الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الملقي: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب السلم: يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة إذا ضبطه بجميع صفاته التي يختلف بها الثمن، وذكر أجله وأعطاه الثمن قبل التفرق، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم )، متفق عليه ].
واعلم أن عقد السلم: هو عقد على موصوف في الذمة، مؤجل بثمن، مقبوض في مجلس العقد، يعني: أن يشتري شخص موصوفاً في الذمة، مثل: بر مواصفاته كذا، أو أرز مواصفاته كذا، ووزنه كذا، وصفته كذا، بثمن مقبوض في مجلس العقد، بثمن معين كمائة ألف مثلاً، ولا بد أن يكون مقبوضاً في مجلس العقد؛ لأنه إذا لم يكن مقبوضاً في مجلس العقد فقد تأجل بدلان، وإذا تأجل بدلان صار بيع دين بدين.
ودليل عقد السلم قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، قال ابن عباس : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أباحه الله في كتابه وأذن فيه، ثم قرأ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، وأجل معلوم، ووزن معلوم )، متفق عليه.
والسلم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع العلماء رحمهم الله.
الشرط الأول: قال المؤلف: (إذا ضبط بجميع صفاته) إذاً: الشرط الأول: إمكان ضبط صفاته، وهو قوله: (في كل ما ينضبط بالصفة) فإذا لم يمكن ضبط صفاته مثل: الجوهر، والعقار، وبعض الفقهاء يقول: والنخل، فلا يمكن ضبط صفاته، فالنخلة السكرية ليست نخلاً سكرياً واحداً، ولكن يختلف، فلا يمكن بيعه بالآجال وبالصفة، فكل ما لا ينضبط لا يجوز بيعه بالسلم، فالعقار يختلف، فمثلاً حي الوادي الذي نحن فيه تجد أرضاً بجانب أرض، فتكون هذه أرض عزاز، وهذه أرض رمل أو دفان، فلا يمكن بيع السلم فيها.
الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف فيه الثمن غالباً، فلا يجوز أن يبيعه بوصف قليل يختلف فيه الثمن، فالنوع لا بد من ذكره، فإذا قلت: أبيعك تمراً ذكرت الجنس لكن لم أذكر النوع، فلا يكفي، فلو قلت: أبيعك سكرياً مواصفته كذا، فلا يلزم أن يقول: تمراً سكرياً، إذ أنني إذا قلت النوع فقد علم الجنس.
إذاً: لا بد أن أذكره بوصف يختلف فيه الثمن غالباً، فإذا قلت مثلاً: لونه أبيض، لكن ليس بياضه كذا فأصف البياض بدقة، فهذا لا يختلف فيه الثمن غالباً، فهذا لا بأس بترك مواصفاته.
الشرط الثالث: أن يقبض الثمن في مجلس العقد، فلا يجوز أن يتفرقا ولم يقبض المشتري الذي هو المسلم رأس المال في مجلس العقد؛ لأنه إذا لم يقبض صار الثمن مؤجلاً موصوفاً في الذمة، وصار المعقود عليه موصوفاً في الذمة مؤجلاً، فصار تأجيل بدلين، وهذا محرم عند الأئمة الأربعة على اختلاف فيما بينهم في جواز التأجيل إلى شهر عند الشافعية وثلاثة أيام عند مالك بشرط عدم اشتراط التأجيل، لكن نحن لا ندخل فيه.
الشرط الرابع: أن يكون السلم في الذمة، فلا يصح السلم في شيء معين، فلا يجوز أن أقول لك: أبيعك تمري في هذه المزرعة على أن تعطيني خمسين ألفاً، إذا خرج هذا التمر أعطيك إياه؛ لأنه على معين، فيمكن ألا ينبت الثمر هنا فيبطل العقد، والأصل أن الموصوف في الذمة له مواصفات، إذا لم يوجد عند فلان فقد وجد عند غيره، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدارقطني وإن كان في سنده بعض الضعف: (أما في حائط بني فلان فلا)، فلا تقول لي: أبيعك التمر من مزرعة فلان، لأنه جائز أن تصيب الهلكة في مزرعة فلان فيبطل البيع، فلا بد أن يكون في الذمة لا في شيء معين.
الشرط الخامس: قال المؤلف: (وذكر أجله)، أي لا بد فيه من الأجل، ولا يجوز أن يبيع سلماً بلا أجل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلى أجل معلوم )، ويجوز أن يقول: إلى العطاء، إلى الشتاء، إلى الحصاد، فهذا يمكن أن يئول إلى العلم، واختلاف بعض الأيام لا يضر كما هو مذهب مالك رحمه الله، واختيار أبي العباس ابن تيمية ، ورواية عند الإمام أحمد .
الشرط السادس لم يذكره المؤلف: وهو أن يكون المسلم فيه عام الوجود وقت التسليم، بمعنى: أنه لو قال له: أبيعك عنباً مواصفاته كذا، لونه كذا، في الشتاء فلا يصح، إلا إذا قال: مبرد أو من الثلاجة، فهذا شيء آخر، لكن إذا لم يكن فيه وسائل حفظ فإن العنب لا ينبت في الشتاء، فلا بد أن يكون عام الوجود لأجل أن يسلمه فيه.
إذا ثبت هذا فإن المؤلف قد ذكر الشرط، فقال: [وأعطاه الثمن قبل التفرق].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال صلى الله عليه وسلم: ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )، رواه البخاري ].
المؤلف ذكر هذا الحديث في باب السلم، وأكثر الفقهاء يذكره في باب القرض، والجامع بينهما أن كل واحد منهما ثابت في ذمة المدين، سواء كان عن ثمن مبيع أو قرض، فلا يجوز لمسلم أن يأخذ أموال الناس وفي نيته ألا يردها، أو يقول: أنا آخذها وإن شاء الله يأتيني مال، فإذا لم يكن عنده مال يستطيع أن يوفيه إياه فلا يجوز أن يأخذها، وهذا كثير مع الأسف الشديد، تجد بعض الناس يذهب عليه دين وليس عنده راتب ولا عنده شيء، فيقول لفلان: جزاك الله خيراً أريد خمسة آلاف، ويأخذها ويعطيها الثاني، ثم إذا جاء الثاني يذهب يقترض من فلان وهو لا يريد تسديدها، فهنا لا يجوز إلا أن يبين واقعه وحاله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه)، وهذا واقع، تجد أن الرجل الذي يحتاط لأمره، ويفتش عن حاله، ويخاف من أموال الناس، يعينه ربي لتسديد دينه، ومن لا يبالي فإن الله لا يعينه، وهذا واقع ملموس ومشاهد محسوس.
يقول الحافظ ابن حجر : أدى الله عنه، بمعنى: أن ييسر الله له تسديد دينه في الدنيا، وأما في الآخرة فبأن يرضي الدائن بحسنات بسبب نية صاحبه، وهذا هو الظاهر والله أعلم.
وهذه وثائق بالحقوق الثابتة، فالرهن يصح بكل عين يصح بيعها، فتبقى أمانة عند المرتهن، لا يضمنها إلا إن تعدى أو فرط كسائر الأمانات].
قول المؤلف: (باب الرهن)، الرهن لغة: الحبس، كما قال سبحانه وتعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، يعني: محبوسة بعملها.
والرهن ثابت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة، كما قال تعالى: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، وقالت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين: ( اشترى النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً من يهودي ورهنه درعاً له من حديد ).
وقد أجمع العلماء على جواز الرهن كما نقل النووي و ابن قدامة رحمة الله تعالى على الجميع.
وأما الرهن في الاصطلاح: فإنه توثقة دين أو عين بعين أو دين أو منفعة.
صورة المسألة: توثقة دين، مثل: أن آخذ منك مائة ألف ريال، وأقول لك: خذ هذه الفلة، إذاً الفلة عين وهي الرهن.
وتوثقة دين بدين، مثل أن أقول: أعطني مائة ألف ريال ومالي الذي عند الشيخ عيسى رهن لك علي، فيأتي الدائن فيذهب إلى عيسى ويقول له: المال الذي عندك لعبد الله هو لي أعطني إياه.
أو منفعة مباحة، مثل: أن أكون مستأجراً وأقول: عقد الإجارة هذا لك، فهذه توثقة دين بمنفعة.
والرهن هل هو عقد لازم أم غير لازم؟
الجواب: عقد لازم على الراهن غير لازم على المرتهن.
واعلم أن الحق -الذي هو الرهن- يجوز أن يكون مع العقد أو بعد العقد بإجماع، يعني: أقول لك: أبيعك هذه السيارة بمائة مؤجلة بشرط أن تعطيني الرهن الفلاني، هذا مع العقد.
أو بعد العقد أقول لك: أعطني رهناً يا فلان! أخاف ألا توفيني، فقال: خذ هذه الفلة رهناً.
ويجوز أيضاً على الراجح أن أقول لك: خذ هذه الفلة رهناً، لكي تبيعني بعد يومين سيارتك للآجل، فهذا يسمى: رهناً قبل العقد، فكل ذلك جائز خلافاً للحنابلة في الصورة الأخيرة.
واستثنى العلماء صورتين في ما لا يجوز بيعه ويجوز رهنه. الثمرة قبل بدو صلاحها، فلا يجوز أن أبيعها لكن يجوز أن أرهنها؛ لأن البيع إنما منع خوفاً من العاهة التي تصيبها فيضيع مال المشتري، أما هنا فإنه لو حصل على الثمرة الهلاك فإن الحق ثابت بلا رهن، فالرهن إنما هو تأكيد لإرجاع حقه. وكذلك رهن الزرع قبل اشتداد حبه، والله أعلم.
قول المؤلف: (فتبقى أمانة عند المرتهن كسائر الأمانات)، يعني: أن المرتهن إذا قبض الرهن فما قبضه أمانة، فلو هلك من غير تعد ولا تفريط فإنه لا يضمن؛ لأن يده يد أمانة وليس يد ملك أو ضمان، إلا إذا تعدى أو فرط، فإذا فرط فإنه يكون قد تعدى، وقد قال الله تعالى: غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ [البقرة:173]، فإذا تعدى أو بغى فإنه يكون ضامناً، والله أعلم.
بمعنى: أنه لو قام المشتري -وهو الراهن- بتسديد وإيفاء بعض الحق، فإن الرهن قائم بيد المرتهن لا ينفك إلا بتسديد جميع الحق، سواء كان الرهن يتجزأ أو لا يتجزأ، فلو قال: خذ عشرة أبعر رهناً، فسدد ثلث الدين، هل يقول: أعطني من الرهن ثلثه؟
الجواب: لا، فإن الرهن قائم سواء أمكن تجزئته أم لم يمكن، كل ذلك لا ينفك الرهن من يد المرتهن.
إذا حل الأجل وطلب من الراهن -وهو المدين- أن يسدد فأبى، فإن صاحب الحق يذهب إلى القاضي، فلا يجوز أن يتصرف الراهن من عند نفسه، بل لا بد أن يذهب إلى القاضي، فيطلب القاضي من الراهن أن يسدد، فإن أبى جاز للحاكم أن يبيع ملك الراهن، وهذا من بيع المكره، إذا كان بحق، فيبيع الحاكم الرهن ثم يعطي المرتهن حقه والوفاء من ثمنه.
ولا يخلو قيمة الرهن من أن تكون أكثر من الدين، أو مثل الدين، أو أقل، فليس هناك قسمة عقلية غير هذا، فإن كان أكثر من الدين أعطى الحاكم الدين الذي للمرتهن والباقي وجب ردة إلى الراهن، وإن كان مثله أعطاه ولا رد للراهن، وإن كان أقل فإن الحاكم يعطيه المرتهن، والباقي يكون مطالباً به البائع مرسلاً بلا رهن، وهل يجوز للمرتهن أن يقول: لا، أعطني رهناً مثله؟ نقول: لا؛ لأنك رضيت بهذا الرهن فقط دون غيره، والله أعلم.
ولهذا قال المؤلف: (وإن بقي من الدين شيء يبقى ديناً مرسلاً بلا رهن)، ولا يقال أيضاً: إنه يبطل حق المرتهن؛ لأنه إنما جعل هذا الرهن لهذا الدين، نحن نقول: لا، إنما جعل هذا الرهن للإيفاء واستتام لأجل الدين، فإذا كان أكثر وجب رده إلى ربه، وإذا كان أقل وجب على ربه أن يعطيه الباقي، والله أعلم.
قول المؤلف: (وإن أتلف الرهن أحد فعليه ضمانه)، فلو كانت السيارة التي بحوزتي رهناً، فجاء شخص فدخل على بيتي وضرب هذه السيارة التي هي رهن عندي، فإنه يجب على الذي أوقع الحادث أن يدفع الأرش، والأرش يكون رهناً عندي؛ لأنه ربما تباع هذه السلعة وتكون أقل من الثمن، وكذلك لو أن الرجل له أمة أو عبد فجنى العبد فتكون جنايته وثمنه على نفسه، ولا يجوز للبائع أن يعتقه؛ لأنه مازال رهناً، على الصحيح.
قول المؤلف: (ونماؤه تبعاً له)، يعني: أن المرتهن يده على الرهن يد أمانة، فلو أن الرهن نما، كمن أخذ مزرعة وطلعت لها ثمرة، فهذه الثمرة لمن تكون للمرتهن أم تكون لربها؟
الجواب: تكون لربها؛ لأنه مالك لها، فمن ملك العين ملك نماءه، وقد جاء في ذلك حديث رواه أبو داود وهو مرسل ولا يصح مرفوعاً، رواه سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يغلق الرهن من صاحبه، له غنمه، وعليه غرمه )، يعني: لا يمنع الرهن من صاحبه إذا كان له نماء فإنه يعود إلى الراهن، ولكن إذا كان له نماء فالأصل أن يكون رهناً باقياً في يد المرتهن، إلا إذا كان يخشى منه الهلاك، فهل يرده إليه أم لا؟
الجواب: هي معاوضة إما أن يباع ويكون الثمن من ضمن الرهن، وإما أن يعطى الراهن، ولهذا قال: (ومؤنته على ربه)، يعني: إذا كانت العمارة التي أخذها عقاراً تحتاج إلى صيانة، فإن الصيانة على الراهن، لأن (الخراج بالضمان)، فكما أن نماءه له فإن خسارته عليه.
أما الصورة الأولى: إذن من المالك: وتكون بأن يأذن المالك للمشتري بأن ينتفع من الرهن، بأن يقول المرتهن: أنا أخذت الاستراحة رهناً، هل تأذن لي أن أجلس فيها؟ فيقول: نعم، ولا شك أن الإذن يختلف، والمؤلف لم يفصل هنا، فإذا كان الرهن لأجل قرض فلا يجوز أن ينتفع به المرتهن؛ لأنه يكون قرضاً جر نفعاً، فلو أعطيت أحدكم مائة ألف وأخذت لأجلها استراحة قرضاً، فلا يجوز لي أن أنتفع بهذه الاستراحة؛ لأنها تكون قرضاً جر نفعاً، وأما إذا كان الدين أصله ثمن مبيع، فيجوز الانتفاع من الرهن بإذن الراهن.
أما الصورة الثانية: الإذن من الشارع، فإن الحنابلة -وهو قول إسحاق- قالوا: إذا كان الرهن حيواناً مثل: الإبل، أو الغنم، أو البقر، أو الخيل فإنه يجوز أن يركب أو يحلب ويشرب لبنه، لنفقته التي أنفقها، فإذا كان يطعم هذه البهيمة فإن عوض هذا الإطعام شرب اللبن والركوب، فهذا يسميه العلماء إذناً شرعياً، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند البخاري : ( الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة )، يعني: إذا قال المرتهن: تعال يا الراهن! أنا الذي أنفق على بهيمتك.
إذاً: إذا كان الراهن هو الذي ينفق، فلبن المرهون وركوبه للراهن، وإذا كان المرتهن هو الذي يطعم وينفق فيجوز له أن يركب ويحلب ويشرب، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه )، نحن نقول: هذا في غير الرهن جمعاً بين الأحاديث، خلافاً لجمهور أهل العلم، والله أعلم.
وهو في الاصطلاح: التزام المرء ما وجب وما لم يجب على غيره من حق، إذاً يجوز للإنسان أن يضمن ما ثبت في حق الغير أو ما لم يثبت إذا كان سيثبت، أقول: أنا ضامن عن أحمد ما ثبت في ذمته.
إذاً هذا التزام مني ما وجب على أحمد، أو أقول: أنا ضامن لكل ما وجب على أحمد، إذاً يمكن ألا يجب على أحمد شيء فبمجرد أنه يجب يجوز.
والمؤلف لم يذكر في الضمان إلا قوله: (أن يضمن الحق عن الذي عليه) سواء كان الحق معلوماً أو مجهولاً إذا كان يئول إلى العلم، فأقول مثلاً: الشيخ عيسى تعامل مع عبد الرحمن، فأنا ضامن عن كل ما ثبت في حق عبد الرحمن، هذا مجهول أم معلوم؟ الجواب: مجهول، لكنه يئول إلى العلم، فهذا أيضاً جائز.
وأن يكون برضاه، أي: برضا الضامن، لكن لو أقول: إن عبد الرحمن ضامن ما ثبت في حق ذمة الشيخ عيسى، فهذا لا يصح؛ لأن عبد الرحمن لم يرض، لكنه لا يلزم رضا المضمون عنه وهو المدين، ولا يلزم رضا المضمون له وهو الدائن، فالعبرة برضا الضامن نفسه، ولرب الحق -أي: المضمون له- مطالبة من شاء، إما أن يطالب المضمون عنه وإما أن يطالب الضامن، هذا قول جمهور الفقهاء، وذهب مالك واختيار ابن سعدي إلى أنه ليس للمضمون له أن يطالب الضامن إلا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه، يقول: لأن الضامن فرع، والقاعدة أنه لا يصار إلى الفرع مع وجود الأصل، هذا قولهم.
والذي يظهر والله أعلم: أن الراجح قول جمهور الفقهاء؛ لأن الأصل أن الضمان: التزام ذمة مع ذمة، فكأن الضامن يقول: أنا ضامن لكل ما ثبت في ذمة المدين، فصارت ذمتي وذمته واحدة، فيكون مشتركاً، إلا أن يقول: أنا ضامن إذا تعذر، فحينئذ يصح بالتقييد، وأما من غير تقييد، فالقاعدة أنه له أن يطالب الضامن والمضمون عنه، والله أعلم.
قال المؤلف: [فكل منهما ضامن]، يعني: أن الكفيل إذا لم يحضر بدن المكفول فإنه يضمن ما ثبت في ذمة المكفول، وأما إن قدر أن يأتي ببدن المكفول فحينئذ ليس للمضمون له مطالبة الكفيل بعدما أحضر بدنه، وعلى هذا فكل منهما ضامن.
الأول: قال: (إلا إن قام بما التزم به)، يعني: إن قام المضمون عنه بما التزم به فإنه يسقط؛ لأن المقصود من ذلك تضمين أو توثيق الدين، فإذا قام به المضمون عنه سقط عن الضامن.
الثاني: قال: (أبرأه صاحب الحق)، أو قال المضمون له: يا ضامن! أنا أبرأتك لن أطالبك، فحينئذ يسقط الضمان في ذمته.
الثالث: برء الأصيل، بمعنى: أن المضمون له أبرأ الأصيل، فقال: أنا لن أطالبك يا عبد الرحمن! إذاً يسقط الضامن؛ لأنه إذا سقط الأصل سقط الفرع.
وقول المؤلف: (إن قام بما التزم)، يحتمل أن الذي قام به المضمون عنه ويحتمل أن الذي قام به الضامن، وهذا هو الأصل، إن قام به الضامن سقط؛ لأنه انتهى.
وتبقى مسألة لم يذكرها المؤلف، وهي: موت المضمون عنه، فهل إذا مات المضمون عنه سقط الضمان؟
الجواب: لا يسقط الضمان عن الضامن، ولكن في الكفالة يسقط؛ لأنه التزم بإحضار بدن المكفول، فإذا مات المكفول فقد سقط الحق الذي على الكفيل، والله أعلم.
لعلنا نقف عند هذا، والله أعلم.
الجواب: بمعنى: هل يجوز صندوق برتقال لبناني بصندوق برتقال من أفريقيا، أو صندوقين مؤجلاً أو متفاضلاً، الذي يظهر والله أعلم أنه يجوز، ومنع ذلك أبو العباس بن تيمية ؛ لأنه قال: إذا كان جنسهما واحداً فإنه لا يجوز فيه النسأ، والراجح والله أعلم أنه يجوز التفاضل ويجوز النسأ، وهو قول الشافعي و سعيد بن المسيب .
الجواب: إذا قلت: اقترضت منك بعيراً على أن أرد بعيرين فهذا اختلف العلماء فيه، والذي يظهر والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة )، وجاء عن علي رضي الله عنه أنه اشترى بعيراً بعشرة أبعر، فدل ذلك على جواز التفاضل، وذلك لأن علة الربا غير موجودة، إلا أن بعض أهل العلم قال: لا يصح أن يكون قرضاً؛ لأنه زيادة، ولو كان بلفظ البيع جاز، والذي يظهر والله أعلم، أن ذلك جائز إذا كان بلفظ البيع: أبيعك البعير بالبعيرين إلى أجل، لأن عبد الله بن عمرو بن العاص ( كان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة )، والحديث وإن كان في سنده ضعف إلا أن أكثر العلماء يجوزون مثل ذلك، لكن لا يكون بلفظ القرض. والله أعلم.
الجواب: من المعلوم أن اللبن يوزن، فلا بد أن يتساويا ويحرم النساء، فيجب التقابض والتماثل والله أعلم، ولا عبرة بالصنف، بل المقصود لبن بلبن سواء كان هذا لبن غنم وهذا لبن بعير، فلا بد فيه من التماثل ويحرم النسأ، وجنس اللبن واحد لكن اختلف النوع، والنوع لا يضر، فإن قلت: لبن بعير أو لبن شاة، فهو مثل: تمر سكري وتمر خلاص، فالجنس واحد والنوع مختلف.
الجواب: هذه من المسائل التي اختلف العلماء فيها، فـابن تيمية رحمه الله يقول: الصحيح أن الشرط إذا كان يخالف مقصود العقد بطل الشرط والعقد، وإذا كان الشرط يخالف مقتضى العقد فإن الشرط صحيح، ويقولون: إن مقتضى العقد أن البائع له حق التصرف بالثمن، وأن المشتري له حق التصرف بالمعقود عليه، فإذا منع المشتري من التصرف بالمعقود عليه صار الشرط فاسداً مفسداً للعقد، فمثلاً: لو قلت لعبد الرحمن: أبيعك سيارتي بشرط أنه لا يحق لك أن تبيعها إلا علي إذا أردت أن تبيع، فالأئمة الأربعة منعوه، و ابن تيمية جوزه، وهو قول عبد الله بن مسعود ، ويقول ابن تيمية : إن هذا لا يخالف مقصود العقد، فإن عبد الله له مقصود أن يبيع لعبد الرحمن ما لا يبعه على غيره، فإذا رضي أن يبيعه على عبد الرحمن فلا حق لعبد الرحمن أن يبيعه على الغير، فهذا يسميه العلماء: شرطاً مخالفاً لمقتضى العقد دون مقصوده، والقاعدة في هذا: أن مقتضيات العقد هو حسن جواز التصرف بما قبض، وأما مقصود العقد فإنه يخالف أصل العقد الذي نشأ، هذا هو الفرق بينهما، والله أعلم.
الجواب: أما الجمع بسبب الغيم فلا أعلم أن أحداً يقول بذلك؛ لأنه ليس ثمة ضرر، كذلك الجمع بسبب الظلام في الليل لا يجوز، أما الجمع إن كان بسبب الغبار الذي يشق على الناس مثل المطر أو أشد جاز؛ لأن العلماء اختلفوا هل العذر في الجمع محصور كما هو مذهب مالك و الشافعي و أحمد أم هو موصوف كما هو اختيار ابن تيمية وهو قول محمد بن سيرين و القفال و أبو علي بن أبي هريرة، والصحيح: أن العذر ليس محصوراً بل هو موصوف، فمتى وجد العذر الذي يشق معه عدم الجمع جاز، والمشقة هي مشقة غير معتادة، والله أعلم.
الجواب: ما هو القزع؟ هل القزع أن يخفف بعض الجانبين دون بعض؟ فهذا ليس قزعاً، خلاف ما يفهمه العامة، فالقزع: أن يحلق بعض الشعر ويترك بعضه، أما أن يخفف البعض مثل ما نسميه نحن: تواليت، فهذا ليس قزعاً، والقزع هو أن يحلق، فلا بد أن يكون بالحلق، أما بالمكينة فلا يسمى قزعاً، لكنه يمنع؛ لأجل التشبه بالكفرة، ولا يحرم لأجل أنه قزع، وعلى هذا فلا يحق له أن يمنعه من الأجرة، فإذا كان لا يريد، فقال له: لا تحلق لي تواليت، فحلقه تواليت، فهنا أخطأ فيعطيه بعض الأجرة، والله أعلم.
الجواب: التدليس بالقول: مثاله النجش، ومثاله: الإعلانات التي تكون الآن فهي من التدليس القولي، فهذا على أصل مالك و أحمد له الخيار، وعلى أصل الشافعي و أبي حنيفة ليس له الخيار، والله أعلم.
الجواب: الرجل الذي يرهن العمارة تكون الغلة من ضمن الرهن للمرتهن، ولكن لا يجوز للمرتهن أن ينتفع فيأكلها بل تكون أمانة، والله أعلم.
الجواب: الأرش: هو أن يقدر قيمة المعقود عليه سليماً، وقيمته معيباً، والنسبة بينهما تعطى إلى هذا المعقود، مثاله: لو أن عندي الآن سيارة قيمتها الحقيقية في الأسواق مائة ألف، لكن اشتريتها بمائة وعشرين، فحصل عليها عيب، نقول: قدرها سليمة. قال: مائة ألف، قدرها معيبة، قال: ثمانين ألف، إذاً العشرين هذه كم نسبتها من المائة؟ أنا اشتريتها بمائة، وعشرين ناقص، عشرين بالمائة الناتج: مائة وأربعة تقريباً. فلا ننظر إلى القيمة، وكثير من الناس حتى من بعض القضاة من يخطئ في هذه العملية.
ولنفرض أنه وقع حادث فيقول القاضي: بكم اشتريته؟ قال: بمائة ألف، يذهبون بقيمتها فيقدرونها بثمانين، يقول: أعطوه عشرين، فهذا خطأ، فنحن لا ننظر إلى القيمة وقت العقد؛ لأن القيمة وقت العقد يمكن أن تكون مثل قيمتها حقيقة أو أقل أو أكثر، فنحن نقدرها سليمة بقيمتها السوقية، ونقدرها معيبة بقيمتها السوقية، ثم ننظر النسبة بين سعرها معيبة وسعرها سليمة، والنسبة الحاصلة ينظر إلى الثمن الموجود في العقد، فيقدر بالنسبة، والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر