إسلام ويب

عمدة الأحكام - كتاب البيوع [1]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الضروري في حياة الناس أن يحتاج كل منهم لما في يد الآخر غالباً، فشرع الله وسيلة لبلوغ ما يحتاجه الإنسان وهي البيع، فجعل له شروطاً لا بد من مراعاتها؛ حتى يكون بيعاً صحيحاً بعيداً عن الشبهة والحرام، ومن ذلك: الصيغة سواء كانت قولية أو فعلية، والعاقدان، والعين المباعة.
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.

    وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحبتي في الله! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع مما تحفه الملائكة بأجنحتها؛ رضاً بما نصنع فيه وتصنعون يا رب العالمين.

    ولا شك أيها الإخوة! أن من أعظم المنن التي يمتن الله سبحانه وتعالى بها على عبده أن يفتح عليه فهم الوحيين والفقه فيهما، ولا شك أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد بعبده الخير فقهه في الدين، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث معاوية : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: ومفهوم المخالفة لهذا الحديث: أن الله إذا لم يرد بعبده الخير لم يفقهه في الدين.

    ولا شك أن تدبر الكتاب والسنة والاشتغال بهما دونما سواهما دليل على أن الله وفق العبد لذلك، وقد ذكر أبو بكر شمس الدين بن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: أنه ينبغي للمفتي إذا أفتى أن يفتي بلفظ الكتاب والسنة، فإن ذلك للمستمع أقرب إلى الفهم، وأقرب إلى مقصود الشارع، مع عدم الاشتغال بالألفاظ المحدثة التي كثرت عند المتأخرين.

    وقد ذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله: أنه عندما سجن فتح الله عليه بتدبر القرآن، حتى قال: وقد كنت أندم على تضييعي كثيراً من الأوقات في غير فهم وتدبر، ووالله لو جمع لي مثل هذه القلعة ذهباً ما ساوى هذه النعمة التي أنا فيها.

    وعليه فينبغي لطالب العلم ألا ينشغل عن الكتاب ولا عن السنة.

    دين النبي محمد أخبار نعم المطية للفتى الآثار

    لا ترغبن عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهار

    ولربما نسي الفتى أثر الهدى والشمس طالعة لها أنوار

    وكثير من الفقهاء المتأخرين ومن علماء الأصول -كما ذكر ذلك ابن القيم و أبو العباس بن تيمية رحمهم الله جميعاً- يشتغلون أحياناً بالتقعيد وبكلام المتأخرين، وتجد أن الحديث ثابت في البخاري أو في مسلم أو عند أهل السنن، وخفيت على بعض أهل العلم.

    وقد ذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله في كتابه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام سبب خلاف أهل العلم، وأوصله إلى بعض الأسباب: إما لعدم بلوغه هذا الحديث، وإما أنه بلغه ولكن بطريق ضعيف، وإما لأنه بلغه ولكن رأى أن ثمة أحاديث أقوى منها، وإما لأن العمل على خلافه كما هي طريقة مالك ، وإما لأن هذا الحديث حديث آحاد يخالف ظاهر القرآن كما هي طريقة بعض متأخري الحنفية، التي نسبوها إلى أبي حنيفة ، وقد ذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله أنها خطأ على أبي حنيفة ، وإن كان بعض المتقدمين كـأبي عمر بن عبد البر قال: ولذا عيب على أبي حنيفة أنه ترك خبر الآحاد، وكان تعنيف الأئمة له أشد من تعنيفهم بقوله في الإيمان، وغير ذلك مما سوف نذكره.

    وهنا إن شاء الله في هذا الشرح نقصد بذلك بيان كلام أهل العلم في الحديث دون الولوج في أسانيده؛ لأن الموطن لا يناسب ذلك، فالمقصد في ذلك هو فقه الحديث، فإذا اخترنا قولاً في شرح هذا الحديث ذكرنا طريقة الأئمة في فهمهم أو في معارضتهم لهذا الحديث، فلا بد لطالب العلم أن يعرف سبب الخلاف، وكيف أن الأئمة اختلفوا حتى يكون على دراية واطلاع، ولا شك أن الفقيه وطالب العلم إذا كان لا يعرف الخلاف فلا يعد فقيهاً، كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر في كتابه العظيم: جامع بيان العلم وفضله، وذكر عن قتادة وغيره: أن من لا يعرف الخلاف فليس بفقيه.

    وذكرنا للخلاف هو الخلاف العالي كما يقولون؛ وهو أن نذكر المسألة المشهورة إذا كانت موجودة في عصرنا والخلاف فيها، وإن تطرقنا إلى بعض المعاملات المالية المعاصرة على سبيل العجل، وعلى سبيل التذكر -وأما التفصيل فهذا ليس موطنه- لكي يعرف طالب العلم أن المسألة المعاصرة مندرجة تحت الحديث الذي سوف نذكره إن شاء الله تعالى.

    الأحاديث التي سوف نشرحها إن شاء الله هي كتاب البيوع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086781669

    عدد مرات الحفظ

    768896156