الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل. وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا ونسمع, وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
قال المؤلف رحمه الله: [ وعليه أن يعدل بين زوجاته ].
يعني: إذا كان الرجل عنده زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل, والعدل يكون في أمور:
الأمر الأول: في القسم: ومعنى القسم: أن يبيت عند هذه ليلة, وعند هذه ليلة, فلا يجوز له إذا كان عند الأولى أن يخرج فيأتي الثانية ويطـأها, ولا يجوز إذا كان عند الثانية أن يخرج إلى الأولى ويطأها, إلا إذا كان قد أخبرهن وقال: سوف أعدل بينكن, فإذا كان كذلك فلا حرج في ذلك, وإن كان الأولى ألا يفعل, والله أعلم.
الأمر الثاني: في النفقة، والنفقة غير العطية, فيعدل في نفقتهن, بمعنى: أنه يعطيها مثل ما يعطي الأولى والثانية.
وهل يفرق بين المرأة الكبيرة والمرأة الشابة؟ المرأة الكبيرة أحياناً لا تحتاج بعض الألبسة, بخلاف الشابة, فهل يعطي هذه بالمعروف على حسب ما يناسبها, وهذه بالمعروف على حسب ما يناسبها.
ذهب الحنابلة إلى هذا, واختار أبو العباس بن تيمية أنه يجب أن يعدل حتى في ذلك, فإذا كانت الكبيرة لا تلبس مثل ما تلبس الصغيرة, فيعطي الكبيرة القيمة؛ فمثلاً لو اشترى ثياباً للصغيرة بخمسة آلاف، فيجب أن يعطي الكبيرة خمسة آلاف؛ لأن هذه نفقة يجب أن يعدل.
الأمر الثالث: الكسوة, فيعطيها الكسوة, ومن المعلوم أن بعض كتب الفقهاء ذكرت: أن كسوة المرأة تكون في السنة مرتين, وهذا على حسب زمانهم, أما اليوم, فالمرأة تختلف الآن, فإذا أرادت أن تذهب إلى أهلها لها لبسة, وإذا كان هناك اجتماع في الاستراحات صار لها لبسة, فيجب عليه أن يعاملها بالمعروف, مثلما يلبس اليوم, فقد كان قديماً الرجل الثري يلبس في السنة ثوبين, واليوم الرجل الفقير عنده أثواب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أن تطعمها إذا طعمت, وأن تكسوها إذا اكتسيت ), يعني: مثلما تكسو نفسك, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
أحياناً تكون إحدى الزوجات أحسن عشرة من الأخرى, إذا صار عنده مناسبة, يجعل المناسبة مثلاً عند الزوجة الأولى؛ لأنها تحسن الطبخ, وكما تقول العامة: تبيض الوجه؛ لأن الثانية صغيرة متعلمة ولا زالت في الجامعة, ولا تحسن أن تطبخ, كثّر خيرها إذا أصلحت الشاي, فهل له أن يعطي الأولى؛ لأنها عاملته أكثر مما يعامل الثانية؟ ومثل ذلك: لو أن زوجته الأولى عندها أمه, وكانت زوجته تعاشر أمه ووالده بالحسنى, فهل له أن يعطيها أكثر مما يعطي الأولى؟
الأقرب والله أعلم: أن له أن يعطيها أكثر مما يعطي الأخرى؛ لأنها عاملته بشيء ليس واجباً عليها, فالولائم والمناسبات ليس واجباً عليها, خدمة والده ليست واجباً عليها, خدمة أمه ليس واجباً عليها, حسن استقبالها لأخواته ليس واجباً عليها, فإذا رأى زوجته على هذا المنوال, فأهداها قطعة أرض, أو أهداها طقم من الذهب؛ لأجل حسن تعاملها, فلا حرج في ذلك؛ لأنه لم يعطها لذاتها؛ ولكنه أعطاها لوصفها.
وقل مثل ذلك: إذا كانت إحدى الزوجات تقوم بتربية أولاده, وتعليمهم, وتقيمهم للصلوات, وتسعى لذهابهم إلى الحلقات, فهذه له أن يكافئها على هذا الأمر, وليس هذا واجباً في العدل؛ لأنه لم يعطها لذاتها؛ وإنما أعطاها لوصف آخر, والله تعالى أعلى وأعلم.
الصحيح أن الحديث لم يروه البخاري ولا مسلم , وإنما رواه الخمسة, أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه و الإمام أحمد رحمة الله تعالى على الجميع, وقد صححه ابن دقيق العيد و الحافظ ابن حجر , وتكلم فيه بعض الحفاظ ورأوا أن الصواب أنه يرويه أبو قلابة مرسلاً, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ومعنى الحديث: ( فمال إلى إحداهما ), يعني: مال إلى إحدى الزوجتين في العطية, وفي القسم, وفي النفقة, أما الوطء فإنه لا يجب العدل, وهذا قول عامة أهل العلم, كما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم هذا قسمي فيما أملك, فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ), ومن المعلوم أن الحب من الله سبحانه وتعالى, والرسول صلى الله عليه وسلم حينما تزوج سودة بنت زمعة , وكبر سنها, فزهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم, فلما رأت سودة عدم إقبال النبي صلى الله عليه وسلم لها -هذا نفور طبيعي- فقالت: ( يا رسول الله! اجعل يومي لـ
هذا هو قول عامة أهل العلم, يعني: أن الرجل إذا تزوج على امرأته نظر، فإن كانت الزوجة التي سوف يتزوجها ثيباً, فإنه يجب عليه وهو حق لها أن يقيم عندها ثلاث ليال, إلا إذا تنازلت؛ لأنه حق لها, ويجوز أن تسقطه.
وإذا كانت بكراً فإنه يجب أن يقيم عندها سبعاً, إلا إذا تنازلت, وبعض الناس يقيم عندها أكثر من ذلك, ولا يعوض, يعني: يتزوج على زوجته ويبقى عندها أسبوعاً, ثم بعد ذلك يسافر أسبوعاً أو أسبوعين, وهذا لا يجوز إلا بأمرين:
الأمر الأول: برضا الأولى.
الأمر الثاني: أنه إذا رجع عوض الأولى.
واعلم أن بعض الفقهاء يبالغ في مسألة العدل بين الزوجات مبالغة يصعب معها التطبيق, ومن المعلوم أن الشارع الحكيم حث على التعدد, وقد قال ابن عباس كما روى البخاري : تزوج, فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء, وقال صلى الله عليه وسلم: ( تزوجوا الولود الودود, فإني مكاثر بكم الأمم ).
وأنت إذا قرأت كتب بعض الفقهاء ربما بالغوا في مسألة العدل, والظاهر: أن من شدد في هذا لم يتزوج؛ لأن الذي ينبغي أن يعلم في هذا الأمر أنه يجب على الرجل إذا أراد أن يتزوج أن يعدل بالمعروف, ومعنى المعروف: هي الأشياء التي بينها الشارع, في القسم وفي الكسوة, وفي المبيت, ومعنى المبيت يعني: لا يذهب يبني لوحداة فلة, ويعطي واحدة شقة, إلا إذا تزوج الصغرى ووعدها مثل ما وعد الأولى, وإذا صنع للأولى شيئاً من المنزل, فيجب عليه العدل؛ لأن هذا مما تفتخر به النساء على غيرهن, فهذا هو الذي يثير الغضب, أما بعض القضايا البسيطة, فإن هذا لا بأس به, مثل أن يذهب في النهار ولا يبقى عند الأولى, أو لا يبقى عند الثانية, فهذا لا يجب في هذا الأمر, خلافاً لما تظنه كثير من النساء أو الرجال, والله أعلم.
والرسول صلى الله عليه وسلم قال لــأم سلمة عندما جلس عندها ثلاث ليال, فلما أراد أن يخرج أمسكت به فقال: ( إن شئتِ سبعت لك, وإن سبعت لك, سبعت لنسائي ), ما معنى: سبعت لنسائي؟ الذي يظهر والله أعلم: أنه إن أكمل سبعاً, فقد أقام عندها أربع ليال, زائدة على الواجب, وعلى هذا فإنه إن جلس عندها أربع ليال, فيجب أن يبقى عند نسائه أربع ليال, يعوضهن إما مباشرة, وإما على فترات والله أعلم.
الزوج إذا أراد أن يسافر, يجب عليه ألا يفاضل إحدى زوجتيه على الأخرى إلا بالقرعة, وليس في كل سفر يقرع بين نسائه؛ لأن المقصود أنه لو أقرع بين زوجتيه الأولى والثانية, فوقعت على الثانية, فإذا أراد أن يسافر مرة ثانية, لا يقصد بذلك أن يقرع بينهن؛ لأنها ربما تكون القرعة مع الثانية مرى أخرى, وهذا غلط في فهم القرعة, المقصود: أنه إذا أراد أن يسافر أقرع بين نسائه في أيتهن المقدم, وبعض العوام يظنون أن المقدم هي أم العيال, وليس بصحيح, المقدم هو القرعة, أم العيال أو الثانية أو الثالثة، فهن سواء في الحكم, نعم أم العيال تقدر في بعض القضايا والاجتماعات الأسرية, لكن الحقوق: فمقاطع الحقوق عند الشروط.
وعلى هذا فإذا أراد أن يسافر في العطلة فيقول: أقرع بينكن, أيتكن تسافر معي، فيقرع, فإن وقعت إلى الأولى, فالسفرة الثانية يسافر بالثانية, فإذا أراد أن يسافر مرة أخرى يقرع بينهن. ثانية:
ولو قالت الأولى: هذه سفرتي؛ لأني الأولى دوري, يقول: لا, الدور ينتهي باثنين, فإذا كن ثلاثاً ينتهي بثلاث, ثم يقرع بينهن, إلا إذا تراضت الزوجات في هذا الأمر, فرضيت هذه تسافر مرة, وهذه تسافر مرة فلا داعي للقرعة.
وبعض الزوجات اللاتي لهن أولاد إذا تزوج الزوج عليها, وتزوج أخرى ليس عندها أولاد ثم أراد أن يسافر معهن, تقول الزوجة الأولى: أريدك أن تسافر بي مرتين, مرة مع أولادي؛ لحق أولادي, ومرة لي وحدي, فهل هذا صحيح؟
أنا أُسأل عن ذلك كثيراً, فأقول: لا يجب أن يسافر بالأولى مرتين, بل يسافر معها مرة واحدة, وليعلم أن السفر يجب أن يكون بالعدل, فليس معنى ذلك أنه إذا أراد أن يسافر إلى دولة سياحية أخذ الثانية, وإذا أراد أن يذهب بالأولى ذهب بها إلى مكة والمدينة, لا, لا يسوغ له ذلك, إلا إذا رغبت إحدى الزوجات بذلك؛ لأن العدل مطلوب حتى في طريقة السفر, فيتكلف مع الأولى بالمعروف, ويتكلف مع الثانية بالمعروف, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الحالة الأولى: أن يكون ذلك بعد الدخول, فهذا جائز عند عامة أهل العلم؛ لما ثبت في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يطلق
الحالة الثانية: أن تسقط المرأة حقها وقت إبرام العقد, فتسقط المبيت أو تقسط النفقة, وتقول: متى ما رغبت تعال لي, أو تسقط النفقة, فما حكم ذلك؟
الجواب: هذا هو ما يسمى عند الناس اليوم: زواج المسيار, وتسميته: زواج المسيار مصطلح معاصر, ومعناه: أن الرجل يتزوج المرأة على أنها تسقط حقها الواجب لها من العدل في البيتوتة, أو النفقة, تقول: لا, اعدل وأنا عندي بيت, أو تقول: لا أريدك أن تعدل, ولا أريدك أن تنفق علي, لكن متى ما رغبت فتعال إلي, فهذا يسمى: زواج المسيار, والناس كرهوا المسميات, ودائماً الفقيه ينبغي أن ينظر إلى الحقائق ولا عبرة بالمسميات, وهذه المسألة وقع فيها خلاف عند أهل العلم, على قولين:
القول الأول: هو مذهب جمهور الفقهاء, من الحنفية والمالكية والشافعية و ابن حزم , أن اشتراط المرأة على زوجها أن لا بيتوتة ولا قسم ولا نفقة لها شرط باطل, وعلى هذا فلا يجوز زواج المسيار, ويجب على الزوج أن يعدل, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
واستدلوا على ذلك فقالوا: إن هذا شرط لا يقتضيه العقد ولا هو من مصلحته, وكل شرط ليس من مقتضى العقد ولا من مصلحته فهو شرط مخالف لكتاب الله, وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله, كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ).
القول الثاني: هو مذهب الحنابلة قالوا: إن الشرط باطل والعقد صحيح, ومعناه قالوا: يجب على الزوج أن يعدل, ويأثم في ذلك, فلو تزوجت المرأة زواجاً على أن لا نفقة لها ولا بيتوتة, فعلمت الخلاف وقالت: أنا حنبلية, يجب عليك أن تعدل, فحينئذ يجب عليه أن يعدل وإلا أثم, فإذا قال: أنا اشترطت عليك, نقول: على مذهب الحنابلة يجب أن تعدل أو تطلق.
القول الثالث: هو صحة الشرط والعقد, وهو رواية عند الإمام أحمد , اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله, وهو المفتى به في المجامع الفقهية, كالمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي؛ قالوا: لأن الأصل في عقد النكاح هو وجود الولي والشاهدين مع المهر, فمتى وجد هذا العقد فقد صح, وما تشترطه المرأة على زوجها من حقوقها فهو حق لها.
لكن أصحاب القول الثالث قالوا: لكنها لو رغبت بالعدل بين نسائه بعد العقد، فإنه يجب عليه أن يعدل أو يطلق؛ قالوا: لأن لها الحق أن تسقط ما مضى, وأما ما كان في المستقبل فهو حق لله تعالى, فهي تسقط الماضي, ولكن لا تسقط المستقبل.
وعلى هذا فإذا تزوج الرجل المرأة -مثل ما يسميه العامة: زواج مسيار- فالراجح جوازه, لكن إن رغبت المرأة بعد ذلك بالعدل فيجب عليه أن يعدل أو أن يطلق.
حينما نقول: إن الزواج صحيح, ليس معناه: أننا نحث الناس على أن يتزوجوا بهذه الطريقة, بل إن مثل هذه الطريقة ممقوتة, ولا أظن أن أحداً يرضى أن تتزوج بنته أو أخته بهذه الطريقة, والذي يقول: لا بأس قلنا له: لو تزوجت أختك بهذه الطريقة, هل يمكن أن ترضى ذلك سيجيب بالنفي، لكن هذا الزواج ينبغي أن يكون في حدود وظروف معينة؛ ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: زواج النهاريات والليليات ليس من الإسلام في شيء, يعني: ليس هو هدي الإسلام, فلا يسوغ أن يكون عقد النكاح بهذه الطريقة؛ لأن وجود الأسرة مقصد شرعي, لا يتأتى إلا بالجمع بين الزوجين.
إذاً: الخلاصة في المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الشرط والعقد باطل, وهو مذهب الجمهور.
القول الثاني: العقد صحيح, والشرط باطل وهو مذهب الحنابلة.
القول الثالث: الشرط صحيح والعقد صحيح, وهو رواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله, وهو المفتى به في المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي.
واليوم أصبحت الفتوى تهاب الإعلام أكثر هيبة من الرحيم الرحمن, فالعالم لا يجوز له أن يدسس أحكامه الفقهية, إذا جاء حكم شرعي فليقله, واليوم إذا سئل في حقوق المرأة قال: الأولى, الأولى! هم يطلبون منك الدليل, يطلبون منك الحكم الشرعي, فأنت توقع عن رب العالمين, بيّن الحكم الشرعي, لكن بينه بأسلوب يناسب الجميع, أما أن يتهرب العالم, خاصة الذي يتصدر الناس ببعض الأحكام الشرعية؛ خوفاً من فلان أو علان فلا ينبغي, فإن جوز لفلان وفلان لكن لا يكون ذلك على سبيل عامة الناس بحيث يخفى الحكم الشرعي على الناس, أما إذا كان الحكم الشرعي لا يخفى على الناس, والناس تسأل أحياناً تريد الإحراج, مثل الفتاوى البرامجية, يأتيك شخص يريد أن يسألك ليحرجك, فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يجيب على مثل هذه المسائل, إذا كان يقصد بها الإضرار بالآخرين, يعني: مرة يأتي أحدهم فيقول: يا شيخ! ما حكم ما يفعله بعض الناس, كذا وكذا؟ وهي عند زوجها، أو الزوج يقول هذا وهو عند زوجته، كأن الشريعة عقوبة, فالأحكام ليست عقوبة, ولكنها رحمة بالناس.
ولا ينبغي للمفتي أن يجعل الأحكام الشرعية عقوبة على الآخرين, فإذا أحس أنه يسأل لأجل أن يعاقب بها طرفاً آخر, فينبغي له ألا يجيب, كما كان أبو العباس بن تيمية رحمه الله يصنع.
إذاً: المرأة إذا تزوجت -على الراجح- وقد قالت: ليس لي بيتوتة ولا نفقة, وعقد على ذلك, ثم بعد شهر, قالت: أريد أن تعدل, فالزوج يجب عليه أن يعدل أو يطلق, ولا يقول: لا, أنا ما ظلمتك, و(المسلمون عند شروطهم), نقول: لا, (المسلمون عند شروطهم) في الأمور الماضية, يعني: لو أنها أرادت أن تعدل فلا تقول: أريد حقي الذي ذهب قبل شهر, نقول لها: لا, سقط حقك الماضي, والله أعلم.
قال المؤلف: [ وقد وهبت سودة بنت زمعة يومها لـعائشة , فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لـعائشة يومها ويوم سودة ، متفق عليه ].
يجوز للمرأة إذا أرادت أن تسقط حقها أن تقول: هو لك, تصرف به كما شئت, أو تقول: حتى لفلانة, فإذا قالت لزوجها: أريد يومي هذا لفلانة, فله أن يقبل وله أن يرفض والله أعلم, وعلى هذا فلو أن المرأة قالت: اجعل يومي للزوجة الثانية, وكان عنده أربع نساء, ولكن هو لا يريد, فأنا أقول: إن له أن يرفض, لكن لا يجوز له أن يجعله لمن يرغب من نسائه, إلا بموافقة الزوجة المسقطة, فإن لم يتراضيا ولم يتفقا, جاز له أن يترك الزوجة الثانية ولا يبيت عند أحد من نسائه؛ لأن كل واحدة لها حق والله أعلم.
النشوز في اللغة هو الارتفاع, ومعناه: امتناع الزوجة من أداء حق زوجها الذي وجب عليها, فلا تعاشره بالمعروف: إذا دعاها إلى فراشه تأبى, وإذا طلب منها غداءه وعشاءه تأبى, وإذا طلب منها ألا تخرج تأبى, فهذا كما قال الشعبي وغيره: إن المرأة إذا خرجت من غير إذن زوجها, فليس لها نفقة, وإن مكثت عشرين سنة, كما روى ذلك ابن أبي شيبة بسند جيد.
وقول المؤلف: (وإن خاف نشوز امرأته), يعني: فله ثلاث مراتب:
الأولى: أن يعظها؛ لقوله تعالى: فَعِظُوهُنَّ [النساء:34], ما معنى يعظها, يعني: يذكرها بالله, والموعظة ليس أن يرفع صوته عليها, وهذا يخطئ فيه كثير من الناس, بل يذكرها بالترغيب والترهيب, فيقول يا فلانة! حقي عظيم, أنت تبيتين والملائكة تلعنك, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لو كنت آمراً أحداً ) الحديث, فيذكرها بهدوء, لكن بعض الناس يعظها بأن يخرجها من بيته, وهذا لا يجوز؛ لأنه إذا كان لا يجوز أن تخرج المرأة بعد أن طلقها زوجها دل ذلك على أنه لا ينبغي أن تخرج المرأة إلا بإذن زوجها, مثل أن يقول: فلانة! اذهبي إلى بيت أهلك, لعل الأمور تعود, ولعل الحنين يرجع, فيعظها, فإن أبت وأصرت وقالت: لا, أنا لا أريد أن أفعل هذا, هجرها في المضجع, والهجر ليس هجر البيت, يعني: يترك البيت, لا, بل يهجر في البيت, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت ), رواه أبو داود بسند جيد, وأما أن يترك البيت فهذا لا يسوغ له ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ولا تهجر إلا في البيت ).
والهجر في المضجع له صورتان: إما أن يوليها ظهره في الفراش, وإما أن ينام في غرفة أخرى, كل ذلك نوع من الهجر, ولا يقتصر على ما ذكره بعض الفقهاء أن يوليها ظهره, لا, بل يوليها ظهره, أو ينام في غرفة أخرى ما دام الهجر في البيت, ومن المعلوم أن صنع ذلك بالمرأة يشق عليها, والله أعلم.
وقول المؤلف: (فإن لم ترتدع ضربها ضرباً غير مبرح), الضرب غير المبرح هو الذي لا يكسر سناً ولا عظماً, ولا يجوز أن يضرب على الوجه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ولا تضرب الوجه, فإن الله خلق آدم على صورته ), ونهى صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أن يضرب المجاهدون أعداءهم في الوجه, كل ذلك إكراماً للوجه, فما يحصل من ضرب الوجه باليد, فإن ذلك محرم, ولو أخطأ من أخطأ.
ولا يجوز أن يبدأ بالضرب أو الهجر قبل الوعظ, فبعض الناس يهجر والمرأة لا تدري السبب, جاء من الدوام ساكتاً، تناديه يا فلان! تريد غداء؟ وهو ساكت يا فلان! تريد قهوة؟ وهو ساكت, تسأله ماذا بك؟ وهو ساكت, وفي الليل لا يأتي إليها, ولما جاء الغد لم يكلمها ولا تدري ما السبب، ويهجر أكثر من ثلاث، فهذا آثم؛ لأن بعض النساء تقول: أنا لا أدري لماذا غضب؟ فبعض الرجال حساس جداً, فيريد من المرأة ألا تراجع في كل شيء, وليس هذا بصحيح؛ ولهذا جاء في الصحيحين: عن ابن عباس رضي الله عنه ( أن
والمقصود بالضرب الغير المبرح نوع من التوبيخ؛ ولهذا قال ابن عباس وغيره: بعود من الأراك, يعني: ليس المقصود الإيجاع والإيلام, ولكن المقصود هو نوع من التوبيخ, فلو أنه رفع يده عليها, هذا نوع من التوبيخ لأن مجرد رفع اليد يؤلم المرأة وأي إيلام.
لكن المشكلة أن بعض الأزواج يطالب امرأته بالمثالية, وهو ليس كذلك, وبعض الزوجات تطالب زوجها بالمثالية وهي ليست كذلك, إذا سمعت أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قالت: اللهم صل وسلم عليك يا رسول الله! أين الرجال اليوم؟ والرجل يقول للمرأة إذا سمع بعض الأحاديث: أين نساء اليوم؟ فلا نحن مثل رسول الله, ولا نساؤنا مثل أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم, بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
أقول: لا تخلو هذه الحالة من أمرين:
الأمر الأول: الوطء، فهذا ينبغي للمرأة أن تمكنه من نفسها؛ خوفاً من أن يقع في الحرام.
الأمر الثاني: غير الوطء, وهذا لها أن تتأبى إذا كان ذلك ينفعه ويرجع إلى إعطائها حقها.
وقول المؤلف: (ويمنع من ذلك إن كان مانعاً لحقها), يعني: بعض الرجال هداهم الله يمنع المرأة من حقها, فتقول: أعطني حقي, فيقول: لا, فتغضب عليه, فلها ذلك شريطة ألا تمانع الفراش, يعني: أن تبقى في فراشه ولا تهجره هي, وهو آثم منعها حقها؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل الخلع إذا كان لأجل أن تفتدي المرأة نفسها, فيمنعها حقها, فالله سبحانه وتعالى حكم بحرمة ذلك: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء:19].
يعني: إذا لم تصلح الأمور, أتي بحصيف فاهم من أولياء الزوج, وحصيف وفاهم من أولياء الزوجة, ويجتمعان, ثم هذا يكلم الزوجة وهذا يكلم الزوج حتى تصلح الأمور, فإذا رأوا أن المرأة ترى أن الزوج مقصر عليها في النفقة, وقالت: لن أرضى حتى يعطيني شيئاً من المال؛ لأني أعرف أنه سوف يعطيني اليوم وغداً لن يعطيني, فأريد عشرة آلاف, وأصبر نفسي إلى سنة, فرأى الحكمان هذا الأمر, فإنهما يقولان ذلك, ولا يجوز للحكم أن ينظر إلى مصلحة من ولي لأجله, سواء كان المرأة أو الرجل؛ لأن التصرف بالرعية منوط بالمصلحة, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
وإذا رأيا شيئاً من الأمور وجب على الزوج أن يقبل, ووجب على الزوجة أن تقبل, فإن لم يصلح هذا ولا ذاك فإن الطلاق هو سبيل من لا تصلح معه كل هذه الأمور. والله أعلم.
الخلع: هو مفارقة المرأة زوجها بعوض منها أو من غيرها, والخلع ثابت بالكتاب والسنة, وإجماع سلف هذه الأمة, ولم يخالف في ذلك إلا ما نقل عن بعض السلف, ولا يعول عليه كما ذكر ذلك ابن قدامة.
فأما الكتاب: فكما قال الله تعالى: إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229].
وأما السنة: فكما ثبت في الصحيح, أن امرأة ثابت بن قيس وهو من أهل الجنة, ومع ذلك حصل بينه وبين امرأته بعض الشيء ( فقالت: يا رسول الله!
والخلع فيه مسائل, ذكر المؤلف بعض المسائل, لكن لعلنا نذكر أهمها:
الأقرب -والله أعلم- وهو مذهب الحنابلة, أن الخلع حق للزوجة, ومعنى حق للزوجة يعني: لها أن تطلب ذلك وتفتدي من نفسها, ولو لم يرض الزوج بذلك, وليس المقصود بالحق أن لها أن تتقدم إلى القضاء, وإنما المقصود أن القاضي إذا رأى أن المرأة لا تستطيع أن تعاشر الزوج, أو أنها لا تستطيع أن تبقى معه, فإنه يطلبها أن ترد إليه مهره ويفارقها, ولا يلزم رضا الزوج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الزوج بأن يقبل أو لا يقبل.
القول الثاني في المسألة: هو مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والمالكية قالوا: إن الخلع حق للزوج, ويجوز للمرأة أن تطلب ذلك؛ قالوا: دليلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: ( اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ), قالوا: فلما كان الطلاق لابد أن يحصل في الخلع, وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند الدارقطني : ( إنما الطلاق لمن أخذ بالساق ), دل على أن الطلاق والخلع سواء, وهو حق للزوج, أليس الطلاق حق للزوج؟ فكذلك الخلع.
والراجح والله أعلم: هو مذهب الحنابلة, أن الخلع حق للمرأة؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاءت امرأة ثابت بن قيس وقالت: ( والله يا رسول الله! إني أكره الكفر بعد الإسلام ), لم ينظر إلى رأي ثابت , بل قال: ( أتردين حديقته؟ قالت: نعم, فقال: اقبل الحديقة ), وأما ما جاء في روايات: ( وطلقها تطليقة ), فإن البخاري رواها في صحيحه مرسلة, عن طريق خالد بن معدان عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فدل ذلك على أن الحديث والأمر بالطلاق حديث ضعيف, وهذا أظهر والله أعلم.
القول الأول: جمهور الفقهاء يرون أن الخلع طلاق, وعلى هذا فإذا خالع الرجل امرأته, فلابد فيه من أمرين:
الأمر الأول: أن يطلق.
الأمر الثاني: أن تعتد ثلاث حيض, أو ثلاثة قروء كما سيأتي الخلاف فيه.
القول الثاني: أن الخلع ليس بطلاق, ولكن إن كان بلفظ الطلاق صار طلاقاً, وإن كان بغير لفظ الطلاق صار خلعاً, وعليه فإن كان بلفظ الطلاق فلابد أن تعتد بثلاثة قروء, وإن كان بلفظ الخلع من غير لفظ الطلاق فإنها تعتد بحيضة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اعتدي بحيضة ).
القول الثالث: وهو قول ابن عباس ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله و ابن القيم وعليه الفتوى في زماننا, أن الخلع فسخ وليس طلاقاً, قالوا: لأن الخلع لو كان طلاقاً فإن الله قال: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229], ثم قال: إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], ثم قال سبحانه: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [البقرة:237], فدل ذلك على أن الخلع دخل بين طلقتين وطلقة, فلو كان الخلع طلاقاً لكان أربعاً.
وقال ابن عباس : كل مفارقة بمال فهي فسخ, وهذا قول سفيان الثوري , وهو الراجح والله أعلم, وسواء كان بلفظ الطلاق أم لم يكن بلفظ الطلاق, والأولى بالقاضي إذا خالعت المرأة زوجها, ألا يقول له: طلقها؛ لأن الحديث ضعيف، وألا يطالبه بأكثر من ذلك, واليوم عندنا العمل في المحاكم على مذهب الحنابلة, أن القاضي إذا رأى أن المرأة لا يمكن أن تبقى مع الزوج, فإنه يفسخ ولو لم يرض الزوج بذلك, لكن القضاة أحياناً من باب الاحتياط في الخلاف يطلبونه بأن يقبل, وهذا حسن, لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب الزوجة؛ لأن الزوجة أحياناً تتضرر, والزوج أحياناً يهددها بأولادها, فلابد في مثل هذه القضايا أن تحسم سريعاً, وأما أن تكون المرأة تذهب إلى المحاكم سنة أو سنتين, ولم يفصل فيها فهذا لا ينبغي، بل ينبغي أن يكون القاضي في مثل هذه القضايا حصيفاً, هادئ الطبع؛ لأنه ربما يقول: أنا أريد أن أبعدها؛ لأنه لو كان كلما جاءت امرأة خلعناها لما بقيت امرأة, نعم, نحن نقول: ينظر إلى القرائن وإلى واقع الحال, ويسمع من المرأة؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يؤدم بينهما.
الجواب: الخلع يصح في كل شيء, في كل ما هو مال, سواء كان معلوماً أو مجهولاً, وذهب أبو العباس بن تيمية إلى أن المرأة إذا خالعت زوجها على شيء فبان محرماً -يعني: لا يصح بيعه- فإن الخلع لم يثبت, فلو أنها قالت: أعطيك ما في هذه الجرة, فبانت خمراً, أو قالت: أعطيك هذه السيارة, فبان أنها لا تملكها, ورضي بذلك, فإن الصحيح وهو اختيار ابن تيمية أن الخلع لا يثبت, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ فإن كرهت المرأة خلق زوجها أو خلقه ].
يعني: كان سيئ العشرة, أو أنه دميم الخلقة, وخافت ألا تقيم حدود الله, وحقوقه الواجبة بإقامتها معه, فلا بأس أن تبذله عوضاً ليفارقها.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويصح في كل قليل وكثير ممن يصح طلاقه ].
إذاً: الخلع إنما يثبت ممن يصح طلاقه, فالصبي لا يصح طلاقه, فهل لوليه أن يخالعه؟ لا, ولو جن أو كان سكراناً وقت المخالعة فإنه لا يصح على الراجح.
واعلم أن الخلع لا يلزم فيه حكم القاضي, فلو قالت المرأة: أنت تريد أن تطلقني؟ لا تطلقني, خالعني, قال: لماذا؟ قالت: لأني لا أريد أن أعتد ثلاث حيض, فأنا أريد أن اعتد بحيضة, فله أن يخالعها في هذا الحالة، والله أعلم.
هذا الحديث رواه أبو داود و الترمذي و الإمام أحمد , وصححه ابن حبان , وقد جاء عند النسائي : ( المختلعات هن المنافقات ), ولا يجوز للمرأة أن تخالع زوجها مع أنه لم يقصر في حقها؛ لأجل أن تتزوج قريباً أو غير ذلك, فهذا من المحرمات، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الجواب: إذا طلبت المرأة الخلع قبل أن يدخل بها, بأن عقد عليها فقالت: طلقني, فقال: لا, فمن المعلوم أنه لو طلقها, فلها نصف المهر المسمى أو نصف مهر المثل, فإذا قالت: أعطيك المهر كاملاً فطلقني, فله ذلك على الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الجواب: نحن نقول: إن الخلع إنما هو فسخ, والفسخ لا يأخذ أحكام الطلاق؛ لأن الله يقول: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228], فالمطلقة نظر فيها إلى أمور: إلى استبراء الرحم, وإلى حق الزوج, فالمرأة أحياناً تطلب تقول للرجل: طلقني, طلقني, طلقني, وهي تريد أن تتزوج زوجاً آخر, فإذا علمت أن عدتها سوف تكون ثلاثة قروء, فإنها ربما تيأس من الزوج الذي تريد. وقيل: لأجل حرمة العقد؛ لأن الله يقول: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21], وهذا هو الأقرب.
وأما الخلع: فإنها تعتد بحيضة؛ لأن المقصود هو استبراء الرحم, فلو أن الرجل خالع الزوجة ثم راجعها, ثم خالع الزوجة ثم راجعها, عشر مرات لا بأس بذلك.
وقال ابن القيم رحمه الله: إن الرجل إذا خالع المرأة, فله أن يراجعها ما دامت في عدة الحيضة الواحدة, إذا رضيت بذلك, ولا يلزم عقداً جديداً, وذهب الجمهور إلى أنه بمجرد القبول في الخلع, فإنه إذا أراد أن يأتيها, فلابد لها من مهر وولي وشاهدين, وقول ابن القيم قوي؛ لأنه ما زال هذا في مجلس العقد, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الجواب: لو أن الرجل تأبى, وقال: لا أقبل حتى تعطيني أكثر من المهر, قالت: إنما أعطيتني لي أربعين ألفاً, قال: نعم, أنا أعطيتك أربعين ألفاً, وأثثت بيتي بعشرة آلاف, وشريت سيارة بخمسين ألفاً, وأنا راضي بأن تعطيني مائة ألف, فالراجح والله أعلم جواز أن تعطي المرأة زوجها أكثر من المهر؛ لقوله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229], وهذا إطلاق، فهو يدل على أن الأصل جواز أن تفتدي بكل شيء والله أعلم.
وأما ما جاء في رواية أنها قالت: ( أعطيه الحديقة وزيادة, قال: أما الزيادة فلا ), فهذا الحديث رواه ابن ماجه, والزيادة فيه ضعيفة ولا تصح, ولكن يكره للرجل أن يطالب بأكثر من ذلك؛ لأنه أفضى إليها وأفضت إليه, واستمتع بها واستمتعت به, فلا ينبغي له أن يصنع هذا, والله أعلم.
الجواب: إذا كان الزوج لم قصر بحقها ولا يريد, وقال: لعلي أن أمنعها, وأنا أريدها، ونفسه تتوق لها, فله أن يمتنع, فإن علم أنها لا تريده, وهي تكرهه مطلقاً, فلا ينبغي له أن يضرها؛ لأن ذلك من الإضرار والله أعلم, وهذا من العضل وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء:19].
والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر