الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الشفعة: وهي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه ببيع ونحوه، وهي خاصة بالعقار الذي لم يقسم؛ لحديث جابر رضي الله عنه: ( قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة )، متفق عليه.
ولا يحل التحيل لإسقاطها، فإن تحيل لم تسقط؛ لحديث: ( إنما الأعمال بالنيات )].
الشفعة عرفها المؤلف كما سوف يأتي بيانها، وهي ثابتة بالسنة والإجماع.
أما السنة فلما رواه البخاري و مسلم من حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم، أو في كل مال لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة )، وقد نقل ابن قدامة الإجماع على ثبوتها فيما بيع من أرض أو دار أو حائط، وأما ما زاد على ذلك مثل ما ينقل من غير العقار فقد اختلف العلماء فيها. والله أعلم.
المؤلف رحمه الله عرفها بقوله: (هي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه ببيع ونحوه).
صورة المسألة: أنا ومحمد وعيسى في شركة أرض اشتريناها وهي مشاعة، ليست خاماً كما يعرفونها الناس، لي الثلث ولمحمد الثلث ولعيسى الثلث، لا يحق لواحد منا أن يبيع نصيبه لطرف رابع إلا بإذن من الشركاء الآخرين؛ لأن في ذلك ضرراً، أما إذا أخذت أنا بلك، ثم أخذ محمد بلك بجانبي، وعيسى بلك بجانبي، فهذه قد صرفت الطرق، فلا يحق لمحمد أن يعترض علي إذا بعته لطرف آخر بدعوى أني شريك، نقول: لا؛ لأن هذا قد صرفت الطرق ووقعت الحدود، إذا ثبت هذا فلو أراد أحد الشركاء أن يبيع لطرف رابع، الآن المؤلف يقول: (الشفعة هي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد) -الذي هو عثمان- (من انتقلت إليه ببيع ونحوه).
يعني: أنت يا محمد! وأنت يا عيسى! لكم الحق في أن تنتزعوا الأرض التي اشتراها عثمان من عبد الله، وإذا أخذها محمد وعيسى فإنه يحق أن يأخذوها بالسعر الذي اشتراها عثمان من عبد الله، وتكون بينهما بالسوية بالنصف، كما سوف يأتي بيانه، لكن المؤلف هنا عرفها أيضاً كتعريف الحنابلة فقال: (استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه)، هل هذه هي الشفعة؟ هل الشفعة هي وقوع الأخذ أم حقه في الأخذ؟
الجواب: هي وقوع الأخذ، يعني: يقال لمحمد وعيسى: لكم الحق أن تأخذوا الأرض التي باعها عبد الله لعثمان، هذه حقكم في الشفعة، ولهذا لو قيل في تعريفها: هي انتزاع الإنسان، يعني مباشرة لا باستحقاقه، انتزاع الشريك حصة شريكه التي باعها للغير بمثل ما باعها شريكه بالثمن. وهذا هو التعريف الأفضل.
والمؤلف يقول: (وهي خاصة في العقار الذي لم يقسم)، أفادنا المؤلف على أن الشفعة إنما هي في العقار، وليست في غيره، فلو اشتريت أنا ومحمد سيارة بيننا فهل السيارة عقار؟ ليست بعقار، فلمحمد أن يبيع نصيبه من السيارة بغير إذني لماذا؟ لأنها ليست بعقار، وذهب الحنابلة في رواية إلى أن الشفعة في كل شيء يحصل فيه الضرر؛ لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شيء )، وهذا القول قوي في الحقيقة.
وأما حديث جابر : ( فإذا صرفت الطرق )، فهذا إنما خرج مخرج الغالب والله أعلم.
الشرط الأول: أن تكون في العقار كما هو كلام المؤلف، فلو كانت في غير العقار فلا شفعة، والقول الثاني: أنها في كل ما يحصل فيه ضرر على الشريك؛ لحديث: ( قضى رسول الله بالشفعة في كل شيء ).
الشرط الثاني: أن يكون في شقص مشاع لم يقسم، مثال ذلك: عندنا أرض نصفها الشرقي لي، ونصفها الغربي لعثمان، هل فيها شفعة؟ لا، والسبب أنها قسمت.
الشرط الثالث: أن ينتقل هذا الشقص المشاع ببيع ومعاوضة، فإن انتقل بالإرث فليس للشريك حق الشفعة.
مثال: نحن ثلاثة شركاء مع علي، كل واحد له من الأرض ربع، مات علي فانتقل ملكه لورثته، فهل لمحمد وعبد الله وعيسى أن يطالبوا بالشفعة؟ لا؛ لأنها لم تنتقل بمعاوضة، فإن انتقلت بمعاوضة جاز ذلك.
الشرط الرابع: أن يقال للشريك أو الشركاء: يجب أن تأخذوا نصيب الشريك الذي باع حصته كاملاً.
مثال: لو كان عندنا أنا وعيسى ومحمد أرض أنا أملك النصف ومحمد يملك الربع وعيسى يملك الربع، فبعتها لعثمان بعشرة ملايين، فجاء محمد وعيسى وقالوا: نشفع، قال القاضي: لكم الشفعة، قال: باعها عبد الله بخمسة ملايين، وهي أرض قيمتها عشرة ملايين، النصف خمسة ملايين، فقال محمد: حسناً سأشتري، قال عيسى: والله لن أشتري، قال محمد: حسناً أنا سأشتري ربع نصيب عبد الله، نقول: لا يا محمد! إما أن تشتري نصيبي كاملاً أو تسقط شفعتك، ولو اجتمع الشركاء فأخذوا نصف نصيبي ليس لهم ذلك؛ لأنه قد علم أنهم لم يتضرروا بذلك.
الشرط الخامس: أن يأخذوه بمثل الثمن الذي باعه الشريك، فلو بعته بخمسة ملايين، فقال محمد: لا أنا سآخذه بمليونين فقط فهل له ذلك؟ لا؛ إلا بمثل الثمن الذي باعه.
من المعلوم أنه لا تقبل الشفعة إلا إذا كانت في معاوضة، فلو أراد عبد الله أن يبيع الأرض لعثمان ويخشى من تشفيع محمد وعيسى فقال عبد الله لعثمان: وهبتك أرضي وهذا رقم حسابي، فلا يصح هذا؛ لأن هذا نوع من التحيل فلا تسقط الشفعة، فلو علم محمد وعيسى بعد سنة أو أكثر جاز لهم حق الشفعة.
ومن التحيل أيضاً: أن يبيعها عبد الله بأغلى من سعر مثلها، يعني: مثلاً الآن نصيبي من الأرض النصف، وقيمتها في السوق بخمسة ملايين فقلت لعثمان: تعال نبرم اتفاقية بيني وبينك أني بعت عليك بعشرة؛ لأني أعرف أن محمداً ليس عنده عشرة ملايين وعيسى كذلك، فبعتها بعشرة ملايين ريال، مجرد ورقة، لكنه أعطاني خمسة ملايين، فهذا تحيل، فلو ثبت لهما بعد ذلك جاز لهما الشفعة. والله أعلم.
يقول: (فإن تحيل لم تسقط لحديث: ( إنما الأعمال بالنيات ) )، واعلم أنه إذا علم عبد الله أو علم محمد وعيسى بالبيع فلا بأس أن ينتظرا ولو قليلاً، أما ما جاء في بعض الروايات: ( أن الشفعة كحل العقال )، يعني: أنه يجب أن يبادر محمد وعيسى بالشفعة وإلا سقطت، فهذا الحديث حديث ضعيف في سنده رجل يقال له: محمد بن عبد الرحمن البيلماني وهو وأبوه مجهولان، يرويه أبوه عن ابن عمر والحديث ضعيف والله أعلم.
وعن ابن عمر قال: ( أصاب
وأفضله أنفعه للمسلمين. وينعقد بالقول الدال على الوقف.
ويرجع في مصارف الوقف وشروطه إلى شرط الواقف حيث وافق الشرع، ولا يباع إلا أن تتعطل منافعه فيباع، ويجعل في مثله أو بعض مثله].
يقول المؤلف: (باب الوقف)، وعرف الوقف بقوله: (هو تحبيس الأصل وتسبيل المنافع)، فأفادنا المؤلف أن الوقف لا يصح إلا أن تبقى عينه، وعلى هذا فلا يصح وقف النقود على تعريف المؤلف؛ لأن النقود لا ينتفع بها إلا باستهلاكها.
والقول الثاني في المسألة: أنه يمكن وقف النقود، وهذا لعله -والله أعلم- قوي، ونحن وإن لم نسم النقد نفسه وقفاً، ولكنا قلنا: وقف المنفعة التي يعتاض عنها، والله أعلم.
لكن غير النقود لا يصح إذا كان مما لا تبقى عينه، والله أعلم.
الثاني: أن يكون في عين ينتفع بها دائماً مع بقائها.
الثالث: أن يكون على وجه البر والمعروف، وعلى هذا فلا يصح وقف كتب الدعارة أو كتب السحر أو الكتب التي فيها شركيات؛ لأنها ليست على وجه البر، والمؤلف يقول: (وهو من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر، وسلم من الظلم)، فإن كان على جهة ليست جهة بر فهذا ليس فيه أجر، مثل: أن يجعل وقفاً للاعبي الكرة فهذا ليس بباطل، لكنه ليس في جهة بر، فهذا ليس فيه أجر.
قول المؤلف: (وسلم من الظلم)، يعني: مثل أن يوقف ويجعل غلة الوقف لبعض الورثة دون بعض، مثل أن يقول: أوقفت هذه الدار لأولادي الذكور، فهذا لا يجوز، ويقول بعضهم هداهم الله: لأولادي الذكور والبنات ما لم يتزوجن، وهذا ظلم؛ لأن البنت لو تزوجت فهي بنت أبيها، فهذا من الظلم، وبعضهم يقول: لأولادي دون نسائي، وهذا أيضاً من الظلم، وقف الجنف كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
والله إني أتعجب! أن بعض التجار لا يعطي أولاده من ماله، إما بناء على رؤية له، وإما أن يكون بخلاً، فإذا أراد أن يوصي أوصى بثلث ماله لأولاده، فنحن نقول: ما نفعت أولادك في حياتك ولم تبرهم بعد مماتك.
الأول: لأنك أوقفت الثلث، والباقي يكون قليلاً لا يشبع جائعاً ولا يغني مستعفاً.
الثاني: أنك بالغت في الوقف، فلو أوقفت الخمس لكان أفضل، كما فعل أبو بكر.
الثالث: وهذه مشكلة أيضاً، أنك أوقفتها لأولادك، وكثيرة هي الأوقاف التي تبقى بلا انتفاع؛ بسبب التناحر والتنازع والشحناء والإحن بين الورثة بسبب إدارة الوقف، فلو أنه أغناهم وأخرج الخمس أو أقل ووضعه في جمعية تحفيظ القرآن الكريم أو غيره مما لا يتولى الورثة هذا الأمر لكان أفضل.
والحمد لله أنها وجدت الآن هيئة مستقلة تماماً لإدارة الأوقاف بحيث لو أراد الإنسان أن يوقف فإنه يعطيها لإدارة الأوقاف، ويكتب وصيته فتقوم هي بتنفيذها، وهذا أفضل بكثير من أن يتولاها الأبناء ولا يحسنون التصرف فيها.
لكن بعض الناس عنده إشكال كبير فهو يخشى أنه إذا ذهبت إلى القضاء فإنها تؤخذ، وهذا كله ليس له أساس من الصحة، بل العكس إذا ذهبت إلى القضاء فإنها تبقى، لكن المشكلة أنها لا تستثمر، وهناك أموال كثيرة موجودة في بيت المال التي تصير عند القضاة، ولم تستثمر أموال الأوقاف كما ينبغي.
وقد ذكر المؤلف دليل الأفضلية وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه والشاهد منه أنه قال: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، قال: فتصدق بها
ما معنى (غير متمول مالاً)؟ يعني: أنه يجوز أن يأكل بقدر نفقته، فإن كان له عشرة أولاد هو يعولهم فإنه يعطى أجرة عشرة أولاد، خمسة عشر أو عشرين ألفاً، وإن كان عنده ولدان فإنه يعطى أجرة ولدين، خمسة آلاف، وعلى هذا فقس.
فلا يجوز له أن يبقي شيئاً من ماله ينتفع به؛ لأن هذا مخالف للشرط وهو التمول.
يقول المؤلف: (وأفضله أنفعه للمسلمين)، وكما قلت: إن بعض الأوقاف تكون أحياناً عالة على الورثة.
ولم يذكر المؤلف الوقف بالفعل، مثل أن يجعل ناحية أو زاوية من أرضه ويسورها ويبنيها على شكل مصلى ويضع الناس يصلون، فهل هذا يسمى وقفاً؟
جمهور الفقهاء قالوا: لا يسمى وقفاً؛ لأنه لا بد للوقف من القول، وذهب الشافعية و ابن تيمية إلى أنه يصح الوقف بالفعل، وهذا أظهر والله أعلم.
يعني: أننا ننظر إلى الواقف هل له شرط أم لا؟ يقول العلماء: شرط الواقف كشرط الشارع، ومعنى كشرط الشارع أي: أنها تمضى إذا وافقت الشرع كما تمضى شروط الشارع، أما إذا شرط الواقف شرطاً يخالف الشارع فلا يعد ولا يعتبر.
والله أعلم.
يعني: لو عندنا عمارة مؤجرة، وكانت تؤجر بمائة ألف وترك الناس الحي، فصارت الآن تؤجر بثلاثين ألفاً فهل تباع؟ يقول المؤلف: لا، لكن متى تباع؟ إذا تعطلت منافعها، إذا لم يمكن تأجيرها ألبتة فحينئذ تعطلت منافعها.
واستدل أحمد لذلك فقال: كالهدي إذا خشي عطبه -يعني: هلاكه- يباع أو يذبح ويعوض بدله. والله أعلم.
والمسألة الثانية: إذا لم تتعطل منافعه، ولكن في بيعه غبطة، ما معنى في بيعة غبطة؟
مثال: عمارة في مكان لا يمكن الانتفاع بها، إجارتها قليلة، لكن شخص يريد أن يشتريها ولا يريد أن يستأجرها، مع العلم أن قيمة شرائها يمكن أن توضع في مكان ويزيد الأجار فهنا تعطلت المنافع؟ لا، ولكن في بيعها غبطة، فذهب ابن تيمية رحمه الله إلى جواز بيع الوقف، وإن لم تتعطل منافعه إذا كان في بيعه غبطة، ولكننا نقول أيضاً: لا بد فيه من إذن القضاء؛ لأن القضاء الآن لا أحد يتصرف فيه إلا بالإذن.
وبذلك نكون قد انتهينا من باب الوقف، والله أعلم.
الجواب: ثبت في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر أن ( النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته أتى أهل البقيع فصلى عليهم صلاته على الميت )، معنى (صلاته على الميت) يعني: دعا لهم كدعائه في صلاة الميت.
وثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة ( أنها خرجت فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل مقبرة البقيع وهو يرفع يديه يدعو )، وعلى هذا فلا حرج والله أعلم.
ولكن قال العلماء: الأفضل إذا أراد الإنسان أن يدعو فإن يضع القبر خلفه، أما إذا كانت القبور كثيرة فهذا لا حرج ألا يستقبل القبر؛ لأنه لو لم يستقبل قبر من يدعو له فقد استقبل قبر الآخر. والله أعلم.
الجواب: هذا إذا كان قد فعل بالوضوء الأول عبادة مشروعة، فيستحب له ذلك، وهو يقول: يلزم، نحن نقول: يلزم وكل ما لزم لزم الأجر، يعني: مثل ما لو قلنا: هل ترون أن الشخص الذي يقرأ القرآن قال: بدل ما أقرأ سأذهب أصلي ركعتين هل له ذلك؟ قلنا: نعم، قال: يلزم ذلك أن يقول لك: هل له أن يصلي ركعتين أخريين؟ نقول: نعم، يلزم أن يزيد ويلزم الأجر، فكذلك الوضوء. والله أعلم.
فإن قيل: يحصل بذلك مشقة فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن أجرك على قدر نصبك)، المشقة بأجرها، الآن يجوز للإنسان أن يصلي من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى أذان الظهر؟ فيه مشقة ولا لا؟ نعم لكن بأجره.
الجواب: أولاً: أن تكون في عقار، على الخلاف.
الثاني: أن تكون في مال مشاع لم يقسم.
الثالث: أن تنتقل إلا المشتري ببيع أو معاوضة.
الرابع: أن يأخذه كله.
الخامس: أن يأخذه بثمنه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر