الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
قال المؤلف رحمه الله: [ باب اللقطة
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه أنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب أو الورق فقال: اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه. وسأله عن ضالة الإبل، فقال: ما لك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها. وسأله عن الشاة، فقال: خذها فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب )].
قوله: (باب اللقطة). اللقطة: المال الضائع الذي لا يعرف صاحبه.
واللقطة تنقسم إلى أقسام:
القسم الأول: لقطة لا تتبعها همة أوساط الناس، مثل القلم بريال أو نصف ريال، فهذا لا يلزم فيه التعريف، وله أن ينتفع به، ومثل أن يجد خمسة ريالات أو عشرة ريالات في الطريق فله أن يأخذها وله أن يتصدق بها، وإن تصدق بها فهو أفضل، هذا إذا لم يعلم صاحبها، أما إذا علم صاحبها أو عرف صاحبها بعد ذلك، فيجب عليه أن يردها لصاحبها، فلو وجدت في المدرسة أو في الجامعة قلماً بعشرة ريالات لا تتبعه همة أوساط الناس، فأخذت وبدأت أكتب، فرآني صاحبي، فقال: يا أخي! هذا قلمي بحثت عنه منذ يومين، فيجب علي أن أرجعه.
القسم الثاني: لقطة الإبل ومثلها البقرة، فإن لقطة الإبل التي تمنع نفسها من السباع لا يجوز أخذها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( دعها مالك ولها، فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر )، يعني: أنها لا يمكن أن تضيع، فأنت إنما تأخذ لقطة مال صاحبك لأجل أن تردها إليه خوف الضياع، فإذا كانت الإبل لا تضيع، ولا يمكن أن تهلك في الغالب؛ لأن معها حذاءها ومعها عفاصها ترد الماء وتشرب وتأكل الشجر حتى يأتيها صاحبها؛ لأنك لو أخذتها فإن صاحبها لا يعرف أين هي؛ لأنه يعرف أنها ضاعت في الصمان أو ضاعت في التنهات فسوف يبحث عنها، فإذا أخذتها من التنهات أو من الصمان وأدخلتها في البلد كيف يعرفها، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وعلى هذا فإذا أخذها الإنسان فإنه يضمنها، ولو عرفها بعد ذلك، فلو جاء صاحبها بعد ذلك قال: والله! إنها ماتت قلنا: تضمنها، فليس لك حق أن تأخذها من البر.
القسم الثالث: هو الذهب والورق الكثير، وكذلك البهائم التي لا تمنع نفسها من صغار السباع، أو صغار البهائم التي لا تمنع نفسها من السباع: كالشاة والماعز ونحو ذلك، فهذه اللقطة هي المقصودة في باب اللقطة في الغالب، فهذه يأخذها صاحبها إذا وثق من نفسه الأمانة والتعريف، حفاظاً لأموال الناس؛ لأن أموال الناس معصومة، ( والناس سواسية يسعى بذمتهم أدناهم ).
فحينئذ إذا أخذها يجب عليه أن يعرفها سنة، والتعريف لا يلزم أن يعرفها كل أسبوع في المساجد أو كل أسبوعين هكذا مثل ما ذكر الفقهاء؛ لأن التعريف مبني على العرف، فإذا كان التعريف بالإنترنت أو بالصحف أو بالمبوبات الصحفية أو نحو ذلك، فهذا كاف والله أعلم، وإن أعطاها الدولة إذا كانت الدولة ترعى مثل هذا فإنه لا حرج عليه حينئذ وهو أفضل، ثم هو إن أخذها وقد عرفها سنة، أو كان مثلها يهلك قبل سنة، مثل: الطعام أو صغار البهائم إذا كانت مريضة، فإننا نقول: أنت بالخيار، إما أن تبيعها وتحفظ المال، وإما أن تبيعها وتأكل المال، وإما أن تبيعها وتتصدق بالمال عن صاحبها، فإن جاء قلت: تصدقت بها، فإن صدقك فالأجر له، وإلا فإنك تعطيه ويكون الأجر لك، وإما أن تبقيها عندك وتنتفع بلبنها وضرعها, وهذه الزيادة على البهائم, وأما النقود فهي ثلاثة: إما أن تتصرف فيها بالمصلحة العامة أو تنتفع بها أو تأكلها.
والسؤال: هل الأفضل أخذ اللقطة أم تركها؟
ذهب ابن عباس و ابن عمر إلى أن الأفضل تركها، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا وثق الإنسان من نفسه وخشي أن تضيع هذه اللقطة فإن الأفضل أخذها حفاظاً لمال الغير.
القسم الرابع: لقطة الحاج ( فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج )، كما روى مسلم في صحيحه، وعلى هذا فإذا وجد الإنسان محفظة في الحج والعمرة، فإنه لا يجوز أن يأخذها، لكنه إن أخذها ليعطيها صندوق الأمانات فهذا مأجور غير مأزور؛ لأن هذا إنما نهي عنه لأجل أنه يعرف صاحبها، فإذا وضعها في صندوق الأمانات فقد حفظها وهذا هو الأولى والأحرى، والله أعلم.
عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده )، زاد مسلم قال: ابن عمر : ( ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا وعندي وصيتي ) ].
ثم ذكر المؤلف حديث عبد الله بن عمر في حث النبي صلى الله عليه وسلم على الوصية، فقال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ).
الوصية الأصل فيها: أنها على سبيل الاستحباب، فيستحب للإنسان أن يوصي أهله وذريته بتقوى الله سبحانه وتعالى، وأن يحافظوا على الصلاة، وقد تعارف الناس على وصية عثمان رضي الله عنه، وهو أن يقول: أنا فلان ابن فلان أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن النبيين حق، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم حق، وأن الله يبعث من القبور، أوصيت أهلي بتقوى الله في السر والعلن، ثم يوصيهم بالصلاة، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته: ( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم )، وكذلك يوصي بما لا يعلمه إلا هو.
القسم الأول: وصية مستحبة: وهي وصية الأهل والذرية بتقوى الله والمحافظة على الصلاة والتصدق بشيء من المال.
القسم الثاني: وهو أن يكون عليه شيء من المال، أو أن يكون عنده شيء من الحق لا يعلمه إلا هو، مثل أن يقول: أشهد بالله العظيم أن فلاناً استقرض من فلان الميت، ومات الدائن، ولا يعلم هذا إلا أنا، ففلان عليه مائة ألف لفلان، هذا لا يعلمه إلا هو، أو يكون عليه مال أخذه من الغير فأراد أن يكتبه حتى لا يضيع حق الغير، فهنا يجب على الراجح، والله أعلم، أن يبين إذا لم يكن ثمة بينة إلا هذه، ومع هذا فإنه يستحب للإنسان أن يوصي، وأن تكون وصيته مكتوبة خاصة إذا شرع في السفر، أو أراد أن يحج أو يعتمر؛ لأنه مظنة وقوع الحوادث ونحو ذلك، والله تبارك وتعالى أعلم.
أيهما أفضل أن يوصي الإنسان بالثلث أم ماذا؟ الأفضل أن يبقي الإنسان ورثته أغنياء، ويخطئ كثير من الناس رجالاً ونساء فهم لا يتصدقون في حال الحياة حتى إذا أوشك أن يموت أوصى بثلث ماله.
والحقيقة أن بعض الذين يوصون بثلث أموالهم ولم يكونوا يتصدقون في حال الحياة أحياناً يكون منه نوع بخل؛ لأنه يقول: أنا أجمعها للورثة فيوصي بالثلث، ولو كان يجوز له أن يوصي بكلٍ لأوصى، ولهذا سئل الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( أي الصدقة أفضل؟ قال: أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان )، وعلى هذا فأعظم الصدقة أن تتصدق وأنت محتاج إلى الغنى ومحتاج إلى المال، فهذا أعظم الصدقة، ولهذا نقول للناس ذكوراً وإناثاً: الأفضل أن تتصدقوا حال حياتكم؛ لأنكم ما تصدقتم إلا ابتغاء وجه الله، وأما أن توقف بعد الممات فهذا نوع بخل.
وهذه وصية أنا أقولها لكم أيها الإخوة! واذكروها للناس جميعاً: الأفضل للإنسان خاصة الغني ألا يوقف وقفاً لذريته، يكفي ذريته ماله، فيوقف للأمة وللفقراء وللمشاريع الخيرية للناس أجمعين، أكثر الأوقاف الآن الذي أعرفها كثيرة جداً جداً، وأوقفت ولم ينتفع بها بسبب اختلاف الورثة، من ناظر الوقف وغير ذلك، فإذا وضعت في جهات خيرية وجهات لا تتعلق بالشخصنة فإنها سوف تبقى بإذن الله، ولهذا يخطئ كثير من الناس حينما يحرص دائماً على الوقف للورثة، تقول: لماذا؟ يقول: والله! لا أدري أنا لا أريد أن يكون ورثتي فقراء، عندك مال والحمد لله يغنيهم ذلك، وأنت استطعت أن تسير فلماذا تجعل هناك مشكلة وهي مشكلة الوقف؟ الذي أعرف أن مدناً أو قرىً موقوفة كلها لا ينتفع منها، بسبب خلاف الناس، وخلاف الورثة، أو ورثة الورثة.
فلأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس )، ولهذا تجد بعض الناس هداهم الله قبل أن يموت يعرف أنه لا يجوز الثلث أخرج نصف ماله والنصف الباقي أوقف منه الثلث، والعياذ بالله، وكل هذا نوع حسد ولا يجوز، وقد اختلف الفقهاء أيهما أفضل أن يخرج الإنسان من ماله الثلث أم لا؟ فالأفضل والله أعلم هو الخمس؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه أخرج الخمس، ولهذا قال: صلى الله عليه وسلم: ( الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء )، فلهذا كان ينبغي للميت أو للإنسان إذا أوشك أن يموت أن يبقي شيئاً كثيراً من ماله لورثته كي يغتنوا، أما أن يوقف الثلث فهذا لا حاجة له، إلا إذا كان غنياً فاحشاً، بأن يأتي للأولاد ما يغنيهم ويكون كل واحد غنياً، حينئذ لا بأس، أما أن يأخذ ثلثاً من المال، وربما لم يأت الورثة إلا شيئاً من المال الذي لا يستطيعون أن يستثمروه استثماراً كبيراً، فهذا لا ينبغي.
ومن الأخطاء أن بعض أهل الميت إذا مات ميتهم يقولون: ماله مائة ألف أو خمسمائة ألف، يقولون: سوف نتصدق به كله، فهناك بعض الورثة محتاج، وهم غير محتاجين، فيلزمون الورثة أحياناً ويستحي الورثة، ويقولون: أمنا ماتت وما عندها إلا مائتي ألف نريد أن نتصدق به، وبعض الورثة محتاج إلى مائتي ألف فيقول: لا، والله! إني لا أقدر فإذا قال: لا قال: أنت عاصٍ لأمك، فالأصل أنه يتصدق ويوزع كل المال للورثة، فإذا وزع وانتهى فمن أحب أن يتصدق وحده فله ذلك، على هذا فإن الأفضل أن يبقي ورثته أغنياء، إلا إذا كان عنده مال كثير فإنه يوقف الخمس، والله أعلم.
واعلم أن الوقف بعد الممات وصية، وعلى هذا فلا ينبغي له أن يوصي لبعض الورثة دون بعض، أو يوصي للأبناء دون البنات، أو يوصي للأولاد دون الأمهات، والله أعلم.
قال رسول صلى الله عليه وسلم عندما قال له سعد : ( يا رسول الله! لا يرثني إلا ابنة، قال: إن تذر ورثتك أغنياء )، يعني: أن تبقي المال لأجل ورثتك فيكونوا أغنياء ( خير من أن يكونوا عالة يتكففون الناس )، وهذا يفيد أن الغنى للمؤمن أفضل من الفقر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما عند الإمام أحمد من حديث عمرو بن العاص : ( نعم المال الصالح للرجل الصالح )، فالمال الصالح للرجل الصالح يتصدق ويعطي إخوانه، وكان الليث بن سعد يعطي مالك بن أنس كل سنة مائة ألف، ويعطي أصحابه وخلانه، فكان نعم العالم ونعم الصديق، وكان عبد الله بن المبارك كذلك، وهذا من نعم الله على عبده أن يوفقه الله للغنى والصدقة والبذل والعطاء، فإن الكرم لا يستطيعه كل أحد، كما أن الشجاعة لا يستطيعها كل أحد، فإن فيها من غلبة الهوى ما فيها.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: سعد أخلف بعد أصحابي؛ لأن سعداً كان في مكة، وكان الصحابة لا يحبون أن يموتوا في مكة؛ لأنهم هجروها وهاجروا عنها، فأحبوا أن يموتوا بالمدينة؛ لأنهم تركوا ذلك لله، فقال: ( يا رسول الله! أخلف بعد أصحابي؟ -يعني: أموت أنا في مكة وأصحابي يذهبون المدينة- قال: إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت رفعة ودرجة ) كأنه يطلب من الرسول أن يدعو له ببقاء العمر.
ثم قال: ( لكن البائس
وهذا دليل من قال: بأن الأفضل الربع؛ لقول ابن عباس ، وإن الأفضل والله أعلم هو أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على أن يبقى الورثة أغنياء، وأن أبا بكر أوصى بالخمس، فدل على أن الأفضل الخمس، والله أعلم.
ثم اعلم أنه ليس من الأفضل أن يتصدق الإنسان بكل ماله، فإنه إن تصدق بكل ماله بعد مماته فإنه لا ينفذ إلا الثلث، كما جاء في الصحيحين ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن رجلاً من الصحابة قد تصدق بستة أعبد )، يعني: عنده ستة من الأرقاء ليس يملك غيرهم، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم عاتبه عتاباً شديداً وتكلم عليه، ثم دعا بالأعبد فأقرع بينهم، فوقعت القرعة على اثنين فأعتقهم، وأبقى البقية للورثة؛ لأنهم يملكون، والله أعلم.
ومعنى قوله: ( ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون )، يعني: أن الإنسان أحياناً يكون خيراً لإخوانه شراً على أعدائه، وهذا دعاء لـسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينفع بك أقوام من إخوانك والمسلمين، ويضر بك آخرون من الأعداء الذين هم اليهود والنصارى، والله أعلم.
عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر )، وفي رواية: ( اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر )].
الفرائض هو أول علم ينسى كما ذكر ذلك أهل العلم، وجاء في ذلك حديث عند ابن ماجه ولا يصح، وإنما ينسى بسبب أن الناس ربما ينسون ما الذي يجب للأم أو للأب أو للأخ أو للأخت أو للبنت أو للابن.
وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بقسمة الفرائض، ولم يجعلها لاجتهادات الفقهاء إلا ثمة بعض المسائل مثل: مسألة ميراث الإخوة مع الجد هل يرثون أم يسقطون؟ وإن كان الأظهر والله أعلم أنهم يسقطون، وبعض المسائل التي تكلم فيها العلماء مثل: مسألة العمريتين، ومسألة الحمارية، والمشركة وغير ذلك.
والمؤلف رحمه الله لم يذكر هذه الأحاديث لأجل أنها ليست على شرط البخاري و مسلم أو ليست متفقاً عليها.
والفرائض علمها يسير، وإن كانت تنسى، فلو حفظ الإنسان متن الرحبية لأجل أن يعرف أصحاب الفروض، فإنه بإذن الله يسهل عليه، أما مسألة المناسخات أو مسألة الغرقى وغيره، فهذه من باب ترف العلم عند الفقهاء، وإلا فإنه لا يلزم وجود المناسخات؛ لأنني حينما أقول: هالك عن أم وأب وخمسة أبناء، أفترض أني ما قسمت المال ثم مات واحد منهم، ثم مات الذي بعده، ثم جاءت المسألة ابتداءً، بدل كل هذه المناسخات أقسمها على أنها مسألة واحدة، فإذا مات الميت أعطيت هذا وهذا وهذا، والذي يبقى لهذا أجعله مسألة أخرى، والثالث أجعله مسألة أخرى، وبالتالي فمسألة المناسخات من باب ترف هذا الفن، وإن كان لا يلزم، والحمد لله الآن وجدت برامج مجرد أن تضع أصول التركة وأموالهم فإنها تقسم بينهم بالسوية، هذه برامج موجودة معروفة.
لكني أقول: يجب على طالب العلم أن يعرف أصحاب الفروض، ويعرف أهل التعصيب سواء التعصيب بالنفس أم التعصيب بالغير، والمعروف عند العلماء أن أصحاب الفروض هم: الأم، والأب، والبنت، وبنت الابن، والزوج، والزوجة، والأخوات الأشقاء، والأخوات لأب، والجد، والجدة، والإخوة لأم، هؤلاء هم أصحاب الفروض، والله أعلم.
وإن كان بعضهم يدخل تعصيباً مثل الأخت الشقيقة ترث تعصيباً، وتكملة إذا كانت مع البنت، والله أعلم.
الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث عبد الله بن عباس : ( ألحقوا الفرائض بأهلها)، يعني: أن أصحاب الفروض يأخذون، بل يجب على أصحاب الفروض أن يأخذوا، فإن قسمت المسألة عليهم وبقي مال فهو لأولى رجل ذكر، وهذا الذي يسمى عند العلماء: العصبة، فالابن وابن الابن قبل الأب، ثم الأب، ثم الإخوة الأشقاء، ثم الإخوة لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق، ثم ابن العم لأب، وهكذا فما بقي فهو لأولى رجل ذكر، وهذه -كما قلت- مسألة التعصيب.
ثم ذكر المؤلف رواية أخرى: ( اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر ).
وهذا الحديث استدل به بعض أهل العلم على أن المسألة هل يمكن أن يكون فيها عول أم لا؟ والعول هو أن تكون الفرائض أكثر من أصل المسألة، أما إذا كانت المسألة أكثر من الفرائض فيسمى الرد، والله أعلم.
ولها تفصيلات ليس هذا موطنها، والله أعلم.
فقال إسحاق : يا أبا عبد الله ! أتراني أترك حديث سفيان لحديث غيره، قال: يا هذا اجلس فإنك إن لم تسمعه بسند عال عن سفيان فقد سمعته بسند نازل عن غيره، يعني: لا يوجد فرق وأنت تعرف، قال: فلما جلس إسحاق إلى الشافعي وإذا الشافعي يحدث بهذا الحديث، فلما قال الشافعي : ويؤخذ من هذا أن رباع مكة تملك، قال: إسحاق بن راهويه وكان من ضمن الحضور قال: ما هكذا يقوله سفيان الذي هو شيخي، فالتفت الشافعي إليه فقال: من أنت؟ قال: إسحاق بن إبراهيم ، فلم يقل الشافعي : من الأخ؛ لأن بعض طلاب العلم أحياناً يستنقصون بعض طلاب العلم الصغار ولا يليق، فأعطي الناس قدرهم وحقهم، فقال: من أنت؟ قال: إسحاق بن إبراهيم قال: أنت إمام أهل خراسان، فـالشافعي سمع عن إسحاق ولم يره، فاستحيا إسحاق فطأطأ رأسه، وقال: هم يقولون ذلك، فقال الشافعي وكان أكبر من إسحاق : وددت أني بجانبك فأقرص أذنك، أقول لك: قال رسول الله، وتقول: قال سفيان فرجع إسحاق بعد ذلك إلى قول الشافعي ، انتهت المناظرة؛ لأن كل واحد منهم ينشد الحق، وينشد العلم، وينشد الدليل الشرعي، أما نحن اليوم فبمجرد أنك تريد أن تستدل على شخص فإذا به ينتظر متى تنتهي حتى يرد عليك، ما ظهر ولا تأمل ما قلت، حتى يعتمد الدليل الأظهر والأقوى.
أجمع العلماء على أن الكافر لا يرث المسلم، أما أن يرث المسلم من الكافر فهي محل خلاف عند أهل العلم، وبعضهم يشكك في صحة هذا السند، أو يرى أنه منسوخ، والذي يظهر لي والله تبارك وتعالى أعلم: أن المسلم إذا ارتد وكان له مال فإن ماله لورثته، فإنهم أقرب من بيت المال، ولا يكون فيئاً، والله أعلم.
وأما الكافر فلا يرث المسلم إذا كان حربياً، وأما غير الحربي فالأقرب أنه يرثه، وعلى هذا فإننا نقول للمسلمين الذين يعيشون في بلاد الغرب: إذا كان آباؤهم كفاراً فإن الأقرب أنهم يرثون منهم، وهذا قول أبي حنيفة وقول بعض أهل الحديث، وهو قول بعض التابعين كما ذكر ذلك ابن أبي شيبة في المصنف، والله أعلم.
هذا الحديث ذكره المؤلف في باب الفرائض؛ ليبين أن المعتق إذا خلف مالاً وليس له ورثة أن أولى الناس به هو معتقه، فذكر حديث ابن عمر وبين أنه لا يجوز لمن له ولاء على معتقه أن يبيعه أو أن يهبه، فيقول: ولائي الذي لفلان هو لك يا فلان! هبة، أو يقول: اشتر مني هذا الولاء فهذا كله منهي عنه؛ ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته ).
الحديث الثاني وهو حديث عائشة ، فقد ذكرت عائشة أن بريرة وكانت أمة ثم عتقت كان فيها ثلاث سنن يعني: ثلاث مسائل:
وهذا يدل على أن الإنسان ربما يقع في بلاء العشق، وبلاء العشق باب طويل جداً، وكثرت الأسئلة والاتصالات في مثل هذا بين الشباب أو بين الفتيات، أو بين الجنسين، وهذا معروف عند العلماء رحمهم الله أن من أعظم الأمراض القلبية التي يقع فيها الإنسان هو العشق، سواء العشق بين الجنسين، أم بين متناصرين، ولكن ينبغي للإنسان أن يهجر محبوبه هذا حتى لا يسمع صوته ولا يراه ويكثر من الصدقة والتصدق والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى، عله أن يترك هذا، والله أعلم.
وبعض الأزواج تعاملهم مع زوجاتهم بعيد كل البعد عما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي )، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لنا: يا أصحاب التربية! ويا أصحاب الدورات! ويا أصحاب البرامج! كل كلامكم شيء وفعلكم شيء، فالناس يجيدون الكلام لكنهم لا يجيدون التطبيق والفعل، فأما محمد صلى الله عليه وسلم فهو يقول: ( وأنا خيركم لأهلي )، انظر إلى الأدب، فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم عندما لم يعطوه من الطعام: ليس لي قدر عندكم أنا وأنا، لم يقل هذا بأبي هو وأمي، بل قال: ( ألم أر البرمة على النار فيها لحم )، فأراد أن يستفسر، قالت عائشة : ( بلى يا رسول الله! ذاك لحم تصدق به على
ولهذا لم تسمع أي امرأة من رسول الله كلمة قبيحة، بل إنه في قضية الإفك ماذا كان يقول: ( كيف تيكم؟ )، يعني: لا يحب أن يقول: كيف عائشة فلا يذكر اسمها من باب الحزن الذي في قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فبعض النساء تقول: أتمنى أن الرجل يقول لي: كيف تيكم، عائشة استغربت من هذا القول: كيف تيكم؟ فكأنها تريد أن يقول: كيف حال عائشة ، فلم يهجر صلى الله عليه وسلم إلا اسمها، وكان يسأل عنها بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
وهذا يدل على أن كما قلنا: الكسب إذا كان محرماً لعينه أو بكسبه، فإذا كان حراماً عليك بالكسب يجوز لغيرك، وإذا تغير المال من حال إلى حال لا بأس به.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر