إسلام ويب

كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [5]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعتبر الرهن وثيقة يضمن بها الرجل حقه، وهو جائز بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، ويكون الرهن بكل ما يجوز بيعه، ويبقى عند المرتهن إلى أن يوفي الراهن ما عليه، فإن عجز عن الوفاء فإنه يباع الرهن ويسدد الدين. ويعتبر الضمان والكفالة من الأمور التي فيها مصلحة للناس، فيجوز للإنسان أن يضمن بما ثبت في ذمة الغير، أو أن يتكفل بإحضار الخصم، فإن لم يوف الضامن ولا الكفيل فإنهما ضامنان.
    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    الملقي: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب السلم: يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة إذا ضبطه بجميع صفاته التي يختلف بها الثمن، وذكر أجله وأعطاه الثمن قبل التفرق، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم )، متفق عليه ].

    تعريف السلم

    الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر عقد السلم، وذكر شروطه التي يرى وجوب توفرها.

    واعلم أن عقد السلم: هو عقد على موصوف في الذمة، مؤجل بثمن، مقبوض في مجلس العقد، يعني: أن يشتري شخص موصوفاً في الذمة، مثل: بر مواصفاته كذا، أو أرز مواصفاته كذا، ووزنه كذا، وصفته كذا، بثمن مقبوض في مجلس العقد، بثمن معين كمائة ألف مثلاً، ولا بد أن يكون مقبوضاً في مجلس العقد؛ لأنه إذا لم يكن مقبوضاً في مجلس العقد فقد تأجل بدلان، وإذا تأجل بدلان صار بيع دين بدين.

    ودليل عقد السلم قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، قال ابن عباس : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أباحه الله في كتابه وأذن فيه، ثم قرأ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، وأجل معلوم، ووزن معلوم )، متفق عليه.

    والسلم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع العلماء رحمهم الله.

    شروط السلم

    أما شروط السلم فهي كما يلي:

    الشرط الأول: قال المؤلف: (إذا ضبط بجميع صفاته) إذاً: الشرط الأول: إمكان ضبط صفاته، وهو قوله: (في كل ما ينضبط بالصفة) فإذا لم يمكن ضبط صفاته مثل: الجوهر، والعقار، وبعض الفقهاء يقول: والنخل، فلا يمكن ضبط صفاته، فالنخلة السكرية ليست نخلاً سكرياً واحداً، ولكن يختلف، فلا يمكن بيعه بالآجال وبالصفة، فكل ما لا ينضبط لا يجوز بيعه بالسلم، فالعقار يختلف، فمثلاً حي الوادي الذي نحن فيه تجد أرضاً بجانب أرض، فتكون هذه أرض عزاز، وهذه أرض رمل أو دفان، فلا يمكن بيع السلم فيها.

    الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف فيه الثمن غالباً، فلا يجوز أن يبيعه بوصف قليل يختلف فيه الثمن، فالنوع لا بد من ذكره، فإذا قلت: أبيعك تمراً ذكرت الجنس لكن لم أذكر النوع، فلا يكفي، فلو قلت: أبيعك سكرياً مواصفته كذا، فلا يلزم أن يقول: تمراً سكرياً، إذ أنني إذا قلت النوع فقد علم الجنس.

    إذاً: لا بد أن أذكره بوصف يختلف فيه الثمن غالباً، فإذا قلت مثلاً: لونه أبيض، لكن ليس بياضه كذا فأصف البياض بدقة، فهذا لا يختلف فيه الثمن غالباً، فهذا لا بأس بترك مواصفاته.

    الشرط الثالث: أن يقبض الثمن في مجلس العقد، فلا يجوز أن يتفرقا ولم يقبض المشتري الذي هو المسلم رأس المال في مجلس العقد؛ لأنه إذا لم يقبض صار الثمن مؤجلاً موصوفاً في الذمة، وصار المعقود عليه موصوفاً في الذمة مؤجلاً، فصار تأجيل بدلين، وهذا محرم عند الأئمة الأربعة على اختلاف فيما بينهم في جواز التأجيل إلى شهر عند الشافعية وثلاثة أيام عند مالك بشرط عدم اشتراط التأجيل، لكن نحن لا ندخل فيه.

    الشرط الرابع: أن يكون السلم في الذمة، فلا يصح السلم في شيء معين، فلا يجوز أن أقول لك: أبيعك تمري في هذه المزرعة على أن تعطيني خمسين ألفاً، إذا خرج هذا التمر أعطيك إياه؛ لأنه على معين، فيمكن ألا ينبت الثمر هنا فيبطل العقد، والأصل أن الموصوف في الذمة له مواصفات، إذا لم يوجد عند فلان فقد وجد عند غيره، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدارقطني وإن كان في سنده بعض الضعف: (أما في حائط بني فلان فلا)، فلا تقول لي: أبيعك التمر من مزرعة فلان، لأنه جائز أن تصيب الهلكة في مزرعة فلان فيبطل البيع، فلا بد أن يكون في الذمة لا في شيء معين.

    الشرط الخامس: قال المؤلف: (وذكر أجله)، أي لا بد فيه من الأجل، ولا يجوز أن يبيع سلماً بلا أجل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلى أجل معلوم )، ويجوز أن يقول: إلى العطاء، إلى الشتاء، إلى الحصاد، فهذا يمكن أن يئول إلى العلم، واختلاف بعض الأيام لا يضر كما هو مذهب مالك رحمه الله، واختيار أبي العباس ابن تيمية ، ورواية عند الإمام أحمد .

    الشرط السادس لم يذكره المؤلف: وهو أن يكون المسلم فيه عام الوجود وقت التسليم، بمعنى: أنه لو قال له: أبيعك عنباً مواصفاته كذا، لونه كذا، في الشتاء فلا يصح، إلا إذا قال: مبرد أو من الثلاجة، فهذا شيء آخر، لكن إذا لم يكن فيه وسائل حفظ فإن العنب لا ينبت في الشتاء، فلا بد أن يكون عام الوجود لأجل أن يسلمه فيه.

    إذا ثبت هذا فإن المؤلف قد ذكر الشرط، فقال: [وأعطاه الثمن قبل التفرق].

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال صلى الله عليه وسلم: ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )، رواه البخاري ].

    المؤلف ذكر هذا الحديث في باب السلم، وأكثر الفقهاء يذكره في باب القرض، والجامع بينهما أن كل واحد منهما ثابت في ذمة المدين، سواء كان عن ثمن مبيع أو قرض، فلا يجوز لمسلم أن يأخذ أموال الناس وفي نيته ألا يردها، أو يقول: أنا آخذها وإن شاء الله يأتيني مال، فإذا لم يكن عنده مال يستطيع أن يوفيه إياه فلا يجوز أن يأخذها، وهذا كثير مع الأسف الشديد، تجد بعض الناس يذهب عليه دين وليس عنده راتب ولا عنده شيء، فيقول لفلان: جزاك الله خيراً أريد خمسة آلاف، ويأخذها ويعطيها الثاني، ثم إذا جاء الثاني يذهب يقترض من فلان وهو لا يريد تسديدها، فهنا لا يجوز إلا أن يبين واقعه وحاله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه)، وهذا واقع، تجد أن الرجل الذي يحتاط لأمره، ويفتش عن حاله، ويخاف من أموال الناس، يعينه ربي لتسديد دينه، ومن لا يبالي فإن الله لا يعينه، وهذا واقع ملموس ومشاهد محسوس.

    يقول الحافظ ابن حجر : أدى الله عنه، بمعنى: أن ييسر الله له تسديد دينه في الدنيا، وأما في الآخرة فبأن يرضي الدائن بحسنات بسبب نية صاحبه، وهذا هو الظاهر والله أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088554749

    عدد مرات الحفظ

    777297387