ثمة فرق بين شروط البيع، والشروط في البيع.
أما شروط البيع: فهي الشروط التي أوجدها الشارع ولا يمكن تصحيح العقد إلا بوجودها.
وأما الشروط في البيع: فهي الشروط التي يجوز تصحيح العقد مع عدمها، وهي الشروط التي يجعلها أحد المتعاقدين في العقد.
قال المؤلف: (فمن أعظم الشروط الرضا؛ لقوله تعالى:
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ 
[النساء:29] )، وقوله صلى الله عليه وسلم كما عند
ابن ماجه: (
إنما البيع عن تراض )، فلا يجوز البيع بالإكراه.
فلو كان عندك أرض فجاء شخص له سلطة فأكرهك على البيع، فإن هذا البيع يكون عن غير رضا فيكون بيعاً غير صحيح، والبيع عن إكراه إن كان عن غير حق فإنه لا يصح العقد كما هو مذهب الشافعية والحنابلة.
وإن كان بحق مثل أن يكره الحاكم المدين المفلس ببيع ماله ليسدد ديون الغرماء، فإن أبى باع الحاكم ماله من غير رضاه؛ لأن هذا إكراه بحق، فإذا كان إكراهاً بحق جاز، وإن كان إكراهاً بغير حق لم يجز.
قول المؤلف: (وألا يكون)، يعني هذا الشرط الثاني: (فيها غرر وجهالة)، هذا الشرط يذكره بعض الفقهاء بقوله: وأن يكون مقدوراً على تسليمه، وسبب القدرة على التسليم إما أن تكون حساً أو شرعاً، فحساً مثل الجمل الشارد، لا يمكن تسليمه الآن؛ فلأجل هذا نهي عن بيعه لعدم القدرة على التسليم؛ لأنه غرر، والمؤلف لم يذكر هذا.
وقال: (وألا يكون فيه غرر)، فالغرر يكون في المعقود عليه ويكون في العقد نفسه، يعني المعقود عليه الذي هو المحل، فلو بعت عليك جملي الشارد هذا غرر في المعقود عليه، فهنا لا يصح؛ لأنه غرر، وقد ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر ).
وأحياناً يكون الغرر في العقد نفسه، كما ذكر المؤلف قال: (وأن يقول: بعتك إحدى السلعتين)، وهذا غرر، فبعض العلماء يقول: إن قوله: أبيعك إحدى السلعتين يعتبر غرراً في المعقود عليه، وبعضهم يقول: غرر في العقد، ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن الغرر يكون في العقد ويكون في المعقود عليه.
ومن أجلى صور الغرر في العقد هو البيع المعلَّق، كأن أقول: أبيعك سيارتي إن رضي زيد، وزيد يمكن أن يرضى ويمكن ألا يرضى، فلم يعلم حال هذه السلعة فصار البيع غرراً عند الأئمة الأربعة، فيكون هذا غرراً في العقد؛ لأن المعقود عليه معلوم وهي السيارة.
إذاً من شروط البيع ألا يكون فيه غرر، والغرر يكون في المعقود عليه ويكون في العقد نفسه كما في البيع المعلق.
المؤلف قال: (فيدخل فيه)، يعني يدخل في هذا الباب (بيع الآبق والشارد)، فلو أن شخصاً عنده رقيق ثم هرب الرقيق، فجاء شخص يقول: أنا أريد أن أشتريه منك، ومن المعلوم أن الرقيق الشارد أو الهارب قيمته ليست مثل قيمته وهو موجود، والجمل الشارد قيمته وهو حاضر ليس مثل قيمته وهو شارد، فيبيعه مالكه بأقل من قيمته فيدخل المشتري بقاعدة الغرر، وهو بين الغرم المتحقق، وبين الغنم المتوقع -غرم يعني خسارة، وغنم ربح- فيمكن أن يحصل على هذا الجمل الشارد فيربح؛ لأنه اشتراه بأقل فيبيعه بأكثر، فلو كان الجمل الشارد قيمته مليون ريال مثل مزاين الإبل لكنه هرب فيبيعه بمائة ألف، يمكن أن يحصل عليه فيربح تسعمائة ألف ريال، ويمكن ألا يجده فيخسر مائه ألف، وهذا هو الغرر.
ولأجل هذا منعه الشافعية والحنابلة، ولو قيل: بأنه إن وجده تم العقد وإلا فيجوز له الخيار كما هو مذهب المالكية، ولكن الأقرب هو مذهب الحنابلة والشافعية إلا في المغصوب؛ لأنه يعلم عينه ولكنه لا يمكن حصوله فجاز أن يكون العقد على إجازة المالك فيكون عقداً موقوفاً، أما الجمل الشارد وغيره فلا، والله أعلم.
ويدخل في بيع الغرر أن يقول: بعتك إحدى السلعتين، فيتفرقان وهما لا يعلمان أي السلعتين قد تم العقد عليها، وفي هذا غرر واضح؛ لأنه ربما تهلك إحدى السلعتين فيقول البائع: إنما بعتك السلعة التي هلكت ويقول المشتري: إنما اشتريت السلعة التي بقيت.
قال المؤلف رحمه الله: [أو بمقدار ما تبلغ الحصاة من الأرض ونحوه، أو ما تحمل أمته، أو شجرته، أو ما في بطن الحامل، وسواء كان الغرر في الثمن أو المثمن].
قوله: (أو بمقدار ما تبلغ الحصاة من الأرض ونحوه) هذا يسميه العلماء: بيع الحصاة.
وبيع الحصاة له صور: ومن صوره أن يقول: بعتك هذه الأرض فما وصلت إليه الحصاة فهو الذي بعتك به.
أو يقول: خذ هذه الحصاة فاقذف بها على هذه الثياب، فما وقعت عليه الحصاة من الثياب فقد بعتك بعشرة ريالات، وقد نهي عن ذلك للغرر؛ لأنه إذا قذف الحصاة فربما وقعت على ثوب يقدر بمائة، وربما وقعت على ثوب يقدر بثلاثة ريالات أو بعشرة، فدخل العاقد في قاعدة الغرر، وهي الغرم المتحقق والغنم المتوقع.
يقول المؤلف: (أو ما تحمل أمته)، هذا في الرقيق، فإن من كانت أمته رقيقة فإذا زوجها سيدها رقيقاً فأولاد الأمة ملك لسيدها فلا يجوز أن يبيع ما في بطنها.
ومثل ذلك: لو قال: ما في بطن هذه الشاة، وهذا يحصل فبعض الناس عنده مثلاً فرس وهي أصيله، فيقول: أبيعك ما في بطن هذه الفرس وهذا لا يجوز؛ ( لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين )، والحديث في سنده ضعف، لكن أجمع أهل العلم على أن بيع ما في بطن الشاة محرم، وقد روي من حديث أبي سعيد، والصواب وقفه على أبي سعيد ، والله أعلم.
قوله: (أو شجرته)، وهذه مشكلة عند أصحاب التمور، فإن بعض أصحاب التمور إذا جاء الموسم أو قبل الموسم بزمن يذهبون إلى أهل الحوائط -أهل المزارع- فيجدون صاحب المزرعة قد اعتنى بهذا الشجر، ولم يخرج الثمر بعد، فيأتي فيقول أبيعك ثمرة هذا النخل أو الشجر، وهذا محرم؛ لأنه بيع غرر، والله أعلم.
يقول المؤلف: (وسواء كان الغرر في الثمن أو المثمن)، وهذا الكلام يشمل شرطين:
الشرط الأول: معرفة الثمن، فلو جهل الثمن صار غرراً.
الشرط الثاني: معرفة المثمن، وهو المعقود عليه كالجمل الشارد، فلو جهل المثمن صار غرراً، والله أعلم.
ومن أمثلة جهالة الثمن عند الجمهور: أبيعك بما ينقطع به السعر، يعني مثل شخص يقول: أنا أريد أن أشتري سيارتك الكامري، قال: والله لازم أحرج عليها، قال: نعم حرج عليها وأنا أشتريها بما ينقطع به السعر، فيحرج عليها فبلغت ثلاثين ألفاً، وأربعين ألفاً، وخمسين ألفاً، وستين ألفاً، ووقف على ستين ثم يقول الآخر: أنا أشتريها بستين أو بواحد وستين على فرق السعر، هنا قال الجمهور: لا يجوز؛ لأن العقد قد تم قبل المزايدة، ولا يعلم المشتري على أي الثمن قد تم البيع، فيمكن أن يزاد في السلعة وهو إنما توقع إنما تكون بأربعين ألفاً فبولغ فيها حتى صارت بستين ألفاً، وهذا غرر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأن يكون العاقد مالكاً للشيء، أو له عليه ولاية، وهو بالغ عاقل رشيد].
ذكر المؤلف: الشرط الثالث وهذا شرط في العاقد، فقال: (أن يكون العاقد مالكاً للشيء، أو مأذون له فيه)، وهذا أمر مجمع عليه في الجملة كما ذكر ذلك ابن المنذر ؛ لما جاء عند أهل السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما لا يملك )، فإذا باع الإنسان ما لا يملكه صار بيعاً باطلاً.
ولا بد أن يكون مالكاً للشيء أو مأذوناً له فيه بوكالة، والوكالة لا يلزم أن تكون وكالة صادرة من كتابة العدل بل لو وكله بورقة أو قال: اشهدوا بأني وكلت عبد العزيز كان كافياً في البيع.
واعلم أن هذا الشرط تفرع عنه بيع الفضولي أو التصرف الفضولي، وهو أن يبيع الإنسان ما لا يملكه، فإن الحنابلة والشافعية لم يصححوا ذلك، وأما المالكية والحنفية فصححوا التصرف الفضولي بعد إجازة مالكه.
فإذا أردت أن أبيع سيارتي فسمع الشيخ عيسى أني أريد أن أبيع السيارة، فحضر مجلساً فقال أحدهم: أتمنى أن أحصل على سيارة موديل كذا وكذا، فإذا هي نفس الموصفات التي أملكها، فقال الشيخ عيسى: أبيعك السيارة بمائتي ألف، قال: قد قبلت، قال: الموعد غداً إن شاء الله، وأخذ الشيخ عيسى عربوناً، الآن عيسى تصرف بما لا يملكه، إذاً البيع على مذهب الحنابلة والشافعية باطل ابتداء، وعلى مذهب مالك يكون موقوفاً على إجازة المالك الذي هو عبد الله، فإن أجاز عبد الله صح البيع، وإن لم يجز عبد الله لم يصح البيع.
فهنا المشتري يظن أن الملك ملك عيسى، قال العلماء: البيع معلق برضا عبد الله فلا حق للمشتري في الفسخ، فإذا كان المشتري ما علم حتى رضي عبد الله فقد تم البيع، لكن المشتري لو علم أن عيسى باع ما لا يملك وقال: أنا لا أريد البيع، فإن عبد الله لو أجاز فإن البيع باطل؛ لأن المشتري قد تراجع عن البيع؛ وهذا هو الراجح.
والمؤلف يقول: (وهو بالغ رشيد)، عندي النسخة (بالغ رشيد)، وهذا شرط آخر من شروط البيع، يقول العلماء: من شروط العاقد أن يكون جائز التصرف، وهو المكلف الرشيد، وبعضهم يذكر شرط الحرية.
وعلى هذا فلا يصح بيع الصبي، ولا المجنون، والصبي ينقسم إلى قسمين: صبي مميز، وصبي غير مميز.
فأما الصبي غير المميز والمجنون فالمذهب وجمهور أهل العلم لا يصح بيعه ولا شراؤه، والذي يظهر والله أعلم أنه لا يصح بيعه ولا شراؤه إلا بإذن وليه، إلا إذا كان من الأشياء اليسيرة، فمثلاً: بعض الأسر يكون عندهم شخص مختل عقلياً، لكنه إذا أصبح الصباح يذهب يشتري لهم خبزاً أو بعض الأغراض، فيكون معه مائة ريال ومعه ورقة بها الأغراض فيذهب إلى صاحب البقالة ويشتري، فهذا نوع من الإذن ولو بأشياء كثيرة ولا بأس به إن شاء الله، لكن إذا كان يأكل هذا الشيء في البقالة ويفسد ما اشترى فهنا لا يجوز للبائع أن يبيعه، وأما إذا كان في الأشياء اليسيرة مثل أن يشتري ببسي أو بعض المشروبات فهذا جائز، والغريب أن هذا إذا كان مجنوناً لا يصح عند الشافعية ورواية عند الحنابلة مطلقاً، فإن أكثر الصبيان الذين في البقالة الذين أعمارهم سنتين أو ثلاث كل هذا على مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة لا يصح، والأقرب هو صحة البيع إذا كان مما يتسامح بمثله.
والله أعلم.