اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا بما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.
وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال المصنف رحمه الله: [ باب الشروط في البيع:
عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: ( جاءتني
أما الشروط الصحيحة فهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شروط هي من مقتضى العقد، مثاله: أن أشتري السيارة من زيد فأقول: على أن تسلمني السلعة، فهذا الشرط لا يفيد فائدة جديدة؛ لأنه من مقتضى العقد، فصار هذا الشرط تأكيداً لا تأسيساً؛ لأن العقد من مقتضاه أن تسلمني الثمن وأسلمك المثمن، هذا القسم الأول.
القسم الثاني: شروط هي من مصلحة العقد، فإن من مصلحة العقد وجود الرهن، أو الضمان، أو الكفالة، أو الأجل، فإذا اشترطت أن أسلمك الثمن بعد سنة، فهذا شرط من مصلحة العقد لا من مقتضاه؛ لأنه ليس من مقتضى العقد التأجيل، بل من مقتضى العقد تنجيز الثمن، فصار هذا من مصلحة العقد، فلو ابتعت من أحد فقلت: بشرط أن تأتيني بكفيل، فهذا من مصلحة العقد ولا حرج فيه.
القسم الثالث: كل شرط فيه منفعة للمتعاقدين أو أحدهما في المعقود عليه، فلو أني اشتريت منك حطباً بشرط أن تنقله، فنقله منفعة لي، وهذه المنفعة في المعقود عليه، ولو اشترطت أن أشتري منك سيارة نوعها جيب بشرط أن يكون لونه أسود، فإذا كان من منفعة المعقود عليه جاز، وهذا هو مذهب الحنابلة، واختيار ابن تيمية ، إلا أن الحنابلة في المشهور عندهم قالوا: لا يجوز زيادة شرطين في هذه الصورة، والراجح أنه يجوز، فلو قلت: بشرط أن تكسره، وأن تنقله، وأن أعطيك الأجل مقسطاً جاز، والله تبارك وتعالى أعلم. هذه ثلاثة أقسام للعقد الصحيح.
وأما الشروط الفاسدة فهي تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: شروط فاسدة مفسدة للعقد، عند الجمهور مثل: أن أبيعك السيارة، على ألا تبيعها لأحد، فهذا الشرط يخالف مقتضى العقد؛ لأن مقتضى العقد أن المشتري يتصرف بها كيفما شاء، فإذا قلت: بشرط ألا تبيعها لأحد، صار هذا تحجيراً على مقتضى العقد، فكل شرط يعود على أصل العقد ومقتضاه ومقصوده بالإبطال، فهو شرط فاسد مفسد للعقد، وكذلك الشروط الربوية فاسدة مفسدة للعقد.
القسم الثاني: شروط فاسدة يصح معها العقد، وهي كل شرط لا يعود على أصل العقد ومقصوده بالإبطال، مثاله: حديث عائشة في قصة عتق بريرة حيث كانت أمة فقالت لأهلها: أريد أن أعتق نفسي، أعطيكم تسع أواق، في كل سنة أوقية، يعني: تعتق بعد تسع سنين، فذهبت إلى عائشة فقالت: إن أهلي كاتبوني على تسع أواق، في كل سنة أوقية، فإن شئت أن تعينيني فأعينيني، قالت عائشة من باب الكرم رضي الله عنها: إن شاء أهلك أن أعد لهم عدة واحدة فعلت، يعني: أنا أعطيهم تسع أواق دفعة واحدة، ويكون الولاء لي، هذا شرط من مقتضى العقد؛ لأن الولاء لمن أعتق، فذهبت إلى أهلها فقالوا: لا، إلا أن يكون الولاء لنا، فهذا الشرط لا يخالف مقصود العقد؛ لأن الأصل أن العتق حاصل، ومسألة الولاء لا دخل لها في مسألة وجود العتق على بريرة ، فلأجل هذا ذهب الحنابلة رحمهم الله إلى أن هذه شروط فاسدة لكنها لا تفسد العقد؛ لأنها لا تعود على أصله بالإبطال.
وعلى هذا: فما يوجد في الإجارة المنتهية بالتمليك، بأن يضع صاحب الشركة شرطاً يقول: كل حادث في السيارة ولو لم يكن بسبب المستأجر فإنه يدفع ألف ريال -مثلاً-، فهذا شرط فاسد، لكنه ليس مفسداً للعقد؛ لأنه ليس داخلاً في أصل العقد، فنحن لا نخالف أصل الإجارة، وإذا قال المستأجر: كل ما لا تضمنه شركة التأمين فإنه يتحمله المستأجر، صار شرطاً فاسدة، لكنه ليس مفسداً للعقد؛ لأن الإجارة حقه ثابتة، وإن كان بعضهم يعد هذا شرطاً فاسداً مفسداً العقد، والله تبارك وتعالى أعلم.
تقول: (كاتبت أهلي على تسع أواق)، الأوقية: اثنا عشر درهماً ونشاً، والنش تقريباً كله: خمسمائة درهم، والدرهم الآن يقدر تقريباً بريال ونصف، فصارت خمسمائة.
قولها: (فأعينيني)، يعني: ساعديني، (قالت عائشة : إن أحب أهلك أن أعدها لهم)، وفي رواية: (أن نعد لهم عدة واحدة)، يعني: في مدة تسع سنين يحصلون على التسع الأواقي، لكنني سوف أعطيهم تسع أوقيات مباشرة بلا أجل، هذه منفعة لهم، وكرم من عائشة، وقد استدل به العلماء على أن للأجل وقعاً في الثمن، فإذا قلت: هذه السيارة أبيعها حالة بمائة ألف، أو أبيعها مؤجلة بمائة وخمسين ألفاً، فإذا تفرقنا على أحد السعرين فهو جائز، وهذا قول الأئمة الأربعة خلافاً للشيخ الألباني رحمه الله، وبعض العلماء المعاصرين، وهو الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، حيث منعا من ذلك، وهذا مخالف لإجماع العلماء، كما قرر ذلك أبو العباس بن تيمية والإمام الصنعاني ، وغير واحد من أهل العلم، وذكروا أن الأجل له وقع في الثمن، ولكن المحرم في الأجل هو ألا يكون له عوض، مثل: مائة بمائة وخمسين، فهذا محرم؛ لأنه مال بمال، والله تبارك وتعالى أعلم.
فقالت: (إن أحب أهلك أن أعد لهم، ويكون ولاؤك لي فعلت)، الأصل أن الولاء لمن أعتق، والذي أعتق بريرة هي عائشة؛ لأن أهل بريرة لم يكن منهم شيء، إنما أذنوا لـبريرة أن تعمل لتعتق نفسها، (فذهبت بريرة إلى أهلها، فأبوا) وقالوا: لا، إلا أن يكون الولاء لنا، لا يجوز لأهل بريرة أن يلغوا عقد المكاتبة باتفاق العلماء، وهل لهم أن يلغوا فعل عائشة ؟ لم يستطيعوا أن يلغوا فعل عائشة عند بعض العلماء، قالوا: لأن بريرة هي التي أعتقت نفسها، فهم لا يستطيعون أن ينفكوا من العتق، فلما أبوا أن ينفكوا من العتق قالوا: ويكون الولاء لنا، وهذا شرط مخالف لمصلحة العقد، أو لمنفعة في المعقود عليه، والمعقود عليه هي بريرة ، وكل شرط فاسد في المعقود عليه فإنه لا يفسد العقد، والله أعلم.
فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال: ( خذيها -يعني: افعلي الشراء- واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق ).
قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( واشترطي لهم الولاء ) اختلف العلماء في تفسيرها: فبعضهم قال: إن هذا شرط من مقتضى العقد، وبعضهم قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك من باب التوبيخ عليهم، يعني: اشترطي لهم الولاء أو لا تشترطي فإن الولاء لمن أعتق، وهذا هو تفسير ابن تيمية رحمه الله.
فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قام وخطب الناس، وبين لهم أن الشروط الفاسدة لا تجوز، ثم قال: ( ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق ).
اختلف العلماء في تفسير معنى: ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل )، هل المقصود أن ينص الشارع في الكتاب والسنة على وجود هذا الشرط، وحينئذ فكل شرط ليس موجوداً فهو باطل، وهذا هو اختيار ابن حزم رحمه الله، فإنه قال: كل شرط ليس موجوداً في القرآن ولا في السنة فهو شرط باطل، فلو قلت لك: أبيعك هذه السيارة بشرط أن لي الخيار أسبوعاً، أو ثلاثة أيام، فهذا عند الأئمة الأربعة جائز، ولكنه ممنوع عند ابن حزم ؛ لأنه يقول: هذا شرط ليس موجوداً في كتاب الله، والذي وجد في سنة رسول الله أن تقول: ( لا خلابة ) كما في حديث حبان بن منقذ ، وهذا قول باطل بلا شك، كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم كـأبي العباس بن تيمية و ابن القيم .
والصحيح أن معنى قوله: ( كل شرط ليس في كتاب الله ) أي: كل شرط مخالف لكتاب الله، وعلى هذا: فالقسمة في القول الراجح: كل شروط مخالفة لشروط الشارع فهي باطلة، وكل شروط موافقة لشروط الشارع فهي صحيحة، وكل شروط لا تخالف مقصود الشارع فهي أيضاً جائزة، هذا هو المقصود في الحديث. والله أعلم.
إذاً: الرسول ذكر الشروط التي تخالف شروط الشارع، وأما الشروط المسكوت عنها فالأصل فيها الجواز، والله أعلم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( ليس في كتاب الله -يعني: مخالفاً لكتاب الله- وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق )، يعني: أن العتيق إذا أعتق فإن ولاءه لمعتقه، بمعنى: لو كان عنده مال، ثم مات وليس عنده ورثة، فإن ماله لمعتقه؛ لأن الولاء لمن أعتق. ثم ذكر المؤلف حديث جابر بن عبد الله ليبين الشروط الصحيحة.
هذا الحديث مر أكثره: ( لا يبيع حاضر لباد ) مر في الصحيحين من حديث ابن عباس عندما قال طاوس : ( ما قول: حاضر لباد؟ قال: يكون له سمساراً )، وذكرنا شروط بيع الحاضر للباد، وأنها ثلاثة، وأوصلها أبو يعلى من الحنابلة إلى أربعة.
وأما النجش: ( لا تناجشوا ) فإنه الزيادة أو التقليل في السلعة تغريراً لأحد المتعاقدين.
وذكرنا أيضاً ألا يبيع الرجل على بيع أخيه، وأن له صورتين: صورة في خيار المجلس، وصورة في خيار الشرط.
وفي باب النكاح عند الجمهور الشروط الفاسدة تخالف العقد، فيقولون: كل شرط فاسد في النكاح لا يفسد معه العقد إلا في نكاح المتعة ونكاح الشغار، ونكاح التحليل. وأما في العقد فعند الجمهور من الشافعية والمالكية والحنفية: كل شرط فاسد مفسد للعقد، ولكن الراجح خلاف ذلك، إلا في النكاح عندهم، فإن كل شرط فاسد لا يفسد العقد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها )، وفي رواية: ( ما في صحفتها )، يعني: إذا جاء رجل يتزوج امرأة قالت: بشرط أن تطلق زوجتك، فتزوج الرجل هذه المرأة على أن يطلق زوجته ولم يطلقها، فإن عقد الزواج صحيح والشرط فاسد، والله أعلم.
والقاعدة: أن الإنسان إذا اشترط شرطاً فاسداً لا يعلم حكمه، فإن الشرط يكون باطلاً وله الخيار بعد ذلك، فلو اشترى شخص سيارة واشترط ألا يبيعها لأحد، فهذا شرط فاسد، ولكنا نقول له: هل تعلم بأن الشرط فاسد؟ قال: لا والله ما أعلم، ولو أعلم ما اشترطته، ولو أعلم ما بعته إياه، فنقول: لك الخيار؛ لأنك لم تعلم كما هو مذهب الحنابلة، واختيار ابن تيمية رحمه الله.
وعلى هذا: فالمرأة إذا تزوجت على أن يطلق الزوج زوجته الأولى، فإن الشرط فاسد والعقد صحيح، وللمرأة الخيار، أي: تملك طلاق نفسها، والله أعلم.
عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الذهب بالورق رباً, إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً, إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً, إلا هاء وهاء ).
عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز )، وفي لفظ: ( إلا يداً بيد )، وفي لفظ: ( إلا وزناً بوزن, مثلاً بمثل، سواء بسواء ).
وعن أبي المنهال أنه قال: ( سألت
وعن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة, والذهب بالذهب, إلا سواء بسواء, وأمرنا: أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا، قال: فسأله رجل فقال: يداً بيد؟ فقال : هكذا سمعت ) ].
القاعدة الأولى: قاعدة الغرر بأنواعه، والغرر: هو المجهول العاقبة، فمتى وجد الغرر في الصيغة، أو في العاقدين، أو في المعقود عليه، فإن العقد حينئذ يكون باطلاً إذا كان كبيراً، على تفصيل عند الفقهاء، وأفضل من كتب في هذه القاعدة هو محمد الصديق الضرير في كتابه: الغرر وأثره في العقود، وينبغي لطالب العلم أن يقتنيه.
القاعدة الثانية: قاعدة الربا بأنواعه، وهي من أصعب المسائل، فإن الربا يدخل في بيوع الدين، ويدخل في الصرف، ويدخل في أبواب كثيرة، وأفضل من كتب في هذا هم الشافعية، وكذلك كتاب: الربا في المعاملات المصرفية للشيخ الدكتور عمر المترك رحمه الله، وكذلك كتاب: الجامع في أصول الربا للدكتور رفيق المصري ، وكذلك كتاب: الربا في المعاملات المصرفية للدكتور عبد الله السعيدي .
القاعدة الثالثة: قاعدة الغش والتغرير والخداع والظلم، وهذه كتبها كثيرة، وفيها كتب في الغش وأثره في العقود والتدليس، وخيار التدريس، وغير ذلك، هذه القواعد إذا ضبطها طالب العلم سهل عليه باب المعاملات، وأنى له ذلك إلا بالكد والفهم: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35].
واعلم أن أصل باب الربا هو حديث عبادة بن الصامت ، وحديث عمر ، وحديث أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الذهب بالذهب ربا إلا ها وها، والفضة بالفضة رباً إلا ها وها، والتمر بالتمر رباً إلا ها وها، والشعير بالشعير رباً إلا ها وها )، وكذلك حديث عمر : ( الذهب بالذهب ربا إلا ها وها، والفضة بالفضة ربا إلا ها وها، والبر بالبر ربا إلا ها وها، والشعير بالشعير ربا إلا ها وها ).
اختلف العلماء في تفسير هذا الحديث: هل الربا مخصوص بما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأشياء التي عدها، وما عداها فلا بأس به، وهذا هو مذهب ابن حزم رحمه الله و ابن عقيل ؛ لأن ابن حزم لا يرى القياس، فعلى هذا: فالريالات الموجودة عندنا الآن ليس فيها ربا عند ابن حزم ، والأرز كذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكرها، وهذا بلا شك تأباه الشريعة الإسلامية التي لا تفرق بين متماثلين، فهل يعقل أن رجلاً يبحث عن القطر مظاناً عنده أربعين غنمة، أو عنده أربعين ديناراً، يحرم عليه الربا لأجل الظلم، ورجل يملك الملايين المملينة في أرصدة البنوك فيقال له: اعمل الربا ما شئت، فهذا بعيد كل البعد، ولأجل هذا ذهب الأئمة الأربعة إلى أن الربا في هذه الأشياء وما يماثلها في العلة، واتفقوا على أن علة الربا والفضة واحدة، وعلة هذه الأشياء المطعومة، أعني القمح والشعير والتمر والزبيب والملح واحدة، واختلفوا في علة كل واحد منهما.
والراجح: أن علة الذهب والفضة هي مطلق الثمنية، فكل ما كان ثمناً، وعده الناس مالاً وثمناً، فإنه يجري الربا فيه، فإن اتحد فيه الجنس، وجب التساوي والتقابض، وإن اختلف الجنس وجب التقابض وجاز التفاضل، وعلى هذا: فالذهب جنس، والفضة جنس، والدولار الأمريكي جنس، والدولار الكندي جنس، والدولار اليوزلندي جنس، والريال السعودي جنس، والريال اليمني جنس، والريال البرازيلي جنس، والجنيه الإسترليني جنس، والليرة اللبنانية جنس، والليرة التركية جنس، فكل اسم لبلد يكون جنساً لها، ولا أثر للتسمية، فإذا اتحدت العلة، والجنس، وجب التقابض والتساوي، وإذا اتحدت العلة واختلف الجنس، وجب التقابض وجاز التفاضل.
وأما علة المطعومات فالراجح والله أعلم وهو مذهب الشافعي ، و سعيد بن المسيب ، و أبي العباس بن تيمية هو الطعم مع الكيل أو الوزن، وعلى هذا: فالتمر الإخلاص بالتمر البرني، أو التمر السكري، هل جنسهما واحد؟ نعم، وهل نوعهما واحد؟ لا، فلا أثر في باب الربا في النوع، ولو كان الثمن يختلف، فنحن نعلم أن الصاع السكري بمائتين وصاع الشقر أو الإخلاص بمائة وخمسين، فلا يجوز أن أبيع صاعين من الإخلاص بصاع واحد من التمر؛ لأن الثمن واحد، نقول: لا عبرة بالنوع، إنما العبرة بالكيل والجنس، وعلى هذا: إذا ضبط طالب العلم هذه القاعدة سهل عليه ذلك. وهل يجوز أن أشتري من الخباز مائة خبزة بكيس طحين، هل يجوز ذلك؟
الجمهور قالوا: لا يجوز؛ لأن الطحين الموجود في الخبز غير معلوم، والطحين الموجود في الكيس معلوم، والقاعدة: أنه ما جهل فيه التساوي حرم؛ فإن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما كان فيه صنعة فلا بأس ببيع جنسه قبل صنعته؛ لأنه بالصنعة خرج عن أن يكون من الأموال الربوية، والأحوط ترك ذلك، والله أعلم.
فإن قال قائل: ما الحل؟
نقول: الحل أن يقول له: خذ ستة ريالات، وأبق عندي العشرة الريالات رهناً حتى تأتيني بستة ريالات أخرى، الآن قلبناها إلى رهن، أو يقول كما ذكر عبد الرحمن بن قدامة في الشرح الكبير حيث يقول: هذه عشرة ريالات، اجعل أربعة ريالات أمانة عندك، يكون قد أخذ ستة ريالات، وبقي أربعة يقول: اجعلها أمانة عندك، فهذا يجوز، أما إذا سكت من غير أن يقلبها إلى أمانة أو رهن فإنه لا يجوز، وهذه يخطئ فيها كثير من طلاب العلم، فيظنون أنها إذا كانت بهذه الطريقة لا يجوز، والصحيح جوازها كما ذكر ذلك الحنابلة رحمهم الله في كشاف القناع، وكذلك في شرح الكبير.
وهناك صورة ليست من الصرف، وإن عدها بعض الإخوة الفضلاء منه، مثلاً: ذهبت إلى أحد الأسواق التجارية، فاشتريت بثمانين ريالاً لبناً وجبناً وبعض الأغراض، فأعطيت صاحب البقالة مائة، ثم قال: والله ليس عندي عشرين ريالاً حتى أرد إليك بقية مالك، بعد غد تعال إلي لأعطيك، هذه الصورة جائزة، وحلال ليس فيها بأس، وليست من الصرف، كما سوف يأتي توضيح ذلك.
الصرف هو: بيع نقد بجنسه، أو نقد بنقد، يعني ذهب بذهب، أو ذهب بفضة، هذا هو الصرف، أما في الصورة السابقة فتم البيع على الأغراض بقيمة ثمانين، وأما العشرين الباقية فليس فيها عقد ألبتة، وليست بيعاً، فالعقد كان على الثمانين، إذاً: العشرين المتبقية ليست داخلة في مسألة مد وعجوة، وهو أن يبيع ربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه، مثلاً: أبيعك هذا الكأس وفيه خمسة ريالات، بستة ريالات، فهذا لا يجوز؛ لأن الخمسة بالخمسة، والريال بالكأس، لكن الكأس أقل أو أكثر، الحرمة هنا لأن كل الثمن دخله المعاوضة، أما هنا فصورة العشرين لم يدخلها المعاوضة، والله تبارك وتعالى أعلم.
ولهذا يشترط فيها التقابض يداً بيد.
الحديث الآخر حديث أبي سعيد الخدري : ( جاء
وأما حديث أبي المنهال قال: (سألت
نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر