كما في التاريخ الأوسط أن الرمي يجوز قبل الفجر؛ لحديث ابن عمر و أم سلمة و عائشة , ويستحب للحاج أن يبقى إلى قبيل طلوع الشمس.

    التنبيه على بعض الأخطاء التي تقع من الحاج ليلة مزدلفة

    ومن الأخطاء ما يفعله الحجاج من حين وصولهم إلى مزدلفة؛ تجدهم ينشغلون في جمع الحصى وهذا ليس من السنة, بل السنة أن يتفرغ للصلاة وأن يرقد, ومن الأخطاء كذلك أن غالب الحجيج يلهون هذه الليلة؛ وذلك لأن الكلفة قد رفعت في حقهم وفيما بينهم, فتجدهم يتحدثون ويتسامرون ويتضاحكون, وقد كان الحبيب عليه الصلاة والسلام في مثل تلك الساعة مقبلاً على ربه, ذاكراً مخبتاً منيباً, بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

    الوقوف بالمشعر الحرام بعد صلاة الفجر

    فإذا بقي الحاج وصلى الفجر استحب له أن يستقبل القبلة ويذكر الله ما بدا له حتى يسفر وقبل طلوع الشمس؛ مخالفة للمشركين, إذ أن المشركين كانوا لا يخرجون من مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس, كما روى البخاري من حديث عمر : أن المشركين كانوا لا ينفرون من مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس ويقولون: أشرق ثبير, ورواه أهل السنن بزيادة: كيما نغير, وليس فيها رواية البخاري , ومعنى: أشرق ثبير, يعني: ثبير جبل في مزدلفة, أشرق يعني: أخرج؛ لأن الشمس تخرج من هذه الجهة, (كيما نغير), نغير يعني: نذبح, ونريق الدماء؛ لأنهم كانوا يذبحون الهدايا, وهم لا يذبحون الهدايا إلا بعد وصولهم إلى منى, فهم يقولون: أشرق حتى نذبح.

    وقت انتهاء المبيت بمزدلفة

    ومتى ينتهي وقت الوقوف بمزدلفة؟ عامة الفقهاء يرون أن الوقوف بمزدلفة ينتهي بطلوع فجر يوم العيد, وذهب الإمام أحمد في رواية اختارها أبو العباس ابن تيمية رحمه الله, ونسبها لـعمر إلى أن وقت الوقوف بمزدلفة يبقى إلى قبيل طلوع الشمس؛ وذلك لما رواه سعيد بن منصور بسند صحيح أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الليل, فقال: يا أمير المؤمنين! إني لم أقف بعرفة, قال: الآن حين قدمت؟ قال: نعم, قال: فاذهب فقف بعرفة ساعة, ثم اضطجع رضي الله عنه, فلما قام للفجر قال: أقد جاء الأعرابي؟ قالوا: لا, فصلى صلاة الفجر, ثم جلس فقال: أقد جاء الأعرابي؟ قالوا: لا, فقال: أقد جاء الأعرابي؟ قالوا: نعم, قال: فلننفر إذاً ولم يأمره بشيء, قال ابن تيمية : في هذا دلالة عن عمر أنه يرى أن الوقوف بمزدلفة يبقى إلى قبيل طلوع الشمس, وهذا قوي.

    ومن الأدلة على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهار ), وقال في حديث عبد الرحمن بن يعمر : ( الحج عرفة, من وقف بعرفة قبل طلوع الفجر فقد صح حجه ), فإذا كان وقت عرفة يمتد إلى طلوع الفجر فلا بد أن يكون ثمة وقت آخر؛ لأن يصل إلى مزدلفة فيه, وهذا القول في القوة كما ترى, وأرى أن قول ابن تيمية أظهر، والله أعلم.

    صفة المرور على وادي محسر

    وإذا أصبح الحاج فإنه يخرج إلى منى, ويأتي محسراً (حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً).

    وهذا التحريك لعله خاص من مزدلفة إلى منى, وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر على محسر عندما خرج من منى إلى عرفة ولم يسرع, وما يذكر أن أبرهة حبس هنا فهذا ليس له أساس من الصحة, إنما تذكره كتب التاريخ وهذا ليس له زمام ولا خطام, فيما أحسب وأعلم, والمثبت مقدم على النافي.

    1.   

    الرمي

    مكان جمع الحصيات والمراد بالطريق الوسطى التي تخرج إلى الجمرة الكبرى

    وأين يجمع الحصى؟ بعض أهل العلم قال: يجمعها في مزدلفة, وبعضهم قال: يجمعها في منى, وبما أن رمي الجمار يكون أيام التشريق وهو في منى، فأخذها من منى هذا هو الأفضل, أما جمرة العقبة فالذي يظهر والله أعلم أنه يأخذها في طريقه, ولعل طريقه كان في منى؛ لأنه عليه الصلاة والسلام حينما ركب ومعه ابن عباس فقال: ( يا غلام! القط لي حصيات بمثل حصى الخذف, فلقط له سبع حصيات, فقال: أيها الناس! بمثل هذا فارموا, وإياكم والغلو ), ومن المعلوم أنه لم يكن قالها في مزدلفة, إنما كان قالها بعد وادي محسر؛ لأنه أسرع في وادي محسر، فكان قوله عليه الصلاة والسلام في منى, فلعل جمعه كان في منى وهذا الأظهر والله أعلم, أن كل الجمع يكون في منى, لكن لو جمع في مزدلفة فلا حرج والله أعلم, ومن أي مكان جمعها فلا حرج.

    يقول: (ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج إلى الجمرة الكبرى).

    الطريق الوسطى التي تخرج هي طريق المأزمين, وهذا هو الطريق الذي يسمى المسجد الحرام, بأن تستقبل منى ولا تجعل منى خلفك فيما يظهر، والله أعلم.

    وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر

    مسألة أخرى: مسألة الرمي, رمي جمرة العقبة يبدأ وقت رميها من بعد مغيب القمر, وينتهي وقتها على الراجح وهو مذهب الحنابلة والشافعية إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر, خلافاً للمالكية ومن وافقهم.

    قال ابن عبد البر في وقتها: وأجمعوا على أنه لو رماها ضحى يوم العيد قبل زوال الشمس فقد رماها في وقتها المستحب, ولو رماها بعد الزوال إلى قبل الغروب فقد رماها في وقتها وأجزأت, ولو رماها بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر فاختلفوا فيه, هكذا قال رحمه الله, أو كلمة نحوها.

    وذهب الحنابلة في المشهور عندهم إلى أنه لا يجزئ رمي جمرة العقبة من الليل, والأقرب والله أعلم -ولا يسع الناس إلا هذا- هو أنه يجوز رمي جمرة العقبة وغيرها من الجمار من الليل, لما روى مالك في موطئه أن عبد الله بن عمر أذن لبعض نسائه أن ترمي جمرة العقبة ليلة إحدى عشرة.

    كيفية وضع الحاج حال رميه الجمرة

    مسألة أخرى: رمي الجمار, يستحب أن يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي, بأن يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويستبطن الوادي فيرميها, وهذا هو الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال: ( هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة والذي نفسي بيده ), وما يذكره الحنابلة في كتبهم من أنه يستقبل البيت ويجعل جمرة العقبة على جانبه الأيمن ثم يرميها بسبع حصيات, هذا حديث ضعيف ولا يصح, والصحيح أنه يجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبل الجمرة.

    وسميت جمرة العقبة؛ لأنها كانت خلفها جبل؛ ولهذا تجدونها نصف قطر, ومن رماها من الخلف جاز بشرط أن تقع على مجمع الحصى.

    الرمي المجزئ وحكم رمي الشاخص

    وهل يجب أن تقع على الحوض؟

    نقول: الحوض لم يكن موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في القرون المفضلة, ويقال: أول من صنعه الدولة العثمانية سنة 1292هـ تقريباً, وقد كان العثمانيون الحنفية يرون أن مجمع الحصى ثلاثة أذرع؛ ولهذا كان الحوض في السابق صغيراً, أما الجمهور فيرون أن العبرة بمجمع الحصى, ومجمع الحصى على حسب كثرة الحجيج وقلتهم, فلو كان الحوض لم يمتلئ فرماها الإنسان خارج الحوض لم يصح رميه, ولو امتلأ الحوض حتى سال من بعد الحوض فرماها قريباً من الحوض إلى المجمع صح, وهذا الأقرب، والله أعلم.

    أما من مثيله يعني: الحصى الصغيرة البعيدة عن الحوض فإنه لا يعد رمياً فلابد أن يعيد.

    مسألة أخرى: ما يتقصده الناس من رميهم للشاخص ليس له أساس من الصحة, العبرة بمكان مجمع الحصى لا بالشاخص, فلو ضرب الشاخص وابتعدت الحصاة عن مجمع الحصى فلا بد له أن يعيد, ولو ضربت الشاخص وسقطت إلى المرمى الذي هو مجمع الحصى لا يعيد.

    الرمي بالحصى المستعمل في الرمي أو الكبير

    مسألة أخرى: ما يذكره جمهور أهل العلم من أنه لا يستحب ولا يجزئ أن يرمي بحصاة قد رمي بها، نقول: ليس له أساس من الصحة, فله أن يرمي بحصاة قد رمي بها, إلا أنه لا ينبغي له أن يأخذ من المرمى ثم يرمي, بل ينظر ما تحته من حصى ولو رمي به؛ لأن الذين منعوا من ذلك منعوها على أصل عندهم حيث قالوا: إن الماء المستعمل لا يرفع الحدث؛ لأنهم يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام: طهور وطاهر ونجس, قالوا: فالماء المستعمل في عبادة مستحبة لا يرفع الحدث, كذلك هذه الحصوات استعملت في عبادة مستحبة أو واجبة فلا ترفع ولا تجزئ العبادة الأخرى, وهذا تقعيد يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بمثل هذا فارموا ), وأطلق, فترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.

    مسألة أخرى: أنه لا يجوز له أن يرمي بحصى كبيرة, وما يفعله بعض الناس والعامة فهذا ليس له أساس من الصحة، والحمد لله أن الناس بدءوا يقلون من هذا الأمر ولم يعودوا يتصورون أنهم يرمون الشيطان.

    رمي الحصيات السبع برمية واحدة

    مسألة أخرى: أنه لو رمى الحصى السبع برمية واحدة فقد اختلف العلماء هل تجزئ عن واحدة أم لا تجزئ؟ والأقرب أنها تجزئ عن واحدة.

    أما حصى الخذف فهي مثل حبة الحمص أو بمقدار الأنملة ينقص أو يزيد قليلاً.

    ومن المسائل أنه لا يجوز له أن يزيد عن سبع حصيات إذا علم أنه قد رمى سبعاً؛ لأن بعض الناس تكون عنده ثمان حصيات حصى من باب الاحتياط, فإذا رمى سبع قال: هذه زيادة خير فرمى بالثامنة, فنقول: لا, العبادات توقيفية, نعم, يجوز لك أن ترمي إذا شككت هل وقعت في الحوض أم لا, كذا إذا خشيت أنها سقطت منك فنقول: الشك يزول باليقين, أو ارفع الشك باليقين.

    علاقة جمرة العقبة ببقية الجمار

    مسألة أخرى: هو أن جمرة العقبة نسك مستقل, لا علاقة بينها وبين أيام الجمار الأخرى, فلو فرض أنه نسي وترك رمي جمرة العقبة وغيرها من الجمار وجب عليه أن يذبح دمين لتركه نسكين.

    انقطاع التلبية عند رمي جمرة العقبة وما يقوله عند رمي الحصيات

    مسألة أخرى: أن الحاج له أن يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، وإنما يقطع التلبية مع أول حصاة يرمي بها جمرة العقبة، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، لما روى ابن عباس عن الفضل أنه قال: ( لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة )، وفي رواية البيهقي : ( مع أول حصى )، وما رواه ابن خزيمة : ( فلم يزل يلبي حتى آخر حصاة )، فهذه اللفظة منكرة، وإن أخذ بها ابن خزيمة فقد ضعفها البيهقي وغيره، ومما يدل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر مع كل حصاة، فيبعد أن يكبر ويلبي، هذا هو الأظهر.

    وهل يقول بين تكبيراته شيئاً؟

    ذكر بعض أهل العلم أنه يقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً بين كل حصاتين، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، والعلم عند الله.

    التحلل بعد رمي جمرة العقبة وبم يكون

    المسألة الأخرى: هو قوله: (فرماها، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده).

    بعد أن يرمي الحاج جمرة العقبة هل يتحلل أم لا؟

    اختلف العلماء متى يتحلل الحاج! فذهب المالكية إلى أنه يتحلل بعدما يرمي جمرة العقبة، ولا أعلم حديثاً صحيحاً صريحاً في تحلل الحاج بعدما يرمي جمرة العقبة، وكل الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة.

    أولاً: حديث عائشة رضي الله عنها: ( إذا رميتم جمرة العقبة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء )، فهذا حديث ضعيف، في سنده الحجاج بن أرطأة ، ثم هو مضطرب، فمرة يقول: إذا رميتم جمرة العقبة، ومرة يقول: إذا رميتم وحلقتم، وحديث ابن عباس أيضاً ضعيف، فيه إرسال وانقطاع، أما ما يذكره بعض الفضلاء أن الحديث الذي رواه عمر بن عبد الله بن عروة عن عروة و القاسم عن عائشة : ( طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذريرة بعدما رمى جمرة العقبة )، فهذا الحديث منكر؛ وذلك لأن عمر بن عبد الله بن عروة قد روى البخاري و مسلم حديثه هذا من غير ذكر (بعدما رمى جمرة العقبة)، وترك البخاري و مسلم رواية ( بعدما رمى جمرة العقبة ) إنما الوارد فيها رواية ( لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت )، وهذه هي الرواية الصحيحة المشهورة، وغيرها ضعيفة.

    وعلى هذا فالسنة أن الإنسان يشرع في التحلل في الوقت الذي شرعه عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيحين من حديث حفصة : ( ما بال الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر، فإذا نحرت فقد تحللت )، والتحلل هو الحلق، فينبغي للحاج أن يتحلل ابتداء بالحلق، ولا يتحلل بغيره كلبس الثياب ونحوه؛ لأنه قد سبق بيان الحلق وقلنا إن الصحيح أنه نسك ومحظور، وعلى هذا: فالذي يظهر والله أعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما تحلل بعد النحر، رمى (ثم أتى المنحر فنحر ثلاثاً وستين، ثم أعطى علياً فأشركه في هديه ونحر ما غبر)، ثم ذهب إلى الحلاق فحلق، ثم تطيب ويبعد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تطيب بعدما رمى جمرة العقبة وما زال تفثه على رأسه -بأبي هو وأمي- وظاهر الآية يبين ذلك: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ [الحج:29]، والتفث كما صح عند ابن جرير الطبري عن ابن عباس : هو تقليم الأظفار، وحلق الشعر، وغير ذلك، وعلى هذا: فإذا رمى جمرة العقبة فإنه لا يتحلل حتى يحلق أو يقصر، هذا هو قول جمهور الفقهاء من الحنابلة والشافعية.

    أما الأحناف فإنهم يرون أن الحلق هو النسك، فلو رمى جمرة العقبة فإنه لا يحل، ولو حلق ابتداءً فقد حل، فهم علقوا الأمر على النسك في الحلق، ولكنه لو ذهب من مزدلفة إلى البيت فطاف، فأرى والله أعلم أنه قد حل، ولكنه لا ينبغي أن يتحلل إلا بما تحلل به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الحلق؛ لأن الله يقول: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33]، وإذا طاف بالبيت فقد فعل الأنساك والأركان كلها، وهذا الأقرب.

    1.   

    النحر

    يقول الراوي: (ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده).

    قيل: من المناسبات أن الرسول إنما نحر ثلاثاً وستين؛ لأن عمره بأبي هو وأمي هو ثلاث وستون، فكان هذا من المناسبات التي ربما تقع اتفاقاً أو قصداً، والعلم عند الله.

    التوكيل في النحر وأفضلية نحر الإنسان هديه بنفسه

    قال: ( ثم أعطى علياً فنحر ما غبر )، ويستحب للإنسان أن ينحر هديه بنفسه، فإن شق ذلك عليه فلا حرج أن يوكل، وقد روى البخاري معلقاً بصيغة الجزم: أن أبا موسى الأشعري كان يأمر بناته أن ينحرن أضاحيهن، وهذا يدل على استحباب ذلك، وما يظنه بعض العامة أن المرأة لا يشرع لها أن تنحر الهدي، فهذا من كيسهم رحمهم الله.

    الأكل من الهدي

    قال: (ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها، وشربا من مائها).

    يستحب للإنسان أن يأكل من هديه، وهذا هو قول عامة الفقهاء وليس بواجب، وقد ذهب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله إلى وجوب الأكل، استدلالاً بقوله: فَكُلُوا مِنْهَا [البقرة:58]، وفعله عليه الصلاة والسلام.

    أما الآية فإن جمهور الفقهاء يقولون: إن قوله: فَكُلُوا مِنْهَا [البقرة:58]، رخصة لأمة محمد، فقد كانت الأمم السابقة لا يأكلون من هديهم، فجعلت رخصة كما ذكر ذلك الشيرازي عن إبراهيم النخعي ، فيكون الأمر هنا بعد حظر، والقاعدة الأصولية تقول: إن الأمر بعد الحظر يرد الأشياء على ما كانت عليه، وهذا هو الإباحة، ومما يدل على عدم الوجوب هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يتقصد الأكل من كل بدنة لتقصد الأكل من كل واحدة، أما أن يجعلها في قدر ماء ويشرب من مرقها ويأكل من لحمها، فإنه لم يتقصد أن يكون اللحم هذه من الهدي الفلاني أو الهدي الفلاني أما شرب المرق فهذا لا يكفي للوجوب، بعضهم يقول: شرب المرق كافي؛ لأنه قد اعتصر طعم بعض البدنة ببعض، وهذا فيه تكلف، والأقرب عدم الوجوب.

    1.   

    طواف الإفاضة

    قال: (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر).

    وقت طواف الإفاضة

    استحب للحاج أن يطوف للإفاضة يوم العيد ولا يؤخر، فلو أخر فلا حرج عليه في ذلك، وما جاء في حديث محمد بن عبيد الله عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على زمعة فقال: أقد طفت البيت؟ قال: لا، قال: إن هذا يوم الرخصة لكم إذا أنتم رميتم جمرة العقبة أن تحلوا، فإذا أمسيتم أصبحتم حرماً ), فهذا الحديث ضعيف ولا يصح، ولا قائل به، حتى إن ابن حزم قال: وقال به عروة ولم يذكر إسناداً له، فتصحيح بعض المتأخرين هذا الحديث فيه نظر، والأقرب والله أعلم أنه لا بأس أن يؤخر طواف الإفاضة إلى اليوم الثالث عشر، ويجوز له أن يجمع طواف الإفاضة مع طواف الوداع، بأن ينوي طواف الإفاضة وطواف الوداع معاً، أو ينوي طواف الإفاضة فيدخل طواف الوداع معاً، ولا بأس أن يطوف للإفاضة والوداع، ثم يسعى بعد ذلك، ثم يخرج من مكة؛ لأنه يصدق عليه أنه جعل آخر عهده بالبيت؛ لأن الرسول قال في بعض الروايات: ( اجعلوا آخر عهدكم البيت )، وفي رواية: ( الطواف بالبيت )، وقد ذكرنا هذه وطولنا فيها، وذكرنا تبويب البخاري في هذا.

    الجمع بين الروايات المختلفة في مكان صلاة النبي عليه السلام للظهر يوم النحر

    قال: (ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر).

    جابر رضي الله عنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بمكة الظهر، و ابن عمر ذكر أنه صلى الظهر بمنى، فهل القول قول جابر أم قول ابن عمر؟

    نقول والله أعلم: أما جابر فقد أثبت أنه صلى الظهر بمكة، وابن عمر أثبت أنه صلى بمنى ركعتين، فإما أن يقال: أن الرسول صلاهما جميعاً، وهذا لا يتأتى، أو نقول: إن الرسول صلى الظهر بمكة، وتطوع في منى، أو صلى بأصحابه، ولا بأس أن يعيد المسافر الصلاة بأصحابه لحاجة، وهذا الأظهر، والله أعلم، صلاها مرتين: مرة فرضه، ومرة سنته ونقله.

    فقهه صلى الله عليه وسلم في عدم نزعه مع بني عبد المطلب من زمزم

    يقول: (فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم، فقال: انزعوا بني عبد المطلب).

    النزع: هو أخذ الدلو بعدما يمتلئ من البئر، وقال: ( فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم )، يعني: أخشى لو أنزع معكم أن يظن الحجاج أنه يستحب للحاج بعدما يطوف الإفاضة أن ينزع من منى، انظر إلى فقهه عليه الصلاة والسلام ومعرفته بمآلات الأمور, ( فلولا أن تغلبكم الناس لنزعت معكم ), وهذا يحصل كثيراً ولا ينبغي للإنسان أن يتساهل في مثل هذه المسائل؛ لأن بعض الناس عامة, فإذا رأوك وصفتك وهيئتك الخير ربما يقتدون بك, لا لشيء إلا لهيئتك أو لأنك تنتمي إلى بلد معين, وأذكر أني في إحدى السنوات خرجت من أحد أبواب البيت الحرام, وكانت زحمة شديدة, حتى خشينا على أنفسنا الهلاك, وكانت أبواب البيت الحرام لونها ذهبي, فلأجل خوفي على نفسي اتكأت على عروة الباب أو العمود, فأمسكت به وشددت على نفسي حتى اقتربت ثم أطلقته بنوع من المزح, ثم تركته, فإذا برجل خلفي يفعل مثلما صنعت, فظننت أنه أصيب بالزحمة التي أصبت بها, فإذا الرجل الثالث يأخذ بنفس هذا, والرابع ثم ناديت فقلت: يا إخوان! هذا خطأ, هذا خطأ فتركوا؛ لأنني الذي بدأته, ظنوا أنها سنة, وهذا مشكل!

    1.   

    رمي الجمار أيام التشريق

    فقوله: (فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم, فناولوه دلواً فشرب منه).

    شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائماً ولا بأس بالشرب قائماً, ونقل الأثرم عن أحمد تضعيفه لأحاديث النهي عن الشرب قاعداً, ولا شك أن الشرب قاعداً أفضل, لكن لا بأس أن يشرب الإنسان قائماً والعلم عند الله.

    لم يذكر جابر رضي الله عنه في هذا الحديث الطويل ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم أيام التشريق, إلا في بعض الروايات الأخرى غير رواية جعفر بن محمد , وإذا طاف للإفاضة يوم العيد فإنه يستحب له ويجب عليه أن يبيت بمنى أيام التشريق, ثم يرمي الجمار يوم الحادي عشر, الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى مرتباً, يرمي كل واحدة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة, فإذا رمى الصغرى يتقدم ويبتعد عن موقع الحصى ثم يستقبل القبلة, وما جاء في بعض الروايات ( ثم يسهل ويأخذ ذات اليمين ) رواية ابن خزيمة , والثانية رواية البخاري : ( ثم يسهل ويأخذ ذات الشمال بعد الوسطى ), فأرى أن ذات اليمين أو ذات الشمال لم يقصد به الاستحباب؛ لأن الجمرات كان فيها رمال ووديان, فكان النبي صلى الله عليه وسلم حينما يرمي الصغرى يسهل, يعني: يبحث عن المكان السهل, فكان المكان السهل من الصغرى إلى الوسطى هو ذات اليمين أو أمام كما في رواية البخاري, وأما المكان السهل من الوسطى إلى الكبرى هو ذات الشمال, فما يقصد أن يأخذ الإنسان ذات اليمين أو ذات الشمال, بل يقصد أن يبتعد عن موقع الحصى بعيداً وينظر المكان الذي يخشع فيه فيدعو ربه.

    ومما يدل على هذا أن أول من ذكر أنه يأخذ ذات اليمين وذات الشمال من المتقدمين ابن خزيمة , وقد نص ابن قدامة و ابن حجر و ابن تيمية على أنه يبتعد حتى لا يصيبه الحصى, فيرمي الصغرى بسبع حصيات, ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يستقبل القبلة، بل يرميها كيفما اتفق, ثم الوسطى وبينهما يدعو دعاءً طويلاً, وقد كان ابن عمر يبقى في ذلك بمقدار سورة البقرة, وابن مسعود كان يبقى في ذلك حتى يمل القائم, ولا ينبغي للإنسان أن يتساهل في هذا, بل ذهب سفيان الثوري -وإن كان في قوله ضعف- إلى أن من لم يدعو بين الجمرة الصغرى والوسطى, والوسطى والكبرى عليه دم, من شدة اهتمامهم بهذا!

    والترتيب هو السنة, الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى, وإذا كان يرمي عن نفسه وعن موكله فالأفضل أن يرمي الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى ثم يرجع ليرمي عن موكله, ولو رماهما جميعاً الصغرى عن نفسه ثم عن موكله, ثم الوسطى عن نفسه ثم عن موكله, وكذا الكبرى جاز ذلك والعلم عند الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للصحابة أن يرموا عن صبيانهم, ولم يفصل الصحابة, هل كانوا يرمون عن أنفسهم ثم يرجعون؟ ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.

    والرمي يوم الحادي عشر بعدما تزول الشمس, ولا يجوز أن يرمي يوم الحادي عشر قبل الزوال, أما اليوم الثاني عشر فإنه لا ينبغي له أن يرمي جمرة العقبة أو الجمار قبل زوال الشمس, وهذا هو قول جمهور الفقهاء, وجوز أبو حنيفة و إسحاق بن راهوية و عطاء و طاوس وإمام الحرمين الجويني و ابن الجوزي وغيرهم أن يرمي في اليوم الثاني عشر قبل الزوال, وقد روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: حدثني ابن أبي مليكة , قال: رأيت ابن عباس رمى جمرة العقبة يوم النفر ضحى ثم صدر, ورواه ابن أبي شيبة أيضاً بلفظ: رمى الجمار ضحى, ورواه الفاكهي في أخبار مكة عن عبد الله بن الزبير .

    وروى مالك في موطئه عن نافع عن ابن عمر أنه قال: لا ترمى الجمار قبل الزوال, هذا قول ابن عمر : أنه لا ترمى الجمار.

    ومما يدل على عدم رمي الجمار قبل الزوال ما رواه البخاري عن مسعر عن وبرة ( قال: سألت ابن عمر متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارم, قال: فأعاد السائل, فأعاد ابن عمر , فلما أعاد السائل الثالثة, قال: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا الجمار ), وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد ويتحين ألا يرمي إلا بعد الزوال, فلو رمى قبل الزوال أرى أنه يعيد إذا كان في مكة, أما إذا خرج فالأقرب والله أعلم أنه لا يلزمه إذا كان في اليوم الثاني عشر ويريد أن يذهب, هذا الذي يظهر والله أعلم, والعلم عند الله.

    نقف عند هذا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    1.   

    الأسئلة

    الخروج أيام منى إلى خارج مكة والمشاعر

    السؤال: ما حكم من خرج عن مكة وعن المشاعر وقت أيام منى؟

    الجواب: إذا بقي على المحرم نسك غير نسك طواف الوداع فيجوز له أن يذهب إلى جدة أو يذهب إلى الطائف, أما إذا لم يبق عليه إلا نسك طواف الوداع فيحرم عليه أن يخرج حتى يطوف طواف الوادع, فلو فرض أنه بقي عليه رمي الجمرة ليوم الثاني عشر أو بقي عليه طواف الوداع فله أن يذهب إلى الطائف ويأتي مساء, له أن يذهب ويرجع بعد ذلك؛ لأن عنده شيئاً من الأنساك غير طواف الوداع, أما إذا لم يبق عليه إلا طواف الوداع فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت الطواف ).

    المسألة الأخرى: هو أنه إذا طاف الإنسان للوداع فله أن يرجع إلى رحله في منى, وقد نص الإمام أحمد على ذلك؛ لأنه يصدق عليه أنه خرج والله أعلم. هذه أهم المسائل وإن كان الحج بابه واسع واختلاف الناس فيه يصعب حصره, ولكن إذا علم طالب العلم أصول المناسك فإنه يسهل عليه بإذن الله إذا كان ثقفاً لبيباً.

    فضل يوم عرفة وماء زمزم

    السؤال: هل هناك حديث حول فضل يوم عرفة, وفضل ماء زمزم؟ بارك الله فيكم.

    الجواب: أما فضل يوم عرفة فقد جاء في الصحيحين أن يهودياً قال لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لقد كان لكم عند نبيكم صلى الله عليه وسلم يوماً لو كان عندنا معشر يهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً, فقال عمر : ما هو؟ فقال: يوم عرفة, فقال عمر : إنه يوم عيد), وقال صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن قال: ( يوم عرفة وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ), فبين ذلك أن يوم عرفة يوم عيد, يوماً تبتهج فيه النفوس لقربها من ربها سبحانه وتعالى, وأعظم يوم كما قال ابن تيمية رحمه الله: أعظم يوم في الأسبوع هو يوم الجمعة, وأعظم يوم في السنة هو يوم النحر, وأعظم يوم يكفر السنتين هو يوم عرفة, وأعظم فضل يناله الحاج أن الله سبحانه وتعالى يدنيه من يوم عرفة, كما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة قال: ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة, وإنه ليدنو ثم يباهي بهم ملائكته ويقول: ما أراد هؤلاء؟ ).

    أما ماء زمزم فقد جاء عند أبي داود الطيالسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فصل ما بيننا وبين المنافقين هو التضلع من ماء زمزم ), وقد كان ابن عباس يتضلع من ماء زمزم وقال صلى الله عليه وسلم: ( ماء زمزم لما شرب له ), وفي رواية مسلم : ( ماء زمزم طعام طعم ), وروى أبو داود الطيالسي : ( أن ماء زمزم شراب شرب, وشفاء سقم ), وقواه الحافظ ابن حجر رحمه الله.

    إخراج الأضحية عن الأموات

    السؤال: ما حكم من يخصص الأضحية للأموات وينسى أو يترك نفسه؟

    الجواب: السنة في حق المضحي أن يضحي عنه وعن أهله وأقاربه الأموات, أما تخصيص ذلك عن الأموات فهذا ليس من السنة, وإن كان ليس ببدعة كما يظنه البعض؛ لأن الأضحية صدقة, وقد ثبت بالإجماع أن الصدقة عن الميت تجزئ, ولكن الأفضل أن يضحي عنه وعن أهله الأحياء منهم والميتين, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم عني وعن من لم يضح من أمتي ).

    ما يلزم من خرج من عرفة وخشي خروج وقت العشاء قبل وصوله مزدلفة

    السؤال: أحسن الله إليكم! من خرج من عرفة ولم يتمكن من الوصول إلى مزدلفة إلا متأخراً, ويخشى خروج الوقت وليس معه ماء, فماذا يصنع؟

    الجواب: من خرج من عرفة إلى مزدلفة ولم يستطع أن يصل مزدلفة, فإن خشي دخول منتصف الليل وهو نصف الليل الأوسط, فإنه يجب عليه أن يصلي المغرب والعشاء كيفما اتفق, فإن كان في الباص فيجب عليه إن استطاع أن ينزل، وإن كان معه ماء عليه أن يتوضأ, وإن لم يكن معه ماء تيمم وصلى في الوقت, فإن شق نزوله من الباص فإنه يصلي كيفما اتفق؛ وذلك لأن الصلاة في وقتها واجبة, ولا يجوز تأخيرها عن وقتها, وهذا القول رواية عند الإمام أحمد وهو مذهب ابن حزم واختيار شيخنا محمد بن عثيمين.

    وذهب بعض أهل العلم وهم الجمهور إلى أن وقت العشاء لا يخرج إلا بدخول وقت الفجر, واستدلوا بحديث أبي قتادة : ( أما إنه ليس في النوم تفريط, إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى ), قالوا: فهذا يدل على أنه ليس ثمة فصل بين الصلاة والصلاة التي بعدها, وخرج عن ذلك صلاة الفجر فإن بينها وبين الظهر فصل بالإجماع, وخروج صلاة الفجر بالإجماع دليل على أن هذا العموم ليس على ظاهره, والأقرب والله أعلم نص النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت العشاء إلى منتصف الليل ), وفي رواية: ( إلى نصف الليل الأوسط ), وعلى هذا فإذا لم يستطع أن يصل وخشي خروج وقت العشاء فإنه يصلي كيفما اتفق, حتى لو أداها بالإيماء, هذا هو الأقرب، والله أعلم.

    أما إذا عجز أن يصليها فلا يخلو هذا العجز من أمرين:

    إما بتفريط منه, فحينئذٍ يجب أن يجبره بدم؛ لقول ابن عباس كما رواه طاوس عنه: ( من نسي نسكاً أو تركه فليرق دماً ).

    وإن كان العجز من غيره فلا شيء عليه؛ لأن أبا العباس بن تيمية يقول: وغاية الواجبات إما أن تسقط بالعجز وعدم القدرة, وهذا عاجز وغير قادر، فلا يستطيع أن يجد نفقاً في الأرض ولا سلماً في السماء, فيسقط في حقه، والله أعلم.

    مكان ذبح النسك أو الفدية

    السؤال: أحسن الله إليكم! من عليه دم هل يذبحه لفقراء الحرم أم في أي بلد؟

    الجواب: كل من عليه دم لنسك القران أو التمتع, أو لتركه واجباً فإنه يجب عليه أن يذبحه في الحرم؛ لقوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33], هذا هو قول عامة الفقهاء.

    مناداة المطوفين بالأذكار وترديد الناس خلفهم

    السؤال: أحسن الله إليكم! ما يفعله المطوفون من المناداة بالأذكار وترديد الناس خلفهم، هل له صحة في الشرع؟

    الجواب: المطوف الذي ينادي وينادي خلفه إذا اعتاد هذا الفعل فلا شك أنه غير مشروع, أما لو وقعت اتفاقاً فهذا جائز, أما أن يكون عادته هذه فأرى أن هذا غير مشروع كما أفتت بذلك اللجنة الدائمة برئاسة شيخنا عبد العزيز بن باز وغيره.

    مصدر تراجع الإمام أحمد عن تضعيف (حتى توافيه)

    السؤال: أحسن الله إليكم! أين ورد تراجع أحمد عن تضعيف: ( حتى توافيه

    الجواب: ما ورد أنه رجع, لكن رجوعه إلى قول يحيى بن سعيد يدل على أنه رجع.

    وقد ذكرها الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير, وذكرها المخرجون مثل التبيان في تخريج أحاديث بلوغ المرام.

    والذي يدل على تضعيفه للحديث ثناؤه على يحيى ؛ لأنه سبب تضعيف الإمام أحمد أنه قال: أي شيء توافيه؟ فلما قيل له: أن توافي, رجع، وقال: ما أشد عناية يحيى بن سعيد في الحديث.

    النصيحة بحفظ كتاب طبقات المكثرين للزرقي

    السؤال: هل تنصحون بحفظ متن المشهور من أسانيد الحديث, وهو كتاب يحتوي على مائة وستين سنداً من الأسانيد المشهورة, وأغلبها متفق عليها, ومتن آخر اسمه طبقات المكثرين من رواة الحديث, وهو كتاب يحتوي على ترجمة مائتي راوي, وهم مقسمون على اثنتي عشرة طبقة, وجزاكم الله خيراً.

    الجواب: طبقات المكثرين من المحدثين للشيخ عادل الزرقي كتاب جيد، وإذا حفظه طالب العلم يكون قد حفظ عامة الأسانيد التي عليها المدار, فلا يكاد يخرج حديث في الصحيحين والسنن عنها, فإذا حفظ كتاب الشيخ عادل الزرقي , وأمعن النظر في أسانيد الأحاديث في الصحيحين والسنن فإنه يسهل عليه بإذن الله حفظ الأسانيد؛ لأنها دربة إذا أتقنها الإنسان سهل عليه ذلك، والعلم عند الله.

    وقت التكبير المطلق والمقيد للحاج وغيره

    السؤال: الرجاء التفصيل بالنسبة للتكبير في أيام العشر, من ناحية بداية التكبير المطلق والمقيد, وهل هناك فرق بين الحاج والمقيم في التكبير؟

    الجواب: يبدأ التكبير الذي يسميه العلماء: التكبير المطلق, وهو أن يكبر في سوقه وفي سيارته وفي بيته وفي فسطاطه وفي فراشه، يقول: الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد, يبدأ هذا التكبير من فجر أول يوم من أيام العشر, ويستمر إلى غروب الشمس من يوم الثالث عشر, هذا يسمى التكبير المطلق, ودليله ما رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم, أن ابن عمر و أبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان أيام العشر, فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.

    وأيام العشر هي من فجر يوم واحد من ذي الحجة, وليس ليلة واحد, ومما يدل على ذلك ما رواه ابن أبي شيبة من طريق مسكين أبي هريرة, عن مجاهد أنه سمع رجلاً يكبر أيام العشر, فقال: ارفع بها صوتك, فلقد رأيتهم يكبرون بها أيام العشر, ومسكين أبو هريرة قال فيه وكيع بن الجراح : ثقة, خلافاً لمن ضعفه من المعاصرين الفضلاء.

    ويستمر تلبيته التكبير المطلق إلى غروب الشمس من يوم الثالث عشر, يدلك على هذا ما رواه البيهقي و الدارقطني و الحاكم وغيرهم: أن عبد الله بن عمر كان يكبر أيام منى -وأيام منى هي اليوم الحادي عشر, والثاني عشر, والثالث عشر- في فسطاطه وفي بيته حتى يكبر الناس فترتج منى تكبيرا, ومعلوم أن عبد الله بن عمر إذا جلس في فسطاطه فهذا هو التكبير المطلق, وكذلك كان عمر يصنع وابن مسعود و أبو هريرة و ابن عباس و جابر.

    لكن السؤال: هل يكبر الناس في هذه الأيام قبل فجر يوم عرفة, في أدبار الصلوات؟ نقول: السنة أيام العشر هو أن يذكروا الأوراد, فإذا انتهوا من الأوراد لا بأس أن يكبروا, ولا يعتبر أن هذا دبر الصلاة.

    أما التكبير المقيد ومعناه: أنه يكبر عقب الفريضة, فيبدأ لغير الحاج من فجر يوم عرفة, ويستمر إلى آخر صلاة العصر من اليوم الثالث عشر, ونقول إلى غروب الشمس, فلو فاتته الصلاة قبيل الغروب فإنه يكبر, وهذا قول ابن مسعود كما رواه الدارقطني و الحاكم بسند صحيح وروي كذلك عن ابن عباس , أما الحاج فإنه يقطع تلبيته من حين رمي جمرة العقبة كما في الصحيحين من حديث الفضل بن عباس.

    ويبدأ بالتكبير -كما روي عن ابن مسعود و ابن عمر - من بعد رميه جمرة العقبة إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر, فيكون الحاج وغير الحاج اجتمع في حقه مطلق ومقيد من فجر يوم عرفة لغير الحاج, ومن رمى جمرة العقبة للحاج إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر, فلو كبر بعد أدبار الصلوات الآن نقول: جائز, لكن السنة هو أن يذكر الأوراد, فإذا انتهى من الأوراد كبر, والله أعلم.

    من أراد أن يضحي وقد حلق لحيته في عشر ذي الحجة

    السؤال: أحسن الله إليكم! رجل يريد أن يضحي, ولكن أثناء العشر حلق لحيته فماذا عليه؟ أفتونا.

    الجواب: كل من أخذ من لحيته أو من شعره أو من بشرته وقد نوى أن يضحي، ومعنى نية أن يضحي ليس أن يشتري الأضحية, بل أن يعزم على أن يضحي, فلا يجوز له حينئذٍ أن يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئاً, فلو أخذ أثم، والأضحية على حالها إجماعاً, ولا بأس بالأضحية حينئذٍ, ولكنه يعتبر آثماً, والعلم عند الله.

    مدى ثبوت الإجماع على نجاسة الدم

    السؤال: أحسن الله إليكم! هل ثبت الإجماع في نجاسة الدم؟

    الجواب: نعم, ثبت الإجماع في نجاسة الدم, ذكره الإمام أحمد كما نقل ذلك ابن تيمية.

    ونقل القرطبي عن بعض المالكية الإجماع على ذلك, ولا نعلم خلافاً في نجاسة الدم إلا عند المتأخرين, وأول من أشهره الشوكاني ثم بعض العلماء المعاصرين, والدليل على هذا أن (النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم), كما رواه البخاري من حديث أبي جحيفة , وقال تعالى: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ... [الأنعام:145], والدم المسفوح هو كل دم يخرج من حيوان وهو باق على حياته, فإذا جرح الإنسان وأصابه دم فيعتبر هذا دماً مسفوحاً؛ لأنه خرج من دم الحيوان الذي له حياة وبقي على حياته, وأما تخصيص نجاسة الدم بالحيض, فهذا تخصيص يحتاج إلى دليل, وكل دم نجس.

    وأما استدلال من منع من النجاسة بما رواه أبو داود السجستاني و الحاكم و البيهقي من حديث جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة بني المصطلق : ( من يكلأ لنا الليل؟ فقام عباد بن بشر فقال: أنا يا رسول الله! ورجل آخر من الصحابة, فتقاسما الليل, فقام عباد يصلي, فجاء عين من قريش أو من المشركين فأطلق عليه سهماً فأوقع عليه, فنزعه وهو يصلي, ثم ضربه بسهم آخر والدم يسكب, ثم نزعه وهو يصلي, حتى إذا لم يتمالك قواه سلم, ثم أيقظ صاحبه, قال: ما منعك رحمك الله أن توقظني, قال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها ), قالوا: فخرج دمه ولم يقطع صلاته, فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ولم يأمره بشيء, ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة, قلنا: إن خروج الدم هنا لا يستطاع عمل شيء معه، فهو لا يستطيع أن يزيل هذا الدم؛ لأنه لابد أن يستمر بهذه الحال.

    وكذلك استدلوا بفعل عمر حينما ضربه الفارسي, فأكمل شيئاً من صلاته, ثم صلى بعد أيام والدم يسكب, قلنا: هذا غايته كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ).

    وهناك مسألة أخرى وهي أن خروج الدم لا ينقض الوضوء كما هو مذهب المالكية، فهناك فرق بين خروج الدم وبين نجاسة الدم, فخروج الدم لا ينقض الوضوء, أما نجاسته فهو نجس, وإذا لم يستطع المسلم أن يتقي هذا الدم فإنه يصلي كيفما اتفق, كما روى البخاري معلقاً بصيغة الجزم, عن الحسن البصري قال: ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم وكلومهم.

    وهذا يقال: في كل من حدثه دائم, كسلس البول أو من كان يخرج منه الريح ولا يستطيع أن يتقيه, فنقول: توضأ لكل صلاة ولا يضرك خروج النجاسة بعد ذلك, أما خروج الدم ليس بنجس أصلاً, ولا ينقض الوضوء, ولكنه بذاته نجس، والعلماء قالوا: كل من كان فيه نجاسة لا يستطيع التخلص منها وخاف خروج الوقت, فإنه يصلي على حاله, وكذلك يقال في من كان دمه مستمراً فيه.

    الجمع للمسافر في غير عرفة والمزدلفة

    السؤال: أحسن الله إليك! قلت حفظك الله: أنك لا تعلم حديثاً ينص على الجمع في السفر غير حديث عرفة, فهل للمسافر أن يجمع إذا دخل قرية هو وأصحابه لبعض أيام؟ أفيدونا مأجورين.

    الجواب: هذه مسألة وهذه مسألة, هو لا يجمع بين المسألتين, أنا أقول: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح أنه جمع بعدما نزل وهو مسافر إلا قصة عرفة ومزدلفة, أما المسافر إذا دخل بلد وهو يريد أن يبقى فيها أربعة أيام فأقل, أو إذا قلنا: أنه لم يزل مسافراً حتى يرجع إلى بلده, هل له أن يجمع؟ نقول: عامة الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وعليه فتوى شيخنا عبد العزيز بن باز أن المسافر يجوز له أن يصلي جمعاً ولو كان المسجد قريباً منه, بشرط أن يصلي جماعة, فلو كانوا اثنين فأكثر أو كان المسافرون اثنين فأكثر فلهما أن يصليا في الشقة إذا كانا مسافرين ولا يصليان في المسجد, ودليل أن المسجد يسقط في حق المسافر ما رواه جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه كما رواه الإمام أحمد و مالك في موطئه بسند صحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في مسجد الخيف أيام منى, فلما سلم إذا برجلين خلف الصف, قال: علي بهما, ثم قال لهما: ما منعكما أن تصليا معنا؟ أولستما بمسلمين؟ قالا: نعم, ولكنا صلينا في رحالنا, قال: إذا صليتم في رحالكم ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم يكون لكم أجر ), فأذن لهم أن يصلوا في رحالهم؛ لأنهما كانا مسافرين أيام منى, والعلم عند الله.

    وأنا أتعجب ممن يمنع من هذا, ويجوز لأهل منى أن يصلوا في رحالهم ولا يصلون في مسجد الخيف, فكلها واحدة.

    الفرق بين قول المحدث: في لفظ، وقوله: في رواية

    السؤال: أحسن الله إليك! ما الفرق بين الرواية واللفظ في كتاب عمدة الأحكام؟

    الجواب: إذا قيل: في رواية، فيحتمل أنها غير رواية الصحابي نفسه, وإذا قيل: في لفظ، أي: للراوي نفسه, فإذا اختلف الراويان الصحابيان قيل: شاهد, وإذا كان الصحابي نفسه ولكن الخلاف في التابعين قيل: تابعه, وبعضهم لا يرى فرقاً بين وفي رواية أو وفي لفظ، والعلم عند الله.

    الفرق بين اليوم والليلة

    السؤال: ما الفرق بين اليوم والليلة؟

    الجواب: أما اليوم والليلة, فاليوم يبدأ من طلوع فجر ذلك اليوم, إلى غروب شمس يومه, والليلة تبدأ من غروب شمس ذلك اليوم, إلى طلوع فجر ذلك اليوم, أما إذا أطلق الشارع فالغالب أنه يقصد اليوم والليلة, إلا إذا نص على خلاف ذلك, مثل قوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ [البقرة:203]، فالمقصود باليومين هو غروب الشمس من يوم الثاني عشر.

    وقت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

    السؤال: أحسن الله إليك! قراءة سورة الكهف, إذا كانت سنة هل تبدأ من الخميس؟

    الجواب: حديث قراءة سورة الكهف راويه هو أبو سعيد سعد بن مالك الخدري رضي الله عنه, ولا يصح مرفوعاً, إنما رواها أبو سعيد من قوله, هذا هو الصحيح, وأبو سعيد قال: ( من قرأ سورة الكهف سطع له نور ما بين السماء والأرض ), واختلف أهل العلم: هل يقرأها صبيحة اليوم, أم ليلة الجمعة؟ نقول: اختلف فيه على هشيم بن بشير , فمرة قال: ( في يومه ), كما رواه عنه سعيد بن منصور , ومرة قال: ( في ليله ), والرواية عنه ضعيفة, والأصح هي رواية سفيان أنه قال: (يومه), فرواية سفيان الثوري أصح من رواية هشيم , كما قوى ذلك النسائي و البيهقي , وعلى هذا فالأقرب هو أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة لا ليلتها, والله أعلم.

    مصادر حول نسب النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيه من يتوسع في شرحها

    السؤال: أحسن الله إليكم! هذا سائل من مصر, يقول: أنا أشرح كتاب زاد المعاد في مصر, ووصلت الدرس الثاني والعشرين ولا زلت في فصل نسب النبي صلى الله عليه وسلم, فبم تنصحني وما هي المصادر التي تعينني على هذا الشرح؟

    الجواب: لا ينبغي للإنسان إذا كان يشرح للناس أن يبالغ في مثل المسائل التي تعد من فضائل العلم, ينبغي له إذا كان يدرس أن يذكر مهمات المسائل؛ ولهذا قال الله تعالى: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79], قال البخاري في صحيحه: الرباني هو الذي يعلم صغار العلم قبل كباره, فينبغي لطالب العلم والحريص على جماعة مسجده أن يذكر لهم المسائل المشهورة التي ينتفعون بها, وأما المسائل التي ربما يجهلونها ولا تضرهم فلا ينبغي تحليلها للعامة, وإذا احتاج إلى أن يبسط فليؤلف في ذلك كتاباً مستقلاً فهذا خير له.

    وأنساب النبي صلى الله عليه وسلم فيها كتب مشهورة منها كتب الأنساب لـابن أبي جريج والعلم عند الله سبحانه وتعالى, لكن اثنين وعشرين درساً في نسب النبي صلى الله عليه وسلم أنا أجزم أن ثلثهم أو ربعهم أو زد عليه قليلاً لا يحسنون هذا العلم, لا شك أن علم الأنساب جيد وقد اهتم به الصحابة كما قيل إن أبا بكر هو أعلم أمة محمد بالأنساب, لكن لا ينبغي له أن يذكر بعض المسائل التي ربما لا تكون مشهورة فيحمل الناس ما لا يحتملون، وكونه يحمل الناس زاد المعاد خير له من الزيادة عليه.

    طريقة منهجية للتفقه

    السؤال: هل لكم -يا شيخنا- أن تطرحوا خطة لمن يريد الفقه في الحج, كقراءة كتاب أو سماع أشرطة؟

    الجواب: هذه المسائل تختلف من شخص لآخر, وعلى حسب همة هذا الشخص.

    نفس عصام سودت عصاماً وعلمته الكر والإقداما

    وصيرته ملكاً همام

    يقول الشافعي :

    نفسي نفس حر ترى المذلة كفرا

    على حسب علو الهمة, فإذا كان الإنسان عالي الهمة فإنه يجمع خير الدنيا والآخرة, يجمع الفقه والحديث.

    وأحسن طريقة لطالب العلم أن يعتمد على كتاب في الفقه, ثم يذكر كل مسألة ودليلها, وإذا جاءه حديث يبحث عن هذا الحديث بإسناده, هل هو صحيح أم لا, حتى يتيقن أن هذا الحديث صحيح أم ضعيف, وإذا جمع الإنسان بين الفقه والحديث قويت حجته, أما إذا جمع الحديث وترك الفقه تبقى ظاهريته ظاهرة؛ لأن أكثر قراءته عن كتب الشروح, وإذا أكثر من الفقه وترك الحديث أحياناً يستدل بقواعد وعنده عن النبي صلى الله عليه وسلم نص في ذلك, وأحياناً ينفي مسألة أو سنة وعند الصحابة إثباتها, كما قالوا: لا يستحب الاغتسال يوم عرفة وأن ذلك بدعة, وقد صح عن ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب أنه قال: السنة الغسل يوم الجمعة ويوم العيد ويوم عرفة, وقد روى البيهقي وغيره أن ابن عمر كان يغتسل صبيحة يوم عرفة, وقد قال ابن تيمية أن الصحابة لا يفعلون البدعة, هذا أفضل طريقة, يمسك له متناً إن كان حنبلياً أو تمذهب على المذهب الحنبلي أخذ زاد المستقنع, أو يأخذ المنهاج للشافعية, أو مختصر خليل للمالكية, أو الاختيار لتعليل المحتار للموصلي عند الحنفية, وإذا جاءته مسألة ينظر هل عليها دليل أم لا, والدليل هو المناط, أما أقوال الناس فتؤخذ للاستئناس والتقوية, ولا ينبغي للإنسان أن يقول قولاً لم يقله أحد, كما قال ابن عمر لـجابر بن زيد : يا جابر بن زيد ! أنت فقيه أهل البصرة, لا تفت الناس إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية, إنك إلا تفعل ذلك هلكت وأهلكت.

    وقال الإمام أحمد رحمه الله: لا تقل بمسألة إلا وقد سبقك إمام, ولا ينبغي لطلاب العلم أن يتعجلوا في الفتوى ولهم مندوحة في ذلك, فالتعجل في الفتوى أحياناً مزلة قدم, وأحياناً المسائل الغريبة التي ربما لم يكن لها سلف عند أهل العلم لا ينبغي التعجل فيها؛ لأن التعجل أحياناً يكون سبباً لرؤية النفس والإعجاب, فإذا اشتهر القول بعد ذلك, قال: أنا قد قلت به قبل خمس سنوات, وأنا قد قلت به قبل ثلاث سنوات وهذا لا يصلح, يقول الشافعي رحمه الله: وددت أن الناس حملوا هذا العلم ولم ينسبوا لي منه شيئاً, وقال الإمام أحمد : ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئة من عمله, وقال ابن المبارك : والله ما نرى مالكاً ارتفع بكثرة صلاة ولا صيام, ولعله سريرة كانت عنده، وقال أبو الدرداء : ينبغي للمؤمن أن يكون له خبيئة من عمله لا يعلمه أحد.

    والواقع -يا إخوان- أن أعمالنا والله المستعان كلٌ يعرفها, حتى الزوجة تعرف هل تتسنن أم لا؟ أما السلف فإن لهم أعمالاً لا يعلم بها أحد: استغفار, ابتهال, تضرع, صلاة, صدقة ينبغي للمسلم أن يكون له عمل لا يعلمه أحد, وإذا عمل الإنسان عملاً وداوم عليه ولا يعلمه أحد فإن هذا سبب للثبات, كما قال بعض أهل العلم: أجمع العارفون على أن سبب الثبات القربى إلى الله في الخلوات, وأن سبب الزيغ والهفوات هو خيانة العهد في الظلمات, نسأل الله أن يعصمنا من مضلات الفتن, ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

    الآثار الواردة عن الصحابة في الرمي قبل الزوال

    السؤال: هل ثبت عن الصحابة أنهم نهوا عن الرمي قبل الزوال, أو جوزوا الرمي قبل الزوال؟

    الجواب: حديث البراء عن ابن عمر : (كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا), وقال مالك عن نافع عن ابن عمر : لا ترم الجمار قبل الزوال, وروى ابن جريج عن ابن أبي مليكة أنه قال: رأيت ابن عباس رمى جمرة العقبة, رمى الجمار وضحى, وفي رواية: في الظهيرة ثم صدر.

    دليل رمي الجمار بالليل

    السؤال: ما حكم رمي الجمار في الليل, هل ثبت حديث صحيح في رمي الجمار ليلاً؟

    الجواب: أثر ابن عمر كما رواه مالك في الموطأ, أنه أذن لزوجه أن ترمي ليلاً, يعني: ليلة الحادي عشر.

    نكتفي بهذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767946944